أزمة ماقبل انتخابات 2009
بقلم/ ريما الشامي
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 11 يوماً
الأحد 03 فبراير-شباط 2008 09:30 ص

مأرب برس – خاص

مع اقتراب العام 2009 الذي سيشهد دورة انتخابية جديدة للبرلمان فان السلطة في هذه الفترة تستنفر جهودها وخبراتها المتراكمة مع أحزاب المعارضة في الشان الانتخابي من اجل ان تفرض أجندتها على الانتخابات القادمة وتجعلها تسير في اطار نفس السيناريو والخط المرسوم لها دائما والذي تنتهي اليه كالعادة كل الدورات الانتخابية وهو ما يعيد انتاج نفس الأوضاع القائمة والأسوأ منها ولا ندري ماذا ستكون عليه نتائج انتخابات 2009 بعد حصاد الأغلبيات المتتابعة خلال الدورات السابقة هذا اذا مانجحت السلطة مرة أخرة في جر المعارضة الى ملعبها وفرض شروطها .

بالنسبة للسلطة فإنه من المسلمات لديها بأن اللجنة العليا للانتخابات خط أحمر ومسالة مصيرية كونها تعتبرها حق خاص بها وألية ضامنة لتزوير ارادة الشعب وإهدائها نتائج الأغلبيات المعتادة بترتيب تصاعدي من نسبية الى مريحة ثم مطلقة ولذا فانه من سابع المستحيلات أن تقبل السلطة بإجراء إصلاحات حقيقية للآليات الانتخابية القائمة اوان تتخلى عن السيطرة على لجنة الانتخابات أو أن توافق بإعادة هيكلتها وتنظيمها وتشكيلها بحيادية وتوازن وعلى ضوء التشخيص والتوصيات الذي قدمته مختلف الجهات المهتمة بالعملية الانتخابية بما يؤدي الى انتخابات نزيهة تتوفر لها أقل شروط العدالة والتكافؤ بين أطراف العمل السياسي

هل سيستمر التزوير للأبد ؟

والسلطة حاليا تكثف جهودها من أجل ان تجعل الدورة القادمة مثل حال سابقاتها لا أكثر ولا أقل ، حيث لجأت الى استخدام أساليبها الروتينية المعتادة في مثل هكذا وضع مع اقتراب انتخابات 2009 والتي بواسطتها تستطيع أن تنفذ ارادتها وتفرض أجندتها على المعارضة كما هي العادة في اجراء الانتخابات في ظل وضع مختل يفضي الى حصاد تصاعدي في نتائج الاغلبيات و معه يزداد استفحال الفساد و يتكرس الظلم و يفقد الناس ثقتهم بالديمقراطية والعملية الانتخابية كألية للديمقراطية والتغيير نحو الأفضل

السلطة لا تمتلك عصا سحرية أو قدرات عقلية خارقة تستطيع بواسطتها اجبار المعارضة على التسليم لمشيئتها والقبول بأجندتها والدخول كاطرش في الزفة في مسرحيات انتخابية تجري في وضع مختل بل أنها دائما تصل الى فرض ما تريده بواسطة اسلوب تتميز به وهو ما يسمى بأسلوب الأزمات الذي تعتمده كسياسة عامة في حكم البلد وادارة شئونه المختلفة وليس الشان الانتخابي فحسب اذ تؤكد تجارب الدورات الانتخابية السابقة نجاح السلطة في الوصول بالعملية الانتخابية الى الشكلانية و الصورية وفقدان ثقة الناس بالديمقراطية برمتها ويرجع هذا الحال الذي صارت اليه العملية الانتخابية الى تفوق السلطة في خلق الأزمات وإتقانها ادارة عواملها هذا بالاضافة الى طريقة استجابة المعارضة وتعاملها معها ما كان يؤدي دائما الى ان الأزمات تحقق أهدافها المرسومة في اجراء الدورات الانتخابية وفقا لأجندة السلطة وبشروطها وتحت سيطرتها

