الرئيس والبدوي وفرانسيس
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 16 سنة و 5 أشهر و 18 يوماً
الأحد 28 أكتوبر-تشرين الأول 2007 07:46 م

مأرب برس – خاص

اثبت الإنتقاد الأميركي العلني القوي لليمن فيما يتعلق بأسلوب التعامل مع الإرهابيين بعد نبأ إطلاق المطلوب جمال البدوي أن هذا الإنتقاد هو أقوى وأفتك الأسلحة في محاربة الإرهاب في هذا الجزء من العالم. فبعد يوم واحد فقط من بيان البيت الأبيض عن فزعه وإحباطه من التصرف اليمني الذي لا يتماشى مع التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب، والبيان المماثل الصادر عن وزارة العدال الأميركية، نشرت صحيفة 26 سبتمبر المقربة من الرئاسة، والتابعة لوزارة الدفاع، تصريحا لمصدر مسؤول في وزارة الداخلية أن جمال البدوي الذي سلم نفسه للأجهزة الأمنية هو حاليا محتجز لديها ورهن التحقيق من قبل الأجهزة المختصة لمساءلته حسب القانون.

ولوحظ أن صياغة التصريح كانت مقتضبة ولم تتضمن نفيا للأنباء السابقة عن إطلاق سراحه أو تشير إلى تلك الأنباء من قريب أو بعيد ولكن التصريح تضمن تأكيدا أن الرجل سلم نفسه وأنه رهن الإستجواب. صدور التصريح بحد ذاته يؤكد أن القيادة اليمنية أدركت أن انتقاد واشنطن العلني لها قد يسقط ورقة الإستقواء بالعلاقات اليمنية الأميركية، لأن السلطة توهم المعارضين دوما أن واشنطن تقف إلى جانبها ضد المعارضة، في حين أن واشنطن لا تقحم نفسها في المسألة الداخلية اليمنية، ويمكنها أن تتعامل مع الجميع على قدم المساواة بالقدر الذي يحافظ على المصالح الأميركية. وربما أن القيادة اليمنية لا يهمها الـ20 مليون دولار التي تعهدت بها أميركا لليمن، لأن هذا المبلغ يستطيع أن يدفعه للرئيس علي محمد سعيد، أو أي تاجر في اليمن، ولكن المكسب المعنوي من واشنطن أكبر من ذلك بكثير وهو التلويح لخصوم السلطة بالعصا الأميركية، وإيهام الناس أن أميركا تقف إلى جانب الديكتاتورية والإستبداد والفساد، وربما الإرهاب.

وعودة لقضية البدوي فإن وكالة رويترز للأنباء كانت الوحيدة التي أشارت منذ البداية إلى أن البدوي رهن الإعتقال المنزلي أي أنه لم يطلق سراحه تماما ولم يوضع في السجن أصلا، وبما أن مراسل وكالة رويترز في اليمن هو المترجم الخاص للرئيس، فإن معلومات الوكالة كانت هي الأقرب إلى الصحة، والأكثر صدقا من كل تصريحات المصادر الأمنية التي لا تدري شيئا عما يجري، خصوصا ونحن نعرف أن ملفي العلاقات مع الإرهاب والعلاقات مع أميركا يشرف عليهما الرئيس بنفسه.

وبسبب المشكلات الداخلية والإقليمية التي تواجهها السلطة القائمة في اليمن حاليا، فلن أبالغ إن قلت إن الإنتقاد الأميركي العلني للسلوك غير السوي يفوق في تأثيره كل أنواع التقريع العنيف في الغرف المغلقة، وكل أنواع الضغوط الصامتة والتهديد بقطع المساعدات القليلة لأن السلطة في حاجة ماسة لإظهار الدعم الدولي الوهمي للوحدة اليمنية أكثر من أي شئ آخر.

وبسبب هذه الحاجة فإن الإعلام اليمني الحكومي تعامل مع الزيارة الأخيرة لمستشارة الرئيس بوش لمكافحة الإرهاب، فرانسيس تاونزند، ومقابلتها للرئيس في عدن على أساس أنها جاءت لتأكيد دعم الرئيس بوش للوحدة اليمنية. ولو كان هذا هو الغرض من الزيارة لقام بها حامل الملف ديفيد ويلش أو أي مسؤول دبلوماسي في الخارجية الأميركية وليس مسؤولة متخصصة في مكافحة الإرهاب.

