آخر الاخبار
هل حقاً بايع "السلفيون" جمال مبارك لحكم مصر؟!
بقلم/ علي عبدالعال
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 29 يوماً
الأربعاء 23 إبريل-نيسان 2008 06:20 م

مأرب برس – خاص

بينما المعارضة على أشدها في الشارع المصري لفكرة توريث الحكم، حتى ذهب خبراء ومراقبون إلى إن المصريين ربما لم يجمعوا على رفضهم لقضية كرفضهم للتوريث، إذ خرج رئيس جمعية "أنصار السنة" في دمنهور، الشيخ محمود لطفي عامر ، ليفتي بعدم مخالفة هذا "التوريث" لأحكام الإسلام. قائلاً: "أليس جمال مبارك مواطناً مصرياً من أبوين مسلمين مصريين؟"، ولم يكتف بذلك بل انتقد من يثيرون الناس على مسألة توريث نجل رئيس الجمهورية، مدعياً: أنه "لا يوجد نص دستوري يمنع جمال مبارك بعينه من تولي الحكم باعتباره مواطناً مصرياً توافرت فيه الشروط الدستورية".

وأصر الرجل على فتواه متحدياً أي عالم شرعي يخطئ ما ذكر، قائلاً : "إننا نتعامل مع واقع كما فعل الصحابة أنفسهم لدرء فتنة الصراع الذي تسفك فيه الدماء"، مضيفاً : "إن ورث مبارك ابنه فقد ورث من هو خير منه قبل ذلك"، ثم طالب المعارضين له بأن يأتوا بنص شرعي خلاف ذلك، وتابع : "فإن تولاها جمال مبارك فإننا معاشر السلفيين سنسمع له ونطيع في المعروف".

وقد لاقت هذه الفتوى رفض واستهجان كبيرين، في أوساط الشارع المصري، وأحدثت ضجة كبيرة لدى الأوساط الدينية والسياسية عبرت عنها النخبة من العلماء والمثقفين والساسة.. ونظراً لدخول جمعية "أنصار السنة المحمدية" تحت عباءة "التيار السلفي"، ونظراً لما قاله رئيس فرعها في دمنهور من أن كلامه ينصب على موقف "السلفيين" من قضية التوريث، فقد تلقفت وسائل الإعلام الفتوى مرددة أن "السلفية" تفتي بجواز توريث جمال مبارك حكم مصر.

وبناء على ما أحدثته الفتوى من جدل، فقد أعلن الأزهر بتاريخ 27ــ 3ــ2008 تحويلها إلي "مجمع البحوث الإسلامية" للبت فيها، وقال الشيخ عبد الحميد الأطرش ـ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر ـ إن اللجنة تلقت رسائل من المواطنين تستفسر عن صحة الفتوى. ولفت إلي أن لطفي عامر قد أشار إلى أن فتواه تعبر عن السلفيين لذلك سيتم عرضها على المجمع الذي يمثل مختلف المذاهب الإسلامية.. وقد أدرج المجمع ـ وهو أعلى هيئة فقهية في الأزهر ـ ما تسمى بـ"فتوى التوريث" في جدول أعماله، وحدد يوم 9 إبريل (2008) للنظر فيها.

وهو ما استلزم البحث والتحقق من صحة نسبة هذه الفتوى إلى الجهات المذكورة، وإلى أي حد باتت تعبر عن حقيقة موقف جماعة "أنصار السنة" فضلاً عن أصحاب "المنهج السلفي" من قضية "التوريث" المثيرة للجدل في البلاد.

 موقف جمعية "أنصار السنة" من الفتوى

باديء ذي بدء فإن موقع الشيخ (محمود لطفي عامر) في جمعية "أنصار السنة المحمدية" ـ السنية السلفية ـ يقتصر على كونه رئيس فرع الجمعية في مدينة دمنهور، ومن ثم فرأيه ـ حسبما هو متبع في مثل هذه القضايا ـ لا يعبر بأي حال عن موقف الجمعية التي لها "المركز العام" في القاهرة، ولها رئيسها (د.جمال المراكبي) ـ وهو داعية ومفكر إسلامي معروف ـ فضلاً عن أعضاء مجلس إدارتها. كما أن للجمعية لجنة كبيرة للفتوى، وأيضاً لها صحيفة ناطقة باسمها هي مجلة "التوحيد"، لسان حال الجماعة الرسمي.

