خطاب مأزوم وانتخابات على مرحلتين .. أكراد اليمن
بقلم/ حسين العجي العواضي
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 10 أيام
السبت 14 فبراير-شباط 2009 07:04 م
في خطاب مأزوم، الثلاثاء الماضي 3/2/2009، في محافظة مأرب، شاهدنا فخامة الرئيس وهو تارة يمتدح المحافظات الثلاث: مأرب، شبوة، والجوف، ويسميها "مثلث الخير"، وتارة يهدد ويندد ويتوعد ويتهم أبناءها بأنهم يؤون "القاعدة" و"الإرهابيين" في قبائلهم، معتبراً، في جمع لم يحضره الكثير من مشائخ المحافظة الفاعلين، والذين لو كانوا موجودين لربما تغيرت لهجة خطابه، أنه يعلم من يتستر على "الإرهابيين" وأنه قادر على الوصول إليهم والقبض عليهم.

يا صاحب الفخامة: إذا كنت تعلم ذلك وقادر على القبض على هؤلاء "الإرهابيين"، فلماذا لم تفعل منذ زمن بعيد؟! سؤال محير نحن بحاجة للإجابة الشافية منك.

ليس خافيا علاقة النظام بـ"القاعدة" والعمليات الإرهابية، التي يتم استخدامها كفزاعة للأمريكان وللجيران والمتاجرة بها في الداخل والخارج، ففي الداخل تستخدمها للتخلص من الخصوم بالاغتيالات، كما حدث مع شريك الوحدة الحزب الاشتراكي.

وفي الخارج يستخدمونها لابتزاز الجيران والغرب، حتى يحصل النظام على الدعم المادي والسياسي، كي يبقى كابوساً يخيم على الشعب فترات أخرى من الزمن.

لأكثر من مرة تم تهريب أفراد "القاعدة" المتهمين بعمليات كبيرة كتفجير المدمرة "كول" من سجون محصنة كالأمن السياسي، وبشكل جماعي في عمليات تصاحبها قصص خيالية لا يصدقها عقل، ويتم بعد ذلك تصفية بعض عناصر "القاعدة" المهربين والذين في جعبتهم بعض المعلومات عن اتفاقيات معينة مع السلطة، خوفا من أن تقوم بإفشائها، خاصة تلك العناصر التي تلح أمريكا على أن تحقق معها مباشرة أو تطالب السلطات اليمنية بتسليمها إليها. كذلك فهذه الورقة لم تعد مربحة بالنسبة للنظام، خارجيا على الأقل، وحتى داخليا، هم أنفسهم كـ"قاعدة" لم يعودوا يثقون فيه بعد أن قام بتصفية البعض منهم خوفا من الفضيحة.

كنت أود أن يقف أحد الحضور بعد إلقاء ذلك الخطاب وأن يوضح للناس أنه ومن خلال الملاحقات والاعتقالات والاغتيالات لأفراد "القاعدة" خلال السنوات الماضية لم يثبت أن بينهم أحداً من أبناء هذه المحافظات، وإنما هي اتهامات تروجها السلطة لتأليب الخارج والداخل عليهم بهدف تركيعهم، لأنهم أحرار وليسوا عبيدا. يا سيادة الرئيس: وإذا وجدت بعض العناصر المهربة في السنتين الأخيرة، فأنتم تعرفونهم كما أشرتم في خطابكم، وتدخرونهم لأغراض لاحقة، وتتخذون منهم ذريعة لمحاربة هذه المحافظات وحرمانها من أبسط وسائل التنمية وحرمان أبنائها من التوظيف في الشركات، بحجة أنهم "إرهابيين".

فخامة الرئيس، ليس جديدا تجنيك على أبناء مأرب والجوف خاصة. وهل تعتقد أن ذاكرة الناس ضعيفة إلى هذه الدرجة؟! فالجميع يتذكر أنكم من سمى هذه المحافظات بـ"مثلث الشر"، وكُرس ذلك في إعلامكم الرسمي والحزبي المطبوع في بلاطكم المعظم.

لا، بل إنكم وإعلامكم بعد أحداث "مفرق الجدعان"، 1998، على إثر الجرعة الظالمة، سميتم أبناء مأرب والجوف "أكراد اليمن"، وأنهم يريدون الانفصال. وفي خطابكم هذا قلتم إن مصالح الشعب اليمني في هذا المثلث، وأنه لا يمكن أن ينام أو يهدأ له بال إذا استمر التخريب والعنف. وغايتكم من ذلك معروفة، وهي تأليب أبناء الشعب ضد أبناء هذه المحافظات، في سياق سياستكم المعروفة: فرِّق تَسُد!

لذلك، فتارة تسموننا "مثلث الشر"، وتارة تتهمونا بالتستر ودعم "القاعدة"، وتارة بـ"المخربين"، وتارة بـ"العملاء".

