حوثي مران فشل في تشكيل حكومة وإحراق المؤتمر.. ويطمح لحكم اليمن
عبدالفتاح الحكيمي
عبدالفتاح الحكيمي
 

كان من المفترض على جماعة مسيطرة على الأرض بقوة السلاح والمليشيات حسم أمر سياسي وإداري بسيط مثل تشكيل حكومة تدير بقايا مؤسسات الدولة المنقلب عليها في صنعاء على وجه السرعة خلال أسبوع على الأكثر.

لكنه مرت قرابة ستة أشهر إلى اليوم على فشل قرار تكليف قاسم راجح غالب لبوزة بالتشكيل الوزاري الجديد بكل ما تكشفه من حقائق كارثية عن طبيعة خلل العقلية القيادية للجماعة المسلحة العنصرية التي تمادت في الإستيلاء على منظومة مؤسسات الدولة والحكم وتعطيل قدراتها ووظائفها الإدارية الحيوية دون أن يعني لها فشلها الذريع بتشكيل حكومة أي شيء.

ولا شعرت بالحرج والخجل من نفسها أمام المواطن والموظف والرأي العام في أبسط اختبار رفع له حملة مباخر الحكم العائلي لعبدالملك الحوثي الشعارات الطنانة ومهدوا له رسمياً لعدة شهور سابقة باسم التغيير الجذري, وحكومة الكفاءآت الوطنية, وعقدوا له الندوات والتجمعات وأهدروا من أجله عسرات ملايين الأموال التي زعموا حمايتها من الفساد !!.

 

ما يحدث في باب المندب وخليج عدن والبحرين الأحمر والعربي يكشف جزءاً بسيطاً فقط من حقيقة أزمة الصراع الداخلي العاصفة المستحكمة بجماعة الحوثي وتأثيرها المباشر على تجميد تشكيل حكومة بالهروب إلى المواجهة العسكرية البحرية للملمة هيبة فارغة وقبول مفقودين في الداخل, وأزمة ثقة بين مراكز القوى والتيارات المتطاحنة بصمت.

 

ألمذهل هو جماعة الحوثي العنصرية ليست معزولة عن الشارع والمواطن اليمني وحسب, بل وأكثر في عدم رضى ولا ثقة ذوي النفوذ ببعضهم وحالة التربص القابلة للإنفجار.

 

      * مؤامرة على المؤتمر *

 

أي شخص شبه عاقل ويحترم نفسه كان سيرفض ب(الإعتذار) عن تشكيل حكومة شكلية وصورية, وهذا ما فعله الدكتور قاسم لبوزة وغيره في الكواليس من الذين لم تعلن أسماؤهم خوف الشماتة.

 

وفطن لبوزة أيضاً إلى سؤ المقصد وخدعة استدراج الحوثيين له باسم الجنوب لضرب المؤتمر الشعبي العام وتفكيكه, باعتباره في موقع الأمين العام المساعد للتنظيم..

ولإن ذلك كان هدف مهدي المشاط و عبدالملك الأساسي تخلوا عن التشكيل الإنتقامي بسرعة باعتذار لبوزة الذي كان مجرد وسيلة وعصا فتنة داخلية لشق المؤتمر وليس لرغبتهم في إصلاح ما أفسدوه وخربوه.

 

ولن يقبل شخص شبه عاقل المنصب يدرك حجم نقمة الناس على عائلة الحوثي وعزلتها عن الشعب ليكون خاتماً بأصبعها لزيادة معاناة الناس وقمعهم رغم إغرءآت المنصب ومزاياه المالية ولقب رئيس حكومة.

ولن يقبل من يحترم ذاته كذلك الإرتهان الإداري لأوامر وتنطعات مكتب مهدي المشاط ولا مدير مكتبه أحمد حامد أو تطاولات جهاز المخابرات والأمن الخاص, ولا محمد علي الحوثي وعيال بدر الدين وأمير الدين وأحفادهم, والمتوكل وشرف وشمس الدين , خصوصاً عندما يكون رئيس وزراء بلا حماية نسب عنصري, جنوبي موالي لصعدة أو من جماعة السامعي المؤلفة قلوبهم, أو أهل الذمة المؤتمريين.

 

يعني رفض العرض لشخص مثل عبدالملك الحوثي عدم اعتراف الآخرين بشرعيته من قبل التكنوقراط وأصحاب تجربة المناصب الإدارية العليا ولو بذل لهم كل المغريات والرجاء.