ومن جهة أخرى، لم تنل هذه الفتوى قبول أي من شيوخ ودعاة الجماعة، ولم يتبناها أحد من علماء أنصار السنة المعتبرين، ولذلك لم تنشر في صحيفتهم، ولم تصدر عن بيان رسمي موقع منهم. ومن ثم فإن نسبتها إلى جمعية "أنصار السنة" أمر لا يصح فضلاً عن نسبتها إلى "التيار السلفي" بشكل عام.

وهو ما يقر به لطفي عامر نفسه ولا ينفيه، ففي رد له على انتقادات صوبتها نحوه صحيفة "صوت الأمة" بعددها بتاريخ 3 ــ 3 ــ 2008م، أوضح أنه : "لم يصدر عن جماعة أنصار السنة بدمنهور أي بيان (...) ولا دخل للمركز العام بالقاهرة فيما نُسب" إليه، يضيف : "وإنما غاية ما حدث أنني دونت فهمي لمسألة التوريث في إحدى كتبي المطبوعة تحت عنوان (المقالات السلفية في مسائل عصرية) فقام أحد كتاب جريدة "النبأ" بعرض ما كتبته في الكتاب على طريقته الصحفية التهكمية".

وكلها اعترافات تؤكد أن فتوى الرجل جاءت بمبادرة شخصية منه لا دخل لأحد فيها ولا يصح أن يُسأل عنها غيره، حيث يقول عامر : إن "أنصار السنّة بدمنهور لم تعط صكاً لأحد لأنها لا تملكه أصلاً (...) ولم يطلب منّا النظام رأينا ولا مشورتنا، وإنما غاية الأمر أنني بينتُ بعض المفاهيم الشرعية المتعلقة بمسألة الإمامة أي الرئاسة، (...) وإنما أنا مسئول عن كلامي الذي صدر مني بمبادرة فردية لا يُسأل عنها أحد من أنصار السنّة لا في دمنهور ولا في القاهرة".

تأسست جمعية "أنصار السنة المحمدية" عام (1926م) بمدينة القاهرة، على يد الشيخ محمد حامد الفقي ـ وهو واحد من ألمع وأكبر علماء الأزهر ـ بهدف الدعوة إلى الإسلام على أساس من التوحيد الخالص والسنة الصحيحة ومحاربة الشرك والبدع، كشرط لعودة الخلافة ونهضة الأمة الإسلامية. ومن مصر انتلقت الجمعية لتؤسس فروعها في عدد من الدول العربية والإسلامية. وقد انجبت الجمعية أجيالاً من العلماء والدعاة الذين ساهموا في نشر رسالة الإسلام والدفاع عن قضاياه.

وقد نفت "أنصار السنة" رسمياً نسبة فتوى الشيخ عامر إليها، مؤكدة أن لا علاقة لها بها.. وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت أواخر عام 2005، نفى الدكتور جمال المراكبي ـ الرئيس العام للجماعة ـ في تصريح صحفي أن تكون "أنصار السنة" قد بايعت الرئيس مبارك ـ مرشح الحزب الوطني ـ مؤكداً أن الجماعة سيكون لها موقفاً صارماً وستتخذ الإجراءات اللازمة ضد فرع الجمعية في دمنهور الذي نشر لافتات تؤيد الرئيس مبارك بوصفه "أميراً للمؤمنين" وأن باقي المرشحين ـ من أحزاب الوفد والغد ـ آثمون وخارجون عن الطاعة. وأشار المراكبي إلى أن ما ارتكبه فرع دمنهور عمل إنفرادي لا يعبر عن منهج الجماعة، مؤكداً أن الرئيس مبارك مرشح مثله مثل أي مرشح آخر، وأن الجماعة لم تبايعه.

وفي مقال له بعنوان "كيفية اختيار الحاكم المسلم" يتناول المراكبي الشروط الواجب تحققها في من يصلح لتولى هذه المسئولية الكبيرة، كما يعرج على مسئولية الأمة جمعاء تجاه هذا الاختيار، يقول : "من المعلوم بداهة أن منصب الرئيس هو أعلى وأجل منصب في الدولة الإسلامية، لذا كان حتماً على المسلمين أن يدققوا ويمعنوا فيمن يتولى هذا المنصب الخطير، فيختارون أصلح الناس لتولي هذا المنصب، وإلا كانوا مقصرين". ثم يورد الحديث المرفوع : "من ولي من أمر المسلمين شيئاً، فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين". فالمسلمون جميعاً – بوجه عام – وأهل الحل والعقد منهم خاصة مسئولون عن تولية أصلح الناس وأقواهم على تحمل عبء هذه الأمانة دون أى تهاون أو تقصير، وإلا وقعوا تحت طائلة العقاب والوعيد المذكور".

