حبا في المشترك أو نكاية بالمؤتمر.. كل الطرق تؤدي إلى المقاطعة
بقلم/ عبد الباسط القاعدي
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 5 أيام
الخميس 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 07:03 ص

المعطيات والمؤشرات المتوافرة على الساحة تؤكد أن خيار تأجيل الانتخابات القادمة بات الأقرب للواقع باعتباره أنسب الحلول لاحتواء المشاكل العالقة بين السلطة والمعارضة، وفيما كان الحديث الرسمي متصلبا تجاه التأجيل أكد الرئيس علي عبدالله صالح في الدورة الاستثنائية للجنة الدائمة: «ليس لدينا مشكلة في التأجيل إذا كان في مصلحة عامة»... الأوساط السياسية أيضا شرعت في التعاطي مع مسألة التأجيل كضرورة تستدعيها المساحة الزمنية القصيرة حتى أبريل القادم والتي تتطلب ترتيب البيئة السياسية والقانونية لصالح إجراء انتخابات أكثر عدالة ونزاهة للخروج من الأزمة السياسية بين شركاء العملية السياسية.

ولأن الأزمة السياسية التي تلقي بظلالها على الساحة اليمنية معقدة ومركبة ولا تشبه أي أزمة سابقة، تبدو الأحزاب السياسية فاقدة البوصلة وتعيش مرحلة غير مسبوقة من التخبط، فالمؤتمر يتقدم منفردا بخطوات مرتجفة ترافقه الوحشة فتارة يستأنس بأحزاب الشدة (المجلس الوطني للمعارضة) وأحيانا يرفع صوته ليكسر حاجز الخوف وفي حالات يستجدي المشترك مصاحبته مع علمه المسبق أن الأخير ليس أحسن حالا منه، ولذا يعجز الطرفان عن انتشال نفسيهما من وحل هذه الأزمة بسبب ضعف الخبرة وغياب رصيد التجربة التاريخية، وفي المحصلة فالهالة المحيطة تبرهن أن هذه الشدة هي المدخل لحلول منطقية وواقعية.

يقول د.محمد الظاهري رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء :»تعاني اليمن من أزمة سياسية ومجتمعية شاملة ومركبة على مستوى النظام الحزبي والنظام السياسي بل وعلى مستوى العلاقة بين المجتمع والدولة»، مرجعا الأسباب إلى افتقار التوجه الرسمي لمصداقية الأخذ بجوهر قيم النموذج الديمقراطي والسعي لتشويهه والتحايل عليه والاكتفاء بنقل الشكل دون الجوهر والمبنى دون المعنى».

الإحباط حالة عامة

لقد راكمت التجارب الانتخابية السابقة الإحباط واليأس من إحداث تغيير حقيقي من خلال صندوق الاقتراع لدى النخب السياسية والحزبية، ما أدى إلى عزوف ملحوظ في تلك الأوساط عن التعامل مع الانتخابات، في المقابل فإن قطاعات شعبية واسعة من الشرائح الأقل تعليما والأميين لا تدرك بعد 18 عاما من عمر التجربة الديمقراطية قيمة الصوت الانتخابي ونظرا للتذمر الواسع جراء سوء الأوضاع الاقتصادية فمن المتوقع في حال قاطع المشترك الانتخابات أن يسحب معه تلك الشرائح والذي لن يمضي معه حبا فيه، سيمضي نكاية بالمؤتمر الشعبي.

ومع الحديث عن التواصل بين المؤتمر والمشترك فالتجارب السابقة تؤكد غياب بوادر الانفراج ومع افتراض الخروج برؤية مشتركة فإن تطبيقها بحاجة إلى وقت خاصة ومطالب المشترك تتمسك بالتراجع إلى ما قبل الانقلاب المؤتمري الذي تم في 18 أغسطس وهذا يتطلب وقتا لا يتوفر حتى موعد الانتخابات القادمة ولذا فالكل مضطر إلى التوافق على تأجيل الانتخابات إلى أجل مسمى لتتمكن تلك الأطراف من تنفيذ اتفاقاتها، ويرى القانوني خالد الآنسي أن خيار تأجيل الانتخابات بتوافق سياسي يمثل مخرجاً سياسياً وقانونيا. وما يعزز لجوء الحزب الحاكم للتأجيل إدراكه أن المزاج الشعبي والسياسي يتجه بقوة نحو المقاطعة كما أن تماسك موقف أحزاب المشترك تجاه القضايا الانتخابية جعل المؤتمر يعيد حساباته في التعامل معها كون وسائله القديمة في التفاوض لم تعد ذات قيمة وأصبحت هذه الأحزاب لا تقبل الفتات كما هو شأنها سابقا. وتبرر المعارضة موافقتها على شروط المشاركة في المراحل السابقة بأنها كانت محكومة بالمصلحة الوطنية كما هو موقفها الحالي.

