فقاعات القِمَم
بقلم/ فؤاد الصوفي
نشر منذ: 14 سنة و أسبوعين و يوم واحد
السبت 03 إبريل-نيسان 2010 06:40 م

منذ عام1964م والقمم العربية تعقد رغم الظروف المعقدة والمتباينة، والتحديات المحيطة والأوضاع المزرية.

فهذا العام برئاسة ليبيا، وسابقه برئاسة قطر، وقبل ذلك برئاسة سوريا..، ولو راجعنا أرشيف هذه الدورات الثلاث فحسب كنموذج للعمل العربي المشترك المنتظم، وبقيادة دول تُعد من أبرز دول الممانعة والداعمة للمقاومة ؛ سنجد أنها عُقدت في فترات زمنية تُعد من أحرج و أخطر المراحل التاريخية التي مرت وتمر بها أمتنا العربية والإسلامية وقضيتها الفلسطينية، ومن سوء حظ هذه القمم أن العدو الصهيوني يستحدث جرائم في الأراضي المحتلة متزامنة مع انعقاد تلك القمم كفيلة بأن تحرك دم القادة العرب لاتخاذ القرارات المسئولة واللازمة لحماية شعوبهم وقضاياهم الكبرى.

 فلا تكاد تمر قمة من القمم إلا ومهدت لها إسرائيل بأحداث منذ قمة بيروت حيث كان اغتيال الشيخ أحمد ياسين وإلى القمة الأخيرة وما سبقها من إحداث تغييرات تطمس الوجه الإسلامي والعربي للحرم القدسي الشريف. وبينما الجماهير العربية تنتظر قرارات حازمة تردع العربدة الصهيونية وتحد من كبريائها؛ استُحدِثت فقاعات تصرف القوم كي لا تفرض تلك الأحداث نفسها على ساحة الاجتماعات .

ومنذ قمة بيروت والتي تُوِّجَت بالإعلان عن المبادرة العربية والتي كانت بمثابة الْتِماس معروض على العدو الصهيوني ومما فيه مبدأ التطبيع والذي أَفهمَ العدوَّ بأنه تطبيع، فالحديث عن إمكانية التطبيع في ظل الوضع القائم والقاتم هو في حد ذاته تطبيع، ولم يزل ذلك الإلتماس معروضا إلى اليوم، في الوقت الذي لم تأبه به إسرائيل ولم تعره أدنى اهتمام ، فمنذ ذلك الحين و كل قممنا مليئة بالفقاعات المفتعلة .

 ففي قمة دمشق التي عقدت في 29-30 مارس 2008م وبعد أن أتمت الحكومة السورية الاستعداد اللوجستي من أجل عقد قمة تأمل دمشق أن يتم نصابها، وأن تسوَّى فيها الملفات العالقة، وأن تحقق أقوى المكاسب القومية؛ ومن أهمها تصفية الأجواء للمصالحة العربية العربية. انعقدت القمة في دمشق وغاب عنها مجموعة من الزعماء على رأسهم العاهل السعودي والمصري والأردني... والذي عزته دمشق حينها بأنه نتيجة املاءات أمريكية حالت بين مشاركتهم..

وحسب المعتاد فإن إسرائيل أطلقت تصعيدا في غزة كان ضحيته عشرات القتلى والجرحى، ورد عليها العرب من خلال تصريحٍ للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عقب انتهاء اجتماع وزراء الخارجية العرب في 5 مارس 2008م قال فيه أن استمرار "طرح المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل يرتبط من حينئذٍ فصاعدا بتنفيذ الأخيرة لالتزاماتها تجاه عملية السلام والشعب الفلسطيني " وأن العرب لن يقدموا تنازلات أخرى لإسرائيل..

انتهت القمة ولم تأت بجديد بل كرّست مبدأ الانقسام في الصف العربي وأكدت أن القوم بين خاضع للصهاينة تحت مظلة قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية المزعومة ، وآخرون لم يروا في ذلك نفعاً لهم ولمشاريعهم الخاصة، وفريق آخر مصلحته مرتبطة بالمقاومة ودعم المقاومة وإن كان يمكن أن يتنازل عنها في أبسط ثمن حين تتقاطع ومصالحه

ثم تلتها قمة الدوحة والتي عقدت في 30مارس 2009م برئاسة قطر والتي كان يتطلع المجتمع العربي إليها ويؤمل فيها أكثر من سابقاتها نظرا للتوجه القومي العام لقطر ودعمها المشرف للمقاومة. وفي قمة قطر استُحدِثت فقاعات لصرف الناس عن المطلوب فصالح خاصم وغادر، والخصمان –السعودي والليبي- تصالحا، وهكذا صارت لقاءاتهم كملاعب الأطفال يتفقون لأدنى سبب ويختلفون كذلك متجاهلين هموم شعوبهم وطموحاتها.

