آخر الاخبار
مذبحة الحرية في مصر..بين وحشية العسكر وحسابات رعاة الديمقراطية
بقلم/ د.عبدالحي علي قاسم
نشر منذ: 10 سنوات و 7 أشهر و 9 أيام
السبت 17 أغسطس-آب 2013 05:14 م

عبثا هي الطروحات الديمقراطية الغربية الانتقائية، مثلما هي أكثر عبثية وسخرية في المشهد الدموي الذي تتعرض له جماهير الذب عن الديمقراطية، والمنافحين عنها بدمائهم في مصر. على مدى عقود وأفكار الغرب التنويمية، وليس التنويرية تتدفق وتتوالى على منطقتنا محل العفن السلطوي العسكري والأمني الغاشم، وتبشر بوضع أكثر حرية وإنسانية تترجم فيها إرادة الشعوب من خلال صناديق الإرادة الشعبية بعيدا عن إكراهات العسكر وأسلحتهم الهمجية، ومن سذاجة وسطحية عقولنا العربية أن نمني أنفسنا بمعسكر غربي يعشق الديمقراطية ويدعمها، والمصيبة أننا نبني آمالا على سراب، ونصدق كذبة الديمقراطية بينما الواقع العربي ينكر أي حسنة حقيقية جادت بها يد الليبرالية الانتهازية، هذه الليبرالية التي تفزع لإنقاذ حالة ليبرالية واحدة إن تم تهديدها وليس قتلها، غيرها أنها تتوارى، وتختفي مواقفها القوية والصلبة في الوقت الذي تتعرض لها الديمقراطية وروادها في مصر لمذبحة يهتز لها ضمير الإنسانية تجاوز ضحاياها الألوف من القتلى والجرحى من جنرال لا يفقه سوى لغة القتل والانقلاب، بعد أن طالب قلة من أنصاره في مسرحية مباركة وممولة "صك الغفران" لارتكاب مجزرة مهد لها قبل حوالي شهر على مداخل رابعة العدوية ليدشن جرائمه بمجزرة أقدم عليها صباح يوم الأربعاء الموافق 14/ 2013 على مرأى العالم الديمقراطي ومسمعه في ميادين مصر المختلفة وعلى وجه التحديد في رابعة العدوية ومصطفى محمود والنهضة، وغيرها من ميادين الحرية في مصر، وانتهاء بمواجهات دموية لردات الفعل الغاضبة لتلك المذبحة في رمسيس وغيرها من ميادين مصر راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل. 

يتصدر مشهد الجريمة الفريق الانقلابي عبدالفتاح السيسي الفرعون الجديد الذي يذيق مصر هول وبشاعة جرائمه. آملا ومن يقف خلف جرائمه داخليا وخارجيا وأد العملية الديمقراطية الوليدة في مصر والمنطقة، وسد الباب المصري أمام نسمات الحرية لتدخل المنطقة في سبات من الاستبداد والتخدير المرغوب غربيا وحلفائه من النخب المستبدة في المنطقة، واستئناف الوضع السابق العسكري بكل استحقاقاته المتفهمة للمطالب الإسرائيلية، والمتناغمة مع مصالح التسلط في المنطقة.

فسقوط الحلم الديمقراطي المصري بما له من وزن وثقل يعني عودة روح الهدوء والسكون للذات التسلطية العربية، واسترخائها، بعد ما عاشت على أعصابها رعب الثورات وتساقط الزعامات، والأخطر هو مآلات هذا الانقلاب على أخواتها العربيات، فالعملية الجراحية للثورات الربيعة لم تندمل بعد، وتحتاج لمزيدا من الوقت والدعم حتى تتعافى، وسقوط الثورة المصرية بالقاضية العسكرية تربك أوراقها، وتسيل لعاب المتربصين بتلك الثورات والناقمين عليها وتحديدا في ثكنات العسكر وأروقة السياسة. ولذلك فالقوى المتسلطة والانقلابية لم يكن لها أن تأمن تنفيذ الانقلاب على الشرعية ما دام أنصارها يفترشون الشوارع، ويهزون جنبات القاهرة رفضا لعودة العسكر وجرم انقلابها، ويستميتون في الدفاع عن مكتسبات ثورتهم وإصرارهم على عودت الشرعية، ولذلك ترجموا تهديداتهم في الجرائم المروعة صباح الأربعاء في مختلف ميادين مصر للتخلص من شبح الاعتصامات وكوابيسها.

