آخر الاخبار

رئيس مقاومة صنعاء الشيخ منصور الحنق يوجه مطالب عاجلة للمجلس الرئاسي بخصوص جرحى الجيش الوطني .. والمقاومة تكرم 500 جريح تفاصيل يوم دامي على الحوثيين في الضالع وجثث قتلاهم لاتزال مرمية.. مصادر تروي ما حدث في باب غلق بمنطقة العود اليمن تبتعث ثلاثة من الحفاظ لتمثيل اليمن في المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته بجيبوتي قصة موت جديدة تخرج من سجون الحوثيين.. مختطف في ذمار يموت تحت التعذيب ومنظمة حقوقية تنشر التفاصيل واحصائية صادمة حملة إلكترونية لإحياء أربعينية مدير دائرة التصنيع الحربي اللواء مهندس حسن بن جلال تعطل كافة أنظمة السداد الالكتروني شركة الاتصالات اليمنية تليمن ويمن نت.. تفاصيل الاسباب قائد الأسطول الأمريكي يتحدث عن السبب الذي يجعل موعد انجاز مهمة القضاء على خطر الحوثيين بالبحر الأحمر غير معروفا حتى الآن؟ القيادي الحوثي يوسف المداني يعترف : كل عمليات التفجير لمنازل خصوم المسيرة تتم بتوجيهات عبدالملك الحوثي وهو من يحدد موعد التفجير- فيديو بخسارته من الإمارات 3-0.. هل تضاءلت فرص المنتخب اليمني في المنافسة؟ الحكومة تعد لمشروع لائحة جديدة تنظم أوزان نقل البضائع على الشاحنات

اليمن الأحمر
بقلم/ صادق المولد
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 8 أيام
الإثنين 18 يونيو-حزيران 2007 11:04 م

مأرب برس - خاص

أتذكر من طفولتي أننا كنا – أنا وأبناء خالي – إذا جنّ الليل في قريتنا الملتصقة بقاعدة جبل مهيب من جبال المنطقة الوسطى، تحلقنا حول جدتي لتحكي لنا - على ضوء "النوَّارة" (قنديل الزيت) – وببراعة شديدة قصصا شعبية لها من الإبهار ما لم أجده كطفل في أي شئ آخر من أفلام الكرتون والخيال. ومن قصصها التي أحببت قصة الراعية التي أحبها أمير من امراء الجن. وتخبر القصة كيف وقع ذلك الأمير الوسيم، الذي تتمناه كل أميرات الجن وينتسب لأقوى أسرة من أسر الجن: جن بيت الأحمر، في غرام راعية بسيطة. وتمضي القصة لتروي كم عانى ذلك الأمير ليقنع أبا الفتاة بتزويجها لها، وأتذكر بوضوح بريق عينا جدتي وهي تصف لنا عجائب ما أمهر الأمير تلك الفتاة وكيف أقام عرسا أسطوريا لم يشهد الثقلان له مثيلا. ولم يكن يفتها- وهي القاصة الحاذقة - أن تؤكد لنا دائما كلما رأتنا وقد فغرت أفواهنا من غريب ما تصف أن جن بيت الأحمر هؤلاء "قوتهم قوة" ويستطيعون فعل ما لا يفعل!

جدتي تلك انتقلت إلى بارائها، وأندثرت كثير من قصصها من ذاكرة الكثير منا، وبقي منها عندي جن بيت الأحمر وقوتهم على فعل العجائب. كبرت بعدها لأعرف أن جن بيت الأحمر وقوتهم الأسطورية هذه لها وجود في القصص الشعبي لكثير من شعوب العرب، ومن ذلك استمد أخوتنا في مصر قولهم، إذا أرادوا الحديث عن أخفاء شئ بدهاء، "ميعرفلوش الجن الأحمر طريق جُرة"!

