ما وراء الفيدرالية وعدد الأقاليم..!

الأحد 06 أكتوبر-تشرين الأول 2013 الساعة 04 مساءً / مأرب برس - ماهر منصر
عدد القراءات 5961
 
الفيدرالية "مصطلح أصبح بين عشية وضحاها حديث كل اليمنيين، والشغل الشاغل للشارع العام. اقتحم الجلسات العامة، وجلسات المقيل. وحوله تتباين الرؤى وتختلف الأطروحات، فالعوام من الناس كلٌ يفسر الفيدرالية حسب وعيه المحدود، أو تبعيته لأطراف معينة هي من تصدر له الخطاب وتحشوه بخطابها.. 

وعلى مستوى النخب السياسية لا تجد الأمر يختلف كثيرًا منذ الوهلة الأولى، فالكل مع الفيدرالية بدون أي مشروع أو مبررات, والكل ضد الفيدرالية بدون أي مشروع بديل أو مبررات. هذا إذا ما نظرنا بسطحية للأمور.

لكن الأمر يختلف - طبعاً - فللسياسيين - دومًا - حساباتهم الخاصة ومشاريعهم الخفية، ولا يمكن أن يكونوا كغيرهم من عامة الناس في النظر إلى أمور كهذه. وإذا ما أردنا قراءة الأمور بناء على معطيات ومؤشرات ومواقف تلك الأطراف لوجدنا الأمر مختلف تمامًا.

مراضاة لمزاج بعض الجنوبيين

بمراجعة لموقف اللقاء المشترك بشأن بناء الدولة نجد أن اللقاء المشترك ممثلاً بأحزابه الثلاثة الكبرى الاشتراكي والناصري وحزب الإصلاح, كان قدم - في وقت سابق من بدء أعمال مؤتمر الحوار رؤية مشتركة بشأن الدولة القادمة، والتي اتفق فيها مبدئيًّا على أن تكون شكل الدولة دولة اتحادية "فيدرالية"، وللبحث عن حيثية هذا الموقف، وكيف أصبحت الفيدرالية الحل السحري لمشاكل اليمن.

سألنا أحد القيادات في اللقاء المشترك عن هذا الموقف وحيثياته، والذي أجاب بالقول: هذا الموقف ليس وليد اللحظة، بل إنها أي "الفيدرالية" كانت أحد الخيارات، بالإضافة الى الحكم المحلي كامل الصلاحيات "اللا مركزية" التي اتفق عليها المشترك في وثيقة العهد والإنقاذ في وقت سابق قبل ثورة الشباب لإعادة بناء الدولة بما يراعي مصالح الناس. مضيفاً: وأن هذا الموقف جاء بناء على ما وصلت إليه البلاد آن ذاك من حالات التشظي والانفلات وظهور النعرات والحركات المناطقية   والمذاهبية، في كلِ من تهامة وصعدة، وكذا بعض الحركات المطالبة بالانفصال في الجنوب، نتيجة المظالم والتعسفات التي كان النظام يرتكبها في المناطق الجنوبية والجنوبيين من بعد حرب 94 التي مثلت ضربة قاصمة لمشروع الوحدة. واستدرك قائلًا: لكن، ومع الأسف، بأن هذه الخيارات لم تُثْرَ بالدراسة الى أن جاءت ثورة الشباب في فبراير 2011 ثم مرحلة الدخول في مؤتمر الحوار الوطني الذي تجلت في القضية الجنوبية كأبرز القضايا اليمنية العالقة وارتفاع سقف مطالب الحراك، فكان الاتفاق على الفيدرالية كصيغة جديدة لدولة ضامنة لمصالح الشعب.. معللاً ذلك بأن المركزية هي سبب المشاكل التي عانى منها الشعب اليمني.