 

وزاد الطين بلة صراع مراكز القوى العائلية والعنصرية على المناصب الوزارية الإيرادية والجبوية وتوابعها الإدارية والمالية ومحاولة فرض الإرادات لتعزيز هيمنة ونفوذ كل طرف بتقاسم ثروات ومداخيل ومقدرات الدولة خصوصاً مع تنامي وبروز تكتلات تجارية طفيلية جديدة مضاربة بالسوق من بين صفوف الجماعة.

 

    *لماذ رئيس حكومة جنوبي *

 

 تركيز عبدالملك على رئيس وزراء من الجنوب أو أصحاب تعز لقطع الطريق على منافسي العائلة من داخل سلالته والأفخاذ والأنساب ومراكز القوى الجديدة العسكرية المسنودة بقبيلة أو عصبية.

 

 لكن تجربة بن حبتور المريرة مع تطاولات مكتب مهدي المشاط وأجهزة عائلة التسلط الأخرى وغياب أدنى وظائف حكومة حقيقية قدمت الدرس للمحسوبين على الجنوب أو جماعة تعز التي احترقت أوراق مداهني الحوثي أو المتاجرين بدماء أبناء منطقتهم كسلطان السامعي الذي يمكن لعسكري صغير من صعدة وضعه مع عائلته تحت الإقامة الجبرية ومنعه من دخول صالة المطار أو إهانته في الجولات العامة كما حدث ذلك بالفعل وشكى من عيال صعدة بمرارة.

 

أرادت عصابة الحوثي بشعارات التغيير الجذري فقط امتصاص نقمة الشارع العام بما فيها المحسوبين عليها الذين كتبوا وتحدثوا بشفافية وفضحوا بحيثيات وأدلة دامغة فساد وزراء عبدالملك المستقوين بالإنتماء السلالي العنصري وغارقين أكثر من غيرهم بقضايا فساد مالي وإداري ونهب وسطو مكشوف يندى لها الجبين.

 

وبسببها زجوا بالأقلام الشريفة والإعلاميين والمغردين واليوتوبريين بالسجون وصادروا أدنى حق التعبير بالترهيب والتنكيل والقمع.

كانت شعارات التغيير الجذري وحكومة كفاءات وطنية وإصلاحات عميقة ومكافحة الفساد الطنانة إذن لا تعني أكثر من ضرب المؤتمر الشعبي العام والتخلص من بقايا شراكة وزرائه الرمزية للمداراة على فساد أهل بيت الحوثي المريع والفظيع وليس رغبة حقيقية في إصلاح اعوجاج وعوار حكومات عبدالملك والمشاط الفاشلة والكسيحة التي لن تقوم لها قائمة إلى يوم الدين ما دامت تتنفس برئة التخلف الذهني وتفكر بعقلية الغاب الهمجية.

 

     * أوهام حكم اليمن *

 

أراد عبدالملك الحوثي من التشكيل الحكومي الفضيحة تقسيم وتفتيت المؤتمر الشعبي العام فتحول إلى صراع داخلي بين مراكز قوى وأجنحة ومكونات صعدة وصنعاء وبني مطر وإب العنصرية نفسها.

وبقدر ما أعاد ذلك أيضاً إلى الأذهان وفاقم من أزمة الشرعية والعزلة الشعبية الداخلية لعبدالملك الحوثي حتى وسط جماعته والنخب السياسية المحيطة عبر فشله الذريع في مسألة روتينية مثل تشكيل الحكومة نتفاجأ قبل أمس بانتفاشة كبيرة لأبرز مفاوضيه عبدالملك العجري وهو يتوعد اليمنيين تحت تأثير العمليات الهمجية البربرية في باب المندب وخليج عدن والبحرين الأحمر والعربي برفض الحل السياسي الشامل أو تقاسم السلطة مع القوى اليمنية الأخرى وإن عبدالملك الحوثي(( سيظل القيادة العليا في اليمن, لإنه يستمد سلطته مباشرة من الشعب وبالتالي فهي غير قابلة للنقاش)).

 

وأضاف في حديثه المنتفش لمجلة أتلانتيك الأمريكية أنهم الآن هم الشرعية القائمة في اليمن وأن جماعته بعد مهازل البحر الأحمر: ستكون في وضع أقوى من حزب الله) (ونحظى بدعم شعبي كبير) (وهذا يشجعنا على التحدث نيابة عن اليمن) وأنهم (سعداء بوضعهم العالمي الجديد المرتبط بالتطورات في الأراضي الفلسطينية والبحر الأحمر).

