الفضائيات العربية من العري إلى الشعوذة
بقلم/ انتصار سليمان
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 4 أيام
الإثنين 22 يناير-كانون الثاني 2007 06:52 ص

مأرب برس – إسلام أون لاين

هل فكرت يوما أن تصرح باسمك واسم أمك على شاشات التليفزيون؟

هذا ما تطلبه منك برامج مثل: خبايا، حلمي، لما يدور القدر، تفسير الأحلام، نجوم وأبراج. كي ينكشف سرك وتُحل مصيبتك وتقرأ قدرك.

وهي برامج كثيرة يروجها الشيخ بوعلي، والشيخ أبو رجب، والشيخة أم سعيد، والشيخة أم وائل، وأم سلطان، والدكتور سعد والشيخ محمد.

فكرة البرامج تقوم على سحب المشاهد للسحرة ومفسري الأحلام عن طريق مشاهدة التلفاز بدلا من الدخول بهم في سراديب
هم المظلمة، والاتصال بهم عبر الإيميلات ورسائل
SMS ليحكي عن مشكلته التي تدور بين المرض المستعصي، وتأخر الزواج، والعقم، والرغبة في معرفة المستقبل.. إلخ.

وبعد قراءة الطالع والاتصال بالجان يأتيك الحل ملفوفا بعباءة الدين والقرآن فيعلمك الشيخ طريقة فك السحر وعمل الأحجبة، وذلك بكتابة أحد الآيات القرآنية أو اسم من أسماء الله الحسنى أكثر من 1000 مرة في أشكال هندسية غريبة، وتحتفظ بهذا الحجاب تحت وسادتك العمر كله.

هذه باختصار نوعية البرامج التي تقدمها قنوات مثل: كنوز، شهرزاد، الحقيقة، جرس.. إلخ، والذي يمتد من كونه برنامج إلى فترة بث القناة.

تورتة جديدة

ويبدو أن القنوات الغنائية هي البداية لانتشار هذا النوع من المحطات الفضائية، فقد أعلن فضل القاسم مدير قناة "سهم TV " تغيير مسارها من الغناء إلى الأبراج والفلك بعد أن فشلت في تغطية تكلفتها خلال السنة الماضية.

وفي تصريحات لفضل لجريدة "المصري اليوم" أكد أن الأيام المقبلة ستشهد تغيير اسم القناة، فقنوات الغناء لم تعد مربحة في سوق الفضائيات، و"التورتة" التي كان نصيبي منها "طبقا" مع قناة "سترايك" من إعلانات ورعاية للبرامج، لم يعد فيها "فتفوتة" وحتى الطبق الفارغ لم يعد موجودا، وذلك لكثرة القنوات الغنائية التي تتصارع على الإعلانات مع الارتفاع المتزايد في النفقات.

يسوق فضل قاسم تبريرا يبدو منطقيا بحسب منظومة اقتصاد السوق، فالمهم هنا هو الكسب ومزيد من الكسب، ولذا قرر تغيير اتجاه القناة نحو الأبراج والفلك، معللا ذلك بأن عددا كبيرا جدا من المصريين مهتمين بهذا المجال مع حرصه المعلن بالابتعاد عن الشعوذة والجهل ولذلك استعان بمتخصصين من أساتذة الجامعات لتقديم البرامج على القناة.

موروث ثقافي

لكن السؤال: لماذا هذا الإقبال الشديد على هذه النوعية من البرامج؟

وحول ذلك تقول دكتورة "سهير سند" الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر: إن الإيمان بالخرافات وتصديقها موروث ثقافي مرتبط بالإنسان أينما وجد، يزداد وينتشر كلما زادت الضغوط والآلام، فهي ليست ردة أو عودة للتخلف كما يراها البعض، كما إنها ظاهرة ليست مرتبطة بالعرب وحدهم أو بمدى تطور الإنسان أو بمستواه الاجتماعي أو الثقافي وإنما ترتبط بغريزة الفضول والبحث فيما وراء الطبيعة.

وتضيف: "يستمر الإنسان باحثا عن الأشياء التي تخفى عليه ولا يستطيع عقله إدراكها، ويعلق عليها كل طموحاته وهمومه وأوجاعه...".

وهذه النوعية من البرامج ذات الجماهيرية الكبيرة لها نوعان من الجمهور، الأول: مؤمن بها ويبحث عنها رغبة في معرفة المزيد من أسرار هذا العالم الخفي، وهذا النوع من الجمهور يُغيِّب عقله بشكل متعمد ويصدق كل ما يحدث أمامه دون تفكير فيه أو مناقشته. والثاني: غير مؤمن به ولكنه يشاهده من باب الفضول والتسلية وقد يشارك فيه ويقنع نفسه بأنه لم يقع فريسة للدجل ولكنه في قرارة نفسه يتمنى أن يصدق الدجال ويعطيه معلومة تفيده عن مستقبله.