وتفتق وعيي على السياسية بعدها لأعرف أن بيت الأحمر لهم أمتداد في عالم الأنس أيضا، يحافظ كما يبدو على أسطورة القوة تلك. فذهولي كان بلا حد وأنا أعرف أن رأس البلد ورئيسها من بيت الأحمر، وأن رأس مشايخها من بيت الأحمر، وأن قادة الجيش والشرطة من بيت الأحمر، وأن كثير من الكتلات التجارية والاستثمارية الموجودة هي أعمال من الباطن لرجال من بيت الأحمر. ودخلت الديمقراطية بلدنا هذا بحياء، فأصبح رئيس مجلس النواب من بيت الأحمر، وشغر ثلاثة من أبناءه – في أعجوبة من أعاجيب الدهر- ثلاثة كراسي عن ثلاث مناطق مختلفة!!

أنا أعرف لآل الأحمر حقهم، والرسول
(ص) يقول: أنزلوا الناس منازلهم، فهم دون شك من أقيال اليمن وكبرائها، وهم من رؤس الناس. لكن المسألة هنا ليست عرف اجتماعي أو مقامات، المسألة سياسية بحتة: مصير شعب كامل، ومستقبل أجيال بكاملها.

وهي بعد ذلك سؤالا موجعا: أليس في اليمن غير بيت الأحمر؟ أعقمت نساء اليمن إلا منهم؟

هذا ليس تحاملا على أحد، لكنه تساؤل عن واقع فج غريب، أثاره فيّ هذا التلميع الإعلامي المزري لخطاب حميد الأحمر في الضالع.

***

أكتب ذلك، وأنا أرى اليمن تدور في حلقة مفرغة مضنية من الأسرية المقيته، من (آل حميد الدين) إلى (آل الأحمر)، بمسميات مختلفة، وتحت واجهات متعددة. الرئيس يعترف بذلك على الجزيرة وشماعته (كلهم يمنيين والدستور يكفل..)، والمواطن يعرف ذلك، ويلوكها ألما في صمت، والمراقبون الدوليون يقولون ذلك وتقاريرهم تقرره دون مواربة، فماذا بقي ليقال؟

 اليمن اليوم لم يعد يحتمل هذا النوع من الجهل المركب في التعامل مع الواقع ببعديه السياسي والاجتماعي، اليمن يقف اليوم في مربع الصفر، بين محورين في اتجاهين مختلفين، لكن أيا منهما لا يقود بحال من الأحوال إلى نقطة البداية. واليمن اليوم يعيش أيضا في حالة من اللاوزن وفقدان الإتجاه، وعلى الجميع أن يدرك ذلك ويعترف بخطره. فهذا البلد لا يمكنه العودة إلى الوراء والإلتجاء الى منسأة القبلية التي تآكلت أركانها، وهو غير قادر كذلك – بحالته الراهنة، وبعد نصف قرن من الثورة- على المضي إلى حيث ينبغي أن يكون: مجتمع مدنيا بهيكليه بمؤسسات حقيقية تحافظ على كيان المجتمع والدولة.

هذه الدولة ، التي يكاد وجودها أن يكون افتراضيا ، والتي أمضى الرئيس صالح ونظامه ثلاثين عاما وهو يحاول أقناعنا بأنه يبنيها، كشف تمرد الحوثي سؤءتها في ثلاثة أشهر لا تزيد، بعد أن أعجز أكبر مؤسسة في النظام: مؤسسة الجيش، عن تحقيق نصر مشرف. كيف لم يستطع جيش الدولة، الذي هدد به الرئيس وأرعد "والوجه من الوجه أبيض"، سحق التمرد الصغير؟ لا أحد يعرف. أين ذهبت مليارات الدولارات التي أنفقت عليه، واقتطعت ظلما من نصيب الصحة والتعليم؟ لا أحد يعرف. كيف باع ضباط الجيش أسلحة من مخازن نقم إلى مقاتلي الحوثي ليقتلوا بها رفقة السلاح؟ أين التربية العسكرية؟ أين الوطنية في ذلك؟ لا أحد يعرف. وإن كان ثمة ما يعرفه الجميع فهو: أن الدولة بهيكليتها الحالية، القائمة على الأسرية والشللية، آيلة للسقوط ودون سابق إنذار. وبقي أن نسأل، هل يعرف الرئيس أنه يسّوق بضاعة منتهية الصلاحية؟ أعتقد أنه يعرف، وهي مصيبة، وإن كان لا يعرف فالمصيبة أعظم.

