لماذا بات انتخاب "هادي" مطلباً هاماً ومُلحَّاً ؟!
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 14 يوماً
السبت 11 فبراير-شباط 2012 07:25 م

قالو .. من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته ، ونحن أبناء وثوار اليمن عندما نشاهد اليوم - عبر وسائل الإعلام المختلفة - تلك البربرية والفاشية ، التي يرتكبها نظام الإجرام السوري بحق شعبه الثائر من أجل كرامته ، تهون علينا مصيبتنا ونحمد الله سبحانه أن جنبنا وجنب بلادنا ويلات الحروب والدمار، ذاك النظام الهمجي المدعوم من ولاية الفقيه في طهران ، ومن حزب الله في لبنان ، وبمساندة من الفيتو الروسي والصيني مؤخراً ..

طهران التي زرعت حزب الله ليكون يدها الطولى في تسويق مشروعها التوسعي في المنطقة بدعوى المقاومة لإسرائيل ، وابتلعت العراق بأكمله بعد احتلاله في غفلة من التاريخ "الرديء" لأمتنا ، كما استولت على البحرين أو كادت ، وامتدت يدها إلى اليمن خلسة فوصلت إلى قلب صعدة ، وزرعت فيها فرعاً لـ "حزب الله" جناح اليمن ، فكانت تلك الانتكاسة التي أصابت بلدنا بمقتل في جزء غالِ من تراب وطننا ، والتي باتت واحدة من المعضلات الكبيرة التي دفعنا - ولا زلنا إلى اليوم - ندفع ثمنها باهضاً .

لقد مرّ عام كامل على انطلاق ثورتنا ، تخللته العديد من المواقف التي تقاطعت فيها آراؤنا "المندفعة والمتحمسة" في مجمل الساحات ، وبين الأطراف السياسية التي كانت تتصدر المشهد في إدارة المعركة سياسياً مع النظام ، تلك المواقف التي كنا نراها مجحفة في حق ثورتنا ، وعائقاً أمام تحقيق مطالبنا ، بل ووصفها بعضنا بـ"الخائنة" لدماء الشهداء ، ثم أتت بعد ذلك العديد من الأحداث ، لتكشف لنا حقيقة أن تلك المواقف من طرف قيادات المعارضة كانت على العكس مما كنا نضن ، فقد كانت متوازنة وحصيفة ، بل واتسمت بقدر كبير من الحكمة في تعاطيها مع مجمل تلك الأحداث التي تقاطعت فيها آراء الثوار معها ، كموضوع الحوار مع النظام في بداية الثورة ، والزحف صوب القصور ، ثم القبول بالمبادرة الخليجية .. وغيرها من الأمور الساخنة في مسار الثورة .

لقد أصبحت المبادرة الخليجية – كما يبدوا وبمرور الوقت - هي صمام الأمان "المقبول" نسبياً ، والمتناغم مع متطلبات المرحلة ، وهي التي كنا قد رفضناها في الساحات رفضاً قاطعاً وباتّاً ، بل وشنينا عليها وعلى الأحزاب التي قبلت بها أعنف هجوم ، واليوم تُرانا قد قبلنا بـ "هادي" رئيساً "توافقياً" للبلاد ، وهو الذي كنا نعده واحداً من أقطاب ورموز النظام الذي خرجنا جميعاً لإسقاطه ، بل وأكثر من ذلك فقد بات الذهاب إلى صندوق الاقتراع في الحادي والعشرين من فبراير القادم وتزكية "هادي" واجباً وطنياً علينا ، ومطلباً هاماً ومُلحاً تقتضيه المصلحة العليا لبلدنا !! فما الذي حدث إذاً ؟!

هل تراجع سقف مطالبنا ؟! وهل حقاً أن ثورتنا قد سُرقت من بين أيدينا ؟! .. الصحيح والأكيد أنه ليس هذا ولا ذاك .