إذاً هكذا بنى اللقاء المشترك مواقفه، وعلى هذا قرر الفيدرالية مبدئيًّا كخيار غير مدروس في مواجهة المطالبين بالانفصال. ولكن في المقابل يرى الكثيرون من المحللين السياسيين بأن القضية الأساس للجنوبيين بالأخص لم تكن الفيدرالية او الانفصال، وأن هذا الحديث هو في الأساس هروب من الحل، فالجنوبيون، وكذا باقي الشعب اليمني يعانون من "غياب الدولة" التي تمثل المطلب الحقيقي للشعب، والذي عجزت النخب في المقابل عن استيعابه.. وعما هو حاصل من حديث عن الفيدرالية وعن عدد الأقاليم انما هو مراوحة سياسية بين القوى السياسية التي ظهرت بأنها عاجزة عن تقديم أي جديد ولا تمتلك أية رؤية تجاه الوضع الحالي الذي بات يُشكّل خطرًا محدقًا بالشعب ومستقبل البلاد ككل.

الاشتراكي.. المراوحة في مربع ضيق

عندما غابت الرؤية الوطنية وعن القوي السياسية, حظرت المشاريع الخاصة, ليس المقصود الصراع على الفيدرالية أو عدد الأقاليم.. وإنما ما وراء الفيدرالية على حسب وصف أحد أعضاء الحوار عن الحزب الاشتراكي همدان الحقب، حيث قال:

"والذي يتمثل في بناء الدولة، وتقاطعها مع مصالح بعض الأطراف ومراكز القوى والنفوذ".. مضيفاً: "أن محاولة عرقلة وترحيل حسم عدد الأقاليم الى مرحلة قادمة بعد انتهاء مؤتمر الحوار هو في الأساس منعاً لإقامة الدولة وبنائها، وأن مؤتمر الحوار إذا لم يخرج باتفاق وتحديد شكل الدولة فإنه لن يكون قد أنجز شيئًا يذكر تجاه ايجاد الدولة.

مستدركاً بالقول: "إن المعركة الحقيقية اليوم ليست على الفيدرالية أو عدد الأقاليم وإنما هي مع من مع الدولة ومن ضدها.. مضيفاً: هناك بعض الأطراف تتصدى لأي مشروع في اتجاه إقامة الدولة للحفاظ على مصالحها، وأن هذه القوى تستند في موقفها على شعارات من قبيل "الوحدة خط أحمر" تستهدف بها عواطف الناس مع أن هذه القوى هي من ضربت مشروع الوحدة من خلال حرب صيف 94، وما تلتها من تعسفات وانتهاكات بحق الجنوبيين ونهب لممتلكاتهم  وأراضيهم وتسريحهم من وظائفهم".

وعلى هذا هل يمكن لنا القول بأن الاشتراكي بنى موقفه، مستفيداً من درس 94، وحدد خياراته في عدم التفريط بالشارع الجنوني بدعمه لرؤية أو مطلب الحراك الجنوبي بأن تكون الدولة القادمة دولة اتحادية من إقليمين؟..

وبمعنى آخر وقراءة لما وراء السطور: إن هذا الموقف يقوم على إتاحة فرصة للقوى في الشمال لإثبات موقفها بشأن بناء الدولة ما لم يكون قد أنجز خطوة باتجاه الانفصال.. معتمدًا على الصورة الذهنية التي خلفتها حرب 94، وكذا السلطة التي تتمتع بها بعض مراكز القوى والنفوذ القبلية والعسكرية والدينة التي يرى بأنها تقف في وجه أي مشروع لبناء الدولة يتعارض مع مصالحها هذا إذا ما افترضنا عدم حسن النية ومشاريع السياسيين الخفية.

ولكن في المقابل، وبحسب أحد قيادات الاشتراكي بأن دعم هذا الموقف (الفيدرالية من إقليمين) يسعى إلى إعادة بناء دولة الوحدة بمضامين جديدة، وبما يخدم مصالح الناس.. مضيفاً: لماذا يتهم الجنوبيون بالانفصال، وهم معروفون بوحدويتهم، وهم من سعوا الى الوحدة التي تم ضربها من قبل النظام السابق ومراكز القوى والنفوذ التي تتهرب من الاعتراف ومعالجة الأخطاء.

وعليه يبدو - جليًّا - بأن الحزب الاشتراكي بات يراوح وحيدًا في مربع ضيق في سبيل إيجاد الدولة القادمة بالشكل الذي يراه كفيلًا بالحفاظ على مصالح الشعب على حد وصف أحد قيادات الحزب. 

