مأرب .. أرض مملكة (سبأ) وحاضرة أساطير بلاد اليمن السعيد

تستحضر تفاصيل تاريخ بائد مليء بالقصص والحكايات الأسطورية التي تدلل على عظمة الحواضر اليمنية القديمة، من الوهلة الأولى التي تطأ فيها قدماك حاضرة أرض مملكة سبأ والعاصمة التاريخية والحضارية لليمن ، كانت فيها مارب الموطن الرئيسي لازدهار حضارة إنسانية وارفه امتدت ظلالها حسب الشواهد والمراجع التاريخية من بلاد الأندلس غربا إلى تخوم اندونيسيا شرقا.تقطع مسافة 170 كم ناحية الشرق من العاصمة اليمنية صنعاء، لتصل إلى مارب عاصمة مملكة سبأ التاريخية الشهيرة التي ورد ذكرها في الكتب السماوية، وتمر عبر طريق إسفلتي طويل متمايل يخترق الجبال العملاقة والقرى المتناثرة حينا ، ويمخر عباب الرمال الصحراوية أحيانا أخرى ، لترسوا بك اجنحة الشوق وحب المعرفة والاطلاع وسط واحدة من أهم المدن التاريخية في العالم على الاطلاق ، باحتضانها لواحدة من اعرق الحضارات الانسانية القديمة التي ازدهرت في جنوب الجزيرةالعربية، وصارت المرتكز الأساسي للحضارات اليمنية المتعاقبة التي سادت علىمستوى منطقة جنوب الجزيرة العربية والبحر الأحمر وبعض مناطق القرن الأفريقي.في مارب شواهد أثرية وتاريخية لا حصر لها ولا تقدر بثمن ، ما يزال بعضها قائما حتى الان ، ورغم ان يد العبث قد طالت البعض الاخر ، إلا ان الجزء الاكبر الذي ما يزال مطمورا تحت الرمال ، ينبىء عن حضارة عريقة يمتد عمرها إلى البدايات الاولى للتاريخ الانساني، حيث عرف التاريخ الإنساني ازدهار ممالك وحواضر عرفت بقدرا عاليا من الإنجاز البشري الحضاري ،تأسس على يد أهل اليمن القديم في صورا وشواهد شتى عبر منظومة من المهن والحرف والإبداعات والمهارات والابتكارات والانجازات الحضارية المختلفة التي حولت الصحراء البوار إلى حواضر غنّاء عامرة.*سد مارباليوم تتجلى أبرز الشواهد في سد مارب العظيم الذي شكل على مدى عقود مضت حجر الزاوية والمحور الرئيسي في أزدهار هذه الحضارة ، فبعد مضي تسعة أسابيع من أعمال الترميم والحفريات الأثرية الهادفة إلى إعادة ترميم وتأهيل سد مارب للجذب السياحي ، جاء الإعلان عن نتائج إعمال الموسم الأثري المنتهي مؤخرا للفريق الأثري الألماني التابع لمعهد الآثارالألماني في بون والعامل في المصرف الشمالي لسد مأرب القديم ، ليكشف عن حقائق علمية هامة تعيد مراحل بناء المصرف الشمالي إلى منتصف القرن الخامس الميلادي ، وهي الفترة التي كان قد بني فيها سد قديم على أساسات صخرية .وتكشف هذه النتائج عن الدور الريادي لهذه المنشأة المائية الأضخم في العالم القديم، والتي يوجد بجوارها سد أقدم من السدين السابقين مايزال مطمورا تحت الرمال ويعود عمره إلى القرن السادس ق.م .وتبين الاستنتاجات الاهمية التي لعبها السد في الحفاظ على تماسك تلك الحواضر وقيامها لعدة قرون..