حكومة الوفاق الوطني... أليس فيكم رجل رشيد؟
بقلم/ سامي الباشا
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 22 يوماً
الإثنين 24 سبتمبر-أيلول 2012 05:39 م

في هذا الظرف الانتقالي الذي تعيشه البلد نحاول جميعا أن نكون متفائلين وأن نقنع أنفسنا بأن تضحيات الشهداء في سبيل التغيير لن تذهب أدراج الرياح، ولكن بين الحين والآخر ترغمنا حكومة الوفاق "حكومة التغيير"، "حكومة الثورة" ترغمنا على أن نفرط في التشاؤم رغما عنا ونتذكر القصة الشهيرة التي يعرفها الجميع لنبدأ بالترحم على ( القبّار الأول ) !

خذ عندك مثلا ما حصل مؤخراً من موافقة مجلس الوزراء على ما يسمى لائحة تعيين ملحقين لشئون المغتربين من قبل وزارة المغتربين، قد يبدو الأمر بعيداً عن ما يعتقد البعض أنه أولويات المرحلة واستحقاقاتها ولكنه في الحقيقة يمثل لب وقلب هذه الأولويات، حيث أننا فرحنا بمقدم حكومة الوفاق التي نصت المبادرة الخليجية فيما يتعلق بشأنها بأن هذه الحكومة ستتبنى وتعتمد في اختيار وزراؤها وتسيير أعمالها على ما يعرف بمعايير النزاهة والحكم الرشيد، ومع ذلك يبدو أن هذه الحكومة ستأتي لنا بما لم يأت به الأوائل !!

لم يكن لوزارات الحكومات السابقة في عهد النظام السابق دور واضح ومحدد، وكان إنشاء أو إلغاء الوزارات ودمجها أو رتقها أو فك ارتباط بعضها ببعض يخضع لمعايير تتعلق بتوفير أماكن متاحة كنوع من تقاسم "الكعكة" أو السلطة وإعطاء مساحات من هذه الكعكة للمقربين أو لتغطية فراغات بعض التوازنات السياسية ، لهذا لم يكن غريبا أن تنشأ وزارات ليس لها داع وليس لها دور لتأخذ بدورها دور واختصاصات وزارات أخرى وهلم جرا..

كان هذا في الماضي وقلنا أن القادم أفضل ، فجاء القادم بتقاسم آخر للمناصب الوزارية ولكن تحت ما يسمى بالوفاق الوطني ، وكون القادم مرحلة انتقالية فليس هناك بأس في ذلك - وهذه لمحة أخرى من لمحات تفاؤلنا- ولكن أن يحمل هذا القادم نفس أساليب السابق من تداخل الاختصاصات والعمل غير المؤسسي وغير المخطط وغير المنطقي فهنا ينخفض سقف مطالبنا من حكومة الوفاق الوطني ولم نعد نأمل أن تعيد العمل المؤسسي والمخطط وتفصل في تنازع الاختصاصات بين الوزارات ، ولكن بذلك يعود سقف مطالبنا للحد الأدنى آملين أن تحافظ هذه الحكومة على الأقل في المرحلة الانتقالية على ما كان عليه الحال أثناء وجود النظام السابق وأن لا تجعلنا نترحم على القبار الأول.

كيف يعقل لحكومة وطنية يرأسها وزير خارجية سابق أن تمرر قرار بتعيين ملحقين لشئون المغتربين في سفاراتنا من خارج الكادر الدبلوماسي ومن خارج الوزارة المعنية بهذا الشأن وهي وزارة الخارجية!!! . لن نتحدث هنا عن أن هذا الأمر يدق مسمارا آخر في نعش وزارة الخارجية التي نزعت كل اختصاصاتها تقريبا في عهد الوزير أبو بكر القربي الذي يمارس هوايته المحببة في تدمير هذه الوزارة وإهمالها، ولن نتحدث هنا عن أنه وفقا للاتفاقيات الدولية وكذلك اللوائح المنظمة لوزارة الخارجية والتي تحدد اختصاص الوزارة ومهامها تنص في أول ما تنص على أن الخارجية هي الجهة التي تعمل على رعاية مصالح الدولة والمغتربين في الخارج.

ولكن الحديث هنا عن ماذا تعتقد الحكومة الجديدة التي تحرص على الحكم الرشيد – كما يفترض - ماذا تعتقد أنها ستقدم باستحداث مناصب كهذه تتشابك مهامها بشكل صارخ مع صلب المهام المناط بوزارة الخارجية القيام به ! هل هو نموذج جديد تحاول الحكومة أن تتفوق فيه على نموذج النظام السابق في العمل العشوائي وغير المنظم ؟

إن ما يدعونا إلى الترحم على القبار الأول أننا نتذكر جيداً إجراءات مجلس الوزراء في العام 2008م الذي اتخذ جملة من الخطوات الهادفة إلى تقليص نفقات الحكومة وأصدرها في القرار رقم (467) وتضمنت هذه الخطوات فيما تضمنت "إلغاء كافة الملحقيات (المالية، الثقافية، الصحية، الإعلامية، السياحية، الاقتصادية وغيرها من الملحقيات) وتكليف السفارة للقيام بمهام هذه الملحقيات وفقاً لآلية تعدها وزارة الخارجية بالتنسيق مع تلك الجهات"، وذلك باعتبار أن القيام بهذه الأعمال يعد من اختصاصات وزارة الخارجية في الأصل، ولكن من المفارقة أن الحكومة الجديدة لم تكتفي فقط بإنشاء ملحقيات جديدة تتبع وزارة شئون المغتربين ! ولكن أضافت أيضا ملحقين تأمينيين وآخرين عماليين وحتى قانونيين !! ولا أحد يعلم أين سينتهي هذا الأمر ولكن لا داعي للغرابة إذا سمعتم يوماً أن وزارة الكهرباء بدورها أيضا قررت تعيين ملحقين كهربائيين في بعثاتنا في الخارج !

إنه لمن الغريب حقاً أنه في الوقت الذي تسعى فيه الدول المتقدمة وحتى النامية إلى تقليص عدد الوزارات فيها فإننا وعلى العكس من ذلك لا نكتفي باستيلاد وزارات جديدة ولكننا نستنسخ حتى أدوار ومهام وزارة لننثرها في وزارة أخرى ! وكأن حكومتنا الرشيدة ما زالت نمارس الهواية المحببة بالعشوائية والعمل التخبطي إن صح التعبير والذي لا أجد له إلا المصطلح العامي الشهير ( الهوشلية ) ...

وأمام هذه الهوشلية لا يسعنا إلا أن نسأل حكومة الثورة والتغيير أليس فيكم رجلاً رشيد ؟ لأننا لا نريد فعلا أن نبدأ في الترحم على القبار الأول في هذه المرحلة المبكرة من انجازات الثورة التي يفترض أنها أدارت عجلة التغيير، والخوف كل الخوف أن العجلة بدأت تدور فعلا ولكن في غير المسار الذي كنا ننتظره.