الاصلاح.. موقف عالق

الإصلاح الذي كان قدم وافق في وقت سابق على الفيدرالية بات اليوم في موقف النقيض منها، وأصبح اليدومي - رئيس الحزب - يحذو حذو صالح، حيث ظهر - مؤخرًا - على قناة "سهيل" يقول: "الوحدة خط أحمر"، وهو ما يفسره البعض بأنه موقف ضد إقامة الدولة او بالمعنى الأدق ضد الاتفاق على صيغة شكل الدولة ..

ولكن لماذا لا يقدم الإصلاح رؤيته للدولة القادمة وشكلها..؟، على حد قول البعض ممن يرون في الفيدرالية بإقليمين حلًّا لمشاكل اليمن.

ويقف مع هذا الرأي بعض أعضاء مؤتمر الحوار في لجنة بناء الدولة بالقول: "لماذا الأطراف التي ترفض الفيدرالية بشكل مبدئي أو تقف ضد الفيدرالية بإقليمين لا تقدم رؤيتها، وتأتي لكي نتحاور عليها..؟، أما الرفض لمجرد الرفض فهو في الأساس عرقلة لمشروع الاتفاق على إقامة الدولة والإبقاء على الوضع الحالي..

الناصري.. تفعيل العدالة الانتقالية

أما التنظيم الناصري الشريك الثالث في اللقاء المشترك فإنه وبحسب مصادر يرى بأن تكون صيغة الدولة القادمة حكمًا محليًّا واسع الصلاحيات أي "لا مركزية"، وبالنسبة للانتقال إليها يكون عبر تفعيل قانون العدالة الانتقالية والعمل على حل القضية الجنوبية الحل العادل بإرجاع الحقوق المنهوبة المادية والمعنوية..

ويبدو واضحًا بأن الناصري من خلال هذا الموقف يعتمد في الأساس على المرجعية الفكرية الناصرية التي تعتبر الوحدة سواء الوطنية أم القومية مركزًا أساس في هذا الموقف الذي من الواضح انه لا يرقى الى مشروع للحل وينجز الانتقال للدولة القادمة..

صالح.. الشغل على تفكك المشترك

الذي أصبح جليًّا بأن المؤتمر، وتحديدًا صالح يشتغل على قصور والقوى الأخرى في المشترك التي عجزت فيما يبدو الى حد الآن أن توجد وتتفق على صيغة موحدة وضامنة ومدروسة لشكل الدولة القادمة التي ثار من أجلها الشعب. في بث خطابات عاطفية تصوره الوحيد الذي يدافع عن الوحدة، متناسياً بأنه من دمر بأفعاله وحماقته مشروع الوحدة كما يقول خصومه.

كما أنه "أي المؤتمر" وجد في   الخطاب العاطفي المتشنج للحراك الجنوبي المطالب "بفك الارتباط" محركًا وغطاء لأداء هذا الدور كما يرى البعض.

الحراك.. خطاب مشحون

بعض القوى في الجنوب التي تبث مثل ذلك الخطاب المشحون لا تدرك – يقول مراقبون - أن هذا هو الذي يهيئ الساحة ويفسح المجال امام تلك القوى التي تقف امام مشروع بناء الدولة في الأساس, وجعلها تقدم نفسها للناس. على أنها الحامي لمشروع الوحدة, مع أنها في الأساس - من اغتالت ذلك الحلم الذي ناضل الشعب اليمني في سبيل تحقيقه من خلال نظرتها القاصرة القائمة على الهيمنة والتبعية للهضبة المركزية في صنعاء.
لذا على الجنوبيين اليوم أن يكونوا أكثر حنكة ودهاء، ولا يسمحوا لتلك القوى باستغلال مواقفهم في الوقوف امام مشروع بناء الدولة، كما يقول بعض المحللين السياسيين.
هادي.. المكوث في ذات اللعبة

وفي ذات السياق يبدو جلياً بأن الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي الذي شارفت فترته الانتقالية على الانتهاء عاجزًا عن لعب أي دور كما كان يعول عليه تجاه مشاكل اليمن والانتقال الى الدولة القادمة وبات ينتظر المجتمع الدولي في تقرير مصير البلاد ومصيره أيضًا..  

اكثر خبر قراءة عين على الصحافة