اليمن .. من يحكم الجنوب وأبناءه ويقرر مصيرهم؟

الثلاثاء 09 ديسمبر-كانون الأول 2014 الساعة 06 مساءً / مأرب برس – ناصر يحيي:
عدد القراءات 5553

منذ غنّى المطرب المعروف محمد محسن عطروش في الستينيات أغنيته الحماسية: "يا بن الجنوب تشتي ذا اليوم من يحكمك؟" لم يعرف المواطنون في الجنوب رائحة الحرية، واختيار من يحكمهم بحرية ونزاهة حتى الآن! حتى مصطلحات مثل الجنوب، وابن الجنوب، والانتماء للجنوب صارت من المحرمات السياسية القطعية!

ومع أن الأغنية تضمنت أسئلة وتبرعت بأجوبة مثل: "تشتي رجعية؟ لا.. تشتي سلاطين؟ لا.." إلا أن مجريات عهود البؤس والمظالم والقهر ما بعد الاستقلال وفّرت الأرضية المناسبة لتكون هناك إجابات مغايرة لما في الأغنية، ولو كان بإمكان ابن الجنوب أن يغني يومها بحرية لأبدع واحدة تقول: "تشتي رجعية؟ أيوه.. تشتي سلاطين؟ نعم.. تشتي بريطانيا؟ نعمين وثلاث نعمات!".

للأسف الشديد؛ فلم أعد أتذكر من الأغنية إلا هذه الجمل القليلة؛ التي قفزت إلى ذهني بالأمس وأنا أقرأ خبراً وتصريحات عن اتفاق غريب من حيث الأصل والغاية بشأن حل فيدرالي للقضية الجنوبية بين الحوثيين وبعض القيادات الجنوبية!

***

من حيث الأصل فإن الحوثيين – أولاً- ليسوا طرفاً أصيلاً في القضية الجنوبية حتى تكون لهم لقاءات ومباحثات سرية بشأن مستقبل الجنوب والجنوبيين؛ إلا إذا كان الأمر من باب أنهم قوة عسكرية تتحكم في البلاد والدولة، ولا بد أن يكون لهم رأي في كل شيء قبل أن يضطروا لإرسال لجانهم المسلحة للسيطرة على الجنوب أسوة بالشمال! ولو تذكرنا على سبيل المثال اللجنة التي شكلت مؤخراً بخصوص قضية صعدة فقد كان معظم أعضائها من الجانبين: الحوثي والحكومي من الحوثيين بالأصالة والنيابة! ومن كان جنوبياً منهم فبسبب وظيفته الرسمية مثل وزير الدفاع! ولم نسمع أن جهة جنوبية اتصلت سراً بالحوثيين للاتفاق على ترتيبات لحل قضيتهم بعيداً عن الآخرين في الدولة وصعدة!

وثانياً: فعلاقة الحوثيين بالجنوب كما يبدو من ردود أفعال كثير من الجنوبيين؛ وخاصة بعد سيطرتهم على معظم المحافظات الشمالية والغربية، وسيرة لجانهم الشعبية العطرة فيها؛ لا تؤهلهم ليتحدثوا عن حاضر ومستقبل الجنوب وأهله بهذه الأريحية! بل يمكن القول بثقة إن ممارسات الحوثيين هذه استخدمت وسيلة لإجهاض الإيجابيات التي تحققت باتجاه تقوية المشاعر الوحدوية على حساب دعوات الانفصال بعد اندلاع الثورة الشعبية الشبابية ضد النظام السابق، أي على العكس مما حدث بعد ثورة الحوثيين وحلفائهم المؤتمريين التي بدت للجنوبيين وجزء كبير من الشعب كثورة شطرية/ مذهبية نكأت مآسي الدهور، وكان الجواب السريع عليها هو: انتعاش دعوة الانفصال وتقرير المصير الذي شمل حتى الذين كانوا متحفظين على ذلك!

وأخيراً: فخطورة ما تم الإعلان عنه بالأمس أنه يتجاهل أن هناك مقررات خاصة بالقضية الجنوبية اتفق عليها في مؤتمر الحوار الوطني، وصارت معمدة رسمياً ومعترف بها إقليمياً ودولياً، والخروج عليها الآن تحت أي مبرر هو فتح الباب للمجهول الذي لن يكون في رأي كثيرين في مصلحة البلاد والجنوب والجنوبيين، وخاصة عندما يصدر الاتفاق الأخير من جهات لا تحظى بشعبية ولا بمصداقية في تمثيل أهل القضية، وتجري تفاصيله في كواليس الله يعلم بما يجري فيها!

**

إذاً؛ فباستثناء استشارة عطروش لابن الجنوب في أغنيته عمن يريد أن يحكمه؛ فما زال ابن الجنوب لا يحكم ولا يُستشار فيمن يريد أن يحكمه.. ولا أحد ممن يظهر التعاطف معه يفكر أنه من المناسب أولاً أن يبحث عن آليات صحيحة لتحديد كيف يمكن معرفة رأي أبناء الجنوب دون استثناء أحد بشأن مستقبله ومستقبلهم، وخاصة بعد أن صار الحديث باسمه مجلبة للنعم والرزق الوفير، ويتدخل فيه من هبّ ودبّ!

