البرميل الحوثي الفارغ
بقلم/ هاني غيلان عبد القادر
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 22 يوماً
الأربعاء 25 يوليو-تموز 2012 10:20 م

حقيقةً كنت من المتفائلين والمستبشرين خيرا بولادة (قناة المسيرة الفضائية) بالتزامن مع تدشين وإطلاق (الحوثي) للعديد من المواقع الإلكترونية الناطقة باسمه، وكم راهنت على قدرة الأخوة القائمين على تلك (المنابر الإعلامية) على جذب وإقناع المشاهد والمتابع ومحاولة إزالة ما إلتبس بذهنه من غموض وإشكال وحيرة صاحبت نشأة وتمدد الجماعة منذ 2004 ميلادية وما قبلها، حتى بدأت أفقد الأمل تدريجيا وأستيقن أكثر وأكثر أنها (ضبابية متعمدة) ناتجة عن عدم وضوح الرؤية لدى أرباب (المشروع الحوثي) أنفسهم، الذي إنعكس بدلوه على خطابهم الإعلامي فبدا متخبطا فاقد للمصداقية نتيجة لإزدواجيته وتناقضه وإستناده على مبدأ قيمي أصيل لديهم وهو (الأخذ بالتقية) بمعنى إظهار المرء ما لا يبطن كمبرر لما يقومون به من تدليس وتلبيس وتشويه للحقائق!!

هناك علامة إستفهام كبيرة -دائما ما تطرَح نفسها بقوة- حول مصدر تمويل الجماعة ومدى إرتباطها العضوي بالنظام الإيراني، وعن الدور الإستراتيجي الغير معلن المنوط بها في شمال شمال اليمن، وعن الهدف وراء تمددها جنوبا حتى الحديدة وتعز وعدن، وعن برنامجها السياسي –إن كان لها برنامج- وتصوراتها المستقبلية لمجمل القضايا والمشكلات الراهنة التي تمر بها بلادنا، وعن طبيعة وآفاق علاقتها بالحراك المسلح في الجنوب وتأرجح علاقتها بالنظام السابق، وعن حقيقة إنضمامها للثورة الشعبية وإيمانها بالتغيير السلمي وبالديموقراطية وحرية الرأي وقبول الآخر في ظل إرتكازها أصلاً على أسس طائفية مذهبية تناقض جوهر الديموقراطية ومدلولاتها، وإحتكامها للسلاح وتمردها المعلن على الدولة، وفي ظل إيمان أتباعها العميق والمطلق بأحقية سَيَدَهم (الحوثي) وأولاده بالحكم والأمر من دون الناس لإنتسابهم لآل بيت رسول الله (ص) بإعتبار ذلك حقا مكتسبا وأمرا إلهيا مقدسا لا يجوز التفريط فيه!!

هناك أسئلة هامة أيضا -لا ينبغي أن تظل معلقة طويلا ومغيبة عن الأفهام- حول المنطلقات الفكرية والأسس العقدية لهذه الجماعة المنغلقة على نفسها، فقد كثرت التصنيفات وتعددت التأويلات -التي تُركت على عَوَاهِنِها للأسف الشديد دون إجابات شافية من أرباب المذهب أنفسهم- فمن قائل بأن الحوثيين يتبعون أراء (الإمام الخميني) القائل بعصمة الأئمة وولاية الفقيه ويدعون للجعفرية أو(الإمامية الإثناعشرية) كما تسمى، ومن قائل بأنهم ينتنمون للفرقة الجارودية القائلة بتحريف القران، ومن قائل بأنهم لا يعترفون بأئمة (المذهب الزيدي) في اليمن بل يرجعون للسيد السيستاني في كل كبيرة وصغيرة أو لفتاوى ملالي ومعممي (قُم) الإيرانية، بكل سلبيات ومساوئ تلك المرجعيات المعلومة للجميع من إستجرارهم المقيت للماضي وثقافة جلد الذات ولطم الخدود وشق الجيوب والتباكي والعويل في الحسينيات، وشرعنة اللعن والشتم للصحابة والتابعين وإتهام وتخوين أمهات المؤمنين، وشحذ هِمَم الأتباع وإستنفار طاقات المناصرين بانتظار المعركة الفاصلة مع أعدائهم (النواصب)عندما يبعث (الإمام المهدي) من مرقده (عجل الله فرجه)!!

جَوشناتٌ وخُزعبلاتٌ وهَرطقاتٌ باطلة وغباء ما له حدود ما أنزل الله به من سلطان وما كان له أن يُعَمِر ويُثمِر ويثبت في الأرض.. تلك سنة الله في الكون والخلائق (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) وخاصة في عصر السموات المفتوحة والإنترنت الذي يشجع على البحث والإستقصاء والمقارنة، لتبقى تلك الأصوات النشاز مجرد (براميل فارغة) تصدر ضجيجا أكبر من محتواها الحقيقي، معبرةً عن سقوط وإفلاس قيمي لأصحابها، ولتظل محصورة في محطات ومنابر إعلامية بعينها، توزع التهم والشتائم جزافاً يمنة ويسرة، مطلقة (الشعارات العنترية) لاعنةً اليهود والأمريكان والشرق والغرب.. لتفرخ لنا (خلايا نائمة) و(شبكات تجسس) تظهر تبنيها لقضايا الأمة وتدغدغ العواطف وتلهب مشاعر الجماهير وتخفي كونها أداة طيعة بيد إيران، تخدم أطماعها ومشاريعها التوسعية الخبيثة، تسخر الأموال المشبوهة المدنسة لشراء ذمم الضعفاء والتغرِير بالعامة والبسطاء، تطغى وتتجبر وتعيث في الأرض الفساد، تحاصر القرى الآمنة وتقتل النفس المحرمة وتهلك الحرث والنسل وهي تذرف دموع التماسيح مذكرة إيانا كل حين بـ (مظلوميتها الأبدية المتجددة) والأدهى من كل ذلك سعيها المحموم لخلخلة بُنيان ونسيج المجتمع الواحد وزعزعة هويته الوسطية السَمحة وتقطيع أوصاله وتفريق لُحمته وتهديد الأمن والسِلم الأهليين.