آخر الاخبار

رئيس مقاومة صنعاء الشيخ منصور الحنق يوجه مطالب عاجلة للمجلس الرئاسي بخصوص جرحى الجيش الوطني .. والمقاومة تكرم 500 جريح تفاصيل يوم دامي على الحوثيين في الضالع وجثث قتلاهم لاتزال مرمية.. مصادر تروي ما حدث في باب غلق بمنطقة العود اليمن تبتعث ثلاثة من الحفاظ لتمثيل اليمن في المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته بجيبوتي قصة موت جديدة تخرج من سجون الحوثيين.. مختطف في ذمار يموت تحت التعذيب ومنظمة حقوقية تنشر التفاصيل واحصائية صادمة حملة إلكترونية لإحياء أربعينية مدير دائرة التصنيع الحربي اللواء مهندس حسن بن جلال تعطل كافة أنظمة السداد الالكتروني شركة الاتصالات اليمنية تليمن ويمن نت.. تفاصيل الاسباب قائد الأسطول الأمريكي يتحدث عن السبب الذي يجعل موعد انجاز مهمة القضاء على خطر الحوثيين بالبحر الأحمر غير معروفا حتى الآن؟ القيادي الحوثي يوسف المداني يعترف : كل عمليات التفجير لمنازل خصوم المسيرة تتم بتوجيهات عبدالملك الحوثي وهو من يحدد موعد التفجير- فيديو بخسارته من الإمارات 3-0.. هل تضاءلت فرص المنتخب اليمني في المنافسة؟ الحكومة تعد لمشروع لائحة جديدة تنظم أوزان نقل البضائع على الشاحنات

الإصلاحيون: بين تطلّعات الأمس وتحدّيات اليوم 2-3
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 12 سنة و أسبوعين و 5 أيام
الأربعاء 07 مارس - آذار 2012 04:16 م

مقاربة تربوية في ضوء الثورة

تطلّعات الإصلاحيين:

بناء متوالية تربوية نظرية وطفرة سياسية عملية

بالنظر إلى الفكرة الأساسية التي قامت عليها حركة الإخوان المسلمين بعامّة – واليمن جزء من ذلك- فإن أهدافها النظرية حسبما ورد في رسائل المؤسس الراحل الإمام حسن البنا وبالأخص في رسالة ( إلى الشباب) تقوم على مبدأ التربية المرحلية، وسبيلها إلى ذلك: التزام أسلوب التدرّج، وربط كل مرحلة بسابقتها، حيث نص في رسالته تلك على البدء ببناء الفرد المسلم، وذلك من حيث تفكيره وعقيدته، وفي خُلُقه وعاطفته، وفي عمله وتصرّفه، ثم البيت المسلم، رجلاً وامرأة، ثمّ الشعب المسلم، وذلك من تلك النواحي السابقة جميعاً، وبعد ذلك يأتي دور الحكومة المسلمة. ويلاحظ أن دعوة الإخوان المسلمين في اليمن عبر تجمع الإصلاح لاسيما في العقدين الأخيرين، أي من بعد الإعلان الرسمي عنه في 1990م قد اختزلت إلى حدّ كبير في الهدف الأخير منها، على صعيد الممارسة والمخرجات، وهو إقامة الحكومة المسلمة. وصحيح أن العمل التربوي (التهذيبي) ظل مصاحباً للحركة طيلة كل مراحلها بما فيها العقدان الأخيران، ولكنه إلى الشكل أقرب، بالنظر إلى طبيعة المخرجات، ولا سيما في جوانب الانتقال بتأثر الفرد إلى أسرته ومجتمعه، ومن ثمّ حكومة المجتمع، ذلك أنّه خلافاً لأوضاع النظم السياسية القائمة في بعض البلدان العربية كمصر أو العراق أو الشام – بتصنيفه التاريخي- أو المغرب العربي – بتصنيفه التاريخي كذلك- حيث المعاناة الحادّة من النظم السياسية العِلمانية، التي فرضت على الاتجاه الغالب في الحركة الإسلامية هنالك السعي – ولاسيما في بعض المراحل- إلى إحلال ذواتها محل تلك النظم لتحقيق هدف إسلامية الدولة؛ فإن الحالة الإسلامية اليمنية لاتعاني شيئاً يذكر من هذه الزاوية، على مستوى النظرية والأدبيات، إذ تنص المادة الثانية من الدستور اليمني الحالي- ناهيك عن الدستور الدائم السابق لذلك في شمال البلاد - على أن دين الدولة الإسلام، كما تنص المادة الثالثة على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات، كما أن جميع القوانين النافذة في البلاد تتوخى -في الجملة- مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية، وتحرص على عدم التعارض مع نصوصها. ومع أن الجهود كلها قد انصبت على تحقيق الهدف الأخير المتمثل بإقامة (الدولة الإسلامية)؛ لكنه كان من غير المشتهر في الوسط الإصلاحي على أي مستوى أن تحقيق ذلك الهدف يعني تكفيراً للنظام السياسي القائم، أو ادّعاء بأن حزب الإصلاح يحمل مشروعاً إسلامياً بديلاً، في مقابل مشروع علماني قائم، بل المقصود تفعيل مواد الدستور القائم والقوانين النافذة وتطبيقهما عملياً، وعلى اعتبار أن بقاء الدستور الدائم الذي ظل مرجعاً للشطر الشمالي من البلاد طيلة عقدين من الزمان (1970-1990م)، تحقق بجهود إصلاحية غيّورة على إسلامية البلد وأصالته، كما أنّ التنصيص على بعض المواد الكليّة في الدستور الحالي- ولا سيما المادة الثالثة منه- جاء ثمرة جهاد مدني انتهى إلى انتصار الرؤية التي تولّى المناداة بها اتجاه حركة الإصلاح المطالبة بتعديل الدستور، فيما مثّل الرؤية الأخرى المتمثلة في الإصرار على عدم المساس بنصوص مشروع الدستور الحزبان الحاكمان في ذلك الحين، عقب إعلان الوحدة في 22/5/19990م، أي المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني، وخاصة هذا الأخير، نظراً لفزع بعض قياداته من السماح لأي نموذج إسلامي في الساحة، ناهيك عن أن يكون شريكاً لهم، أو بديلأً عنهم في السلطة، ولأن الثقافة التي تشرّبوها قبل ذلك كانت مليئة بالمبادئ العلمانية الحادّة المتوجّسة خيفة من سيطرة الفكر (الديني) على الحياة السياسية، على عكس ما أدركوه بعد الشراكة الفعلية مع الإصلاح سواء في السلطة عقب انتخابات 1993م، أم بعد إنشاء تحالف أحزاب اللقاء المشترك (المكّون من ستة أحزاب إسلامية ويسارية منذ العام 2002م)، وقد تأكّد خطأ ذلك الوهم أكثر من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة بصورة عامة، وعقب اندلاع الثورة الشبابية الشعبية في منتصف الشهر الثاني من عام 2011م بوجه أخص، لاسيما مع تراجع ذلك الصوت المنادي بدولة إسلامية أو ما في حكم ذلك الشعار من مثل تطبيق الشريعة، أو الحكم بما أنزل الله، أو نحو ذلك، ليظل محصوراً في الاتجاه (العُلَمَائي) – إن صحّ الوصف- أو ما يوصف بـ (المحافظ) داخل الإصلاح، وغدا الاتجاه الغالب ذو الصوت العالي هو التحوّل نحو المناداة بدولة (مدنية ديمقراطية حديثة)، بوصف ذلك لا يتعارض مع الدولة الإسلامية المنشودة، لكن من غير مناداة صريحة أو مباشرة بها، ويبدو أن ذلك علاوة على كونه قد جاء متأثّراً بشعارات الثورات التي سبقت الثورة اليمنية؛ فإنّه قد أرسل تطميناً للخارج الذي يراقب مجريات الثورة عن كثب، ليحدّد موقفه النهائي مَن الطرف الأكثر تأثيراً؟ وما إذا كانت مقاليد الأمور ستؤول إليه بعد رحيل صالح وعائلته ونظامه؟ فكأن ذلك التطمين قد جاء في صورة شعار (الدولة المدنية)، حتى لايخشى الخارج من سيطرة أكبر الأحزاب وأقواها (الإصلاح) على الثورة الشبابية الشعبية، هذا علاوة على التطمين الداخلي كذلك لحلفاء الإصلاح في إطار اللقاء المشترك- قبل غيرهم- الذين ربما ساور بعضهم الشكّ في استحواذ حليفهم الأكبر على نصيب الأسد من حصاد الثورة، ولهذا رأينا استباق الأمين العام المساعد لحزب الإصلاح الذي أصبح حالياً وزيراً للتخطيط والتعاون الدولي (عن الإصلاح) في حكومة الوفاق الوطني الدكتور محمّد سعيد السعدي ليؤكّد باكراً على أن الشراكة بين الإصلاح وحلفائه ستظل عشر سنوات قادمة على الأقل، ثم جاء تأكيد الناطق الرسمي الأسبق لأحزاب اللقاء المشترك عضو الهيئة العليا للإصلاح السيّد محمّد قحطان في بعض لقاءاته الإعلامية على المضمون ذاته. ولعل من أكبر الشواهد العملية التي قدّمها الإصلاح لتعزيز ذلك الاتجاه المتمثّل في عدم نيته السعي نحو الانفراد بالحكم في المرحلة المقبلة اقتصار مشاركته في حكومة الوفاق الوطني على شخصيتين إصلاحيتين رسميتين، تولت إحداهما حقيبة وزارة التخطيط والتعاون الدولي، فيما تولت الأخرى حقيبة وزارة التربية والتعليم، هذا فيما توّزعت بقية الحقائب أحزاب اللقاء المشترك الأخرى، إلى جانب مشاركة رمزية لشخصيات مستقلة! هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على خصوصية التجربة السياسية اليمنية وثورتها السلمية، إذ بينما يحصد الإسلاميون في كل من تونس ومصر والمغرب والكويت أغلبية الأصوات والمقاعد البرلمانية ومن ثم يرأسون الحكومات، والمجالس النيابية، ويتولّون الحقائب الوزارية على نحو ما جرى في تونس والمغرب - على سبيل المثال- حتى وصف الشيخ القرضاوي هذا الحراك الهادر في المنطقة بأنّه يمثّل عصر الإسلاميين أو حكوماتهم؛ في إشارة صريحة إلى أن الشعوب قد جرّبت غيرهم وآن أوان أن يجرّب الإسلاميون؛ يتوارى الإسلاميون (الإصلاحيون) في اليمن عن المشهد إلا من تمثيل رمزي على خلفية الحساسيات المشار إلى أهمها آنفاً.