يقول الدكتور بوكارت فوكت مدير مشروع اعادة ترميم وتأهيل سد مارب القديم: سد مارب من اعظم المنشآت الاثرية والتاريخية في العالم حيث لايوجد معلمبهذا الحجم والقدر من الاهمية، يتم دراسته من قبل المعهد الالماني للاثارمنذ نحو25 عام ، وأصبح لدينا فكرة واضحة تقريبا عن شكل السد القديم وطريقةعمله ودورة في الحفاظ على تماسك وبناء الحواضر اليمنية القديمة التي شيدتفي هذا الجزء من الارض ".وبخلاف عمر منشأة السد القائمة حاليا والعائدة إلى 548م ، فان عمل البعثةالالمانية القائم وفق معايير اليونسكو المعمول بها في ترميم المعالم الاثرية والتي لا تتركز على ترميم واعادة تأهيل هذه المنشأة التاريخية لتكون مصدر جذب سياحي فحسب ، فقد تم التوصل إلى وجود سد تحت السد القائم حاليا يعودعمرها إلى456م .وأبرز ما تؤكده النتائج هو أن السد حافظ على بقاء واستمرار كافة مظاهر الحياةالمختلفة في هذه المنطقة لعقود طويلة جدا وكان المحور الرئيسي لما لعبته ممالك بلاد اليمن التي شكلت ما يشبه المركز التجاري والتسويقي الأكثر حراكا في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا الالف الاول قبل ميلاد المسيح وإلى البدايات الأولى لما بعد الميلاد وحالة التصدع ، وزحف الكثير من الجحافل البشيريةلتعمير حواضر في انحاء اخرى متفرقة من شبة الجزيرة والشرق الاوسط.ويقول بوكارت :" السد يعد أحد اهم المنشأت المائية في العالم ، وكان يمثل المخزون المائي لمدينة مأرب القديمة بما يمثله منقنوات ري حديثة تعكس المهارة والتقنية المبكرة جدا التي عرفها اليمنيين في تشييد السدود وبناء الحواجز المائية الضخمة ". فيما تشير الكثير من الشواهد والنقوش إلى النظام الزراعي الراقي الذي اتبعته الممالك اليمنية القديمة التي استوطنت مدينة مأرب ، بالاضافة إلى طبيعة ونوعية المنتجات الزراعية التي كانت تنتجها تلك الاقوام ومدى الاعتمادعليها اعتمادا مباشرا في دعم اقتصادياتها وتحقيق الاكتفاء الذاتي الزراعيمن خلالها لمنطقة اليمن وشبه الجزيرة العربية . *تقنية مبكرةلا يستوقف سد مارب الزائر له ، بعظمة حجمه كأول شاهدا واحد اهم الانجازات البشيرية في تاريخ المنطقة والانسانية ، احتضنتها مدينة هي اليوم تمثل واحدة من اهم المزارات السياحية والانسانية في العالم ، حيث كان فيها الانسان وإبداعاته وما خلفه من ثروة تراثية وحضارية زاخرة وما زال عامل جذب رئيسي اليها، بل أن ماضية يشدك إلى عظمة التقنية والفن المعماري الذي عرفته المجتمعات البائدة قبل قرون خلت ، وعظمة ما سطرته من ملاحم وشيدته من معالم أثرية وتاريخية، مثل سد مارب خير شاهدا على عظمتها.يرى الدارسون لتاريخ اليمن القدم أن اليمنيين القدماء بدأوا باستصلاح الاراضي بوادي أذنه في مارب استصلاحا بسيطا وبدائيا بعد أن تغمر بالسيل الذييفيض في الوادي خلال موسم الامطال وكانت البداية في حوالي الالف الثالث قبلالميلاد.وكمرحلة ثانية ، شيدوا انماطا جديدة من سبل الري المختلفة استفادوافيها من سيول وادي أذنة في الالف الثاني قبل الميلاد ومن ذلك اقامة الحواجزالترابية والحجرية على نحو ما هو معروف ويزاول حتى اليوم في مارب وغيرهامن وديان اليمن .