بوش .. وانتهاء النفوذ الأمريكي
نشر منذ: 18 سنة و أسبوع و 6 أيام
الإثنين 13 مارس - آذار 2006 05:36 م

عامر عبد المنعم

أثار الرئيس الأمريكي جدلا واسعا داخل أمريكا منذ إعلانه الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط مع حلول عام 2025. فقد كان هذا الإعلان بالإقلاع عن 'إدمان النفط' بمثابة مفاجأة لأنصاره في الحزب الجمهوري قبل خصومه الديمقراطيين. فالحديث عن الطاقة البديلة غير واقعي، علاوة علي إن الإدارة الأمريكية ليس لديها خططا مدروسة في هذا المجال، وفوق هذا فان الاعتمادات المالية لهذه المشروعات البديلة التي اقترحها تم تقليصها فعلا لعدم جدواها، الأمر الذي أعطي انطباعا بأن الاقتراح غير مدروس جيدا وصدر بشكل غير مرتب له.

إذن لماذا أعلن بوش عن هذه القضية الكبيرة بدون دراسة مسبقة، وقبل أن يناقشها مع أركان إدارته باستفاضة تتناسب مع خطورتها؟

ربما لم يكن واضحا لأول وهلة السبب الذي يقف وراء هذه الدعوة الخيالية، لكن بوش أجاب عن الاستفهام في تصريحاته وقال وهو يتحدث عن الاهتمامات والهواجس الأمنية أن 'بعض الدول التي نعتمد عليها في الحصول على البترول لديها حكومات غير مستقرة، أو توجد اختلافات أساسية بينها وبين الولايات المتحدة ... وهذا يثير قضية تتعلق بالأمن القومي حينما نصبح رهائن للطاقة الموجودة لدى دول أجنبية قد لا تكون راضية عنا.' أي انه يطالب الشعب الأمريكي بأن يستعد لمواجهة ما هو أسوأ و هو خروج أمريكا من المنطقة العربية، التي يري أن الحكومات التي ستتولى الحكم فيها خلال العقدين القادمين ستكون معادية للولايات المتحدة و أنها ستقطع النفط عن بلاده.

دعي بوش الشعب الأمريكي للاستعداد للعيش بدون بترول ودعاهم إلي العودة إلي الاستفادة من الرياح والفحم والطاقة الشمسية والوسائل المبتكرة لإنتاج الإيثانول والأنماط التكنولوجية الأخرى لتمكين الأميركيين من تقليص استيرادهم للنفط من الشرق الأوسط بنسبة 75 بالمائة.

عندما يتنبأ بوش بحدوث تغييرات كبري في الشرق الإسلامي وانقلاب علي السياسة الأمريكية فهذا نتيجة معطيات يراها أمام عينيه و يثق في تحققها خاصة أنه يخوض معركة ممتدة استنزفت قوة دولته و يري هزيمته أما عينيه. ومفاجأة بوش ليست مجرد فكرة تم حشرها حشرا في خطاب'حالة الاتحاد' كما ذكر بعض المسئولين في البيت الأبيض ردا علي الانتقادات التي وجهت للإدارة و السخرية من كلام الرئيس. فما طرحه بوش حقيقي . تؤكده المعلومات المتعلقة بالوضع النفطي الحالي ومؤشرات المستقبل.

فقد شاء الله أن يكون أكثر من ثلثي المخزون النفطي في بلاد المسلمين . وأكبر منتجي النفط في العالم أعضاء منظمة أوبك 11 دولة، منها عشر دول إسلامية هي: السعودية ،الكويت،العراق، الجزائر، إيران،قطر، اندونيسيا، نيجيريا، ليبيا، والإمارات. كما تضم المنظمة فنزويلا خامس اكبر دولة منتجة للنفط في العالم.

وبوادر فطم أمريكا من النفط بدأت من الدولة اللاتينية. حيث يقود الرئيس الفنزويلي شافيز حملة التصدي لأمريكا مستخدما النفط كسلاح للرد علي الغطرسة الأمريكية. و قد شرع في بيع النفط لدول أخري تمهيدا لمنعه عن أمريكا. بدأ بدول الجوار ويستعد لبيعه إلي الصين. وهو بهذا النهج يفتح الباب أمام الدول الإسلامية لاستخدام هذا السلاح لمواجهة التدخل الأمريكي وفرض الهيمنة بالقوة.