الحلقة (3) الإصلاحيون: بين تطلّعات الأمس وتحدّيات اليوم

مقاربة تربوية في ضوء الثورة 3-5

تحدّيات الإصلاحيين:

ضعف في التوازن التربوي وأزمة في الحوار الداخلي

في ضوء ما تقدّم وبالنظر إلى المسار الكلي والجزئي لحركة الإصلاح في اليمن في طورها الراهن فلعلَ من أبرز التحدّيات الكليّة التي يواجهها حزب التجمّع اليمني للإصلاح على المستوى البنائي، وهو ما انعكس على مستوى الإنجاز والأداء العمليين في الكسب المجتمعي تحديّان جوهريان هما: ضعف التوازن في عمليتي التنشئة والتكوين، وأزمة الحوار الداخلي، وبيان ذلك على النحو التالي:

التحدّي الأول: ضعف التوازن في عمليتي التنشئة والتكوين

ملحوظة في المنهج: رؤية شاملة لا نظرة جزئية

تحسن الإشارة– من الناحية المنهجية- وقبل المضي في مناقشة الأداء الإصلاحي بصورة عامة وصولاً إلى مرحلة الثورة أنّه ليس من الدّقة في شيء اعتبار ذلك التحوّل الإيجابي اللافت الذي طرأ على الرأي العام اليمني نحو خطاب الثورة بدءاً من التوقيع على المبادرة الخليجية في 23نوفمبر 2011م، مروراً بتشكيل حكومة الوفاق الوطني في 7 ديسمبر 2011م، والمرحلة السابقة مباشرة لعملية الانتخابات الرئاسية، وانتهاء بنسبة المشاركين فيها في عداد الإنجاز الخاص بتجمع الإصلاح وحده، حيث علاوة على التأكيد على تلك المقولة المتجسّدة في الواقع اليمني وغيره إلى حدّ كبير:« النّاس على دين ملوكهم”، ويحلو لبعض اليمنيين أن يتمثّلوها على طريقتهم الخاصة» من تزوّج أمّنا فهو عمّنا”؛ فإنّ من المعلوم أنه قد شاركت في صناعة كل ذلك أطراف أخرى، سواء على مستوى اللقاء المشترك- وإن ظل الإصلاح أقواها بطبيعة الحال- أم الإمكانات المادية الهائلة للجنة العليا للانتخابات، أم دور وسائل الإعلام الرسمية البارز، ولا سيما المرئي منها، أم حتى من الطرف الآخر المباشر وهو (المؤتمر الشعبي العام) الذي تحوّل خطابه العلني دفعة واحدة- بما في ذلك رأس الحربة وأسّ المشكلة: صالح وأبرز صقور حزبه السياسيين والإعلاميين وحتى وعّاظ السلاطين وماسحي الجوخ المشاهير- مئة وثمانين درجة، بدعوى الالتزام بتنفيذ المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، بعد أن استخفوا بها وأوسعوها شتائم واتهامات، وارتكبوا -بسبب ذلك- المزيد من الفظائع والموبقات والانتهاكات لحقوق الإنسان، وتبديد المال العام، وتدمير مؤسسات الدولة، وخلق الجيوب والعصابات المضادة للثورة بدعوى رفض المبادرة والحرص على حماية المسار الثوري !