تطور الخرافة

ويقول دكتور عصام عبد الله أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس: إن التربية العربية مرشوشة بسموم الخرافات، حيث تبدأ معرفة الإنسان بالخرافة منذ طفولته عندما يسمع من أمه وجدته حكايات الجان والعفاريت، ويظل طول عمره يتخيل شكل هذا العفريت وقدراته الخارقة.

ويتابع: "يظل الإيمان بالخرافة وقوى ما وراء الطبيعة مسيطرا على الإنسان فيلقي عليها أسباب همومه ومشاكله وأحيانا أخرى ينتظر منها الحل، وبدلا من استخدام التكنولوجيا في القضاء على هذه الظاهرة نجده يطوع التكنولوجيا لخدمة الخرافة مثل: الإيميلات ورسائل المحمول".

ويشير إلى أن المجال متاح للدجالين والمشعوذين على الفضائيات من خلال برامج مباشرة على الهواء لساعات طويلة، وقد يكون الدجال هو ممولها وليس مجرد ضيف، والهدف المعلن يتنافى مع الهدف الحقيقي المتمثل في الحصول على ثمن مكالمات المواطنين وجذب الإعلان.

صدام الخرافة والعلم

الكاتب "أحمد صالح" في مقاله "خرافة موت الخرافة" بمجلة "سطور" عدد يناير 2007 يؤكد على أننا "نحن البشر لم نتغير، ما زلنا نعيش نفس حياة آبائنا وأجدادنا، وما زلنا نمارس الخرافة والغيبيات مثل آبائنا" رغم استخدامنا نفس التكنولوجيا التي يستخدمها رواد الفضاء، ورغم أنه منذ قرن وأكثر توقع العلماء تراجع الغيبيات والخرافة لصالح العلم.

ويتابع في مقاله: "لقد درج المحللون على تقسيم البشر إلى قسمين، الأول: يتبنى التفكير العلمي في حياته. والآخر يعيش على الغيبيات والخرافة. ومن يتبنى التفكير العلمي يرفض الخرافة بكل أشكالها وأنواعها، بينما يرفض القسم الآخر قبول المنطق العقلاني على أساس أنه يقيد روح الإنسان".

ويشير أحمد صالح: "بعد أن اتسع نطاق التفكير الغيبي في بلادنا والعالم بدأت ظاهرة هروب بعض المثقفين إلى الغيبيات ومحاولة التوفيق بينها والتكنولوجيا، ومحاولة إخضاع العلم للخرافة تحت مسميات الإعجاز العلمي التي تعتبر تجارة رائجة في العالم كله".

قوانين المنافسة

ويشير دكتور "سمير شرف" أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، إلى الثورة التكنولوجية في المحطات الفضائية التي تصل إلى 5 آلاف قناة فضائية، منها 325 قناة قضائية عربية، و886 قناة يستقبلها الوطن العربي دون تشفير والزيادة الكبيرة في عدد القنوات هو موضة أكثر منه إعلامًا حقيقيا، فقد يكون الهدف من ذلك الشهرة أو استثمار الأموال في مشروع سهل ومربح وليس مكلفا؛ فحجز مساحة على القمر الصناعي يصل لـ 350 ألف دولار في السنة ولا يحتاج إلا لجهاز بث و3 موظفين.

ويرى أن ما يجري هو كحال أي استثمار جديد، فلا بد أن يشهد نوعا من الفوضى والمنافسة الشديدة في جذب الجمهور، هذه المنافسة أول قوانينها تقليد كل ما هو ناجح وقادر على زيادة نسبة المشاهدة، بغض النظر عن القيم والثقافة التي يدعمها، والتي تعني زيادة كم رسائل SMS التي يرتفع سعرها من 5 -10 أضعاف سعر الرسالة العادية، بالإضافة إلى المكالمات والإعلانات.

بمشاهدة القنوات التي تعرض هذه الخرافات نجد أنها نجحت وأوجدت لنفسها مساحة جديدة بعيدا عما هو متداول في سوق الفضائيات من قنوات غنائية ودرامية ورياضية، يظهر ذلك في آلاف الرسائل التي تعرض على شاشاتها وتلفوناتها المشغولة دوما، والجدل الذي تثيره بين مؤيد ومعارض لوجودها.

