آخر الاخبار

تصريحات مفاجئة لرئيس الأركان الأمريكي: هناك قدرات لا نرغب في تقديمها لإسرائيل! تصريحات مفاجئة لرئيس الأركان الأمريكي: هناك قدرات لا نرغب في تقديمها لإسرائيل! تصريحات مفاجئة لرئيس الأركان الأمريكي: هناك قدرات لا نرغب في تقديمها لإسرائيل! مجلس الوزراء يُغرق وزارة الدفاع بالثناء اللفظي ويتجاهل صرف رواتب الجيش واستحقاقات وزارة الدفاع المالية صناعة القرارات الرئاسية في زمن رئيس مجلس القيادة الرئاسي.. قرارات تعيين رغم اعتراض غالبية الرئاسي وقرات يتم تهريبها بسرية .. تفاصيل لجنة المناصرة والتأثير بمحافظة مأرب تعقد ورشة عمل ناقشت دور السلطة المحلية والأحزاب والمنظمات في مناصرة قضايا المرأة رسالة من أمهات وزوجات المختطفين لقيادات جماعة الحوثي : ''نأمل أن نجد آذانا صاغية'' في اجتماع بقصر معاشيق.. قرارات وموجهات جديدة للحكومة اليمنية خلال رمضان فقط.. رابع حادثة وفاة لمختطفين في سجون الإنقلاب الحوثي قضاة محكمة العدل الدولية بالإجماع يوجهون امرا لإسرائيل .. تفاصيل

أضواء فقهية وفكرية على مذكرات من أبراج الخليج إلى قصور مأرب 3-4
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: سنة و 4 أشهر و 11 يوماً
الأربعاء 16 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 05:18 م

مذاكرةٌ في المذهب الإباضي ومحيطه السنّي.

المسألة الثانية الواردة دون تفصيل في مذكرات "من أبراج الخليج إلى قصور مأرب" وهي: المذهب الإباضي وهل هو أقرب إلى محيطه السُّنّي أو أقرب إلى عمقه التاريخي؟!. فمن خلال زيارتي السّريعة لمسقط عُمان ولبعض محافظاتها ومُدنها، يطيبُ لي أنْ أسجّل هنا سباعية علمية لبعض الحقائق عن المذهب الإباضي، والغائبة عن عالم الكتب، سيما كتب الفِرَق، أو تناولتها تلك المصنفات والكتب بطريقة فكرية تاريخية، عفى عليها الزمن، وتغيرت حاليًا الأفكار والظروف، كما هو الشأن في كثيرٍ من الفِرق المعاصرة، يشعر بهذا التغيّر والتجدد والتطور، كل زائرٍ لهذا البلد العريق، سلطنة عمان، ومن أهم معالم هذا التجدد والتغير في الفكر الإباضي ما يأتي:

1. يُعدّ المذهب الإباضي من أكثر المذاهب الإسلامية قدرةً على التعايش مع باقي إخوانه من المذاهب الإسلامية، ولذا يرى بعض المحققين من العلماء والباحثين أنّ المذهب الإباضي هو المذهب الخامس أو السادس بعد المذاهب السنيّة الأربعة، ومنهم العلامة أ.د.عبدالكريم زيدان، رحمه الله، فقد كان كثيرًا ما يُضيف المذهب الإباضي إلى قائمة إخوانه من المذاهب الإسلامية الستة، في دراسته الفقهية النفيسة من كتابه: "المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم" وهو يقع في ١١ مجلدًا، وقد حاز هذا الكتاب على جائزة الملك فيصل يرحمه الله، سنة 1417 هـ / 1997م في الدراسات الإسلامية، لِما زَخر به من تنوع وتعدد مذهبي لا نظير له، بل أحيانا يضيف العلامة د. زيدان إلى المذاهب الستة المذكورة المذهب الجعفري.

وظني أنّ ثمةَ تقصير واضح وجلي من الدول السنيّة تجاه شقيقهم القريب بل الأقرب إليهم، رحِمًا وأرضًا وإنسانًا، وفكرًا ومعتقدًا، ألا وهو المذهب الإباضي، فهو الأقرب إليهم وإلى أصولهم وعقيدتهم، من أي مذهب آخر، بل يرى بعض الباحثين ومنهم د. صالح بن أحمد البوسعيدي، رئيس قسم العلوم الاسلامية جامعة السلطان قابوس، في دراسة له قدّمت في ندوة بجامعة شيفيلد بأدنبرة- ببريطانيا، أنّ المذهب الإباضي يعدّ مذهبًا متميزًا عن المذاهب الأربعة المتبوعة، في منظومته الفقهية والفكرية. (مسعود ضاهر، الجانب الفكري في المذهب الاباضي، مجلة المصدر:المستقبل البيروتية، العدد(2695) ، الاحد 5 آب 2007، ص: 17).