وبعد مرور عدد كبير من الدورات الانتخابية فإنه بلا شك تكون قد تكونت لدى قيادات احزاب المشترك معارف وخبرات متراكمة في فهم أليات الأزمة وادواتها وكيفية التعامل الواعي والناضج معه ما يفرض عليهم هذا الحالة المتدهورة التي تعيشها البلد كنتاجا لمخرجات مكرورة للدورات السابقة أن يستفيدوا من الخبرات التي اكتسبوها في عدم تكرارا الأخطاء مرة تلو أخرى وهذا يحتم عليهم التعامل بوعي ومسؤلية وطنية مع الأزمات التي تديرها السلطة و التي تهدف الى المحافظة على اليات الانتخابية القائمة المختلة وذلك ما يبدو بوضوح من خلال ما أفصح عنه دكتور ياسين سعيد نعمان أحد قيادات المشترك بحزن وأسى حول جوانب مهمة وخطيرة في الأزمة عندما أكد بأنه هناك حوار بين السلطة والمعارضة الا أنه لا جدوى منه لانه يفضي دائما الى لا شئ اذ تلجأ السلطة في نهاية المطاف الى فرض ما تريده بحسب الدكتور ياسين ، ولعل تشخيص الدكتور ياسين لمسألة عبثية الحوار والتلاعب به يعد جانبا مهما يندرج في اطار مكونات واليات الأزمة وبنفس الوقت فإن هذا التشخيص مؤشر يؤكد فهم وادراك احزاب المعارضة وقيادتها لمنهجية الأزمات بعد سلسلة من الدورات الانتخابية ظل فيها الحوار أسلوب للمناورة وضياع الوقت واستنزاف الزمن حتى يصل طرفاه الى الوقت الضائع قبيل الانتخابات وعندها تضع السلطة المعارضة أمام الأمر الواقع وتبدأ عندها الصفقات أو الاتفاقات التي لا تطبق كما كان ذلك حال اتفاق المبادئ قبيل انتخابات سبتمبر 2006 وعندها تضطر المعارضة وتحت ضغط عامل الوقت الى الدخول الى انتخابات ير متكافئة تكون فيها مجرد شاهد زور على تزوير ارادة الناس واصواتهم الانتخابية و تعطي بعد ذلك المبررات المعتادة من انها دخلت الانتخابات رغم معرفتها بوضعها المختل من أجل الحفاظ على الهامش الديمقراطي وما تبقى من ممارسات شكلية للديمقراطية والنظام التعددي 

أزمة جديدة وغير مجدية

ان ما تقوم به السلطة حاليا في اطار تحضيرها لانتخابات 2009 هو صورة معتادة وروتينية من مشاهد الازمة التي تتكرر دائما قبيل كل دورة انتخابية مع فارق بسيط هذه المرة وهو ان السلطة لم تعد ممسكة بالكثير من عوامل الصراع وأدوات الأزمة ما جعلها تعمل جاهدة على اختمار وتفاعل أكبر قدر ممكن من العناصر والاليات التي تستطيع التحكم بها بحيث تسخرها بأقصى ما تستطيع في اطار تكتيكاتها وبما يمكنها من اخراج الأزمة بشكلها النهائي بأكبر قدر ممكن من القوة التي تجعلها قادرة على مواجهة مطالب الناس والقوى السياسية وفرض أجندتها في مثل هذه الحالة وهو الابقاء على الأليات الانتخابية القائمة كما هي تحت السيطرة ولكن يبدو أن على السلطة هذه المرة ان تواجه صعوبات جمة ونوعية ستقف دون تمرير السلطة لأجندتها وفرض شروطها في تزوير الانتخابات القادمة فالموقف الشعبي الرافض لاستمراية حكم الفساد والاستبداد صار أكثر قوة واصطفاف وتبلور في مختلف أشكال النضال السلم وهذا يمثل كوابح حقيقية واعاقات نوعية في وجه محاولات تزوير الانتخابات القادمة فالحراك الشعبي المتواصل في الجنوب أفقد السلطة توازنها وكشف حقائق سياسات النهب والتدمير والالغاء التي تمارسها في حق أبناء الجنوب هذا بالاضافة الى تدهور حياة الناس المعيشية و انهيار البنية والتحتية و الخدمات العامة و استفحال الفساد وتفاقم الفقر والبطالة والجوع في اوساط مختلف فئات الشعب و النكث بالوعود الانتخابية التي احتواها برنامج الرئيس صالح وكذا تجدد الحرب العبثية في صعدة للمرة الخامسة خارج اطار الدستور والقانون و مؤسسات الدولة كل هذه عوامل تسهم في تضييق الخناق على السلطة وتسقط عنها هامش المناورة و تحيد من متناول يديها أوراق كثيرة عن اللعب بها وكل هذه العوامل تحد بشكل كبير جدا من فدرتها وامكانياتها في خلق الأزمة المعتادة لما قبل الانتخابات وتشل من فاعليتها التي ظلت تؤدي دائما الى التزوير ، وعلى هذا فإن أحزاب المعارضة ينبغي عليها أن تكون عند مستوى الإدراك والمواكبة للمشهد الوطني الراهن المصطف في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى ضد استمرارية سياسات الفساد والاستبداد وأن تدرك انها جزءا من هذا الحراك الشعبي على امتداد ساحة الوطن مما يحتم عليها أن تقف بمسؤلية وطنية ازاء قضية جوهرية لا تحتمل مزيد عبث وتسويف بمستوى خطورة تزوير الانتخابات واستلاب ارادة الشعب وهذا يستدعي رؤية مبدئية وموقفا واعيا من المعارضة أولا بالمرحلة الحالية وثانيا بطريقة التعامل مع الأزمة والياتها التي تديرها السلطة بحيث تودي النتائج الى تخليص الانتخابات من الوضع المختل الذي يحكمها وتغيير الآليات الفاسدة التي تديرها 

