إجابات عن بعض تساؤلات أهلنا في المحافظات الجنوبية
همدان العليي
همدان العليي

مأرب برس - خاص

تنطوي و تخص هذه المقالةالشرفاء العقلانيين الذين يتمتعون بالموضوعية في استبصار الأمور و وزنها منطقياً ، المتحررين من عبودية البُعد الواحد في القياس ، المنفتحين لوعي العصر ، الذين يؤمنون بقدسية التراب و وحدته من أبناء جنوب الوطن الغالي ، البعيدين كل البعد عن أراجيف الأقوال – نعاق الانفصاليين -وقبح الأفعال التي لا تسمن و لا تغني من جوع وإنما تسد رمق المتربصين بهذا الوطن إقليمياً وعالمياً دون عناء ، و تلقى مُباركة شياطين الدم ! كيف لا و هي فقط تُحيي أهازيج الفتن المضمخة بدماء البسطاء و الأبرياء .

مؤخراً قد ضجت أصوات استفهامية سواء في شمال أو جنوب الوطن تبحث عن إجابة عن السؤال الذي يقول ( لمَ لا تصدر ردات فعل من أبناء المحافظات الشمالية إزاء ما يحدث من تدهور خطير في مستوى المعيشة و الفساد بشكل عام كما حصل في مظاهرات و احتجاجات أبناء المحافظات الجنوبية حالياً ؟ ).

قد سألت نفسي كثيراً هذا السؤال لحاجتي للإجابة عنه ، إضافةً إلى أني أريد وأد غايات و أساليب من يستثمرون عدم الإجابة على هذا السؤال لمآربهم الشخصية الرامية إلى تمزيق وطن !

في رأيي هذه بعض الإجابات التي قد تكون شافية لمن يؤمنون بالتاريخ والمنطق و معيار العقل الجماعي التراكمي :

1- كان للإرث الثقافي ( في الجانب الاقتصادي ) الذي ورثناه في شمال وجنوب اليمن عن الأنظمة السياسية السابقة – الأمامية و الاستعمارية و الاشتراكية – دوراً أساسياً في حالتي : شبه الصمت في شمال الوطن و الاحتقان في جنوب الوطن اليوم !! فلو رجعنا متأملين إلى أيام الإمامة في الشمال لوجدنا أن الشعب متمثلاً بالدولة في ظل ذلك الحكم المستبد كان يمر بأزمات اقتصادية حادة يتخللها مرافقات أي تدهور اقتصادي ( فقر – تخلف – مرض – فساد .. إلخ ) و لكن لم تكُ السلطة يوماً آن ذاك تمد يد العون للمواطن ! و إنما كان يجب على الشعب أن يعتمد على نفسه في البحث عن مصادر رزق يقتات منها الناس و الاعتماد على نفسها بشكلٍ عام وليس على السلطة ، و بالرغم أن السلطة ' المتوكلية ' هنا كانت مُخطئة آن ذاك لعدم خلق فرص العمل للناس و لكن نتجت عن هذه السلبية شبه ايجابية ! حيث اتجه الناس للبحث عن مصادر رزق أخرى جديدة و إضافية و ترسيخ أن الرزق على الخالق و ليس على المخلوق و مطبقين هذه الدعوة ( اللهم لا توكلنا إلى المتوكلين و إنما على الوكيل المتين ) !

بينما إن رجعنا قليلاً إلى فترة قريبة من تاريخ المحافظات الجنوبية و تحديداً فترة أيام الحزب الاشتراكي بالتحديد ، لوجدنا عكس الواقع في الشمال تماماً .. فقد كانت الدولة هي المسئولة عن إشباع حاجات و تلبية رغبات المواطن و إن سادت الدكتاتورية و شحت المؤن ! أيضاً لم تواجه السلطة مشكلة البطالة المطلقة إلا بشكل نادر لأن مؤسساتها أصلاً كانت تعج بالبطالة المقنعة كما تسمى في علم الاقتصاد ، فقد كانت المؤسسات تستوعب الشباب و هم لا ينتجون لعدم وجود أعمال شاغرة و إنما يتلقون مرتبات عن طريق المنح و المساعدات التي كان الاتحاد السوفيتي يجود بها حفاظاً على سلطته في المنطقة !

و لأن المعيار الزمني لا يُشير بالبعد كثيراً بين تلك المرحلة – الإمامة و الاشتراكية – و بين يومنا هذا ، لمسنا اليوم شبه الصمت في المحافظات الشمالية و بعض الاحتقانات في المحافظات الجنوبية ، و بالرغم أن الناس في الشمال مستاءون جداً من الوضع ككل و يعانون من ذلك .. لكن يقومون بالبحث عن مصادر رزق أخرى تشبع حاجياتهم غالباً بشكل إيجابي – حلال – و القلة من يمتهنون السلبية – الانحراف - و هذه فطرة أي مجتمع في البسيطة لا يجد الرغيف بكرامة ..

