وما أشبه الليلة العربية بالبارحة البعيدة جداً
بقلم/ د/ عبد العزيز المقالح
نشر منذ: 11 سنة و أسبوعين و يوم واحد
الثلاثاء 12 مارس - آذار 2013 04:07 م

هذا الحديث على صلة بحديث سابق منشور في هذا المكان من الصحيفة نفسها، وإن كان الفارق الجوهري بينهما واسعاً وشاسعاً، الحديث الأول كان يتناول عدم التشابه بين البارحة القريبة والليلة الراهنة، بينما يتناول هذا الحديث التشابه التام بين البارحة البعي د. عبدالعزيز المقالح -
هذا الحديث على صلة بحديث سابق منشور في هذا المكان من الصحيفة نفسها، وإن كان الفارق الجوهري بينهما واسعاً وشاسعاً، الحديث الأول كان يتناول عدم التشابه بين البارحة القريبة والليلة الراهنة، بينما يتناول هذا الحديث التشابه التام بين البارحة البعيدة جداً والليلة وما أحاط بهما من فساد وإفساد ومن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. والبارحة التي سنطالع في هذا الحديث ملامح منها هي بارحة قديمة تعود إلى أربعة آلاف سنة لكنها رغم تقادم عهدها تشبه ليلتنا الراهنة بكثير مما كان يدور فيها ويقوم في مساحتها من فساد وإفساد ومن تدهور في القيم وهبوط في العلاقات الإنسانية, وهو ما يؤكد أن الإنسان عموماً والعربي خصوصاً لم يتقدم في الأربعة آلاف عام خطوة واحدة رغم ما حملته الأديان خلال هذه الفترة الطويلة من قيم وما بشّرت به من مبادئ العدل والحرية واحترام الحقوق. يرسم لنا ملامح البارحة القديمة شاعر مصري قديم ومجهول، ويُعد ما كتبه وثيقة بالغة الأهمية على تكرار المظالم وتشابه العصور وقد أوردها زميلي وصديقي العزيز الأستاذ محمد المساح في لقطته اليومية البديعة "لحظة يا زمن" وأردت من إعادة نشر بعض فقراتها هنا التأكيد على ما جاء فيها وهي بعنوان "لمن سوف أحكي اليوم"، وكأنه بما يشكو منه واحد من معاصرينا، وما كان يراه في ذلك العهد القديم نراه نحن في هذا العهد الذي مازال قديماً وإن تغيرت الألوان والأساليب:
- لمن سوف أحكي اليوم؟ الناس قراصنة، كل امرئ يستولي على حاجيات جاره..
- لمن سوف أحكي اليوم؟ الماضي منسي، المآثر الطيبة لا تُرد.
- لمن سوف أحكي اليوم؟ ليس هناك أصدقاء جديرون بالثقة. المرء يدفع نحو الظلمة، قبل أن يتمكن من الصراخ.
- لمن سوف أحكي اليوم؟ القلب الجليل مضى ومن يتبعه لا يعود.
- لمن سوف أحكي اليوم؟ الحزن يسحقني لفقدان من دخل القلب.
- لمن سوف أحكي اليوم؟ لأن الفساد الذي يطوف الأرض ليست له نهاية.
- لمن سوف أحكي اليوم؟ الإخوة فظيعون، يمضي المرء إلى البرابرة. كيما يجد الصلاح..
- لمن سوف أحكي اليوم؟ الوجوه مشوهة كل امرئ يتحاشى ملاقاة إخوانه.
- لمن سوف أحكي اليوم؟ القلوب ضارية ليس هناك من قلب.. يضع فيه المرء ثقته..
- لمن سوف أحكي اليوم؟ ذهب العدل، الأرض أسلمت للجور.
تلك بعض فقرات الوثيقة الحزينة المتشائمة التي يعود تاريخها إلى ما قبل أربعة آلاف سنة، وهي تقول ما يقوله إنسان اليوم وتشكو مما كان يشكوه الناس في عصر كاتبها، لا فرق الفساد في عنفوان نشاطه، والحزن الصامت يسحق الملايين بلا رحمة، والأخ لا يكتفي بأن يتحاشى ملاقاة إخوانه بل يعمل على قتلهم بمختلف الوسائل بل وعلى إحراقهم أحياء، والعدل لا وجود له لأنه في إجازة لا موعد لنهايتها، وكل شيء اليوم كما كان من أربعة آلاف سنة. وإذا كان لنا من تعليق مقتضب على هذه الوثيقة التي تؤكد تشابه الحالات الإنسانية وتماثلها عبر العصور بما فيها العصر الحديث عصر انتصار العلوم إلى درجة مذهلة، فإن البشر يبقون هم البشر قد تتغير أساليب حياتهم وتتطور وسائل معاشهم لكنهم يظلون على عهد طبائعهم التي لا تتغير ومنهم الصالح والطالح، والفاسد والنقي، المجرم والمحسن، اللص والشريف، صاحب الضمير ومن لا ضمير له، من يسعى إلى الخير جهده، ومن لا يجيد سوى ممارسة الشر واللعب على الحبال.
وإذا تمكنت البشرية من أن تعيش أربعة آلاف سنة أخرى، فهل سيكون هناك من أبناء ذلك العصر البعيد أيضاً من يشكو إليه الإنسان المرهف أحزانه أم أنه سيقول كما نقول نحن الآن ما أشبه الليلة بالبارحة.
مع الديوان الأول للشاعر أنور داعر البخيتي:
عنوان الديوان (بلى.. ولكن) وهو عنوان مستوحى من الآية القرآنية التي جاءت على لسان إبراهيم الخليل عليه السلام {بلى ولكن ليطمئن قلبي} وكثيرة هي الإحالات القرآنية في هذا الديوان البديع الذي يكشف عن شاعر موهوب يتمتع بثقافة تراثية وحديثة واسعة. وباهتمام غير عادي باللغة مجازاتها وأساليبها الجمالية.
تأملات شعرية:
لمن سوف أشكو شجون البلاد
التي لم تعد وطناً أو بلادْ؟
لمن سوف أشكو جيوش الفساد
وقد صارت الأرض مأوى اللصوص
ومزرعةً حرةً للفسادْ؟
أيها الأنقياء القليلون في هذه الأرض
لا تيأسوا
إن هاويةً سوف تبتلع المفسدين
وما نهبوا واستباحوا،
وما شربوا من دماءِ العباد.