الدعوة السلفية

وبالرجوع إلى كتابات ومحاضرات شيوخ ودعاة "التيار السلفي" المعتبرين، تتبين حقيقة أن السلفيين لم يقفوا كثيراً أو ربما قليلاً أمام جدلية "توريث" الحكم، وذلك راجع في الأساس إلى موقفهم الرافض للمنظومة الكلية التي يقوم عليها الحكم الحالي، بكونه حكم علماني استبدادي، يتحاكم إلى القانون الوضعي، فضلاً عن كونه مجافياً مجافاة صريحة للشريعة الإسلامية التي لا يقر السلفيون نظام حكم غيرها.

إلا أن تناولهم لقضية الحكم لم يأت في الغالب إلا من جهة توضيح المخالفة الشرعية لترك الأمة التحاكم إلى شريعة الله، وعظم جرم الحاكم الذي يترك أحكام الإسلام ليطبق غيرها من القوانين البشرية الوضعية. يقول الدكتور ياسر برهامي في كتابه "منة الرحمن" : "ومن مظاهر الشرك التحاكم إلى الطاغوت: وهو كل من يحكم بغير ما أنزل الله "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ"[النساء:60]. وفي رسالة له بعنوان "لا إله إلا الله مفتاح الجنة" يقول : "لا شك أن الذي يحكم بغير ما أنزل الله قد جاوز حد العبودية التي تستلزم تلقي أحكام الله وشرعه بالقبول والأذعان ونسب إلى نفسه الربوبية في التشريع. قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} فسمى الله من اتخذ من يُشرع له من دون الله مشركاً وهؤلاء المشرعين شركاء بالباطل فالله لا شريك له في خلقه كذلك".

وقد يأتي تناولهم لقضية الحكم من أجل إظهار شمولية أحكام الإسلام وتميزها عن غيرها من القوانين والدساتير البشرية، ففي مقاله "حول الدولة المدنية" يقول الدكتور علاء بكر : "والإسلام يجعل الهداية في شرع الله - تعالى- ويستمد قوانين الأمة منه، في ظل ثوابت عقائدية وأخلاقية وتعبدية لا تتغير ولا تتبدل، ومنهج لمعاملات الأمة يجمع بين القواعد العامة وبعض التفصيلات تراعي صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، ونظام للعقوبة رادع يضمن للأمة الأمن والأمان، والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد يؤهل المجتمع للتماسك والتواد والتواصل".

وفي كتابه "حقيقة التوحيد" يقول الشيخ محمد حسان:إن "من مقتضيات كلمة التوحيد أن يكون الحكم لله.. وأن يصاغ النظام الاقتصادي كله وفق معايير الإسلام.. وأن يكون المنهج التربوي والتعليمي والإعلامي والفكري والحضاري والأخلاقي والسلوكي منبثقًاً من الإسلام". حيث يذهب السلفيون إلى أن تنصيب الحاكم لا يتم إلا باشتراط الحكم بما أنزل الله، فالحاكم يجب أن يكون مسلماً ولا يبايع إلا على الحكم بما أنزل الله.. ولا يجوز للأمة أن تنصب حاكماً ليحكمها بشرعٍ غير شرع رب العالمين، وإن فعلت ذلك كانت آثمة.

الفتوى ليست الأولى في ملف الشيخ عامر

وقد دفع الهجوم الشديد والانتقادات الواسعة ـ التي وجهتها الصحف المستقلة والمعارضة في مصر ـ الشيخ محمود لطفي عامر إلى الرد، مبدياً شيء من التراجع في محاولة للتخفيف من حدة الحملة التي شنت ضده. وضمن توضيحات له قال رئيس فرع دمنهور : إن موضوع الفتوى "كان ضمن مجموعة مقالات في كتاب صدر لي منذ سنة تقريباً، فأخذه أحد صحفيي جريدة "النبأ" وأطلق العنان لخياله بلا ضابط من شرع أو عقل".

وأضاف : "حينما قلت بجواز توريث الحكم لنجل الرئيس مبارك فواضح جداً أنني قلت جائز ولم أقل واجب أو فرض أو حتى مندوب، وحكم الجواز جاء من عدم وجود دليل بالمنع أو دليل بالوجوب".. ويتابع : "أحب أن أوضح أن ما أثارته "النبأ" بشأن توريث الحكم لم يكن سعياً مني لشهرة أو نفاق كما قال البعض".