ولكن هل تنجح الأزمة هذه المرة ؟

ويجب التأكيد هنا على أن فقدان السلطة لجزءا كبيرا من ادوات الصراع وأليات الأزمة يوجب على المعارضة أن تكون مدركة جيدا بأنها أي السلطة في هذا الوضع تجهد نفسها و تستميت لتحويل عناصر الضعف والخلل التي تعانيها الى نقاط قوة ستضرب بها الشعب والمعارضة ان استطاعت كما هي سياساتها المعروفة والتي بواسطتها تقوم بتوجيه الشعب ضد نفسه وضد مصلحته أي ان السلطة تبذل كل إمكانياتها حاليا في اتجاه تجيير المشهد الوطني الراهن وتفاعلاته لصالحها وتحويله الى قوة وعناصر ضغط تواجه بها الاستحقاقات المطلوبة منها نفيذها ومن ذلك نجاحها في ابقاء الوضع الانتخابي المختل كما هو قائم والمحافظة على ألياته الحالية تحت سيطرتها ومنها اللجنة العليا للانتخابات

و قراءة الواقع اليوم تخبرنا بان السلطة تستغل الاحتقانات الشعبية ومعاناة الناس كأدوات لخلق وإدارة ازمة ما قبل الانتخابات اذ ان كافة ممارسات السلطة وسياستها حاليا وعلى المدى المنظور تدفع بالأوضاع نحو المزيد من التأزيم والتدهور في اتجاه الوصول بالبلد الى مرحلة متدهورة جدا حتى تصل الى مرحلة ستضع فيها المعارضة والشعب على حد سواء امام خيارين اما القبول ببقاء الوضع كما هو أي في اطار شروطها واجندتها مالم فهو الخيار الاخر وهو التهديد بالحروب الداخلية والانفلات والصوملة على نحو خطابها الذي تبنته في انتخابات سبتمبر 2006 ويخشى خلال هذه الفترة الممتدة الى 2009 ان تلجأ السلطة في اطار الظرف الوطني الضاغط و اصرارها أيضا على المضي فى سياسات التأزيم والوصول باوضاع البلد الى عنق الزجاجة أن يعود مسلسل اغتيالات القيادات الاشتراكية ابان الفترة الانتقالية للوحدة (91 - 1993م) ولكن هذه المرة ستوجه لاستهداف شخصيات معارضة ومستقلة وصحفيين على نحو ما جرى في باكستان لبنازيز بوتو و محليا لجار الله عمر ويحي المتوكل ، ومرة أخرى يجب التأكيد على أنه اذا ما استجابت المعارضة لارهاب السلطة وضغوطها و استسلمت لخياراتها وعلى وجه الدقة اذا ماقبلت بالخيار الأول فانها ستكرر نفس الأخطاء وستجد نفسها تسير على نفس سيناريوهات العمليات الانتخابية الماضية