إننا حين نقرأ المشهد اليمني في سياق قراءاتنا المختلفة لثورات الربيع العربي من حولنا ، سنجد أننا الأفضل حظاً من غيرنا ، ونحمد الله على ذلك ، ففي مصر مثلاً كنا قد ظننا بأن الثورة قد اكتملت يوم تنحي مبارك بعد 18 يوماً ، فإذا بالثورة المصرية تتجدد بعد عام كامل لمجابهة ما سُمى بالثورة المضادة التي ما فتئت تخطط لإجهاض ثورة 25 يناير ، وفي ليبيا رأينا كم كان ثمن رحيل القذافي فادحاً على الشعب الليبي بشكل لم يكن يتخيله حتى إنسان مخبول قد فقد عقله ، ولكنه بات حقيقة مفجعة ، لقد قدّم الليبيون ما يقارب الـ 56.000 شهيد "بحسب الخبير العسكري العميد صفوت الزيات على شاشة الجزيرة" ، إضافة إلى تدمير مدن وقرى بأكملها ، وتقريباً كل البنية التحتية للبلاد ، ناهيك عن عبئ التدخل الدولي ممثلاً بحلف النيتو ، وغير ذلك وغيره الكثير الكثير .

أما عن سوريا والتي افتتحت بها مقالتي لأهمية ذلك في سياق ما أود الوصول إليه .. فالأمر جد جلل وخطير .. ففي ليبيا كان العالم قد استطاع تمرير قرار سريع في مجلس الأمن يقضي بتدخل دولي ، لكنه فشل مؤخراً في سوريا بسبب تعقيدات الوضع السوري ، وتقاطعات المصالح فيه بين أقطاب القوى العظمى ذات التأثير والنفوذ في العالم ، وعلى إثر ذلك الفشل رأينا كيف يحاول نظام الإرهاب في دمشق الاستعصاء على الاقتلاع ، والذي بات واضحاً للعيان أنه يريد أن يُدفِّع الشعب السوري ثمناً باهضاً لرحيله هو أيضاً ، في ظل عجز عربي وإسلامي و تخاذل دولي . 

ولعلنا نستخلص من الدرس الليبي والسوري تحديداً ، أن "السياسيين" في المعارضة اليمنية كانوا خلال المرحلة الماضية ربما أكثر مهارة وعمقاً من الشباب داخل الساحات في قراءة مشهد الربيع العربي ، وفي استقراء النتائج والتبعات التي يمكن أن تلحق بالوطن جراء الدخول في صدام مباشر مع النظام ، والتي لا يمكن إلا أن تكون "كارثية" بكل الأحوال ، ولربما كانوا أيضاً أكثر معرفة ومِراساً في التعاطي مع العقلية التي يفكر بها صالح وأركان نظامه ، ولذلك تعاملوا مع الأمور بقدر كبير من البرجماتية والدهاء السياسي ، بعيداً عن العواطف وردَّات الفعل الغاضبة والغير محسوبة النتائج ، وقد بدا ذلك جلياً وواضحاً من خلال قبولهم السريع بالمبادرة الخليجية كحل يجنب الوطن ويلات التقاتل والحروب ، ويسحب البساط سريعاً من تحت أقدام صالح ، وقد أثبتت لنا الأيام وبخاصة بعد هذا الذي نشاهده اليوم في سوريا بأنهم كانوا محقين في تلك الخطوة.

وخلاصة القول نتوجه به إلى الذين لم يقتنعوا بعد بفكرة ترشح النائب "هادي" لمنصب الرئيس ، ونقول لهم أن هذا الإجراء ما هو إلا واحداً من آليات تطبيق بنود المبادرة الخليجية ، وإن كنتم لا زلتم لم تقتنعوا بالمبادرة نفسها حتى اليوم ، فلتعلموا أن البديل عن ذلك كله كان سيكون شبيهاً بما يحدث اليوم في سوريا ..إن لم يكن أشد ضراوة منه .. إذ أن كل القراءات للواقع من حولنا تقول ذلك .. فهل يمكن لعاقل أن يقبل بهذا البديل .