بمتابعة خريطة التحولات نجد أن اتجاهات السياسة في الدول الإسلامية كلها تتجه نحو التمرد مستقبلا. وكلما ازدادت الحماقة الأمريكية في التعامل مع المسلمين كلما قرب ذلك من اليوم الذي يحذر منه الرئيس الأمريكي. ورهان واشنطن علي الحكومات الموالية لها و الخائفة من عقابها لن يطول مع تزايد الشحن ضدها. فهذه الحكومات التي خدمت أمريكا بإرادتها أو رغما عنها لم تعد قادرة علي تجاهل الرأي العام داخلها، وهذا سيؤدي في النهاية إلي أحد أمرين: إما تمرد حكومات هذه الدول لاسترضاء شعوبها وتجديد مشروعيتها التي ستقوم علي التصدي لأمريكا، وإما أن تجرف موجة الكراهية للولايات المتحدة الحكومات التي تصر علي السير في طريق التبعية للنهاية، و تأتي بغيرها يتواءم مع الموجة الاستقلالية.

لكن ثمة تطور مهم تشير إليه تطورات الأحداث علي الساحة الدولية. فقد تسببت الضربات التي تتعرض لها الجيوش الأمريكية والغربية علي أيدي المجاهدين في العراق وأفغانستان في تشجيع الشعوب المسلمة وتحميسها ودفعها للتمرد و الانتقال خطوات إلي الأمام. و برزت القوة الشعبية داخل الدول الإسلامية في أبهي صورها مع حملة التصدي للإساءة للرسول صلي الله عليه وسلم بعد الرسوم المسيئة التي نشرتها صحيفة دنماركية.

لكن ونظرا لحجم الضغوط الغربية وانتشار القواعد العسكرية الثابتة والمتحركة فان عملية طرد الوجود الأمريكي والغربي ستحتاج إلي بعض الوقت، لكن بالتأكيد سيصل المسلمون إلي النقطة التي ستكون فاصلة وتقلب الأوضاع لصالح الأمة الإسلامية.

ويواكب سعي المسلمين للانعتاق من الهيمنة الأمريكية نضال الشعوب في أمريكا اللاتينية التي كانت حركتها المضادة للهيمنة الأمريكية أسرع مما تخيل الأمريكيون. فهم تعرضوا مثلنا للتدخل الأمريكي ، لكنهم استطاعوا أن يستردوا إرادتهم وقهروا الدور الخارجي . وأكبر ضربة آذت أمريكا استقرار نظام تشافيز في فنزويلا وانتخاب بوليفيا افو موراليس الرفيق والحليف القوي لتشافيز واستمرار حكم فيدل كاسترو وتوقعات بحدوث نفس السيناريو في انتخابات مقبلة في دول مجاورة في هذه القارة التي عانت من العدوان الأمريكي.

وإذا كان الكثير من الكتاب قد تناولوا هزائم الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، واعتبروا عام 2005 هو العام الذي فقدت فيه الولايات المتحدة نفوذها في أمريكا اللاتينية. فان الواقع يشهد أيضا أن عام 2005 هو عام انكسار هيبة أمريكا وانهيار حلمها الإمبراطوري في العالم العربي علي أيدي مجموعات قليلة من المسلمين في العراق بإمكانات لا تقارن مع الترسانة الأمريكية التي تفوق أسلحة دول العالم مجتمعة.

 

من عوامل القوة المستقبلية التي تخيف بوش الرغبة التي تبديها حكومات أمريكا اللاتينية الصاعدة في التقارب مع الدول الإسلامية لإقامة معسكر معادي لأمريكا، فالتعاون بين المسلمين والقادة الجدد في أمريكا الجنوبية يمكن أن يقف في وجه استمرار أمريكا كإمبراطورية مهيمنة، و قد يتسبب حرمان الولايات المتحدة من النفط في توقف عجلة الحياة بها.

 

دوما كان الرئيس الأمريكي يكذب و يتحري الكذب في الدفاع عن سياساته، لكنه هذه المرة كان صادقا. و صدقه محاولة لتخفيف وطأة الانكسار، ولتحذير شعبه من المحنة القادمة التي ربما تتحقق قبل الفترة التي حددها بكثير. فالتطورات سريعة، والترنح بدأ يظهر بقوة، عقب المغامرات الخاسرة للإدارة الأمريكية المحافظة التي أغرتها القوة فدفعتها للعدوان وسفك الدماء فأحيت روح المقاومة في أمة كانوا يظنون أنها ماتت.

 

ها هو الرئيس الأمريكي يحذر قومه من حصار بترولي متوقع، و في هذا نهاية للحلم الإمبراطوري الأمريكي وفشل نظرية نهاية التاريخ وتتويج أمريكا زعيمة للعالم. نحن نري عجلة التاريخ تدور مرة أخري، لكن ليست في صالح أمريكا و إنما لصالح قوي أخري جديدة. و تؤكد المؤشرات صعودا إسلاميا سيعيد التوازن للنظام الدولي المختل منذ سقوط الخلافة الإسلامية ويفرض واقعا جديدا يحدد إقامة أمريكا داخل حدودها ويمنعها من تصدير العدوان تجاه الآخرين

الرئيس يتواصل مع الإرهابيين فما رد الأميركيين؟!
معونات التنمية لأغراض التنمية
مشاهدة المزيد