وللأسف الشديد نتيجة انشغال الشعوب العربية والدول العربية والإسلامية بمشكلاتها الداخلية، وغفلتها عن الخطر الإيراني فقد تَسْرق إيران الصفوية، بسياستها الخبيثة المذهب الإباضي، كما سَرقت أخًا له من قبل، وهو المذهب الزيدي الهادوي الجارودي في اليمن. وإني لأنتهز هذه المناسبة لِأدعو جميع الدول الإسلامية السنيّة، سيما الدول البترولية والصناعية والاقتصادية، أن تبادر بالاقتراب من المذهب الإباضي، في سلطنة عمان، أكثر وأكثر، لأنه الأقرب إلى المذاهب الإسلامية الخمسة أو الستة، فكرًا وجغرافيا، وألا تُسْلمه لإيران كيلا تستأسد في المنطقة بهذا المذهب - الغني بأرضه وإنسانه وثرواته وموقعه - على جيرانها السنّة، لوجود بعض التباينات المذهبية، والتي ميدانها النقاش العلمي من المتخصصين، وليس الموقف السياسي. على أنني هنا أشير إلى أنّ معظم الدول العربية لها روابط اقتصادية بإيران بالمليارات، ولا يمكن مقاطعة إيران اقتصاديا بالكلية، إلا وفق قرار عربي موحّد، ولكني أدعو - على الأقل- إلى مقاطعة إيران عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا وثقافيًا، لإيقاف مشروعها التوسعي والاستعماري في المنطقة.

2. من الجدير بالإشارة هنا القول بأنّ المذهب الإباضي المنتشر في أنحاء السلطنة ليس هو مذهب الخوارج المحفوظ تاريخيًا في بطون الكتب، كما يرى بعض الكتّاب، فثمة فوارق أصولية كبيرة بين المذهبين، كما سيأتي بيانه، إضافةً إلى أنّ المذهب الإباضي في سلطنة عمان يعيش في كَنفه وقلبه وروحه، المذهب السّني وعلى الأخص المذهب الشافعي والحنبلي والحنفي، في المناطق والمحافظات الجنوبية والغربية من السلطنة، وتصل نسبتهم على أقل تقدير من ٥٠ - ٥٥% من السكان، يعيشون في رغد من العيش وسلامٍ وأمن وأمان، وطبيعةٍ جغرافية ساحرة قلّ أن تجد نظيرًا لها في العالم. ومن السذاجة والغفلة السنيّة تسليم المذهب الإباضي لإيران أو غير إيران، لخلافٍ قلّ أو كثر معه، فيما شريعتنا الغراء ومصالح شعوبنا المشتركة تدعونا إلى الوحدة والاعتصام ونبذ كل أسباب الشقاق والنزاع.

فضلًا أنّ المذهب الإباضي في السلطنة هو عضو في اتحاد خليجي واحد، ذو كثافة سكانية سنيّة وشيعية، وتربطه بدول المنطقة، الدّين واللغة والتاريخ والعادات والتقاليد والمصالح المشتركة، وشبكةٌ طويلة وكبيرة من الطرق والصحاري والقبائل والمراعي، ولولا الحدود الاستعمارية المصطنعة لكانت المنطقة كلها بلدة واحدة، يسير الراكب فيها من صنعاء إلى مسقط لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه.

3. المذهب الإباضي _ أتباع عبدالله بن إباض التميمي_ تنفي مصادره صلتهم بالخوارج، بل الإباضيون المعاصرون يكرهون نسبتهم للخوارج جدًا، ومن ذلك: تنفي الإباضية ما ذهب إليه الخوارج من التكفير للمسلمين بالمعصية، ويرون حرمة أموال مخالفيهم وعصمة دمائهم -خلافًا للأزارقة والنجدات من الخوارج- ويرى الإباضيون جواز شهادة ومناكحة ومبايعة مخالفيهم وتوارثهم، على تفصيل بينهم ليس هذا مكانه . (قنديل, د محمد عيسى، "نبذة عن فرقة الإباضية – الموقع الرسمي للدكتور محمد عيسى قنديل) وهذا ما جعل بعض الكتّاب المعاصرين ينفي كون الاباضية خوارج، كالدكتور عوض خليفات، والدكتور الاكاديمي صالح البوسعيدي، رئيس قسم العلوم الاسلامية في جامعة السلطان قابوس، وقد حظيتُ بزيارته في مسقط، ولولا الحياد العلمي المفترض أن يتحلى به صاحب هذه الأسطر في عرضه لهذه الدراسة لضممت صوتي إليهما.

