حرب الشائعات
بقلم/ مصطفى أحمد النعمان
نشر منذ: 6 سنوات و 4 أشهر و 14 يوماً
الأحد 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2017 11:35 ص
  

لن أخوض هنا في قرار هيئة مكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية، فتلك قضية متروكة للجهات المعنية تتولى البت فيها بما لديها من قرائن وأدلة، ولكني سأعلق على ما كشفت عنه من سوء استخدام وإلى الكم الهائل من سيل التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي والصحف الأجنبية.

جرت خلال الفترة الماضية جلسات استماع في الكونغرس الأمريكي (لجنة العدل والاستخبارات في مجلس الشيوخ، ولجنة الاستخبارات في مجلس النواب) مع ثلاث من أكبر شبكات المعلومات في العالم، قوقل وتويتر وفيسبوك. كان التركيز منصبا على الموضوع الذي يشغل الدوائر الحاكمة في واشنطن، وهو استخدام روسيا لهذه المواقع بضخ معلومات أخذت طريقها إلى الملايين من المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي التي تمتلكها الشركات الثلاث الكبرى. لكن الجلسات فتحت نقاشا عاما في الإعلام الأمريكي تناول كيفية التحقق من المعلومات ومعرفة مصادرها وأساليب الكشف عن المستخدمين الذين أصبحت الأسماء المستعارة فيها أكثر من الحقيقية، ومرد ذلك أن الساحات المفتوحة أصبحت مجالا خصبا للتفسيرات التي لا تعتمد على وقائع مثبتة، بل عن «تنفيس» لرغبات ذاتية في نشر الأكاذيب لتشويه الأحداث بتعمد خال من المنطق وإفراط في الدفاع أو الهجوم على الشخصيات والمؤسسات وكثير من الدول، وطغى الاستخدام السيئ على الغرض الذي ربما كانت تتوخّاه الشركات الكبرى في بداية استيلائها على التكنولوجيا المسيطرة على الفضاء الافتراضي. قريبا سيصدر (قانون الإعلانات النزيهة) ستكون الشركات المسيطرة على هذه المواقع المتضخمة ملزمة بموجبه بالاحتفاظ في مخازنها الإلكترونية بالإعلانات السياسية المرتبطة بالمرشحين وبالقضايا المنشورة وستكون متاحة للعامة، وكذلك يستوجب عليها إظهار المبالغ المدفوعة والجمهور المستهدف، وستكون أي جهة تدفع مبلغا يزيد على ٥٠٠ دولار (نعم خمسمئة دولار فقط) معروفة المصدر والغاية.

المتابع العادي لاستخدامات المجتمعات العربية لوسائل التواصل يلاحظ دون تردد أنها أصبحت مساحة مفتوحة لنقل المعلومات المغلوطة بأسماء وهمية، ومن المثير للاستغراب أن معظم ما يمر في هذه القنوات يتم تداوله كأخبار موثقة تبنى عليها مواقف حاسمة دون بذل أي مجهود للتحقق من صدقيتها، والأكثر مدعاة للدهشة هو اعتماد ما يتوهمون أنفسهم «نخب» على هذه المصادر المشوهة للأجواء والتي تثير شكوكا حول كل ما يدور، ولابد أن كثيرين يصرخون بأن هذا أمر يدخل تحت بند الحريات العامة والشخصية وهو صحيح جزئيا، لكنه يتسبب في حدوث أزمات خانقة ويخلق حالة من الاضطرابات داخل المجتمعات، وقد رأينا الكم المهول من الاستخدامات التقنية غير المدققة التي يتداولها المستخدمون لإثبات وجهات نظرهم والدفاع عنها، ثم الانطلاق نحو تحليل الأحداث بناء على المعلومات التي لم يبذلوا جهدا لمعرفة حقيقتها، وينتشر الخبر ويصبح واقعا قد يستند إليه أصحاب القرار النهائي. لم تعد أجواء مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية في العالم العربي تتيح فرصة لتفكير هادئ متوازن، وبلغ الأمر حد أن المشترك يستطيع شراء أعداد من المتابعين ليرفع رصيده عند الجمهور، ثم تصبح القاعدة أن الأكثر شعبية هو صاحب الرأي السديد، ولربما انطبق الأمر على المجتمعات الغربية، لكن الفارق يكمن في أن وسائل التدقيق والتصحيح والمراجعة منتشرة هناك أيضا وبسهولة. وما ينطبق على مجتمع الإنترنت يمكن إسقاطه على محطات التلفزيون العربية التي أصبحت هي الأخرى مشاعا لتوتير الأجواء واستدعاء الأصوات الصاخبة وعدم الاعتذار للجمهور عن الأخبار غير الواقعية ولا المعقولة، وينطبق الأمر ويصير أكثر حدة وخطورة في ذلك العدد المذهل من المحطات التي تروج للمذاهب دون اعتبار أخلاقي ولا سند فقهي موثق مكتفية بلعن الآخر وتكفيره والسخرية منه، مشعلة نيران حروب اجتماعية ومنتجة لبراكين لن تهدأ.

إن من الطبيعي في ظل مناخات بدون رقيب ولا حساب انتشار الفوضى تحت مسمى «الحريات» ولكن خطر ما يدور سيكون مزيدا من الكوارث التي تبدأ من الكلمات لتنتهي بدماء ودمار، وأنا هنا لا أدعو لمنع التعبير عن الأفكار ولكن المجتمعات المتخلفة تعليما ووعيا تحتاج إلى ضبط إيقاعات انتشار الأكاذيب والشائعات.