الإعلام اليمني الحكومي لم يكن صادقا كعادته في تغطية الزيارة، لأن مصادره الرسمية غير صادقة كعادتها، فقد تم التركيز على جزئية لاقيمة لها من الزيارة، في حين أن عملها هو مكافحة الإرهاب، ومجيئها لليمن لم يكن إلا من أجل هذا الملف، ولا علاقة لها بالمشكلات اليمنية الداخلية ولا بالجدل الدائر حول الوحدة والإنفصال.

قبل لقاء الرئيس مع فرانسيس تاونزند ومغادرتها عدن إلى واشنطن، التقى الرئيس في نفس المكان مع جمال البدوي وفقا لما أكدته الصحافة اليمنية في حينه، وجاء اللقاء بين البدوي والرئيس تطبيقا لنتائج الوساطة القبلية التي تضمنت تقديم البدوي ولاء اليمين والطاعة، للرئيس مقابل إطلاق سراحه وتناسي الحكم الصادر ضده بالسجن 15 عاما، وعدم ملاحقته بسبب الهرب من السجن. وبعد عودة البدوي إلى منزله في البريقة، وتناقل الصحافة اليمنية لخبر تأكيد زيارة أقاربه للمنزل، فجر الزميل الصحفي أحمد الحاج مراسل وكالة أسوشيتدبرس الأميركية الخبر المدوي الذي تناقلته مئات الصحف والمحطات الأميركية وهو الإفراج عن البدوي المتهم الثاني في مؤامرة تفجير المدمرة الأميركية كول، فبادرت الإدارة الأميركية للاحتجاج ولكن ليس عن طريق القنوات الدبلوماسية فقط بل عن طريق الإعلام هذه المرة، وهو ما كان له مردود سريع وفعال.

وإذا كان الرئيس علي عبدالله صالح قد نجح سابقا في الجمع بين الشيخ عبدالمجيد الزنداني المدرج في قائمة الداعمين للإرهاب، مع السفير الأميركي السابق في صنعاء توماس كراجيسكي في غرفة واحده، فإنه على ما يبدو تصور أنه يمكن أن ينجح أيضا في تقريب وجهات النظر بين جمال البدوي المدان بالمشاركة في قتل 17 أميركي، مع فرانسيس تاونزند مستشارة الرئيس بوش لمحكافحة الإرهاب، ولكنه ثبت للرئيس بالعين المجردة أن محاولة كسب رضا الإرهابيين والأميركيين في آن واحد من المهمات الخطرة التي لم يستطيع برويز مشرف في باكستان أن ينجح فيها فكيف يمكن أن تنجح في اليمن؟!

ومثلما يتهم الرئيس بعض خصومه أنهم يضعوا قدما في المعارضة وقدما في السلطة ولم يحددوا موقفهم، فإن السلطة في اليمن هي الأخرى تضع قدما مع الإرهاب وأخرى مع مكافحة الإرهاب، فهل تكون هذه السياسة هي بداية الإنفراط؟!

يجيب على هذا السؤال أحد المصادر القبلية المقربة من الرئيس بالقول: سياسة الرئيس في هذا المجال هي " إضربها عوجاء تطلع قاديه...". هذه السياسة ربما تكون ناجحة في لعبة البولنغ، لأن المحيطين بالرئيس سوف يصفقون له حتى وإن لم يكن أشطر لاعب بينهم، أما لعبة الإرهاب فهي خطرة لأنها تتم بمرأى من الدول العظمى ويراقبها الجميع بعيون مفتوحة ولا تتحمل اللعبة أقل من شفافية وصدق بنسبة 100%.

وإذا كان الأميركيون قد أدركوا أن مثل سياسة الاحتواء المزدوج للإرهاب والأميركان لا تتماشى مع التعاون المفترض في مكافحة الإرهاب، فإن عليهم أن يتعاملوا بشفافية مع القوى الحية في المجتمع اليمني، وأن يستمروا في نقد الأخطاء الحكومية ، علنا وليس من وراء الجدران، وذلك من أجل تخفيف حدة العداء والكراهية للسياسة الأميركية لأن المواطن اليمني يهمه أن تقف الولايات المتحدة صراحة ضد الفساد والاستبداد، لأنها بدون ذلك تقف دون أن تدري مع الإرهاب وتساهم في حصد أرواح المزيد من الأبرياء من بينهم أميركيون.

almaweri@hotmail.com