ومن المناسب ذكره هنا مشاركة الرئيس الفنزويلي كضيف في القمة حيث ألقى كلمة كان فيها عربيا أكثر من العرب وفلسطينيا أكثر من الفلسطينيين!

 ثم انفضت القمة دون الخروج بشيء عملي يحمي الأرض ويصون العرض وقد عبر عن الفشل لذلك الاجتماع الكاتب الإسرائيلي بينحاس عنباري عند تعليقه على قرارات قمة الدوحة حيث يقول: "إن أهم ما حدث فى قمة الدوحة بالنسبة لـ"إسرائيل" هو عدم قيام الجامعة العربية بسحب المبادرة العربية للسلام الشامل معها، وعدم استخدامها للغة التهديد والوعيد ضدها، كما كان متوقعاً من مسودة البيان الختامي للقمة.

وأكد أنه عندما نقوم بالمقارنة بين قرارات القمة العربية، والتهديدات التي تصدر من الاتحاد الأوروبي لـ"إسرائيل" سندرك الفرق بسهولة. في إشارة إلى ضعف القرارات والمواقف العربية حيال الكيان الصهيوني لاسيما في ظل الوضع الراهن الذي أوصلت فيه إسرائيل المفاوضات إلى طريق مسدود.

وصادف حظ فترة رئاسة قطر الهجوم الوقح على غزة من قبل الصهاينة بخط أخضر من المتصهينين العرب، وتأجج الشارع العربي وتضامنت الشعوب غير العربية مع غزة وضد الحرب، ولكن العتاة من حماة الوطن (الصهيوني) لم يحرك لهم ذلك ساكنا بل كانت التجهيزات جارية لاستلام غزة من إسرائيل!.

 [ قمة قطر الاستثنائية] وفي 16-1-2009م نادت قطر لقمة استثنائية طارئة خاصة بغزة ووضعت الزعماء المناوئين لغزة وللمقاومة في حرج أمام شعوبهم والعالم، ومع ذلك سعى العظماء في القوم دون حياء أو خجل إلى محاولة إفشال القمة الاستثنائية فلم يشارك فيها سوى خمسة زعماء عرب حتى قال الأمير القطري حينها عبارته المشهورة: حسبي الله ونعم الوكيل ...

وتلتها بفترة وجيزة قمتهم الاقتصادية والتي عقدت بدولة الكويت وحتى لا تقوم قمة الكويت مقام قمة غزة ؛ فإن فقاعة جديدة انطلقت بخروج خطابٍ عاطفيٍّ داعٍ إلى ما سمي بالأخوة والتسامح بعد الانتصار على قطر في إفشال قمة غزة!وضاعت القضية في أجواء الخطاب...

[ قمة سيت]

قبل أسابيع من القمة الثانية والعشرين والتي انعقدت في ليبيا في الشهر المنصرم استحدث العدو الصهيوني سلسلة من الأحداث بين يدي القمة العربية منها :الإصرار على استمرار الاستيطان وإعلان ضم مسجد أبي عبيد بن الجراح إلى التراث اليهودي، فلم يكن هناك موقف مشرف لأي مؤسسة عربية رسمية بما فيها منظمة المؤتمر الإسلامي!،وذلك التخاذل دفع العدو إلى مزيد من الهمجية فبنى ما يسمى بكنيسة الخراب قرب القدس مؤذنا بهدم القدس على مرأى ومسمع من العالم أجمع.

عقدت القمة في هذه الظروف الحرجة فافتعلت فقاعات جديدة؛ غياب بعض الزعماء، الإعلان عن دعم صمود القدس بمبلغ من المال يجني ثماره زعيم فتح وعصابته، متجاهلين غزة التي باتت في عشية انعقادهم متأهبة بسبب محاولة اجتياح في الحدود.

 وفقاعة أخرى اسمها الاتحاد الإقليمي ليكون بمثابة تمهيد لما بعد التطبيع وسيضمن هذا الاتحاد انضواء إسرائيل في إطاره فيما إذا تم التطبيع .

 وفقاعةٌ أخرى: المقترح اليمني الذي عرضه الزعيم اليمني وكأنه المنجي الوحيد من الأزمات، وهكذا فالقوم مجتمعون تحت ظلال جامعةٍ الجميع مؤمن بفشلها!.

ومما تجدر الإشارة إليه: حضور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردغان والذي قدم كلمة كان فيها عربيا أكثر من العرب وفلسطينيا أكثر من الفلسطينيين!

وهكذا تفتعل الفقاعات في قممنا لتضيع في أدراجها حقوقنا فتُنْسَى آلامنا وتُحطَّم آمالنا، ويبقى وسيظل العمل العربي المشترك مشلولا حتى تستأصل نبتة العمالة ويؤمن قادتنا بقضايانا.

*مدير موقع الوفاق الإنمائي