كما تدرك أحزاب المشترك أن دخولها الانتخابات القادمة بالآلية الحالية وتعبر قواعد تلك الأحزاب أن الانتخابات تحولت إلى معركة غير متكافئة تستنفد الوقت والجهد والمال دون جدوى.

التأجيل لصالح المؤتمر

والحديث أن المؤتمر أحوج من أي وقت مضى لمشاركة أحزاب المشترك صحيح لسببين الأول تختزله الأزمة المنتشرة على مساحات شاسعة من المحافظات الجنوبية وما تجره وراءها من دعوات صريحة وواضحة لمقاطعة الانتخابات بدأت تظهر كحقائق على الواقع من خلال رفض لجان القيد والتسجيل وطردها من عدة مناطق وصلت حد إطلاق النار على بعض اللجان وأيضا من خلال الفعاليات التي تمثل القوى الجنوبية، الأمر الثاني تداعيات الحروب التي حولت محافظة صعدة إلى جرح من الصعب التئامه على المدى المتوسط وما سيتركه ذلك من أثر على الانتخابات القادمة.

أيضا فعملية رفض لجان القيد والتسجيل الحالية تمت على نطاق واسع وهي تعبير مسبق عن حجم الرفض الشعبي للانتخابات التي لم تحقق طموحات المواطنين فالوعود الانتخابية لا زالت عالقة في ذمة الحزب الحاكم، والمتابع يجد أن أغلب المراكز التي شهدت توترات لم يكن وراءها المشترك وإنما المواطنون أو بعض القيادات المؤتمرية التي فقدت مصالحها أو تبحث عن مكاسب، وهي تعرف الذراع الذي تلويه. كما أن محافظة حضرموت تئن تحت وطأة الخسائر التي تكبدتها جراء هطول الأمطار وهي غير مستعدة لاستقبال الصخب الانتخابي، وأكد محسن باصرة أن أغلب أبناء حضرموت لا تهمهم الانتخابات القادمة، وليست في أولوياتهم.. معتبرا أن أي انتخابات حرة ونزيهة في كل بلدان العالم هي المدخل لحل أزمات ومشاكل البلدان.

ويعرف المؤتمر أكثر من غيره أن دخوله الانتخابات القادمة منفردا سيحمله عبئا ينوء بحمله إذ أن المشترك يشكل صمام أمان وعامل توحيد لمراكز القوى داخل المؤتمر تجاه الخصم والمنافس القوي وإذا غاب هذا الخصم فإن تلك المراكز ستتنافس فيما بينها وبالتالي سيتصدع المؤتمر وقد يؤدي ذلك إلى تصادمات لا تحمد عقباها. وتجربة انتخاب المحافظين ليست عنا ببعيدة فحين ضاق صدر الحزب الحاكم بقبول التنافس داخل صفوفه ترشح 14 محافظا بدون منافس بينما كانت المنافسة شكلية في 7 محافظات، وعلى الرغم من محدودية تلك المواقع لم تسلم تلك التجربة من تجاذبات حادة تم التغلب عليها بصعوبة وبترضيات مكلفة على غرار ما حدث مع رئيس فرع المؤتمر بمحافظة حجة فهد دهشوش الذي رفض التنازل لفريد مجور مرشح الرئاسة إلا في اللحظات الأخيرة وبعد تكسير عدد من العسوب (الجنابي) وعلى إثر ذلك أسعف إلى المستشفى بعد دخوله في حالة إغماء.

ومع تمسك المؤتمر بأن التأجيل يفتقد للمسوغ الدستوري والقانوني يؤكد مراقبون أنه آخر من يحق له الحديث عن احترام الدستور والقانون مستشهدين بحالات اختراق رسمية تمت تحت مرأى ومسمع العالم ليس أسوأها عملية تنقيل عدد من مرشحي الحزب الحاكم في بعض دوائر محافظة عمران قبل الانتخابات بليلة في 2003م استجابة لضغوط قبلية، وأيضا إنزال مرشح للمؤتمر في الانتخابات التكميلية بإحدى دوائر محافظة ذمار رغم أن اسمه ليس مقيدا في كشوف الناخبين.