غير أن ضغط الحاجة والتحديات المناخية والتضاريسية دعا للتفكير فيابتكار اساليب وادوات ري جديدة ودقيقة تمكن من السيطرة على تلك السيول والاستفادةمن مياهها الغزيرة والمحافظة عليها لتأمين سير النشاط الزراعي فترات طويلةجدا ، ومقارنة بمواسم الامطار القصيرة اهتدى اليمنون إلى تشييد سد كبير يكون قادر على احتواء السيول الجارفة وتحويل مياهه في نفس الوقت بسهولة ويسر إلىمصرفين رئيسيين ومنهما مقاسم توزيع وتصريف المياة بكفاءة إلى قنوات فرعيةومنها إلى الحقول المزروعة .وكان سد مارب العظيم هو هذه المنشأة المائية العملاقة ذات البناء المعماري الفريد والقادرة على تحويل مياة السيول وحفظها عبر شبكات وقنوات توزيع تعتمد على نظام تقني وفني محكم وملائم ، والذي تشير الابحاث والاكتشافات الاثرية الجديدة ان السد العظيم بشكلة الراقي وبمرافقة الواسعة من مصارف وقنوات ومجاري تصريف كان موجودا قبل مطلع الالف الاول قبل الميلاد على اقل تقدير.ويتبين للدارس للاكتشافات الأثرية المستجدة في اليمن الدرجة المتقدمة للحالة الحضرية التي كانت تعيشها تلك الممالك في ذلك الزمن البعيد، وأبرزها ما عثرت عليه مؤخرا البعثة الامريكية من نماذج أولية لمحركات هيدروليكية تعمل على طاقة المياه استخدمت في استصلاح الأراضي القابلة للزراعة، وكذا السدود المنيعة بتشكيلها المعماري الفريد في عصره، وفي مقدمتها سد مأرب.يقول الدكتور يوسف محمد عبد الله عالم الآثار المتخصص في تاريخ اليمن والجزيرة العربية القديم :"أن المرحلة الأولى لبناء السد تعود إلى الإلف الأول قبل الميلاد ، وهناك ما يشير إلى أن أول بناء للسدود يعود للألف الثالث قبل الميلاد، وما نراه اليوم جاء نتيجة خبرة وتراكم معرفي وكان اليمنيون في كل مرة يصبون خبرتهم وتجاربهم في هذا السد ويعملون على تطويره وتوسعته ويتعاملون مع الماء بكفاءة عالية حتى وصلوا إلى التقنية التي يظهر عليها السد اليوم".وقد بينت دراسات معهد الآثار الألماني والذي عمل لسنوات طويلة في منطقة مارب أن السد بشكله الهندسي الراقي الحالي يعتبر أفضل تجربة إنسانية راقية في تقنية الري عرفتها الإنسانية في العصور القديمة .وعلى عكس ما استخدمه الناس قديما في وادي النيل أو في بلاد الرافدين على سبيل المثال ، حيث لم تكن هناك الحاجة لسدود تحويلية على ضفاف الأنهر الجارية طيلة العام ، بشق الترع للاستفادة من المياه، فقد احتاج أهل اليمن وخاصة سكان مارب ممن يعيشون على ضاف أودية جافة لا تسيل فيها المياه إلا في مواسم معدودة ولفترات قصيرة جدا إلى استخدم السدود للاستفادة من المياه الموسمية في ري الأراضي والمحافظة على الاستقرار والاستمرار والبقاء فكان سد مأرباحد أهم أسرار العبقرية لدى اليمنيين وأبرز شاهد على عظمة الحضارية البشرية.