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يثير فيها الشيخ لطفي عامر الجدال حول توجهاته، التي جاءت جميعها عكس التيار، وربما بدأ مسلسل جدلياته حينما بادر خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بمبايعة الرئيس مبارك، إذ لم يكتف بذلك حتى نشر لافتات بميادين عامة تدعو إلى البيعة بكونه (مبارك) أمير المؤمنين في مصر، ولما كان تصرفه هذا مثير إلى حد الخشية من سوء عواقبه في الشارع المصري استدعته أجهزة أمن الدولة ـ أثناء الحملة الانتخابية ـ واستنكرت صنيعه، وطلبوا منه نزع هذه العبارات من أماكن وجودها في ميادين دمنهور. ثم علق هو على هذا الحدث قائلاً : إن ما ذكرته ليس نفاقًا سياسيًا كما زعم أحد رجال النظام، وليس عمالة أو سعيًا لنيل رضا حاكم أو سلطان، ولم يكن فيه ثمة اتفاق بيني وبين أي منسوب للدولة أو الرئاسة، بل : "إن الذين أشاروا بنزع هذه العبارات أيام الانتخابات الرئاسية لم يدركوا حقيقة الأمر رغم بساطته ولم يدركوا كذلك أهميته".

ومن المأثورات المشهورة عن الشيخ لطفي عداءه الشديد وهجومه الذي لا يتوقف على الجماعات الإسلامية السلمية منها وغير السلمية، وعلى رأسهم جماعة "الإخوان المسلمون" الذين دائماً ما يصمهم بـ"الخوارج" ويحملهم تهم مثل "الإرهاب" و"التكفير" و"التعصب" فلا يكاد الرجل يذكر الإخوان في موضع إلا اتهم مؤسس جماعتهم الشيخ حسن البنا بأنه أول من بذر شق عصا المسلمين بمصر في العصر الحديث. وقد قام مؤخراً بطبع كتيب من حوالي 60 صفحة، يحوي من الجلدة إلى الجلدة هجوماً لاذعاً على الإخوان ويقوم محمود عامر بتوزيعه مجاناً على رواد المساجد.

ومما هو جدير بالذكر أن محمود عامر كان قد خاض انتخابات مجلس الشعب عام 2000 ضد الدكتور جمال حشمت ـ القيادي الإخواني البارز ـ وبينما حصل حشمت والإخوان على 30 ألف صوت لم يحصل محمود عامر سوى على 200 صوت.. ومن الطريف أن عامر فسر فشله في أحد البرامج بكونه مثل الأنبياء قليل الأتباع. وفي انتخابات عام 2005 وقف بشدة إلى جانب مصطفى الفقي ـ مرشح الحزب الوطني المنافس للدكتور حشمت ـ وأرسل أثناء التصويت طلبته ومعارفه للتصويت له. وفي تعقيبه على هذا الموقف يقول : إن "تأييدي الشخصي للدكتور مصطفى الفقي لأنه الأصلح لخدمة دائرة دمنهور، وهذا حق شخصي لي لا دخل فيه لأحد".

في مقابلة له مع صحيفة "المصري اليوم" وصف لطفي عامر فكر الإخوان بأنه يتشابه وفكر الخوارج، وإن البيعات التي تتم لمرشدهم باطلة، لأنه لا يوجد بيعة إلا لحاكم. وأضاف أن تحقيق الإخوان لمكاسب في الشارع لا يعني أنهم علي حق لأن أحمد عدوية وشعبان عبدالرحيم ـ كما يقول ـ حققا مكاسب، والشعبية التي حققتها الجماعة ليست دليلاً علي صحة موقفهم، ولكن «لأنهم مش لاقيين رجالة يقفوا لهم».

والرجل شديد التجريح والتطاول بحق رموز معروفة في الحقل الإسلامي كالمفكر الأستاذ سيد قطب ومحمد قطب. ومن الشيوخ والدعاة يأتي على رأس القائمة : محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، وسلمان العودة، وسفر الحوالي. فقد نشرت له مجلة "روز اليوسف" مقالاً تحت عنوان "طعن سيد قطب في الصحابة" ـ حسبما زعم ـ جاء فيه : "وغالب ظني أن سيد قطب أعتمد المصادر الشيعية الفاجرة". ثم يتناول الشيخ محمد حسان بالنقد قائلاً : "إن محمد حسان تقليدًا لسيد قطب ومحمد قطب يتلاعب بأصل الدين من حيث لا يدري".