إذن فخوض الحزب الحاكم الانتخابات القادمة منفردا يعد مغامرة غير مضمونة النتائج لأن الأزمة لا تنحصر في العملية الانتخابية بل توسعت لتشمل كافة المستويات اقتصاديا واجتماعيا بحسب د.محمد الصبري الذي يقترح تأجيل الانتخابات إلى 20 سبتمبر 2009م حتى يتم استيعاب طلبات المشترك المتفق عليها من تعديلات دستورية وقانونية، ومن تصحيح السجل الانتخابي وتشكيل اللجنة العليا واللجان الانتخابية الرئيسية والإشرافية، وأيضا إجراء تعديلات دستورية لخفض فترة مجلس النواب من 6 سنوات إلى 4 سنوات، وإعادة عملية تنظيم عمل مجلس الشورى بما يحقق نسب متساوية لأعضائها من جميع المحافظات وإعطائها بعض الصلاحيات بما لا يتضارب مع مجلس النواب وبما يعزز العمل التشريعي، كما يجرى تعديل لتلك المواد التي لا تدعو إلى التمديد لكن تخفض الفترة الرئاسية من 7 إلى 5 على أن تحتسب من الفترة الرئاسية القادمة حتى يتمكن الرئيس من تنفيذ برنامجه الانتخابي ويرعى عملية الإصلاح السياسي.

ويضيف الصبري مقترحا تأجيل النظر في قضية إنشاء مجلس الأمة وطلب العمل بالقائمة النسبية إلى عام 2013 إذا تطلب الأمر، مع التفكير في آلية تمويلية لأعمال اللجنة الانتخابية بما يحقق لها الاستقلال المالي التام، وإلغاء محضر 18 اغسطس بما فيه اللجنة العليا الحالية وإلغاء كل ما ترتب عليها من أعمال إدارية وميدانية.

المعهد الديمقراطي مع التأجيل

ولا تستبعد أطراف سياسية وجود علاقة بين المؤتمر وبيان المعهد الديمقراطي الأمريكي الأخير الذي طالب الحكومة بتأجيل الانتخابات خاصة وأنه صدر مترافقا مع تواجد رئيس اللجنة العليا للانتخابات في أمريكا، كمخرج يحفظ للحزب الحاكم ماء الوجه كون أحزاب المشترك لم تطلب التأجيل حتى اللحظة.

إلى ذلك طالب العشرات من أعضاء مجلس النواب بتأجيل الانتخابات التشريعية المقبلة لحين توفر أجواء سياسية مناسبة وانقشاع غيوم الكارثة التي حلت بالبلاد جراء السيول التي ضربت مناطق في البلاد.

المبادرة التي تبناها النائب الاشتراكي سلطان السامعي وقع عليها نحو 100 نائب أكدت على أن تحركات النواب تأتي من منطلق ما تمر به البلاد من ظروف سياسية واقتصادية انعكاساً للأزمة الاقتصادية العالمية، وقرب الاستحقاق الدستوري ولعدم وجود سجل مدني واضح، بالإضافة إلى كوارث طبيعية وغير طبيعية، وأضافت أن النواب الموقعين وغالبيتهم من الحزب الحاكم يقترحون تأجيل الانتخابات عملاً بالنص الدستوري الذي يعطي البرلمان الحق باستمرار عمله إذا تعذر انتخابه، وطالب النواب الحكومة بالقيام بإعداد برنامج زمني لوضع الحلول والمعالجات لعدد من القضايا لإنجاح الانتخابات، أبرزها التعديلات الدستورية، والتقسيم الإداري والسجل المدني، ومراجعة قانون الانتخابات والاستفتاء.

إذن بإمكان المؤتمر الاستفادة مما سبق والتقاط دعوة النواب لتأجيل الانتخابات والاتكاء عليها لتبرير موقفه لكن السؤال الأهم: هل ستشكل الانتخابات القادمة نقطة فاصلة في التجربة السياسية اليمنية؟!

* abma_k@yahoo.com    

# الأهالي