*دمارتزور سد مأرب القديم اليوم ، ليشي لك وضعه الحالي بما لحق به خراب بفعل عوامل الزمن وايادي العبث ، ففي منطقة ( ع ر م ) التي ورد ذكرها في النقوش ، وإلى الغرب من مدينة مارب القديمة ، يقع السد القديم على بعد حوالي 8 كيلومترات ، وكانت تصب في هذا السد الذي لم يبق منه الان سوى بعض معالم لجداره ، معظم أودية الشرق , ويطلق عليهاـ حالياً ـ اسم رملة السبعتين. وقد تعرض هذا السد للتدمير عدة مرات بسبب تراكم الترسبات الطمثية في حوضه، وذكرت النقوش أربع منها ، الأولى في عهد الملك " ذمار علي ذرح بن كرب إلوتر " الذي حكم في الربع الأخير من القرن الأول الميلادي ، والمرة الثانية في عهد " شرحب إل يعفر بن إلي كرب أسعد " الذي حكم في منتصف القرن الخامس الميلادي ، والمرة الثالثة والرابعة كانت في عهد إبرهة الحبشي في سنة ( 552ميلادية ).ورغم ما يمثله السد اليوم بالنسبة لليمنيين كواحد من اعظم المعالم الاثرية اليمنية وايه كبرى في تاريخ الجزيرة العربية في اشاره إلى النص القرآني الكريم الذي خلد عظمة هذا المعلم الاسطوري بقوله تعالى :" لقد كان لسبأ فيمسكنهم آيه جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلده طيبة ورب غفور".. فأن من المفارقات الغريبة هو أن بقاياه ما تزال للعبث والسطو والتخريب حسب الفريق الاثري الالماني العامل في موقع السد والذي يطالب بتأمين الحماية الامنية الكاملة للسد ومحيطة .ومع أن التثبيت الاخير للمصرف الشمالي من سد مارب العظيم على يد البعثةالاثرية الالمانية قد انتهى في مطلع 2006م الجاري ، إلا ان رئيس الفريق الدكتورفوكت يؤكد انه ما يزال هناك المزيد من اعمال الترميم التي تنتظر الفريق خلال المواسم القادمة بمنشأة سد مارب القديم ، وأن كانت هذه الاعمال لا تتطلع إلى ما هو أكثر من فتحه امام السياح .وفي محاولة ناجحة تتعدى ذلك إلى أعادته كسابق عهده استطاع اليمنيون بالتعاون مع دولة الامارات العربية المتحدة ، وبدعم من المغفور له باذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان وعزيمة واصرار فخامة الاخ الرئيس على عبد الله صالح رئيس الجمهورية استطاع اليمنيون اعادة مجد سد مارب في عام 1986م من خلال بناء سد مارب الجديد ، الذي ما تزال الاعمال فيه ضمن المرحلة الثانية من قنوات السد جارية حتى الان بكلفة اجمالية تبلغ 23 مليونو910 الف دولار ، ويتوقع ان يتم الانتهاء منها بنهاية هذا العام حسب رئيس هيئة تنمية المناطق الشرقية. * تجارة البخورتتأمل في أبرز مظاهر دواعي الاستقرار التي افضى اليها وجود السد فتجد أول ما يلفت الانتباه أن اهل الممالك اليمنية ، لم يكونوا أقواما رُحّلا متجولين على عكس جيرانهم في الشمال ،بقدر ما أن ابتكارهم لدواعي الاستقرار والمدنية التي شكل الماء العنصر الفصل فيها، قد ادى إلى جانب تشييدهم للسدود لامتهان الزراعة ،وتشييد المدن العامرة، وممارسة التجارة كمظهر حضاري راق تجلى في انصع صورة بتجارة البخور والتوابل واللبان ذائعة الصيت في العالم القديم ومحور الثراء والمنعة التي اكتسبتها تلك الاقوام .وكان المُر (اللبان)- وهو مادة لبان صمغي يستخدم في صناعة العطور والبخور-رائجا ومستهلكا على نطاق عالمي لاستخدامات المعابد والقصور، ولشؤون الزينةالشخصية، فضلا عن بعض الاستخدامات الطبية والعلاجية، وتنتشر أشجاره الصغيرةفي منطقة مارب ومن طبيعته تحمل الجفاف.