حاجة الأمة للعودة لنبيها كقائد وقدوة
بقلم/ يحي قاسم أبو عواضة
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 23 يوماً
الخميس 02 فبراير-شباط 2012 10:26 ص

واحد من أهم ما جعل الأمة عرضة للضياع والخسران هو ما عمله أعداء هذه الأمة بكل جد وبشتى الوسائل من فصل للأمة عن مصادر عزتها وقوتها وتفريغ هويتها ونسف المبادئ التي تؤدي إلى أن يبقى المسلمون معتزين بتاريخهم وأعلامهم لتصبح أمة لا تاريخ لها تعتز به ولا أعلام حق تسير خلفهم وهذا من أسس تهيئة الأمة لقابلية الإستعمار عندما يتحرك وينقض على هذه الأمة في الوقت الذي لم يعد لها علاقة بتاريخها الإسلامي بماضيها بأعلامها الإسلاميين برموزها الدينية.. فأصبحت تقدس الظلمة والمنحرفين والمجرمين ويقدم لها هؤلاء بأنهم سلفها الصالح. فعندما تأتي لتتصفح تاريخ هذه الأمة وحاضرها تجد نفسك أمام سلسلة من الحكام الظالمين الذين ساموا الأمة سوء العذاب وقدموها أمة ممزقة متناحرة ضعيفة مستعبدة لأعدائها ولقد كشفت ثورة الشعوب وما سمي بالربيع العربي أنه طفح الكيل بالشعوب ووصلت الأمة إلى مرحلة سئمت فيها ثقافة التدجين ثقافة الذلة والخنوع التي ظلت تتردد على مسامعهم من قبل هؤلاء الحكام وأبواقهم الإعلامية من المرتزقة سواء باسم علماء أو مثقفين أو كتاب أو غيرهم وأنه آن الأوان أن تعود إلى نبيها الذي أخرجها من الظلمات إلى النور وجعلها خير أمة أخرجت للناس وعلمها الكتاب والحكمة وعمل على تزكيتها وهدايتها, آن الأوان أن تعود إلى المعلم والمربي والهادي لها .

 إن الأمة في هذه المرحلة بالذات بأمس الحاجة إلى أن تعود إلى نبيها الذي أبعدته عن واقع حياتها كقدوة وقائد ومعلم ومربي وهادي لها في كل مجالات حياتها تعود إليه من خلال ما قدمه القرآن الكريم عن هذا النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)وليعرفوا من خلاله من هو الجدير بأن يلي أمرها ومن يمثل الإمتداد الحقيقي للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) من يمكن أن تعتز الأمة بهم ويسيرون بها في طريق مجدها وعزتها, وأن ترفض كل من قُدِموا لها كأعلام وقدوات وليسوا بمستوى الإقتداء ولا الإهتداء بهم من كانوا سبب ما وصلت إليه الأمة من الذلة والهوان سواء في الماضي أو الحاضر هؤلاء الذين وصلوا في زمننا إلى درجة أنهم لم يعودوا من هذه الأمة وإنما هم مصنفون في خانة أعداء الأمة فهم أقرب إلى أعداء الأمة منهم إلى شعوبهم وأمتهم. عندما نرى العالم العربي يصيح اليوم من الطواغيت ودورهم الخطير في إذلال هذه الأمة وقهرها فيجب أن يعرف هذا العالم أن سبب ذلك هو جهلها بنبيها وابتعادها عنه فكان البديل هم هؤلاء الطواغيت الذين قدمهم علماء السوء زورا وبهتانا وكذبا أنهم امتداد لهذا النبي العظيم تحت عنوان [ وأولي الأمر منكم ] دون حياء أو خجل من الله أولا ومن النبي العظيم ثانيا هذا النبي الذي أشاد الله بفضله وقرن اسمه باسمه ورفع له ذكره:{ورفعنا لك ذكرك} وطهر لسانه وما ينطق به:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} ثم منحه وساما سيبقى خالداً إلى آخر أيام الدنيا: {وإنك لعلى خلق عظيم} وطهر ساحته المباركة فقال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}, هذا النبي الذي هو دعوة نبي الله إبراهيم الذي دعا الله بقوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }(البقرة129) وبشارة نبي الله عيسى:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}(الصف6) ولعظمته (صلوات الله عليه وعلى آله)أخذ الله ميثاق أنبيائه بأن يؤمنوا به قبل مبعثه فقال سبحانه وتعالى حاكيا ذلك:{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ

فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}(آل عمران81( . وأشاد بروحيته العظيمة التي كان يتميز بها واهتمامه العالي بأمته في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(التوبة128) . وامتن الله به على عباده وبين دوره العظيم والمهم فقال سبحانه وتعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}(آل عمران164) . ولمعرفة أهمية أن ترتبط الأمة بهذا النبي فيما يتعلق بعزتها وقوتها وسيادتها عمل أعداء الأمة في الماضي والحاضر على الإساءة إلى هذا النبي العظيم سواء تلك التي وجهت ممن يحملون له العداء بشكل واضح ومكشوف أو ممن يحملون له العداء ولكنهم يختفون خلف أقنعة جذابة فدسوا الكثير من الأكاذيب داخل كتب هذه الأمة تحت عنوان [سيرة النبي] تؤدي في الأخير إلى الإساءة لهذا النبي والتصغير من شأنه بل عمل اليهود على إنشاء حركات باسم الإسلام تعمل على التحقير للنبي والتقليل من شأنه والإساءة إليه باسم الإسلام لتقدم في نهاية الأمر ثقافة يتثقف بها أبناء هذه الأمة ويدينون الله بها إمعانا منهم في محاولة فصل الأمة عن هذا النبي العظيم وجعلها تنظر إليه بنظرة طبيعية نظرة لا تليق به ولا بعظمته فلا يكن لهكذا معرفة أي مردود إيجابي على الأمة .

من يقرأ ما هو موجود في الكثير من كتب السير وبالذات ما يقدم كمناهج للمدارس على أنه سيرة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) يرى كيف قدم النبي فيها بشكل لا يرضاه أحدنا لنفسه بل تجد ما قاله بعض الغربيين وما يظهرونه من الإعظام والتقدير والإحترام أفضل بكثير مما يقدم في كتب السيرة في مدارسنا ألم يقدموا النبي الذي قال الله عنه { وإنك لعلى خلق عظيم} أنه مشى عاريا وكان يبول قائما ويحضر الحفلات الراقصة ويقدم أنه كان قائدا ضعيفا إنما فقط يوجهه أص حابه في المعارك ويقدم أيضا أنه كان مغرم بالنساء إلى درجة أنه كان لا يقدر على مفارقة زوجته حتى في معاركه العسكرية وأنها ضاعت عليه في إحدى المعارك لمدة ثلاثة أيام وجاء بها بعد ذلك مجموعة من الشباب واتهمت على إثرها بالزناء وأشيع هذا في أوساط الجيش في قصة الإفك التي ينسبونها إلى زوجة النبي وهي نسبة لا أساس لها من الصحة. يقدمونه أيضا قائدا لا يهتم بشؤون جيشه إلى درجة أنه استنفر الجيش الإسلامي في بعض الغزوات في حرارة الشمس الحارقة في وقت الظهيرة للبحث عن عقد أضاعته زوجته عائشة في الوقت الذي يجلسان في الخيمة لقضاء فترة القيلولة حتى ضج الجيش بالسخط وشكى الأمر إلى أبي بكر والذي دخل بدوره يعاتب ابنته على ما عملته بالمسلمين. يقدمونه أيضا قليل حياء وشخص لا يراعي كرامة الناس ولا شرفهم فعندما وصل إلى المدينة يقدمونه دون حياء ولا خجل وهو يتبادل مع نساء من بني النجار كلمات الغزل والعشق [أتحببنني قلن نعم والله إنا لنحبك فقال وأنا والله أحبكن ]!يقدمونه أيضا أنه كان يتدخل في ما لا يعنيه في قصة [تأبير النخل] وغير ذلك الكثير الكثير من الأشياء السيئة التي ننزه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)عنها والتي لا تنسجم مع عظمته والتي أوجزها الله في قوله فيه: {وإنك لعلى خلق عظيم} إساءات لو تتأملها لاتضح لك بأن من وضعوها قصدوا بذلك تشويه النبي والتبرير لما سطره سلاطين الجور من أعمال سيئة من الفسق والفجور.. حتى وصل بهم الحال من الإهانة له إلى أن يكتبوا على قبره (صلوات الله عليه وعلى آله)( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) فيجعلونه ظهيرا للمجرمين ومروجا للفسق والفجور وكأن الهدف لمن يذهب لزيارته هو العودة بفتوى من النبي ليرتكب أنواع الجرائم والرذائل من العيار الثقيل من الكبائر والنبي هناك جاهز ليشفع لهم وأخيرا بدل أن يقدموه كم كان حريصا على أمته حتى في أيامه الأخيرة وهو مريض كيف كان يقدم لأمته الضمانات لبقائها عزيزة قوية فيختمون حياته (صلوات الله عليه وعلى آله) بأنه غادر الحياة تاركا أمته دون حلول بعد أن أخبرها أنه سيكون هناك فتن كقطع الليل المظلم يمسي المرء فيها مؤمنا ويصبح كافرا ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا ولم يكتف هؤلاء بأنه ترك أمته لقمة سائغة للظلمة والطواغيت والإنتهازيين بل يقدمونه أنه أمر أمته بطاعة هؤلاء المجرمين حتى وإن قصموا ظهرها ونهبوا ثرواتها وخيراتها.

