أربع تدوينات
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 10 سنوات و 11 شهراً و 23 يوماً
الأربعاء 03 إبريل-نيسان 2013 07:19 م

(1)

مات عبد العظيم العمري. رجل طيب القلب، عميق الإيمان بما يعتقده. تنقل بين السعودية، الصين، ألمانيا لعلاج دائه. كان كل شيء قد تأخر. وعدته جامعة إيسن، غرب ألمانيا، بعلاج جديد. حتى ألمانيا لطالما فشلت أمام الأمراض الأكثر فتكاً.للتكنولوجيا الطبية حدود. تجربتنا اليومية تؤكد هذه الواقعية. التقيته قبل أشهر. استمر اللقاء حوالي ثمان ساعات. كان مثقفاً محيراً في سعة اطلاعه. تبادلنا قدراً كبيراً من الاحترام وفشلنا في أن نكون أصدقاء. فقد تجلى في سمت الإخواني النبيل الذي يفسر العالم عبر نظريات إخوانية شديدة الطيبة.

كان يكرر: أنا زيدي إخواني. يتحدث بتداع لافت عن تاريخ الزيدية في اليمن. التقيت مثقفين إصلاحيين كثيرين. كان عبد العظيم العمري الشخص الذي يصعب نسيان ملامحه عندما يتحدث في الشؤون المعرفية، بما فيها تلك التي لن تتفق معه فيها البتة. عاش في الظل، في حزب الإصلاح، حتى يوم رحيله.

سيحزن حزب الإصلاح كثيراً فخسارته ليست بالتي يمكن غض الطرف عنها. شخصياً أشعر بحزن عميق جداً.

لا تزال ملامحه تسيطر على ذاكرتي، كأني تركته البارحة.

فعندما التقيته في إيسن اتفقنا، دون أن نعبر، على أن لا نتحدث عن مرضه كثيراً. كطبيبين كنا ندرك جيداً أن كل شيء قد انتهى وبقيت فقط مساحة للأماني الطيبة ومديح الأصدقاء.

هكذا انحفرت كل جملة قالها في ذاكرتي. ثم سمحت لنفسي بخوض جدل مركب ضد ملاحظاته حول السياسة والتاريخ والثقافة. حتى أنسى أنه المريض الذي لن يفلت من ألمه.

أنا حزين.

لقد رحل عبد العظيم

وكان يتمنى لو أنه استطاع أن يعيش قليلاً.

مات شاباً مثل كل اليمنيين.

في اللحظة الأخيرة، وقبلهاً تقبل عبد العظيم كل الحقائق

بشجاعة أسطورية. كأن بابلو نيرودا كان ينشد له مع من كان ينشد لهم:

نحن فضة اﻷرض النقية

معدن اﻹنسان الحق

نجسد حراك البحر الدائب

و لحظة في الظﻼم ﻻ تسلبنا النظر

و دونما عذاب سنلقى حتفنا

ــ ـــ

(2)

في اليمن تعمل إلى حد بعيد مقولة : أهل الدين ﻻ يفهمونه جيداً، أهل المدنية يثرثرون عن أمور ﻻ يدركون أبعادها وفلسفتها. سنكتشف بعد سنين طويلة أن صنعاء، ربما، ﻻ تصلح ﻷن تكون نواة لدولة حديثة. وأن الحوار فضيلة حضارية، لكن حوار البدائيين ينتج تسويات بدائية. اليمن يقع على هاوية، نقول لأنفسنا، فلا بد أن نجري عملية حوار كثيفة واسعة لإبعاد اليمن عن الحافة. عملياً توجد طبقات كثيفة متشابكة ﻻ ترى مشكلة حقيقية في اليمن الراهن. فهو يمنحها امتيازات طبقية عالية على صعيد الهيمنة واختراق القوانين والتراكم الرأسمالي .دولة بالمقاييس الحديثة تعني نزع كل اﻻمتيازات عن هذه الطبقات. كأن الحوار متوقع منه أن يكون ثورة ثانية تسوي كل الهضاب بالأرض وتخلق أرضاً أكثر عدالة. أن ينتزع العدالة عن قوى استقرت، ونمت، في فراغ غياب العدالة، أن يجري هذا الانتزاع بالاتفاق معها. مثلاً: الحوثي ﻻ يحاول انتزاع سيادة الدولة بالمعنى الدقيق. هو في الأساس يريد إعادة توزيع السيادة / الهيمنة بالعدل والقسطاس. فهو عندما يتحرك إنما يتحرك فيما يعتقد أنه المجال الحيوي ﻵخرين وليس للدولة. دولة الكيلو متر مربع التي شكلتها الثورة في أكثر من مدينة ﻻ تزال طافية مثل بقعة زيت على خليج. كانت دولة الكيلو متر مربع قد نجحت في أيامها اﻷولى. نجحت في أن تبدو مقنعة وصديقة لبقية مستويات النظام الطبقي واﻷوليغارشي المخيف .سرعان ما تبين خطرها التاريخي على كل ذلك. فتلك الدولة، التي كانت مسودتها الأولى ما بعد حداثية، لن تكون أبداً صديقة للطبقية الراهنة. وها هي تخوض معها صراعاً جديداً أخذ هذه المرة شكل الحوار الوطني.

(3)

دون الشيخ عبد المجيد الهتاري الريمي على صفحته على الفي سبوك: أخي طالب العلم، أحمد الله تعالى على صدور كتابي، هذين. إذا أردت نسختك فما عليك إﻻ أن تأتي لمسجدي ﻷخذها . اللهم انفع بها اﻹسﻼم والمسلمين.. واجعلها ذخرا لي عندك يوم الدين.

الكتابان:

- تحذير البرية من مفاسد الديموقراطية

- كشف شبهات أهل الارتياب المجوزين لسلوك طريق الديموقراطية والأحزاب

(4)

كان عرب الجزيرة يعلنون كراهيتهم لجلال الدين الرومي لنفس الأسباب التي دفعتهم لتمجيد غوته.

فالأخير كتب كثيراً في تمجيد النبي محمد. غرق في الواقعية السحرية لألف ليلة وليلة. اقتبس من الأدب العربي حتى طرفة ابن العبد. فقد أعاد إنتاج الصورة الشعرية المعقدة لطرفة: على لاحب كأنه ظهر برجد.

الصورة التي يفشل ناقد عربي زائف مثل عبدالملك مرتاض، الذي ترجم مصطلح poetics بالشعرانية، في فهمها. كان جلال الدين الرومي قد مجد كل الأديان. تحدث عن جمالها وعناصرها الإنسانية. سجل في "المثنوي" إنسانية كل الأديان. لذلك يحقد عليه عرب الجزيرة. فمن شأن هذا المنطق أن يدفعهم لتخيل الجنة وقد امتلأت بالناس. هدا أمر، بالنسبة لعرب الصحراء، يصيب المرء بالهلع.