وشكّلت حركة الاتجار والتسويق في بلاد اليمن انذاك أهمية قصوى بالنسبة للاقتصاد العالمي القديم الذي ساهمت في ازدهاره دول وحضارات منيفة مثل روما ومصر واليونان وبلاد الرافدين وحضارة بلاد اليمن السعيد العريقة.وعُرف اليمن حينها مركزا ومَصدرا تموينيا لتجارة مادتي البخور والمُرّفي العالم إلى جانب صناعة الادوات المنزلية والجلود والاسلحة الحربية البدائية..وكان حلقة وصل بين البحر الأبيض المتوسط وشرق آسيا على طرق القوافل التجارية،وغدا فيما بعدُ ميناء رئيسا لحركة التجارة البحرية إلى الشرق الأوسط وأوروبا. *ممالككما يبرز من بين الشواهد الحضرية والمدينة لهذه المدينة العريقة ، نشوء ممالك كثيرها،و مملكة سبأ كانت واحدة من اعظم هذه الممالك التي ورد ذكرها في الكتب السماوية.وكانت إلى جانب مملكتي معين وحِمْيَر، واحدةً من ممالك القوافل" اليمنيةالقديمة - نسبة إلى طرق القوافل التجارية البرية - التي طورت أساليب للري وأغنت الحياة الحضرية وحوّلت الصحراء البوار إلى جنات عدن فائرة بالخضرة والخصب، ما أدى إلى تأسيس المدن وتنظيم شؤونها فيما يشبه النظام المؤسسي المعاصر؛ وازدهار صنوف الفنون على أنواعها من عمارة، ونحت، وكتابة؛ إلى انتشارمظاهر الرفاه الاجتماعي على أنواعها بمقاييس ذلك العصر.يقول الدكتور عبد الله باوزير رئيس الهيئة العامة للاثار والمتاحف:" على عكس معظم الحضارات القديمة التي نشأت على أطراف الأنهر، فقد ازدهرت حضارة اليمن القديم على حواف الصحراء وفي الوديان معتمدة على مياه الأمطار،وعلى نظام ري وشبكة سدود مائية بالغة الكفاءة بمقاييس المعرفة المتاحة فيذلك الزمن".أما المملكة الأخيرة بين الممالك الثلاث حسب المراجع ، فهي مملكة حِمْيَر حوالي القرنالأول قبل الميلاد ، والتي حلّت تجارتها البحرية محل التجارة البرية التي كانت تستخدم فيها وسائل النقل والطرق البرية.وبسيطرتها على التجارة من البحرالمتوسط إلى المحيط الهندي، استوردت المملكة الأنماط الحياتية والحرفية منالشرق الأوسط وأوروبا ما ساهم في نشوء حضارة هي محصلة لرموز وإغداقات الثقافات المحيطة.*أصول الأبجدياتولتدوين الأحداث المفصلية في حياتهم، سجّل أهل اليمن القديم نصوصا بأبجدية ذات خطوط عمودية ومنحرفة تحاكي الخط العربي الطولاني والمتعرج ، وهو ما يشير إلى مظهر اخر من المظاهر الحضارية حيث تؤكد المراجع أنه اجتمعفي اليمن القديم نسبة عالية جدا من المتعلمين الذين يحسنون القراءة والكتابة باللغة السبأية، وهي لغة تنتمي إلى اللغات السامية وتتكون حروفها من 29 حرفا.وهناك أكثر من 10 آلاف مخطوط تم اكتشافها تِباعا في القرن العشرين،وكان أهمها وابرزها قد عُرض مؤخرا في معرض ارثر ساكلر في الولايات المتحدة الامريكية ضمن معرض اليمن الاثري المتنقل الذي عاد في الاونة الاخيرة بعد رحلة دامت10سنوات جال فيها انحاء اوروبا ، وضم كنوز اليمن من التحف الاثرية من اللوحاتوالتماثيل الصغيرة وصولا إلى القطع الأثرية الضخمة حيث الكتابات محفورة علىواجهات وأفاريز المعابد والقصور.