صرخة فتاة
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 10 أيام
الجمعة 08 يونيو-حزيران 2007 05:29 ص

اشتكت فتاة وتظلَّمت ولم تجد سامعاً ولا مجيباً من الناس، ظلمها زوجها ثم طلَّقها وأخذ أبناءها الثلاثة وحرمها رؤيتهم، ومنع عنها النفقة، فذهبت لأهلها شاكية باكية متفجعة، فوجدت أباها ضعيفاً عاجزاً أمام إخوانها الفجرة الجبابرة، الذين صبوا جام غضبهم على أختهم المسكينة الحسيرة الكسيرة المطلقة، وأرادت أن تذهب للقاضي فأقسم أحد إخوانها لئن ذهبت للقضاء ليجرنَّها من شعر رأسها، فبقيت حائرة مظلومة حزينة لا يجف لها دمع، ولا تكتحل عيناها بنوم، ولا يسكن خفقان قلبها، أما نهارها فسب من أهلها وشماتة وسخرية، وأما ليلها فبكاء وعويل على أطفالها ومستقبلها، وأنين من جور زوجها وضعف أبيها وظلم إخوانها، فلا هي حيّة فتُرجى ولا هي ميتة فتُنعى، محبوسة في البيت تصارع الهموم وتقاتل الأحزان، وتبعث الآهات الحارة كأنها حمم البركان، وتتنهّد بالزفرات الملتهبة كأنها شهب نار، ما تدري ماذا تفعل، اتصلت ببعض العلماء فقالوا: اصبري واحتسبي، فصبرت واحتسبت ولكن صبرها انتهى واحتسابها نفد، وقد طوَّقها اليأس، وأحاط بها الكرب، كلّمت بعض قرابتها فقالوا: اذهبي للقضاء، فأخبرتهم أنها لو ذهبت للقضاء لعذّبـها إخوانـها عذاباً شديداً، فأصبحت لا يسمح لها بأن تشتكي أو تبكي، فما هو الحل أمام زوج ظالم، وأبٍ مسكين، وإخوة عاقين، ومجتمع قاس، أليس من الأجمل أن يقوم أهل الحل والعقد بمتابعة هذه القضايا وإخبار الناس بعناوين يمكن الاتصال بها لرفع هذه الضائقة وكشف هذه الملمة وتقديم هؤلاء الجناة العتاة الجفاة للعدالة، وفي الحديث الصحيح: «أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض»، فكيف بمن حبس امرأة وظلمها وحرمها من أطفالها ومنع عنها نفقتها، بل منعها من الشكوى والتظلم، وبمثل هذه الأفعال يجفف القطر من السماء، وتُؤدب الأمة بسياط من البلاء وبنكبات خفية ومعلنة (إن ربك لبالمرصاد) اسمعوا صرخات المظلومين، وافتحوا قلوبكم لأنين المضطهدين، وساعدوا على رفع السوط عن المعذَّبين، إن مسح دمعة على خدٍ مظلوم أفضل من ألف محاضرة في الثقافة البالية التي أصابت الأمة بالدِواخ والغثيان، وإن إشباع بطن جائع أفضل من مؤتمر للفكر العقيم، ومن أراد أن يتصوَّر المشكلة فليجعل أمه أو أخته أو بنته في هذا الموقف، ألا قلوب ترحم؟ ألا ضمائر تستيقظ؟ ألا أكباد تخفق؟ ألا عيون تدمع؟ في حديث قدسي يقول الله للظلمة العتاة: «وعزتي وجلالي لولا شيوخ ركَّع، وأطفال رضَّع، وبهائم رُتَّع، لخسفت بكم الأرض خسفاً»، وتبدأ معاناة بعض النساء مع أبٍ غشوم ظلوم أو أخٍ قاطع جبّار أو زوج فاجر شرِّير، وقد تعيش المعاناة بسبب مالها أو راتبها وهي تُساوم عليه وقد تُحرم الزواج بسببه، وقد عرفنا من رفض زواج ابنته؛ ليستولي على راتبها، وعرفنا من نكَّل بها زوجها؛ ليحصل على مالها وأصبح يخيِّرها بين البقاء مع الدفع أو الفراق إن أبت ذلك، ومنهم من أمسك زوجته لا مطلقة ولا معلّقة؛ ليجرعها الغصص وهي مضطرة للقبول بهذا الوضع المأساوي مراعاةً لأبنائها أو حاجتها أو وضعها الاجتماعي. أيها المتقلِّبون على جمر الظلم فصبر جميل، ودعوة في سحر، وانتظار لفرج، وتذكر لبقية نِعَم، ويا أيها الناس ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الراحمون يرحمهم الرحمن، ويل للظلمة من يومٍ لا حاكم فيه إلا الله يوم تُقام محكمة العدل الإلهية يوم العرض الأكبر، فانتظروا إنا منتظرون