وبالمقابل عندما تعود إلى بعض ما ورد عن علماء الغرب تجد أنهم يعظمون النبي ويجلونه أكثر بكثير ممن قدموا لنا ما يسمى بسيرته .. فيتحدثون عنه بأنه استطاع أن يبني أكبر دولة في الشرق الأوسط وأنه استطاع تحويل أولئك البدو الرحل الذين لا يعرفون شيئا من الحضارة ولا الإنتظام إلى أمة متحضرة منظمة في فترة قياسية وجيزة بل قدم بأنه أعظم عظماء التاريخ وهكذا تجد الفرق الشاسع بين النظرتين وخصوصا النظرة التي يحملها الوهابيون الذين لا تجد للنبي لديهم أي قيمة ولا حتى جدير بأن يحتفل بمولده ويصفون ذلك بالبدعة والشرك ولا جدير أن يقوم أحد بزيارته وإنما فقط زيارة المسجد فيقدمون المسجد أعظم من النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) بل غير جدير بأن يصلى عليه عند ذكره صلاة لائقة فتراهم يلوكون الصلاة عليه عند ذكره

فيقولون [صلى الله عليه وسلم] بل كانوا يصرحون بأنه عبارة عن بدوي جاء برسالة وذهب! وأن غاية ما كان يحمل من المواصفات أنه كان صادقا وأمينا دون الحديث عن أنه كان رجلا كاملا في كل مجالات الحياة يملك مشروعا دينيا متكاملا سياسيا وعسكريا واقتصاديا وتربويا لإقامة دولة تحكم العالم بكله وفي كل شئون الحياة وليس فقط عبارة عن موعظ في قضايا محدودة حول العبادات والمعاملات ولا يمتلك أي رؤية لبناء الحياة بكلها كما يقدمونه وبالتالي من السهل أن يقدم هؤلاء الذين ينظرون إلى النبي هذه النظرة أن يقدم السلاطين والطواغيت الفاقدين للأهلية قديما وحديثا امتداد له وخلفاء له أو يقدم فقهاء السلاطين ورثة له . وبسبب هذه النظرة أيها الإخوة ضاعت الأمة وانحطت وحكمها سفهاؤها والمجرمون فيها وصارت وضعية الأمة أسوء مما كانت عليه أيام جاهليتها .

فالأمة وخصوصا وهي تصيح تحت أقدام الطواغيت والمجرمين بحاجة إلى العودة الحقيقية إلى أن تستلهم قوتها وعزتها ومجدها وكرامتها من حياة هذا النبي العظيم الذي كان يعز عليه أي مشقة تلحق بأمته الذي كان حريصاً عليها رؤوف رحيم بها يكاد أن يقتل نفسه وهو يعمل على إنقاذها من الضلال وإخراجها من الظلمات إلى النور وقدم لها الضمانات لعزتها ورفعتها ومجدها .

علينا أن نعرف النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)من خلال القرآن نعرفه بالشكل الذي قدمه الله لنا وكيف هي مواصفات من يكون امتداداً له تلتف الأمة حوله لتحصل من خلاله على العزة والمنعة والقوة والحرية والسيادة على بقية الأمم الأخرى ولتعود خير أمة أخرجت للناس وتقوم بمسئوليتها الإلهية في إنقاذ البشرية من الضياع.

* باحث في الفكر القرآني للسيد / حسين بدر الدين الحوثي