وبالعودة إلى أهداف حركة الإخوان المسلمين – ومنها الإصلاح - القائمة على التربية المرحلية بدءاً بالفرد ثم الأسرة، ثم المجتمع فالدولة؛ تبيّن- كما سبقت الإشارة- أن الأمر – بالنسبة للحركة الإصلاحية في اليمن- لم يسر بذلك الاتجاه تماماً، لاسيما في العقدين الأخيرين، حيث أفضى الإفراط في البُعدين التنظيمي والسياسي للفرد الإصلاحي إلى تفريط في الأبعاد الأخرى ومن أهمها: البُعد التربوي بمفهومه الشامل العميق، حيث كان من المفترض وفقاً لفلسفة الحركة التربوية (الإخوان المسلمون)، وأهدافها النظرية أن يمثّل ذلك البعد محور الحركة ولحمتها وسداها. ويظهر أن أبرز مظاهر هذا التفريط بهذا البعد ما تمت الإشارة إليه من ذلك الإغفال الملاحظ – ولا أقول بالضرورة-: القفز الذي يشبه الطفرة- لتنشئة الفرد الإصلاحي على القيم الإيجابية المنشودة التي تنعكس على ذاته وأسرته ومجتمعه، أي من حيث تفكيره وعقيدته، وفي خُلُقه وعاطفته، وفي عمله وتصرّفه حسبما ورد في رسالة الراحل المؤسّس حسن البنّا. ولو تم ذلك التدرّج على ذلك النحو لقامت الدولة في مجتمع يتقبّل أفكارها وأطاريحها، وفقاً للمقولة المأثورة عن المؤسس الراحل ذاته :” أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم”، وهي مستوحاة من الآية الكريمة{ إن الله لا يغيّر مابقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} (الرعد:11). بيد أن من المفارقات اللافتة في المجتمع اليمني، تلك التي كشفت عنها الثورة الشبابية الشعبية أنّه رغم تديّن الشعب اليمني ومحافظته المشهودة، ورغم التفاف قطاع واسع من أبنائه من مختلف المستويات حول الثورة ومبادئها؛ إلا أن من الملاحظ وفقاً لأسلوب الملاحظة والمعايشة والاحتكاك بمختلف فئات الشعب ومستوياته ومواقع تجمّعه أن ثمة قطاعاً واسعاً آخر من مختلف شرائح المجتمع ومستوياته ظل مصنّفاً كذلك على المعسكر الآخر، بدرجات متفاوتة، بما في ذلك من يصنّفون على الأغلبية الصامتة، بحيث لم يبد تفاعلاً إيجابياً مع أطاريح الثورة، وبعضهم انجر إلى مسلك الطرف الآخر، من حيث مواجهة المسار الثوري بمشايعة الدعاية المضادّة، وربما صناعتها أحياناً، هذا عدا المشاركات المضادة الأخرى، على مدى مرحلة نضال الثوّار التي توّجت أولى وأكبر إنجازاتهم بإسقاط صالح عبر الانتخابات الرئاسية المبكّرة بعد مرور عام بالتمام، وذلك في 21 فبراير 2012م، وحجّة نسبة غير قليلة من هؤلاء أن حزب الإصلاح مسيطر على الثورة! .

