النهر المتدفق بين باولو كويليو والقاعدة
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 23 يوماً
الأربعاء 07 مارس - آذار 2012 05:16 م

هكذا تنوي القاعدة أن تفجر شلالات الدماء عبر خطتها التي تريد تنفيذها في اليمن والتي أسمتها بـ(النهر المتدفق) وهي تسمية تعكس التأثر بالأسلوب الغربي أو الأسلوب الحديث عموما والمتبع في إطلاق تسميات على العمليات العسكرية والجاسوسية أو حتى في العمل الاقتصادي او الإغاثي أو الاستراتيجي أو غيره ... فإسرائيل اجتاحت غزة في عملية ( الرصاص المصبوب ) و نفذت قبل سنوات عملية ( عناقيد الغضب ) ضد لبنان ، و سمى حلف الناتو عملياته ضد نظام القذافي ( فجر الأوديسا ) , و كانت عملية ( بارباروسا) للرايخ الثالث النازي لاجتياح الاتحاد السوفيتي أشهر العمليات الحربية عبر التاريخ ، و فك السوفيت الحصار عن لينينجراد بعملية سميت ( الشرارة ) وأما (عاصفة الصحراء) الأمريكية ضد القوات العراقية فهي الأشهر في العقود الأخيرة والتي سبقتها عملية( درع الصحراء) وتلتها بسنين عملية ( ثعلب الصحراء ) وسبق كل هذا بسنين عملية تحريرها للرهائن الامريكين في طهران إبان الثورة الإسلامية في إيران و التي أسمتهابـ( مخلب النسر ) ..

عمليات الجاسوسية تحظى بعدد لا متناهي من التسميات بسبب كثرتها وإن كانت تسمية ( ضوء القمر اللانهائي ) قد راقت لي أما عمليات التهجير الطوعي لليهود فكانت لها تسمياتها المتنوعة فتهريب اليهود من اليمن كانت اسمها عملية ( بساط الريح ) مثلا ... أ ما ما زعمت أمريكا أنه عمل إغاثي في الصومال فقد سمي بعملية ( إعادة الأمل )

وحظي العمل الاستراتيجي هو الآخر بتسميات لخططه فخطة إيران للهيمنة على العالم الإسلامي تدعى ( أم القرى) والتي تهدف الى تحويلها الى مركز للعالم الإسلامي .. وهكذا.

فكل تسمية من هذه التسميات تحمل أبعاد تحدد مسار وغايات العملية ...

إذا فالقاعدة أصبحت لديها تسمياتها العصرية لعملياتها ومنها تسميتها لإستراتيجيتها الجديدة النهر المتدفق وهي تسمية بالتأكيد تحمل أبعاد تحدد المسار والغاية منها ، وهي تسمية تقودنا الى المجموعة القصصية للكاتب البرازيلي الشهير باولو كويليو والمسماة ( كالنهر المتدفق) وإذا كانت التسمية لها علاقة بالقصة بالفعل كما كانت عملية ( عناقيد الغضب) لها علاقة بعناقيد الغضب لجون اشتاينبك وكما كانت ( فجر الاوديسا) ذات علاقة بملحمة الإلياذة والأوديسا لهوميروس وكما كانت عملية ( بارباروسا )على علاقة بإسطورة الامبراطور فردريك بارباروسا الذي ينهض كل مرة لينقذ المانيا كلما احتاجته فهذا يعني أن الجيل الجديد من القاعدة أصبح يتعامل بعقلية عصرية في قتلنا . هذا إذا لم تكن التسمية أساسا إيحاء من أحد قراء الأدب الأجنبي من رجالات صالح كما قد يظن البعض .

لم أتمكن من قراءة الكثير من المجموعة القصصية لأجد الرابط الحقيقي إن كان هناك رابط كما أعتقد فلا يمكن أن تكون التسمية هكذا صدفة أو أن الزرقاوي جاء للوحيشي في منامه وأقترحها عليه وخصوصا أن أدبيات القاعدة تنحو منحى تأصيلي في تسمياتها ابتداء من الأشخاص والكنى التي يحملونها أو من تسميات تشكيلاتها القتالية أو غزواتها ، فوجدت أن المجموعة القصصية تحمل قيم إيجابية ، ربما إن كانت التسمية مستوحاة منها فربما هي قيم إيجابية للقاعدة كما تعتقد ... ومع ذلك و بغض النظر عن كيفية نشوء التسمية ، يبقى السؤال لماذا هذا الاسم ؟ و حتى لو لم يكن هناك أي علاقة بأي تسمية سابقة فماذا تقصد جماعة أنصار الشريعة بالنهر المتدفق ؟ ... هل هو تدفق جموعها نحو المعسكرات والمدن ، هل هو تدفق الدماء اليمنية التي ستزهق في حروب الأنصار القادمة ؟، هل هو تدفق عملياتها على شكل تيار متواصل لا يتوقف ؟ ...

لا ندري !!! ... هم وحدهم يدركون ماذا يقصدون ... لكن ندرك حجم الكوارث التي قد يجلبوها لنا ولليمن بغض النظر عن التسمية حتى لو كانت التسمية ( العملية التي لا تخطر على بال ) وبالمناسبة هذه تسمية لعملية اقرها تشرشل عقب الحرب العالمية ثانية للهجوم على الحليف الروسي ولم تتم ...

بماذا تفكر القاعدة وبماذا ستستهل إستراتيجيتها التي حددت بدايتها بعد مرور عشرة ايام من 29/2/2012 أي بعد غد ، أو بعد انقضاء المهلة التي أعطتها لسحب الجيش من أبين ... لا ندري .. لكن ما نعرفه تماما أن هذه الجماعة قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء في سفكها لدماء أبناء اليمن تحت ذرائع كثيرة واهية ، دون إنجاز واحد يذكر غير القتل والدمار والتشريد وتشويه صورة اليمن وتأليب قوى دولية ضد هذا الشعب الذي اختار التغيير السلمي ، وخلط الأوراق لصالح النظام البائد، والإساءة للعمل الإسلامي و توزيع براميل قمامة في شبوة كتب عليها بعض العبارات التي تخص الجماعة ، لتقول لنا انها تملك مشروع حضاري رغم أن المشروع الذي لمسنا نتائجه في اليمن منذ ظهور الأنصار سواء في صعدة او أبين هو ظهور المهاجرين والمهجرين والمشردين .

السكوت عن القاعدة أصبح بحد ذاته جريمة وإذا لم يتحرك العلماء ليقولوا رأيهم دون مواربة بهذا الفكر الدخيل والدموي الذي قتل من الجيش اليمني في يوم واحد عدد يفوق ما ينسبه لنفسه من قتل للقوات الأمريكية في العراق خلال سنين فإنهم يكونون بذلك مشاركين بشكل غير مباشر في الجريمة ، وهي جريمة السكوت ، ويمدون القاعدة بالعنصر البشري الذي يدغدغه الخطاب الديني في ظل غياب الخطاب الديني الوسطي ... طبعا لا يمكن تجاهل الأصابع الخفية لأبي قتادة عفاش في اللعب بورقة القاعدة لكن يبقى العنصر البشري المستقطب هو عنصر من عامة الشعب يحتاج لخطاب ديني يبصره بخطورة السبيل الذي يسلكه بغض النظر عمن يحرك هذا العنصر ...

شخصيا وكيمني تيسرت له فرصة الكتابة هنا أجد من واجبي الآن ومستقبلا الحديث عن القاعدة مستلهما أحد العناوين القصصية في مجموعة باولو كويليو \"كالنهر المتدفق \" وهو ( مستعد للمعركة مع قليل من الشكوك ) .