***

 من جهة أخرى، ماذا تفعل المعارضة؟

لا شئ!

شخصيات المعارضة ، كما أقول دائما، هي في مجملها – مع الإستثناء النادر- شخصيات نرجسية، تعايش الواقع السياسي بفوقية قميئة من غرف مكاتبها، وهي بذلك ليست أفضل حالا من السلطة. ولعل موقف الشيخ الأحمر في الإنتخابات الرئاسية، ومحاولة قادة الإصلاح تسويق مخالفات اللائحة الداخلية في مؤتمرهم الأخير ليست سوى نذر شؤم للواقع السياسي المأزوم في ظل إنعدام البديلات الحقيقية.

في هكذا واقع، يصر البعض على طرح وتلميع شخص الشيخ حميد الأحمر. وعلى ما أكن –على المستوى الشخصي- للرجل من تقدير لما يبدي من مواقف تستحق الاحترام، إلا أن لي موقف مبدئي منه، نتيجة معطيات لا أتصور أنه ينبغي تجاهلها. فالشيخ حميد أولا هو نتاج الاستقراطية الحاكمة وربيبها، وهمز ولمز الرئيس له بالأيادي البيضاء هي إشارات اللبيب، وبالتالي فمواقف الرجل هي في أحسن الظروف، مجرد استقطاب داخلي كرد فعلي طبيعي لصراع الأجنحة القائم والذي لم يعد خافيا. ثانيا الرجل يدير واحدة من أقوى وأنشط الشركات التجارية، وهو بالتالي نقطة التقاء لعلاقات النفوذ التي يمليها السوق ورأس المال، وذلك تحديدا هو ما يجرح قدرته على الفعل الحقيقي. أقول ذلك، وأعلم أن البعض قد تستهويه القشور، وتتملكه عاطفة الموقف أو نشوة اللحظة، وتشغله جميعها عن النظر إلى معضلة هذا البلد بروية وبعمق أكثر.

***

اليمن لا يحتمل أحمر جديد، سواء أكان ذلك الأحمر هو أحمد علي أو حميد عبدالله. لا بد أن نوقف هذه العجلة المفرغة التي أكلت كل شئ. والرئيس يخطئ الحساب إذا اعتقد أنه الأمور تسير في صالح التوريث، الذي يعرف الجميع أنه في دخائل نفسه، وينفث به بعض المحيطين به هنا وهناك من أمثال ياسر العواضي. والمعارضة مخطئة تماما، إذا اعتقدت أنها ستفل الحديد الأحمر بحديد أحمر آخر، لأنها تدخل البلد بذلك في دوامة أخرى من صراع النفوذ.

ماذا نريد إذا؟

ببساطة ..
نريد لونا آخر لليمن!

 لونا غير "الأحمر".

 فقد احترق حتى أحرقت ألسنة اللهب فيه بعضها بعضا، وهذا الشعب المهيض الذي أكله "حمران العيون" وصبيانهم لم يعد لديه ما يملئ العين، وقد طأطأ حتى لامس هامته التراب،

 فيكفي.

 يكفي الرئيس الأحمر ضحكا على ذقون الأفاعي التي سقطت أنيابها..

 ويكفي الشيخ الأحمر وأبناءه ومعارضته وحكمته الخالدة "الجني (الأحمر) الذي تعرفه أحسن من الجني (الأحمر) الذي ما تعرفه"

يكفي اليمن.. عبثا وفسادا

يكفيه ضعفا و عوزا وفقرا وخذلانا وإهانة..

 ويكفيه جناً.

·  مدير مركز الراصد الإعلامي - نيويورك

Sadek76@gmail.com