والواقع أن ذلك الضعف عن التفاعل الإيجابي مع الخطاب الإصلاحي الذي غشى قطاعاً واسعاً من فئات الشعب في المراحل المشار إليها آنفاً لم يستثن فئة المرأة، حيث كشفت الحالة الثورية أنّه بقدر تلك السعادة الغامرة التي رفعت رؤوس اليمنيين الأحرار في إقدام نسبة مقدّرة من النساء اليمنيات- بالنظر إلى حالة الأمية الشاملة التي لاتزال تسيطر على الأغلبية منهن- على القيام بدورهن المقدّر في عملية التغيير؛ فإن الفئة الغالبة من هذا القطاع لاتزال ترزح تحت نير التخلّف وتعاني من آفة الجهالة القاتلة، تلك التي دفعت كثيراً منهن إلى الاستماتة في سبيل بقاء الطاغية وعائلته، وتصوير عهدهم البئيس بأنّه أزهى العصور، وأن الحياة (الجميلة) التي ينعمن بها في ظلّه إذا استبدلت بحكم آخرين- ولاسيما من الإصلاح- فإن الكارثة ستحل بالبلاد والمرأة خصوصاً، إذ سيعمل الحكام الجُدد على القضاء على كل المنجزات التي منحت للشعب ولا سيما المرأة، التي سيحكمها (طالبان) الإصلاح! ويعزى ذلك – بجانب عوامل أخرى-لاعتقاد الكثير بالارتباط الوثيق بين عملية التغيير الهائلة وبين الحركة الإسلامية (الإصلاحية)، بل إن بعضهم ربما ذهب إلى سلامة المرادفة بين الحركة والثورة، على خلفية ذلك الاعتقاد، بعد أن اتسعت الهوّة بين الحركة وتلك الشرائح المجتمعية، وربما فَسّر ذلك الهلَعَ الذي عبّر عنه قطاع غير قليل من أبناء المجتمع ولاسيما ذوو المنزع المذهبي التقليدي، وبعض الشخصيات والعائلات ذات الحساسية المفرطة تجاه الإصلاح وفكره ومساره، كما آخرون من بسطاء الشعب ورعاعهم، في المدن والقرى، وإن اختلفت درجة ذلك التوجّس أو الرفض، تبعاً لمستوى الوعي ومدى تأثير مخرجات التعليم ونوعيته سلباً أو إيجاباً، وذلك حين يذهب بعضهم إلى تصديق شائعات فحواها تصوير كارثية حكم الإصلاح على مكتسباتهم وحقوقهم، وسمعة بعضهم العائلية، وحجم تأثيرهم في الوسط الاجتماعي. ولئن بدا ذلك مفهوماً – لا مبرّراً بالضرورة- فما يبدو محيّراً حقاً موقف غيرهم حين يشايع ذلك، بل قد يذهب إلى ما هو أبعد منه، أي حين يضع مسألة الحقوق والحرّيات بعامّة في خطر إن سُمِح لحزب الإصلاح بتولّي مقاليد السلطة في البلاد، بعد أن تمكّنت الآلة الإعلامية المضادة سواء الرسمية منها أم عبر حرب الشائعات بكل أساليبها ووسائلها أن تزرع مثل تلك الصورة السلبية عن الإصلاح وسلطته – لو تمكّن - في أذهان كثير من الدهماء والبسطاء ! والسؤال مرّة أخرى: فأين ذهبت جهود الإصلاح التربوية في مجتمع مسلم محافظ طيلة العقود السابقة؟ ولماذا نجد أفراداً كثيرين في مجتمعات أخرى كالمغرب العربي – بوجه عام- لايخشى عامة الناس هنالك الإسلاميين ووصولهم إلى الحكم، رغم الإرث العلماني والتغريبي الثقيلين، بل إنك لتجد المفارقة في حرص بعض الأفراد العاديين الذين انسلخوا من ثقافتهم الأصيلة سواء في تفكيرهم أم في سلوكهم الظاهر – والمرأة ليست استثناء في هذا- على انتخاب الإسلاميين أو بعضهم، وحين تسأل: كيف يستقيم واقعهم مع تطلّعهم إلى فوز نموذج آخر مختلف معهم في ذلك فكرياً أو سلوكياً؛ فإنك لاتعدم جواباً متزايداً فحواه: الإقرار بخطأ الفكر أو السلوك الذي هم عليه، ولعلّه يكون في فوز الإسلاميين خير عون لهم لمراجعة مسارهم!.