ألست القائل عام 1987 وفي اجتماع لمدراء النواحي، بالمجمع الحكومي بمأرب، وبالنص: "كثرت مشاكلكم يا أصحاب مأرب، فوالله لولا النفط عندكم لأعطيتكم هدية للسعودية"!؟

ألست القائل عام 95م، بعد مواجهة بين الجيش المغلوب على أمره وبين قبائل مأرب وهم يدافعون عن كرامتهم وأعراضهم: "إذا كان الحزب الاشتراكي قد أوصل قبائل بالحارث إلى شعب همام بنجران فإنكم ستدحرون قبائل مأرب إلى خلف نجران"!؟

في عام 1998 وبعد المعركة التي دارت في منطقة الجدعان بين الجيش وقبائل مأرب والجوف، إثر الجرعة الظالمة آنذاك، قامت هذه القبائل بتكوين تحالف مأرب والجوف في مواجهة الظلم ونصرة المظلوم، كما أشار بيان التحالف في حينه. ألست من دعم تحالفا مناهضا لذلك التحالف واستقبلت ذلك النقيض في صنعاء وعلى شاشات التلفاز وقلت لهم إن غاية تحالف مأرب والجوف الضغط علينا لتقديم تنازلات أثناء محادثاتكم مع الجيران بخصوص الحدود وأن هذا التحالف يريد تركيعكم وأنكم لن تتنازلوا عن شبر من تراب الوطن مهما كانت الضغوط!؟ بعدها لم يمر سوى أقل من عامين حتى وقعتم الاتفاقية التي فرطت بمئات الالاف من الكيلومترات من أرض الوطن.

ألا تعلم يا فخامة الرئيس من قام بدفن النفايات في مأرب والتي تصيب أبناء المحافظة بفيروس الكبد الغريب وغير المعروف في العالم!؟ وإلى من تذهب النسب التي تقدمها شركات النفط لأبناء المحافظة كبدل بيئة!؟

أما إشارتكم إلى أن أبناء هذه المحافظات أحرار وليسوا عبيدا، فذلك لا يحتاج شهادة من أحد، فأنت تعرف قبل غيرك أنهم أحرار، وقد دفعوا ثمن حريتهم ودفاعهم عن كرامتهم أمام حملاتكم العسكرية المتكررة أنهاراً من الدماء وإهمالا صارخاً في كل أوجه التنمية التي حاولت في خطابك أن تتهمهم أنهم سبب إعاقة التنمية في محافظاتهم، بينما الجميع يعلم أن السبب هو نهبكم الدائم لخيرات هذه المحافظات وخيرات الوطن إلى حساباتكم الخاصة.

أما ما تضمنه الخطاب من مديح، فالجميع يعلم أنه في إطار التهيئة للانتخابات، حيث تفيد مصادر موثوقة أن فخامة الرئيس وجه اللجنة العليا للانتخابات بتأجيل الانتخابات في محافظات صعدة والجوف ومأرب، بحجة أن هذه المحافظات غير مستقرة، بعد أن رفعت إليه أجهزته الأمنية تقارير أنه وفي حال قاطعت المعارضة الانتخابات مقاطعة إيجابية فإن أبناء هذه المحافظات سوف يقطعون الكهرباء والنفط والغاز، وهذا ما أشار إليه في خطابه المأزوم وأن المحافظات الثلاث بحاجة إلى جيوش جرارة لتسيير الانتخابات فيها وسيكون ذلك على حساب بقية المحافظات، مما يفقد السلطة السيطرة على الانتخابات في عموم الوطن؛ وبالتالي فالأسلم هو تأجيل الانتخابات في المحافظات الثلاث إلى بعد أن تُستكمل الانتخابات في المحافظات الأخرى والتي يبدو أنها نصيحة مصرية فالنظام المصري يُجري الانتخابات على ثلاث مراحل حتى يتمكن من السيطرة على معظم المقاعد والأصوات.

هذا الرجل ومنذ أن كان ضابطا صغيرا ما برح، وهذا أسلوبه، يجيد خلط الأوراق واللعب بها وابتزاز هذه الجهة وتلك في الداخل والخارج بغرض الكسب الخاص ولو كان على حساب الوطن وكرامة الشعب ومصالح الأمة.

ويبدو واضحا أنه أجاد تطبيق نصائح ماكيافللي السيئة المتضمنة في كتابه "الأمير" فعمد إلى جعلها نهجه سياسيا، وعمل غير مكترث بقيم المجتمع الدينية والاجتماعية والأخلاقية، فالغاية عنده تبرر الوسيلة، حتى أوصل الوطن خلال ثلاثة عقود من الزمن إلى وضع متردي يثير الشفقة والحزن لدى الأصدقاء والأعداء على حد سواء.

أخيرا نقول كما قال الأستاذ الجليل الدكتور ياسين سعيد نعمان في مقالته الجميلة المنشورة في جريدة "الوسط" الأسبوع الماضي، ما معناه: "ابحث لمسجدك (الملهى) عن مؤذن"، ونضيف: قطعاً لن نكون من المصلين فيه.

* من أبناء مأرب