وتشير الدراسات إلى أن الحروف الأبجدية للغة السبأية إنما هي مشتقّة من الأبجدية الفينيقية، وهي لغة الشعوب الكنعانية التي ازدهرت على ساحل البحرالمتوسط. والاعتقاد السائد لدى الباحثين المتابعين لشأن نشوء اللغات أن الأبجدية السبأية قد مهدت لولادة حروف الأبجدية اليونانية والعبرية، إضافة إلى اللاتينية الموجودة اليوم في الاستخدام الغربي الحديث.رحلة الحياة.. والموت*تماثيل ومعظم التماثيل التي رَصّعت بجمالها المعرض اليمني الفريد كانت مصنوعة من المرمر ــ وهو صنف الرخام الشديد الشفافية والناعم الملمس ــ معظمها ذات نظرة حالمة ومحيّا أقرب إلى الابتسام، وأذرعها ممدودة إلى الأمام في إشارةإلى الخير والرغبة في العطاء، بما يميزها عن ملامح تماثيل حضارات الجوار،كالإغريقية والرومانية، التي كانت تتسم بالنظرة الحادة والوضعية الإستيتكيةوالصارمة لشخوصها.ومن أبرز هذه التماثيل، تِمثال الحاكم "معد يكرب" الملفوف بإزار منجلد الأسد الذي يكاد يكون القطعة الفنية الأثمن والأجمل في العرض السخي بالتاريخ اليمني القديم وأوابده الباهرة التي تأخر اكتشافها حتى أواسط القرن العشرين،يضاف اليها تماثيل "ملوك أوسان الثلاثة" والتي تمثل بجمالها النموذج الأمثل للرقي الفني الذي عاقره أهل سبأ في حقبة موغلة من التاريخ.وتلخص هذه التحف التي لمارب نصيب الاسد فيها والبالغ قوامها 450 قطعة اثرية تم جمعها من جميع المتاحف اليمنية صور الحياة اليومية في حاضرة اليمنوحراكها الدائب، ولا تغفل استعراض تفاصيل الموت وطقوسه، وكذا المعتقدات الدينيةفي شأن الحياة الآخرة، وذلك من خلال مجموعة من النصب الجنائزية وشواهد القبوروالمعابد الخالدة، ما يكشف عن منهج الهندسة المعمارية التي كانت سائدة فيتلك الحقبة.*معابدتزخر مدينة مارب بالعابد ودور العبادة القديمة ، بيد أن معبد أوام هو الأقدم والأعظم والأكبر بين أوابد اليمن وكشفت النتائج والاكتشافات الأثريةالأخيرة للبعثة الأمريكية برئاسة ميلن فيلبس رئيسة معهد الدراسات الأمريكية للإنسان انه كان يمثل مركزا دينيا رئيسيا لمنطقة الجزيرة العربية ، كما كشفت نتائج أعمال الحفريات والتنقيب الجارية في المعبد منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم مستوطنه أثرية متكاملة ومقبرة واسعة ما تزال مطمورة تحت الرمال ، يعتقد حسب المؤشرات الأولية أن محتوياتها ستغير تاريخ المنطقة .وقد تم العثور في مقبرة أوام على أكثر من 400 قطعة أثرية منها تماثيل لأشخاص وحيوانات، بالإضافة إلى ما يقرب من 20 ألف مدفن يعود تاريخها إلى ما بين القرن التاسع إلى الرابع قبل الميلاد.إلى جانب ذلك يوجد معبد "بران" المعروف بمعبد عرش الملكة بلقيس، ملكة مملكة (سبأ) أو ما يعرف في أوساط الناس المحليين هنا بمعبد الشمس ، والذي يعد من واحدا من أهم المعالم والأساطير التاريخية العظيمة ، وقد تم مؤخرا لانتهاء من تأهيله وفتحه أمام السياح الوافدين لليمن ،ويضم أعمدة حجرية عملاقة تتوسط بهو المعبد الفسيح ، وتشكل محتوياتها من الأفاريز والنقوش المكتوبة بالخط السبئي القديم، إلى جانب محتويات المعبد من مذابح وتماثيل وجداريات ورسومات احد اهم الايحاءات التي ترجع بذهن الزائر إلى ماض عريق كانت فيه المرأة قد احتلت مكانه مرموقة وتربعت على عرش الحكم ، وحكمت في الناس بالشورىوخلد القران ذكرها وقصتها مع نبي الله سليمان في ايه من اياته .