عولمة الخرافة

يقول دكتور "كمال الشادي" أستاذ الطب النفسي جامعة عين شمس: الإنسان بطبيعته يميل لمعرفة جزء من المجهول، خاصة في الأمور التي فشلت في تفسيرها المختبرات والنظريات العلمية، وهو ما يعرف "بسلوك الحيرة"، وهو جزء من حياة البشر ولا يقتصر على طبقة معينة من الناس، فهناك علماء تصل إلى درجات علمية كبيرة وينتابها من وقت لآخر هذه الأفكار لأنها موروث قديم ما يزال راسخا في سلوكياتنا البشرية.

وعلى الرغم من معرفة البشر أن الدين يحرم مثل هذه الخرافات إلا أن بعض الشخصيات السطحية والهامشية والتابعة والمنقادة تميل إلى معايشة الخيال والدخول في متاهات الوهم أكثر من أن تتجه إلى الواقعية أو التعامل مع القضايا الحياتية بصورة عقلانية.

ويؤكد "الشادي" أن من أكثر المستجيبين لهذا النوع من الخرافة السيدات بنسبة 55% ويرجع ذلك إلى أسباب عدة أهمها: حالة الجهل الثقافي والديني والسياسي والاجتماعي، وعدم الفهم الحقيقي لأسباب الأمور، كما أنه كلما زادت الضغوط الاقتصادية والإعلامية والاجتماعية والنفسية والخلافات الزوجية على الشخص أدت إلى عدم الثقة والإصابة بحالات القلق، خاصة عند النساء لأنهن أكثر عرضة لهذه المؤثرات ولزوالها يلجأن إلى أي وسيلة غير علمية للتخلص من هذه الأمراض حتى إذا كانت عن طريق هؤلاء المشعوذين الذين يتسترون تحت ستار ديني.

التعويذة

ويبدو أن عدوى نشر الخرافة لم تقتصر على الفضائيات وحدها، حيث ظهرت جريدة مصرية متخصصة في الخرافة اسمها "التعويذة" واختارت أن يكون غلافها أسود، لزيادة الإثارة والرعب، ورغم أنها تتخذ شعار "معا ضد الجدل والشعوذة"، إلا أنها منذ صدورها لاقت هجوما كثيفا بتهمة أنها تحرض على الجدل والشعوذة.

يقول محمد رجب رئيس تحرير "التعويذة"، لـ"جريدة الشرق الأوسط": "نحن الجريدة الوحيدة المتخصصة في العالم العربي في علم الباراسيكولوجي، وهو علم في أوروبا له منهجه الأكاديمي، وفيه علماء متخصصون وله صحافته التي يقبل عليها ملايين القراء".

ويرى "رجب" أن صحيفته تهدف إلى إيقاظ الناس من وهم الدجل والشعوذة كي يفهموا أن الإنسان أقوى من الجن، وأن هناك قوى خفية وهذه القوى قدرات، ولكن ليست عفاريت وشعوذة.

ويضيف: "نحن نرصد الأحداث فقط، ولا ندخل كطرف في التغطية، وإنما نوضح الأمر ونحاول أن نقدم خدمة متميزة، عبر التعرض للقوى الخفية".

تبدو المشكلة في أن المشعوذين والدجالين والخارجين عن القانون يستغلون الخيال والغيبيات لصالحهم، ويشوهون العلم باحتيالهم ونصبهم.

وننتهي من مقال "أحمد صالح" "خرافة موت الخرافة" الذي يزعم فيه أن العالم لم يتغير إلا بمقدار قليل، وطالما يوجد بشر ستوجد الخرافات والغيبيات، وهي ليست أبدا من الأديان التي تحض على عمل الخير وتنهى عن الشر. إن الخرافة عندما تصبح جزءا من القناعات والثقافة بل جزءا من العقيدة تنجح تماما في تكييف كل تقدم علمي وتكنولوجيا لصالحها، وتحارب وتنفي كل الثقافات الأخرى وتكون عائقا لتطور المجتمع وتقدمه وتبقيه في حالة من الخمول العقلي والكسل الذهني والغيبي والوهم والتخلف، لكن في نفس الوقت يحاصر التقدم العلمي والتكنولوجي الخرافة والغيبيات، ويجعلها في حدود الثقافات الفرعية فهي حالة صدام مستمر بين العلم والخرافة.

يتم ذلك في فضاء يوفر 262 قناة لجمهور عربي يعاني ضغوطا حياتية لا تُعد ولا تُحصى في ظل موروث ثقافي سلبي تتسيد قنوات الشعوذة والدجل وقراءة الطالع على إيهامه بالتخلص منها ليعكس المتلقي الحكمة قائلا، بوعي ودون وعي "صدق المنجمون ولو كذبوا".

** صحفية مصرية.