مبادرة الرئيس . . تكتيك اخر وسيناريو مكشوف

 من ضمن تكتيكات الأزمة الحالية قبيل انتخابات 2009 هي التعديلات الدستورية التي تبناها الرئيس صالح والتي أضيفت كملهاة أخرى للمعارضة حيث طرحت مبادرة التعديلات الدستورية في المراحل النهائية لجولات الحوار والتي لم يتبق منها غير الوفاء بالالتزامات وتنفيذ الاتفاقات الموقعة بشأن اجراء اصلاحات حقيقية للجنة العليا للانتخابات فكانت السلطة أن قدمت هذه المبادرة وحاولت أن تربطها قسرا بالحوار ومواضيعه ونتائجه بغرض افشاله والتنصل من تنفيذ اتفاقاته المصادق عليها وكان بالتالي طبيعيا أن ينتهي الحوار الى لاشئ كما أرادت السلطة التي فرضت سيناريو التعديلات الدستورية بهدف افشال الحوار والتنصل من اتفاقياته والتزاماته التي تتضمن حزمة من التوصيات المحلية والدولية لاجراء اصلاحات حقيقة في الأليات الانتخابية القائمة واللجنة العليا للانتخابات التي تراها حقا شخصيا لها، وبعد افشال الحوار اتجهت السلطة نحو افتتاح فصولا أخرى من تكتيكات الأزمة اذ راحت تمارس الضغوط والترهيب ضد المعارضة بالتهديد بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من طرف واحد مستقوية بأغلبيتها العددية في البرلمان ومن ثم قدمت لمجلس النواب مشروعا لتعديلات دستورية على قانون الانتخابات و جمدته بعد ذلك والى جانب هذا راحت تحاور الاحزاب المستنسخة التي فرختها في فترات سابقة وفي اطار هذا الخضم يظهر الرئيس في المعسكرات يحرض أفراد الجيش ضد احزاب المعارضة ويتهمها بالتهم الروتينية المعتادة التي تحمل صفات الخيانة والعمالة والحقد على الوطن ، ومن ثم عادت السلطة مرة اخرة لتناور من جديد حول موضوع اللجنة العليا للانتخابات وانها مستعدة للحوار بشأنها والدخول في دوامة حوارات عبثية جديدة في وقت هي التي أفشلت الحوار سابقا وتلاعبت بنتائجه ورفضت تنفيذ المعالجات والاصلاحات الحقيقية للجنة الانتخابات المتضمنة في توصية الاتحاد الاوربي وغيرها من الاتفاقات الموقعة مع المعارضة

المعارضة الى أين تسير ؟

ان المعارضة مطالبة بالتقاط اللحظة الراهنة و تقدير الظرف الحالي واستيعاب معطيات هذه المرحلة بوعي ومن ثم تتعامل معها بصورة ايجابية بحيث تؤدي الى ايقاف العبث والوضع المختل لأليات الانتخابية التي ظلت تدير الانتخابات طوال الفترات السابقة وسيكون هذا بانتزاع حقا عادلا وشرطا أساسيا لاجراء انتخابات تمتلك قدرا معقولا من العدالة والنزاهة ، أما ان تظل المعارضة تسير في فلك الأزمة التي تصنعها السلطة لها فأنها ستنجر كما هي العادة الى ملعب السلطة وبشروطها وسيأتي عبده جندي أخر أكثر اخلاصا من سابقه وعندها لن ترضى السلطة بان تظل المعارضة محافظة على تواجدها الحالي على الأقل في البرلمان في ظل التوجه الاقصائي المعلن بحصر جود المعارضة (رمزيا ) فقط وهذا الوجود الرمزي الذي حددته السلطة سقفه أقل من 20 عضوا وهذا يعني ان أن تدلف البلاد الى مرحلة الاستبداد السافر وانفاذ مشروع الاستبداد والتوريث بكل طمانينة وأريحية .