يضاف إلي هذين المعبدين ، معبد "الاله المقة "في مدينة صرواح التاريخية(45)كمغرب مدينة مارب والذي كانت البعثة الاثرية الالمانية برئاسة إرس جيرلاخ رئيسهالفريق ، قد عثرت مؤخرا خلال اعمال الترميم للمعبد في الموسم الاخير علىنقش اثري عملاق ينتمي للالف الاول قبل الميلاد ، ويبلغ طوله (7 امتار) ويجسدالملاحم العكسرية والانتصارات التي حققتها الملك السبئي كرب ال وتر على مملكةقتبان ويخلد فيه القادة العسكريين الذين ذهبوا في هذا الملحمة وشاركوا فيها.كما تضم مارب الكثير من المعابد والمستوطنات والمنشات السكنية والمعالم الأثرية أبرزها المعبد المهدم الموجود في مدينة مارب القديمة ، والتي حالتها أعمال النهب والسطو والتخريب الجائرة ، إلى كومة من الخرائب والإطلال المهدمة ، رغم أهميتها التاريخية والنداءات المتكررة من قبل البعثات الأثرية العاملة الداعية إلى حمايتها .*تصويبخلال زيارة مدينة مارب مؤخر على هامش مؤتمر الاعلان عن اكتشاف السد الاثري ، لا تلمس حجم الخطر الذي يتهدد التراث الاثري والمواقع الاثرية في سياق التصريحات التي يدلي بها المسئولين فحسب بل تطلع عليه بنفسك من خلال زيارة قصيرة تضمنها برنامج الاعلان إلى مدينة مارب القديمة التي يرجع المسئولين حال الخراب والدمار والاهمال الذي تعيشه إلىعدم تجاوب السكان المحليين وأعاقتهم لاعمال البعثات الاثرية هناك . في هذا الصدد يعتقد المهتمين بتاريخ اليمن من الأوروبيين:"أن مجريات التاريخ تفيد أن مسيرة الحضارة الإنسانية لا تنقطع، ومعظم المجتمعات تساهم في تلك المسيرة ولو بدرجات متفاوتة، وأن جوهر الحضارة والتقدم يَكْمُن في المعرفة' المضافة، وفي مدى تقدير المجتمعات والشعوب لأهمية موروثها وتاريخها الحضاري والتاريخي ومفرداته ومدى ما تبذله من جهد لحمايته والحفاظ عليه ".ويشير الخبراء إلى أن أكثر المواقع الاثرية عرضة للتخريب والدمار في اليمن هي تلك المنتشرة في محافظتي مارب والجوف في إشارة إلى موقع مدينة ماربالقديمة وموقع عاصمة مملكة معين (قرناو) على بعد حوالي 100 كيلو متر باتجاه الشمال الشرقي بمحافظة الجوف والتي ما تزال حتى الان رغم تعيين حراسة عليها من السكان المحليين تتعرض للسطو والتخريب والدمار والحفر العشوائي والتكسير من قبل اصحاب النفوس الضعيفة من الاهالي بايعاز من سماسرة التهريب والاتجار بالاثار ممن يدفعون مبالغ طائلة تشجعهم على الاستمرار دونما توقف أو رادعمن احد .