كل تلك الجرائم تحدث دون أن يحرك النادي الديمقراطي الغربي الأمريكي والأوروبي ساكنا مؤثرا لوقف هذه المهزلة الانقلابية، سوى من بعض المواقف الهزيلة والممجوجة، وفي ذات الوقت يمارس انتقائية مقرفة عندما يقيم الدنيا ويقعدها عندما تسقط نفس واحدة ليبرالية هنا أو هناك. وهذا ما يثير الشكوك والرعب حول ما يتردد بأن العالم الحر يبارك وأد الديمقراطية العربية وتحديدا منها المصرية، وقتل أصحابها على يد حلفائه التقليديين العسكر.

إن غياب أنصار الثورات الديمقراطية سواء منها البرتقالية أو الثورية، بمسوحها الليبرالية أو الإسلامية المعتدلة، عن مسرح الجريمة في كل الميادين المصرية، تجعل الشعوب العربية والإسلامية مدركة لكل مزاعم وأكاذيب وتظليلات الغرب الداعمة للديمقراطية، وإعلامهم المضلل الذي التقى مع سحرة الإعلام المصري هذا المرة، والذي لا يرى سوى نصف الكوب الديمقراطي وبانتقائية واضحة.

ووسط ركام هذا العالم الصامت الفاقد للفعل مثلما هو فاقد للضمير والقيم، ويستلهم فقط المصالح مهما كانت قذرة وانتهازية، ولا تهمه القيم واستحضارها إلا عندما تهدد بعض مصالحه، ويبحث عن مسوغ قيمي لحمايتها يقف رجب طيب أردوغان ليعطي الغرب المنافق دروسا في الديمقراطية، ويلهب بسياط نقده الواقعي ظهور أوباش الحرية الفاقدة المحتوى، فقد سبق أن انتقد على مائدة إفطاره الرمضانية في اسطنبول يوم السبت الموافق الموافق27 يونيو صمتهم على مذبحة الديمقراطية والأمة المصرية التي صنعتها، مذكرا لهم ومعزيا لقيمهم قائلا "بأن الصامتون أمام هذه المجزرة أياديهم ملطخة بدماء الحرية المصرية، وشركاء فيها والغرب لا يرى شيئا ولا يسمع شيئا"، ومستهجنا في الوقت ذاته الغرب الذي يذهب إلى كل مكان خلف الديمقراطية المناسبة، ولا يلتفت لمآسيها المروعة في مصر لأنها ربما ليست مرغوبة، ولا تعير سمعا لكل أفكاره وتأملاته السياسية والفلسفية.

ولم يكن له أن يقف صامتا أمام المجزرة الكبرى التي أقدم عليها الأمن والجيش المصري بحق المعتصمين السلميين صباح الأربعاء فقد دعا مجلس الأمن لاجتماع عاجل يفضي لوقف مجازر العسكر بحق الشعب المصري وحرياته وشرعيته المغتصبة. هناك أيضا حسنة الموقف القطري والفنزويلي الرافض لسلطة القمع والجريمة التي ترتكبها القيادات الانقلابية ضد سلمية التظاهر المناهضة للانقلاب، وفي المقابل الدعم اللامحدود الرسمي للمملكة السعودية والإمارات وتأييد البحرين والأردن للموقف السعودي الذي لخص في كلمة الملك عبدالله لمباركة ودعم سعار الجيش المصري وولوغه في دماء الشعب المصري.