ما نريد قوله اليوم إنه من المهم أن يفهم الجميع أن لا أحد يمثل الجنوب والجنوبيين حصرياً، وقد مضى زمن الممثل الشرعي الوحيد.. فلا دعاة الانفصال أو الوحدة، ولا دعاة الفيدرالية والأقاليم بأي عدد يملكون الحق في أن يدعوا أنهم الممثلون الشرعيون والوحيدون للجنوب وأهله.. وإذا كان لا مفر من إجراء استفتاء تقرير مصير (بدعوى الانقلاب الناعم على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني) لمعرفة رأي الأغلبية الشعبية بشان الوحدة أو الانفصال فلا بد أن يكون تقرير مصير حراً وآمناً؛ لكن قبل ذلك ينبغي الانتباه للضوابط/ الشروط/ المطالب التالية ليكون الاستفتاء عملاً عادلاً، ولكيلا يتحول إلى لعبة سياسية على طريقة استفتاءات العالم الثالث، وهو ما لن يتحقق إلا بعقد مؤتمر بإشراف رسمي وإقليمي ودولي للاتفاق على الترتيبات الإجرائية العادلة للاستفتاء الآمن التي لا تستثني أحداً، وتتخلص من عيوب المؤتمرات المتوالية باسم الجنوب التي تكاد تكون على طريقة علي بابا وأربعين حرامي، وتتسم بالإقصاء والتهميش والإرهاب الفكري للمخالفين!

الشروط والمطالب والضوابط بسيطة وعادلة وقانونية، وهي على النحو التالي:

أولاً: ينبغي أن يشمل الاستفتاء دون استثناء كل الخيارات المطروحة لحل القضية الجنوبية:

1- استمرار الوحدة: بإقليمين أو ستة أقاليم.. أو تكون وحدة تمنح فيها كل محافظة حكماً فيدرالياً أو حكماً محلياً واسع الصلاحيات.. أو أي شكل سياسي تقترحه مجموعة من المواطنين.

2- الانفصال مع تحديد شكل الدولة الجديدة بنفس خيارات الخيار السابق.

3- ولأن هناك مطالب أخرى مثل دولة في المهرة وسقطرى، ودولة حضرموت، ومطالبة بوضع سياسي خاص بعدن قد يصل عند البعض إلى دولة قائمة بذاتها؛ فمن العدل أن يتم البحث في وسيلة عادلة لتلبية هذه المطالب من خلال استفتاء خاص بسكان تلك المناطق الأصليين قبل التغييرات الديمغرافية التي تمت خلال الخمسين سنة الماضية. فطالما أن المبدأ هو إيجاد حلول دائمة وآمنة وسلمية فلا يجوز حرمان أي مجموعة من حرية الاختيار؛ وإلا عدنا إلى الأصل أي دولة يمنية واحدة!

ثانياً: يجب أن تتيح عملية الاستفتاء لكل أبناء الجنوب في الداخل أو في الخارج المشاركة فيها.. وهذا الأمر يوجب إجراء إحصاء بشري بإشراف دولي لمئات الآلاف من الجنوبيين المغتربين والنازحين في أي مكان يو

جدون فيه؛ حتى يتمكنوا من إبداء آرائهم في مستقبل بلادهم.. دون إقصاء أحد أو جهة، وحتى يكون الاستفتاء معبراً صحيحاً عن الجميع.

ثالثاً: من المفهوم أنه سيسبق عملية الاستفتاء فترة انتقالية مناسبة يتم الاتفاق على مدتها، وتبدأ من يوم العمل بالدستور الجديد وانتخاب الهيئات السيادية للدولة والأقاليم وفق مخرجات مؤتمر الحوار.

رابعاً: من الواجب الاعتراف مسبقاً في الفترة الانتقالية بحق كل الآراء والاتجاهات في العمل والنشاط والتبشير بمواقفها وأفكارها بين الجماهير في كل مكان، ودون ترهيب أو تخويف أو حظر سياسي أو استخدام العنف والتخوين ضدها.. وعلى أن تكون هناك عدالة بين الجميع في حالة استخدام إمكانيات الدولة الإعلامية وما شابهها في التعبير عن الرأي.

خامساً: يلتزم الجميع بقبول نتيجة الاستفتاء مهما تكن النتيجة.. ودون أن يترتب عليها أي إجحاف بحق الطرف الخاسر.

سادساً: تتحدد نسبة النتيجة النهائية الحاسمة للاستفتاء وفق المعايير الدولية أو المعتادة بهذا الخصوص، وهل تكون بنسبة الأغلبية المطلقة (50+1) أو الأغلبية النسبية (60% أو 75%) أو أي نسبة يتم الإجماع عليها.

* صحيفة المصدر

اكثر خبر قراءة عين على الصحافة