ورغم فرض الجهات الحكومية حماية امنية مشددة على بعض المواقع الاثرية في هذه المناطق والاجراءات التي تتخذها للحد من ظاهرة السطو على المواقع الاثرية وتهريب الاثار والاتجار بها عبر اجهزتها الامنية والقضائية وأدارة مكافحة تهريب الاثار التابعة للهيئة وما تقوم به من جهود في احباط الكثير من محاولات التهريب ومحاكمات لعناصر ادينت بتهمة التهريب وكذا فرض حماية على بعض المواقع، إلا أن افتقاد معظم المواقع الأثرية الأخرى للحماية ، وتواضع إمكانيات وصلاحيات الجهات المعينة ، مقابل تطوير آليات ووسائل التهريب باستمرار،في ظل غياب تشريع قانوني واستراتيجية واضحة لحماية الاثار، هو ما زاد من حدة المخاوف لدى المسئولين الحكوميين والمهتمين في الاونة الاخيرة على مستقبل هذه الثروة العظيمة والبدء في الدفع نحو الخروج بمخارج موضوعية للخروج من دئرة واقع كاد معه الوضع الاثري الحالي قد بات اشبه بالاعتيادي المألوف ، وكادت امال تغييره في نظرالكثير من المراقبين والمهتمين لا يمكن تحقيقها إلا بامتلاك عصى سحرية أو حدوث معجزة الاهية.وما يزيد "الطين بله" ، حسب المسئولين في هيئة الاثار والمتاحف هو أنتشارظاهرة الاشتغال على الاثار المزيفة في الاونة الاخيرة ، وظهور جماعات متخصصة تعمل في النور والسوق السوداء احيانا على تقليد وتزييف القطع الاثرية من خلال معامل سرية متخصصة تنتشر في المدن التاريخية مثل صنعاء ، بغرض تسويقها على السياح الاجانب الوافدين لليمن بالعملة الصعبة ، الامر الذي يعيق الكثير من جهود مكافحة التهريب . وضمن جهود مكافحة تهريب الاثار ،سعت الجهات المعنية ممثلة بوزارة الثقافة والسياحة مؤخرا في اجراء هو الأول من نوعه بناء على توجيهات عليا لاقتناء مجموعة قطع اثرية ذهبية نادرة بحوالي ثمانية مليون ريال يمني من قبل جماعة قبلية.وفيما راء البعض في هذا تشجيعا لاعمال السطو على المواقع الأثرية ونبشها ، فان خالد الرويشان وزير الثقافة والسياحة اعتبر في كسبيلا وخيارا ممكننا ومتاحا ، بديل أفضل من وقوع هذه القطع وغيرها في ايدى المهربين وخروجها خارج البلد.لكن هذه الجهود لن تتوقف عند هذا الحد وحسب ، يقول الوزير الرويشان": في اطار ماهو ممكن ومتاح الحكومة مصممة وجادة بكل اجهزتها وامكانياتها لحماية الاثار و المواقع الأثرية ، والعمل على ايجاد المعالجات الكفيلة والرادعة لكل من يتاجرون بهوية وتاريخ البلد وتراثه الأثري والحضاري ".وترجم هذه التوجهات التي اعلن عنها مؤخرا الاخ عبد القادر باجمال رئيس الوزراء ، محافظ محافظة مارب الجديد عارف عوض الزوكا بتأكيد في حديث مطول (لسبأ) انه لن يسمح بالسطو على المواقع الأثرية مجددا وسيعمل على تأمين الحماية الكاملة للمواقع الأثرية وتسويرها بما لا يؤثر على قيمتها التاريخية .إلى هنا أنتهت زيارتنا (لارض الجنتين) ارض مملكة سبأ ، التي من يسير في شوارعها وطرقها ، ويتنسم هواءها الرطب، لاشك سيدرك مدى الأهمية والمكانة العظيمة التي تحتلها على الخارطة التاريخية والحضارية للعالم القديم والمعاصر،وكيف كان لسد مارب العظيم دور كبير في صياغة ملامح ومفردات هذه الأهمية ،والمكانة الرفيعة لبلاد اليمن السعيد عموما بين الحواضر الإنسانية الأخرى.

المصدر: سبأنت


في الأحد 05 فبراير-شباط 2006 10:07:10 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=76