بل إنّ من مزايا الفقه السياسي الإباضي أنّه لا يرى الإمامة في قريش، كما يراها بعض الظاهرية من السُّنة، لحديث: ( الإمامة في قريش) بل يرى الإباضيون الإمامة حقًا لكل مسلم يصلح لشروط الإمامة كالعدل والرشد والاستقامة والسلامة. والصواب هو مذهب الإباضية وعليه العمل عند جماهير أهل السنة، سلفا وخلفا، جمعًا بين نصوص الشريعة كحديث : ( اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبه)، وأما حديث قرشية الأئمة فمحمول على العصر النبوي و العصر الراشدي، لأنّ العرب كانت آنذاك تدين بالولاء لقريش، وأما في العصور المتأخرة فالناس لا تدين بالولاء إلاّ للبيعة أو صناديق الاقتراع، بدليل سياق الحديث فليس في الحديث معنى الأمر، بل هو سياق خبري إنشائي، ولا قرينة فيه تدل على الأمر، بل كل القرائن والسُنن والعمل على جواز ولاية غير القرشي، ولقد كانت الولايات في العصر النبوي والراشدي للقرشيين، ولغير القرشيين، ولو كان مفهوم الحديث الأمر بولاية القرشيين دون غيرهم لنُقل إلينا، بل المنقول إلينا عدم اشتراط القرشية في الولايات، وليس هذا مقام مناقشة المسألة فقد قُتلت بحثًا، ويمكن العودة إليها في مظانها من كتب الفقه والشروح والعقائد. بقيت مسالةٌ هامةٌ جدًا في هذا المقام وهي زعم بعض الباحثين السّنة أنّ المذهب الإباضي يجوّز الخروج على الأئمة والسلاطين، كالخوارج، وهو كلامٌ فيه تحامل ظاهر، فالاباضيون في عُمان وعلى مدى (٥٠) عاماً ماضيةً لم تشهد فيه سلطنة عُمان أي صراع على السلطة أو ما يسمى بالانقلاب، إلا محاولة واحدة، لها ملابساتها، لكن بالمقابل أنظر- أيها الحليم - إلى المحيط السُّني وحاول عدّ أو إحصاء الانقلابات العسكرية - إن استطعت - على مدى عشر سنوات ماضية وليس خمسين عاما، في دولنا السنيّة بدءًا باليمن - ولا فخر- وانتهاءً بموريتانيا الإسلامية.

4. أصول المذهب الإباضي الكتاب الكريم والاجماع، ولا ينكر الإباضيون الإجماع، بل يعملون به، إلا في بعض المسائل فهم مثلًا يرون أنّ رجم الزاني المحصن بالسنة القولية والعملية، وليس بدليل الإجماع، أما السنة فيعتمد الإباضيون كتاب "مسند الربيع بن حبيب". ويرون أنّه أصح الكتب بعد القرآن الكريم.

5. ليس صحيحًا ما يردده البعض عن سلطنة عمان والمذهب الإباضي عن معاداته لعلماء السنة، وأنّ المذهب فَرض على نفسه عزلةً علميةً وفكرية!. فهذا قولٌ هو الآخر فيه تحاملٌ كبير جدًا، سيما في الآونة الأخيرة وفي عهد السلطان هيثم بن سعيد، فقد فتحت عُمان الأبواب على مصراعيها لدخول السواح وطلبة العلم والدعاة، من أي مذهب وبلد، وفي أيّ وقت لزيارة عُمان، وتزخر عُمان كما رأيت بالبنوك الإسلامية وفق الشريعة الإسلامية وبالمدارس الفقهية المختلفة والمكتبات والمساجد العامرة ودور العلم.

