الثورة الأجمل
بقلم/ مروان المنصوب
نشر منذ: 12 سنة و أسبوعين
الثلاثاء 13 مارس - آذار 2012 04:21 م

في الواقع ما سأسرده في هذه المساحة هو مجموعة من الخواطر التي تتقافز إلى فكر شخص شارد الذهن يسبح عقله في شيء رائع وجميل لا يتمنى أن يتوقف ألا وهو (الثورة ) , دعونا نتذكر بعض ملامح ذلك الجمال الآسر والروعة المتناهية , اتركوا لي برهة من الزمن لأُحلق بكم في فضاء طالما ظل ملبداً لا ينقشع غيمه تلك الغيوم التي لم تعطينا مما عندها سوى ذلك الوجه المُكْفَهِر يرتد منه البصر خائباً وهو حسير مثقل بالاسى أرداه الاقع وحشرته ظروفه في زوايا حادة تقترب من الصفر (بالمنطوق الرياضي ) , ذلك الواقع الذي حول وجهة ملايين البشر خارج النص والسياق وجعل من بلد مترامي الأطفال بقعة تقع خارج التاريخ هو ذات الواقع الذي جعلهم يتوقفون على شفا جرف سحيق كآخر فرصة للنجاة قبل الوقوع في الجُرف الهار .

بعد أن عبرت نيران البوعزيزي الأقطار اصطف اليمنيون ولسان حالهم (نحن أحق بها وأهلها ) تركوا البنادق مكدسة خلفهم ومضوا يشقون طريقاً استثنائياً لم يكن مألوفاً لديهم طريقاً لا يشبه التفريعات المُظلمة التي لم يكونوا يعرفون سواها لانتزاع حقوقهم , كان السلاح هذه المرة هو الحناجر في الحقيقة لم يكن أحدٌ يعلم بمدى فتكها وجسارتها فمؤخراً أسقطت تلك الحناجر طابوراً طويلاً من أصنام البشر المعتقة وحولت ترسانتهم إلى خردة لا فائدة ترجى من ورائها .

شعور لا يوصف وأنت تقف مع ذلك الفعل , أقصد الفعل الذي يجعل من أدواتك البسيطة ما يتغير به التاريخ وتُطرِبَ له ضحواتالمُنَى بعد أن نُفيق على فجر يوم صبي .

جميلة هي الثورة التي امتدت ساحاتها على امتداد جغرافية الوطن وتشابكت وتواشجت فيها الخيام على النحو الذي جعل منها نواة لبوتقة الانعتاق وبوابة تفتح المستقبل , لطالما كنت أعود إلى أرشيفي الخاص أتصفح من خلاله لحظات وأيام الثورة لحظة بلحظة في الواقع ليس كل الأرشيف تماماً لأن ذلك قد يحتاج إلى أيام بطولها , يطالعني شاب يهتف بمايك صغير لا يتعدى مداه العشرة أمتار , لاحقاً أصبح لدينا صوتيات ضخمة وتقنيات صوت متقدمة , صورة أخرى يظهر فيها كهل قد غزى الشيب كل مفرق لشعرة في رأسه وذقنه لكنه يبدو في الصورة يهتف بحماس منقطع النظير , وأخرى لطفل يُمسك يد أبيه قد عصب على جبينه علم الوطن وكتب على خده اليمن , و امرأة في صورة أخرى صنعت كعكاً نقشت عليه (ارحل ) ,,, وثانٍوثالث ورابع . تختزل تلك الروائع كماً مُخيفاً من تراتيل الحب والانتماء للوطن .

جميلة هي الثورة التي حملها البسطاء ... نعم , لو لم يكن من الثورة حسنة إلا ذلك الوعي المطرد الذي وجد طريقه إلى أفهام شريحة كبيرة لكانت ثورة كاملة المعالم والملامح , ثمة من كوَّن علاقة حميمية مع الأسفلت يحتضنه كل مساء ويجدد معه في الصباح العهد على مواصلة الطريق في نشاط دؤوب وحراك مغزلي لا ينقطع , الثورة مع تلك الفئة من الناس لها طعم خاص لا يمكن مقارنته بتلك السخافات التي يُدنْدن حولها من يُسمَون بالنخبة , هي أكبر من تحتويها كلمات يهذي بها صاحبها ثم يأوي إلى فراشه قرير العين كأنما أنجز مالم تستطعه الأوائل .

رائعة هي الثورة التي جعلت اليمنيين يخطُون بأيديهم خط سير جديد يتسع لكل خلافاتهم تحت سقف المصلحة العليا للوطن , جعلت الأطفال والكبار الجميع يصطف ليحيي العلم بعد أن جيَّرَتْه الطغمة تحت إبطها عقود , لقد غرست الثورة في أبنائها معاني الانتماء للأرض والإنسان , معنى أن يُضحيلأجله كما يفعل مع أملاكه الخاصة , معنى أن يكون للمرء وطن يحميه إذا دعت الضرورة لذلك . وعندما نفهم هذه الجزئية (الانتماء) لا ينبغي أن نُفرط في السفاسف لأن مقتضى ذلك الانتماء لا يجعل من المُنتمي شخصٌ يراوح مكانه ويستغرق فيما لا طائل منه .

قد يقول قائل أن كل ذلك السرد مجرد أفلاطونيات ليس لها صلة بما جرى يجري , سأجيب بثقة أن ما ذكرت آنفاً هو ما يحدث بتفاصيله الصغيرة والأصغر الثورة لا زالت حتى اللحظة غضّة رطْبِة , ليست - بالطبع- مشكلتي أن يرى البعض دائماً الجانب المظلم من الواقع , بينما يتعامى ببلاهة عن الجهة المشرقة من المشهد والتي تُمثل الأرضية الأكبر والأوسع على الإطلاق . لا يجب إنكار وجود النشازات والتشوهات كما يجب معالجتها لكنها تظل في الهامش لا تبرحه بل و تتضاءل تباعاً إذا ما أحسنَّا التعامل معها . أقول هذا في الوقت الذي تحاشيت التعريج عليها عامداً علىعكس ما طرحته سابقاً خشية أن أُكدر صفو هذه اللوحات البديعة أو أغيِّر ملامح ألوانها الزاهية .