أجل ثمّة دوافع كثيرة مختلفة داخلياً للتحفظ أو الممانعة من حكم الإصلاح وذلك ليس حالة يمنية خالصة، فلكل الاتجاهات الإسلامية في كل البلدان العربية والإسلامية حساسياتها الخاصة من حكم الإسلاميين، بما في ذلك تونس ومصر والمغرب التي باتت اليوم من نصيب الإسلاميين قبل غيرهم حسب نتائج الانتخابات الأخيرة هنالك، بيد أن المفارقة الكبرى في الحالة اليمنية أنّ معارضتهم لا تأتي من نُخب فكرية أو سياسية أو أعداد محدودة من عامّة الشعب وفئاته وشرائحه، كما هو الشأن في تلك البلدان، ذلك أن أغلب النُخب – في الحالة اليمنية- التقت في تحالف المشترك، بل تأتي بالدرجة الأساس من قبل قطاع بائس غير قليل في الشارع، لاسيما في الأرياف والقرى، حيث كان يتوقّع أنّهم أكثر مناصرة وتأييداً لاعتبارات عِدّة، لعل من أهمها كونهم متدينين بالفطرة والبيئة، ومن ثمّ فكان المتوقّع أنّهم سيرحبون ويدعمون من يمثّل توجههم (الأصلي) لا أن يقفوا ضدّه في المعسكر الآخر، على نحو أو آخر، ثم إن أكثر هؤلاء يعانون الحرمان ويشكون من القهر والظلم من قِبَل النظام السياسي على مختلف الصعد، وما يوصف بثورة المؤسسات ليس إلا دليلاً على ذلك! لكن يظل السؤال الموضوعي هنا: لِمَ لَم ينخرط هؤلاء أو أغلبهم ضمن قوام الحركة على نحو مناصرة وتأييد -وليس عضوية وانتظاماً بالضرورة- منذ وقت مبكّر، أو حتى متأخر نسبياً، لاسيما في الموقف من الثورة، بل ظلّوا مع الطرف الآخر، على نحو أو آخر، على خلفيات عدّة أهمها: التشكيك في أهلية الإصلاح للحكم الرشيد؟! ألا يدل ذلك الاتهام للحركة من قطاع غير قليل من أبناء المجتمع بمن فيهم ذوو النوايا الحسنة والمقاصد الطيبة على أنّ الإصلاح أحرق المراحل، بحيث لم ينجح في بناء الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع، وفقاً لأدبياته التربوية، كي تتهيأ الأرضية النفسية اجتماعياً لتقبّل حكمه ورجاله كسلطة تلبّي طموحات الشعب في الانعتاق من أسر القهر والجهالة والتخلّف ؟ 

تشير كل المعطيات إلى أن الإصلاح لم يقم بما كان يفترض عليه القيام به طيلة حياته الحزبية والسياسية من حيث بناء الفرد والأسرة والمجتمع البناء التربوي الشامل الذي يمكن التعويل عليه، حال الإقدام على مرحلة كمرحلة الثورة التي تفجّرت قبل عام ولا تزال تداعياتها تترامى في كل اتجاه، أو الذي يجعله قادراً – لو حدثت متغيّرات ما وهذا شأن العمل السياسي دائماً- على أن يقدّم نفسه بديلاً مستقلاً كحال نظرائه في تونس ومصر والمغرب في أي انتخابات قادمة، دون أن يعني هذا تقليلاً من شأن فكرة الشراكة السياسية مع حلفائه في اللقاء المشترك، أو تفضيلاً لانفراده بالسلطة على المدى القريب، بل المقصود تأكيد أن الإصلاح يعاني من خلل في بنائه التربوي، ورؤيته الاستراتيجية، بحيث أفرز ذلك ضعفاً في تقبّل خطابه على نحو غالب في المجتمع اليمني، وأيّما نجاح له في أي مؤسسة أو نقابة أو اتحاد أو جمعية أو حتى في انتخابات برلمانية أو محليّة أو نحوهما، فإنما يُعزى ذلك إلى قدرته التنظيمية الفائقة أكثر من كونه يمثّل أغلبية حقيقية في الشارع أو مؤسساته المجتمعية بالضرورة .

*عن الجهورية