فلا زال الموروث النفسي الثقافي الاقتصادي – المكتسب عبر التراكم الزمني – المنبعث من التفكير الباطني الجماعي التقليدي غير المنظم في الشعب اليمني موجود ، فيقوم أبناء شمال الوطن تلقائياً و فطرياً على الاعتماد على النفس بعد الله وليس على ولي الأمر ، و في المقابل تلقائياً و فطرياً يقوم أبناء المحافظات الجنوبية على تنظيم الاحتجاجات و المظاهرات المطالبة بالحقوق بحكم خبرتهم النسبية في هذا المجال و التي اكتسبوها أيام الاستعمار و التي تحسب من محاسنه الغير مُباشرة عندما فرض نسبة لا بأس بها من الوعي بين الناس في أبناء جنوب الوطن .

2- شاع في المحافظات الشمالية أن ما يحدث اليوم في المحافظات الجنوبية من احتقان و امتعاض و مظاهرات مطالبة بحقوق ، ما هي إلا نعرات انفصالية ! يديرها و يدعمها أناس من الخارج و يثيرها البعض في الداخل ، راميين المساس بوحدة التراب .. و لأنه ليس خافياً على أحد ما حدث في صيف 94 حين كان المواطن في الشمال يمنع عن نفسه و أهله الرغيف و يرسله للجنود الذين يدافعون على الوحدة ليس تمسكاً بالثروات الموجودة في تلك المحفظات لأنهم لم يكونوا يعلموا بها أصلاً .. ليس غريباً اليوم أنهم سيصمتون على قسوة الوضع و الجوع لكي لا يتيحوا مجالاً للأيادي النجسة – المتاجرين بالأوطان - الوصول لأهدافهم و تمزيق اليمن .. فمن الطبيعي أن الاحتجاجات في الشمال ستصاحب كثيراً من الفوضى نتيجة لعدد السكان الهائل و بعض العوامل و هذا سيفتح مجالاً لتزعزع الأمن و إثارة الفتن و العواقب لا يعلمها إلا الله وحدة ..

 ( النضال السلمي الديمقراطي هو حل المعضلة في نظر المثقفين استناداً لهذه النقطة )

3- أحياناً في بعض التجمعات في الجنوب نسمع بعض الأصوات الجماعية المناهضة للوحدة ، في رأيي أن السبب هنا : هو أنه لا زال هناك أثر بسيط للاستعمار البريطاني البغيض للمحافظات الجنوبية قائماً بين الناس بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود للجلاء تقريباً ..! ففي الحقيقة و استناداً لدراسات في علم النفس ( سيكولوجية الإنسان المقهور ) قد لا يزال الناس في جنوب الوطن يعانون من ثقافة مكافحة الاستعمار خاصةً و نحن شعب قد نفهرس تحت فئة المجتمعات ( الفسيفسائية ) و التي تهتم فيها الجماعات بمصالحها فقط دون الاعتبار لمصلحة المجتمع و الوطن ككل كما جاء في كتاب ( المجتمع العربي في القرن العشرين ) للدكتور المصري ' حليم بركات ' ففي حالة عدم وجود هذا المستعمر لا تجد الطوائف أو الجماعات من تكافحه وتحاربه فتقتتل فيما بينها لأجل المصالح الذاتية لأنها قد تعودت الكفاح ضد خصم مُعين كما حدث في يناير 86 في جنوب اليمن و ما يحصل اليوم في فلسطين بين حماس و فتح لأن اليأس بدأ يستفحل في نفوسهم من كفاح المستعمر ( على الأقل من طرف واحد بخصوص فلسطين ) فانقلبوا على بعضهم ، كما أن ما يحدث اليوم في جنوب الوطن من احتقانات إنما هو شكل آخر لممارسة ثقافة مكافحة الاستعمار و في الأصل لا يوجد مستعمر ولكن يتم خلق عدو يُعرّف كمستعمر- يمني شمالي - و خائن - يمني جنوبي - و لو كان أخوك من لحمك ودمك و ابن نفس الدين و التراب ! و في رأيي أن تدهور المستوى المعيشي هو سبب الانصهار في بوتقة استدعاء ثقافة مكافحة الاستعمار و إثارتها من جديد بعد خمودها .

4- هناك من يعتقد أن وجود 90% من ثروات الجمهورية اليمنية تنجبها أو تضخها المحافظات الجنوبية ، و بالتالي يرونها ورقة يستطيعون الضغط بها على السلطة لتلبية حاجياتهم ! و قد تكون وجهة نظر صائبة أو ورقة ضغط رابحة في حالة أنها تستخدم لمصلحة البلاد ككل و ليس لفئات أو طوائف معينة لأنهم يخلقون العنصرية لا أكثر بهذا التخصيص و التحديد .

و الله ثم الوطن من وراء القصد ،

   Hamdan_alaly@hotmail.com


في الأحد 27 يناير-كانون الثاني 2008 02:40:03 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=3240