ثمّ وللأمانة –يا رعاكم الله- بعض علماء السّنة أنفسهم غير مرضي عنهم حتى لدى كثير من علماء السّنة أنفسهم، إمّا لتصوفهم وخرافاتهم، وإما لظاهريتهم، وإما لتمسكهم بالفتاوى المذهبية دون النظر إلى عموم مقاصد الشريعة، وإما لتحزب بعضهم المقيت، وإما لعملهم وفق المصلحة الخاصة، وإما لقدرة بعض المؤسسات والمنظمات والدول على استئجارهم، علميًا أو عمليًا، وإما لبعدهم عن فقه النص الشرعي، وإما لانتساب بعضهم إلى الفِرق، وإما لتشدد بعضهم أو تساهل آخرين، وهلم جرًا، وقلّ أن تجد عالمًا جامعأ تلتف حوله الأمة بكل تياراتها وفئاتها ومذاهبها ومدارسها الفقهية، وتلقى قبولاً رسميًا وشعبيًا، خاصة في الآونة الأخيرة التي شتّت الأحداث والفتن شمل الأمة كلها من مشرقها إلى مغربها.

وأنتهز هذه الفرصة للدعوة إلى ضرورة تكوين "العالِم الجامعة" ليرجع إليه جمهور الأمة دولاً وشعوبًا، في السراء والضراء، والدين والدنيا، والسلم والحرب - فردًا كان أو مؤسسة- وهذا العالِم لا تتم صناعته قطريا أو مذهبيًا، وإنما عالمٌ للأمة جمعاء، والواجب على سائر العلماء والدعاة التحلي بهذه الصفات الجامعة، فهذا هو أمر الله عليهم اللازم عليهم امتثاله والتمثل به، كما هي رسالة الإسلام السمحة: قال تعالى :(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). سورة الأنبياء - الآية 107. وعلى الدول والهيئات المسلمة أن تدَع للعلماء والدعاة هامشًا من الفسحة والسعة والربانية والعالَميّة، وأن تنأى بهم عن مواطن القطرية والحزبية والطائفية، عملاً بدلائل الكتاب والسنة، كما سبقت الإشارة إليه، وأن تنأى السياسة عن استخدام الدين وعلمائه لمآرب المصالح والأهواء، وهذا حلمٌ بعيد المنال، لكن لنتحدث به ونتغنى به فعسى أن يُقيّض الله من يحمله أو يحققه ولو بعد حين.

وعلى العلماء الأبرار الاقتراب من جمهور الأمة بكل فئاتها وطوائفها ومذاهبها وأحزابها، ونخبها، للمّ الشمل وجمع الكلمة والإعذار لها، مع سعة الرأفة بها والرحمة لها، وللأسف أنّ الداء الأكبر يسهم بعض العلماء في نشره، فبعضهم إما يتبنى منهج "العالَميّة" ليتحول إلى خنجر يطاعن هيئات الأمة ورجالاتها ودعاتها ومذاهبها المتبوعة الراشدة، وإما مذهبيًا صرفًا لا يعلم ولا يعرف ولا يفقه إلا مذهبه، فيفتك بجمهور الأمة ووحدتها وجمع كلمتها، لصالح طائفته أو مذهبه، وفريقٌ ثالثٌ "نقل عام" بلا بوصلة من دين أو هدى، وهنا يتبين مدى حاجة الأمة إلى الفقهاء العَالميين الوسطيين المعتدلين، ودين الله الحق بين الغالي فيه والجافي عنه.

6. ثمة مسائل عقدية تاريخية عمّ فيها الخلاف والنزاع، بين الطوائف الإسلامية ومنها الإباضية، مثل القول بخلق القرآن ورؤية الباري عزوجل في الدار الآخرة والأسماء والصفات بين المثبتين والنافيين والمعطلين..الخ. وهذه سبقت الإشارة أنّ ميدانها النقاش والتحقيق العلمي والمدارسة، من العلماء المتخصصين، وبعض الخلافات العقدية مسائل لا ينبني عليها عملٌ، والخلاف فيها هيّن محتمل، ولولا تسخير بعض الأنظمة السياسية للخلافات المذهبية لخدمة المواقف السياسية لكان الأمر هيّنا ويسيرًا جدًا.