 

أللهم لا شماتة فيما وصل إليه جنون جماعة سلالية عنصرية لم تتمكن من تشكيل حكومة عادية في مناطق سيطرتها منذ ستة أشهر على تكليف قاسم لبوزة, ولا تحظى بقبول وإجماع المحيطين وتعاني من صراعات وتصدعات تناحرية عميقة فيما بينها على وثروة والجاه والسلطة ثم يعرض عبدالملك الحوثي نفسه بعد كل هذه المصائب كحاكم دون منازع على اليمن.

تتكشف لنا من كل هذا استنتاجات كثيرة وخطيرة أهمها:

1- هو أن ما يعتبرونه دعمهم لغزة وفلسطين مجرد مغالطات فقط لإكمال السيطرة على اليمن وسلطتها وتمكين إيران من رقاب اليمنيين.

 

2- إعتبار عمليات القرصنة البحرية طويلة المدى للحوثيين المخرج المناسب للهروب من صراعاتهم الداخلية كما حدث من تطاحن كبير في صعدة مؤخراً وقبلها في صنعاء عمران والجوف وإب من معارك انتقامية بين آل بيت الحوثي وحلفائهم القبليين وبين باقي الأجنحة العنصرية المتنافسة على سلب وتنازع أراضي وأموال المواطنين والتجار والوجاهة والنفوذ. 

3 - يخطط الحوثة لاستمرار معركتهم العسكرية مع قوى الشرعية اليمنية لاستكمال السيطرة على الأرض والسلطة والثروة تحت أوهام أن الشعب اليمني كله سيقاتل في صفوفهم بعد قرصنتهم البحرية باسم إسناد مقاومة غزة.

4 - يستمر عبدالملك الحوثي وجماعته في الهروب من استحقاقات الحل الشامل والسلمي في اليمن إلى القوة العسكرية القهرية لفرض نفسه وعائلته حكاماً على اليمن بكل الوسائل غير المشروعة بحسب توجهات إيران الخاصة في المنطقة.

5- يكشف حديث عبدالملك العجري عقدة الجماعة الحقيقية من رفضها للحل السياسي السلمي وتناقضاتها في ادعاء حصولها على التأييد والدعم الشعبي الكبير وهروبها الموازي من صناديق الإقتراع لتحديد من يحكم اليمن وشعبها وفق دستور الدولة الإتحادية وليس بالرهان على فرقعات الصواريخ وترهيب الطائرات المسيرة والمدافع والألغام.

6- سبب استهداف الحوثيين للمؤتمر الشعبي العام هو القبول الجماهيري الكبير الذي لا يزال يحظى به التنظيم الوطني باعتباره أبرز المعارضين لحكم السلاليين في مناطق سيطرة جماعة صعدة, الأمر الذي يثير غيرة وغيض وحنق وكوامن عبدالملك الحوثي بإظهار المؤتمر حجمه الحقيقي.

7- سعي الحوثيين إلى إضعاف المعارضين المنافسين مثل المؤتمر الشعبي العام لن يمكنهم من تجاوز عقدة نقص الشرعية الشعبية ولا بناء كيان سياسي اجتماعي متوازن ومتماسك لمنافسة الآخرين كون أساس المرض ذاتي في تكوين رأس الجماعة العائلية نفسها ومكوناتها الطائفية العنصرية, ولجهة عزلتها الذهنية والعقلية عن العصر والتطور الأخلاقي البشري السوي واتكاء مشروع الحكم على الإستبداد والتسلط على البشر وانتهاك حرمة الدين والمذاهب والقناعات, وتغيير ثقافة ومناهج التعليم والتربية, وتسميم عقول الجيل القادم بأسوأ ما في التاريخ, والسطو على السلطة والثروة ومصادرة أبسط الحقوق الآدمية في العيش الكريم وحتى الخبز والماء بالقوة والغلبة وإذلال الناس وقمعهم بالترهيب والسجون والتعذيب.

 

وعندما تظهر حكومة قاسم لبوزة وشركاه سوف يتمكن عبدالملك الحوثي وزبانيته من تحقيق أمانيهم وأوهامهم بحكم اليمن وشعبها ولو بالبطش والتنكيل والقهر.


في الخميس 07 مارس - آذار 2024 05:25:22 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=46848