آخر الاخبار

أول أيام عيد الفطر 2024.. تحديد يوم رؤية الهلال بالحسابات الفلكية اليابان تقر ثاني أكبر ميزانية لها والإنفاق على الدفاع أبرز المؤشرات الولايات المتحدة تعرض 10 ملايين دولار مكافأة مقابل معلومات عن القطة السوداء بعد التوترات في البحر الأحمر.. سفن حربية روسية تدخل على الخط معارك شرسة في غزة ليلاً... والضربات الإسرائيلية تسقط 66 قتيلاً بعد 6 مجازر خلال 24 الساعة الماضية .. غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة القصف الإسرائيلي رئيس مقاومة صنعاء الشيخ منصور الحنق يوجه مطالب عاجلة للمجلس الرئاسي بخصوص جرحى الجيش الوطني .. والمقاومة تكرم 500 جريح تفاصيل يوم دامي على الحوثيين في الضالع وجثث قتلاهم لاتزال مرمية.. مصادر تروي ما حدث في باب غلق بمنطقة العود اليمن تبتعث ثلاثة من الحفاظ لتمثيل اليمن في المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته بجيبوتي قصة موت جديدة تخرج من سجون الحوثيين.. مختطف في ذمار يموت تحت التعذيب ومنظمة حقوقية تنشر التفاصيل واحصائية صادمة

وحشة.......
بقلم/ عبد الرحمن عبد الخالق
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 26 يوماً
الأربعاء 31 مارس - آذار 2010 07:33 م

ضاقت بها الشقة, تنقلت بين حجراتها.. امتدت على السرير.. بارداً كان.. نقَّلت عينيها في أرجاء الغرفة.. بدا لها كل شيء غريباً.. فقدت جو الألفة مع كل ما حولها.. رمت بمجلة مصورة كانت بين يديها على الأرض.. كم هي الوحدة قاتلة!.. خرجت إلى شرفة الشقة.. الزقاق مشحون بالسكون, يتمدد باستسلام تحت عمود نور يتيم بضوئه الشاحب.. حدَّقت في اتجاه الشقق المواجهة لها.. الهدوء يضرب بمطرقته على رأسها.. أصاخت السَّمع, لم يكن هناك وراء الستائر البيضاء سوى الظلام.

قطع تأملها مواء قِطَّين.. مزَّق شرنقة السكون القاتل.. حرَّكت رأسها وعينيها.. ثبتتهما على صندوق القمامة في طرف الزقاق, ومن داخل الصندوق قفزا.. جريا.. لامس أحدهما الآخر.. واصلا الجري.. شيء من الدعابة في جريهما, ذلك لا يخفى على النظر.. توقفا تحت عمود النور.. مواؤهما لمن يتوقف.. عض القط الكبير الأصغر في رقبته.. تقلَّبا على الأرض.. قاما سريعاً.. خف مواؤهما.. تمدد الصوت.. صار مبحوحاً, تنهدت, التفت القط تجاه الشرفة, قرفصت قبل أن يراها.. تسارعت دقات قلبها.. رفعت رأسها بحذر.. سكن القطان وعاد الهدوء إلى منبته, وتوزعت الوحشة على الزقاق والشرفة.. خشيت أن يقطع القطان ممارسة طقسهما الجميل, برهة, عاد القطان للمواء.. انتصبت.. جَريا.. اختفيا تحت الشرفة, مدّت رقبتها, لم ترهما.. تنهدت. مواء القطين يزداد ومعه يزداد الشجى ودقات قلبها, يتناقص المواء تدريجياً.. ابتلعاه مع لعابهما, أعاد السكون سيطرته, وعادت هي إلى الغرفة, أطفأت النور.. تمددت على السرير وبدأت تموء.

ق.. ح

- مع قبلاتي الحارة.

رددها مرتين, وضعها في ميزان ذهنه كما يحب أن يردد دائماً.

حرك قلمه بطريقة استعراضيَّة وبنشوة.

(ق.. ح)

كتبها في ذيل رسالته, ضاغطاً على النقطة, مط شفتيه وقال:

- هذا أفضل.. معقولة, غامضة, مفهومة والأهم من ذلك أنها قابلة للتأويل.

صوب نظرة تجاه الزاوية العليا من ركن الغرفة.. التقطت عيناه سحلية تتحرك بتؤدة.

وضع القلم على الورقة.. بهدوء قام على أطراف أصابعه, التقط فردة حذاء.. ثوان والسحلية على الأرض وعليها الحذاء.

- قتلها حلال.

كررها:

- قتلها حلال (ق.. ح).. يا إلهي أي شؤم هذا.

شعر بالضيق, حرك رأسه يُمنة ويسرة, ليطرد العبارة من ذهنه.. جف ريقه.. اتجه نحو الثلاجة بحركة عصبيَّة.. وقال محدثاً نفسه:

- أرغب في قرطاس حليب.

بعد صمت, قال باستغراب:

- ماذا؟!.. قرطاس حليب.. (ق.. ح) أيضا!!

ازداد ضيقاً.. ألقى بنظرة إلى جوف الثلاجة.. ليس في أحشائها سوى وعاءً معدني يبتلع ما تبقى من غذاء الظهيرة وقارورتين من الماء.

عاد إلى مقعده.. قبل أن يضع فتحة قارورة الماء في فمه, أغمض عينيه.. ابتسم.. وقال:

- أجعلها- اللهم يا رب- قارورة حليب.

وبحركة سريعة أبعد القارورة عن فمه.. وضعها على الأرض.. وبمرارة قال:

- قارورة حليب.. (ق.. ح) أيضاً.

بضجر فتح التلفاز وصدم بالصوت:

- (هذا وقد ألقيت على المدينة عشرات القنابل الخارقة).

قالها المذيع رافعاً كلمة المدينة.

شتم المذيع بعصبية.

- عشرات القنابل الحارقة.

رددها بسخرية وهو يقفل التلفاز:

- قنابل حارقة.. (ق.. ح).

هجمت يداه على الرسالة.. مزقها بأسنانه ويديه.. نثرها قطعاً على المنضدة. خال مزق الرسالة تتحرك أمامه كذيل السحلية التي ودعت الحركة في ركن الغرفة قبل لحظات.

رمى برأسه على كفيه وفي بحر الشرود غاص.

أفاق على نداء صديقه من الشارع.

- قاسم حسن.. ها.. قاسم حسن.. أنا قاسم حسن.. (ق.. ح) أيضاً.

جال بنظرة على الطاولة, لم ير أمامه سوى ورقة ممزقة وقلم حبر نائم.

موسكو 1988م

*من مجموعته القصصية "طفل.. الليلة قبل الأخيرة".