7. همسةُ تحذير شديدة ودعوةٌ صادقةٌ مخلصةٌ من محبٍ في آذن صانعي القرار في كل البلدان العربية عموما والخليجية خصوصًا، وبلا استثناء، للاقتراب من محيط العروبة والإسلام، فأيّ زائر للبلدان العربية عامة والخليج خاصة -إلا القليل الناد- يحتاج إلى إجادة اللغة الانجليزية، بدءًا من المطار والفندق والجامعة وانتهاءً بالسوبرماركت، ولذلك أسبابٌ بالطبع فَرضت نفسها على الواقع العربي من أهمها: الاختلال السكاني الكبير، ففي بعض الدول بلغ نسبة المواطنين فيها (١ – ١٠) أجانب، ولك أن تتخيل أنّ عشرة أجانب أو خواجات نزلوا بيتًا فيه شخصٌ واحد، هل سيبقى من هذا البيت عادات أو تقاليد أو لغة أو ثقافة، أو حتى سقف أو جدران، ولذا لا يُستبعد إذا استمر الحال على هذا الوضع من التغريب ألاّ نجد يومًا مّا أثرًا لا للمذهب الإباضي ولا السني في المنطقة، لأنّ الثقافة العربية ستكون أقلية أو غريبةً في بحرٍ من الثقافات الوافدة، وسنجد الثقافة العربية هي الضحية وهي التي تزحلقت في هذا البحر المتلاطم من الثقافات الوافدة، ولن يبق لها قرار، حتى في كتب التاريخ، سيما مع المناهج الدراسية الجديدة التي بدأت تشير للثقافة والفنون العربية على استحياء شديد، وبعضها تشير للثقافة والحضارة العربية والفنون بأصابع الاتهام والتآمر والتخلف.

وقد أشرتُ في مذكراتي أنني طفتُ بعض المكتبات في بلد عربي بحثًا عن مصحف جيب، لأيام، وكنتُ لا أسأل أحدًا إلا يقول "ايس مصحف، ايس قرآن؟"!!!. فالمصحف غريب في عاصمة هذه البلدة المسلمة فما بالك بغيرها!. بل إنك لتبحث بالفانوس في بعض الدول العربية عن قسم للشريعة أو الدراسات الإسلامية أو العلوم الشرعية أو علوم القرآن، أو الثقافة الإسلامية، أو حتى فنون الطبخ العربي، أو حتى عن تاريخ العرب لما قبل الإسلام، فلا تجدُ إلا على عدد الأصابع، سواءٌ في التعليم الأهلي أو التعليم الرسمي، وستجد بعض الأقسام الكبيرة للفنون الجميلة والموسيقى، ولا تجد قسمًا للحديث أو التاريخ الاسلامي، أو التاريخ العربي الجاهلي، فإلى أين ستقف بنا الريح؟!!!.

ختامًا: لا يفوتني في هذا المقام أنْ أتوجه لله تعالى بالحمد والشكر والثناء، ثم بالشكر والتقدير لدولة عُمان الشقيقة والحبيبة إلى قلبي، حد الشغف، لكرم الضيافة وحسن الإستقبال، وجمال تلك الأرواح والنفوس التي قابلتها، أرضًا وإنسانًا، كما لا يفوتني الإشادة بتلك النهضة التعليمية والعمرانية والصناعية الكبرى في عمان، أدامها الله وزادها بركة وتقدما وتطورا وازدهارا. أخيرًا لا آخرًا هذه إطلالة سريعة على المذهب الإباضي، إن أصبتُ فيها فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، من خلال ما لَمسته في زيارتي الخفيفة للإخوة الأعزاء الإباضية في عُمان، وليلتمس لي القارئ الكريم العذرَ كوني أميلُ إلى الفقه أكثر من العقيدة، وهذه منهجية أودّ أن تنتشر بين أوساط الباحثين وطلبة العلم، لنبتعد عن التضليل والتبديع والتفسيق، ولكوني حريصٌ غاية الحرص على لمّ شعث الأمة، والتغاضي عن كل ما يعكّر صفو وحدتها وجَمع كلمتها، والذي يجب على كل صاحب قلم أن ينحو نحو هذا المَنحى، وألا يزيد من نكأ جراح الأمة، ونبش تاريخها المثخن بالحروب والصراعات والأوزار والهفوات والأخطاء والزلات، وإن كان في مجمله تاريخٌ مشرقٌ وساطعٌ بالعلوم والحضارات والتراث الإنساني العريق.

ألقاكم بعون الله في الحلقة القادمة وهي الحلقة الختامية بمشيئة الله لأتناول الإجابات على بعض المسائل الفقهية الواردة على هذه المذكرات، والتي أشرتُ لها في المقدمة، ولأسرد بعد ذلك بعض النتائج والتوصيات.

والله من وراء القصد .