من الذي صنع من الصلوي إرهابياً ؟!
بقلم/ د.رياض الغيلي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 22 يوماً
الأربعاء 05 مايو 2010 06:14 م

هل هو النظام بأجهزته القمعية أم تنظيم القاعدة ؟!

الشاب الانتحاري عثمان الصلوي نموذج للصناعة الوطنية للارهاب سواءً كان من قبل النظام أو من قبل تنظيم القاعدة ..

سأوضح ذلك :

النظام ساهم بالنصيب الأكبر في صناعة الفكر الإرهابي لدى الشاب (الصلوي) ، ولا أدعي ذلك مجازاً بل أؤكده حقيقةً ، لأن هذا الشاب نفسه هو الذي التقيته في معتقل الأمن السياسي في فبراير من عام 2006م عندما اعتقلت على ذمة الهروب الكبير لأعضاء تنظيم القاعدة من معتقل الأمن السياسي ، وكان هذا الشاب بالإضافة إلى شاب آخر (هو أخو ناصر الوحيشي زعيم التنظيم حالياً) هما الحدثين الوحيدين في معتقلات الأمن السياسي ، وكانت إدارة المعتقل قد خصصت لهما غرفة خاصة لكونهما (حدثين) ، كنت ألتقي بهما في (الشماسي) وأتبادل الحديث معهما حول أسباب اعتقالهما وكيفية التحقيق معهما ، فذكرا لي كيف كان المحقق يمارس تعذيبهما الجسدي والنفسي أثناء التحقيق ، وذكر لي الصلوي بشكل خاص كيف كان المحقق يمسك بأصابعه أثناء التحقيق ويثنيهما في الاتجاه المعاكس إلى أن ينتزع منه الاعترافات التي يريدها حتى ولو كانت خلافاً للحقيقة، وحينها كان يبكي بحرقة وهو يشرح لي ، ثم يطرق نحو الأرض قائلاً : " لقد اغتالوا آدميتي ، لم يعد لي أي أمل في الحياة ، ولو دعاني يهودي للانتقام من الدولة بأي وسيلة أو طريقة لما ترددت لحظة واحدة ، إنهم يطلقون علينا تهمة الإرهاب وهم والله أشد إرهاباً من الصهاينة ، أنا لا أعتقد أن الصهاينة يعاملون الفلسطينيين كما يعاملنا هؤلاء المجرمون ".

هذا بالإضافة إلى أن النظام قد حارب مدارس تحفيظ القرآن الكريم ، وألغى المعاهد العلمية اللتان أسهمتا إلى حد كبير في تحصين عقول الشباب ضد الأفكار الجامحة والمتطرفة .

ولا أدعي أن هذه الممارسات وحدها هي التي تزيد من استفحال الإرهاب ، فهناك أسباب أخرى ، ربما تكون أكثر دافعية لتبني الفكر الانتقامي الذي يسمى (الارهاب) لدى الشباب ولعل من أهم هذه الأسباب:

أ‌.الفقر والبطالة والحرمان الذي يدفع بالمرء للالتحاق بقوافل الإرهاب لسد جوعه ، وإشباع حاجاته ، وتحقيق رغباته ، فالمعتقلين والسجناء سواءً المتهمين بالانتماء للقاعدة أو المتهمين بتهم جنائية مختلفة معظمهم شباب عاطل عن العمل ، ينتمون إلى أسر فقيرة معدمة محرومة ، وجدوا في محاضن الإرهاب ملاذاً من الفقر والجوع والحرمان ... فالشباب عندما يجد نفسه عاطلاً عن العمل ، يمر به قطار العمر ، طموحه متوقف ، في الوقت الذي يرى فيه آخرين قفزوا على ثروات الوطن فأجهزوا عليها نهباً واستنزافاً ، ليس أمامه في هذه الحالة إلا خيارين أحلاهما مر : إما الالتحاق بالعصابات الإجرامية المنظمة أو الالتحاق بالتنظيمات المسلحة ... ولأن نظامنا فشل في الحد من اتساع الفقر فقد تفاقم الإرهاب ، وهذه نتيجة حتمية ، فالمجتمعات التي يتسع فيها الفقر يتسع فيها الإرهاب ، وعلى العكس من ذلك ترى المجتمعات التي يقل فيها الفقر يقل فيها الإرهاب ، فدولة الإمارات ودولة قطر اللتان سجل فيهما الفقر الرقم (صفر) لم تُسجل في أي منهما أي حادثة يمكن تصنيفها في خانة (العمليات الإرهابية) !!

ب‌. الظلم الاجتماعي ؛ فهناك تسيُّد من قبل أناسٍ لا يمتلكون أي مؤهلات للسيادة أو النفوذ سوى الإرهاب والسلب والنهب والبسط والتهديد والغش والتدليس ... أناسٌ لا زالوا يعيشون في زمن "السيد والعبيد" ... إقطاعيون يصادرون الحريات ، وينهبون الممتلكات ، ويهتكون الأعراض دون وازعٍ ديني ولا قيميٍ ولا إنساني ، ودون خوف من سلطان ، ودون رادعٍ من قانون ... إن أي مواطن يقوم شيخٌ أو نافذٌ أو جهةٌ بحجز حريته ، أو انتهاك عرضه ، أو حط كرامته ، أو جرح إنسانيته، أو سلب حقه ثم لا يجد ناصراً من دولة ، ولا عوناً من مجتمع ، سوف تنمو في داخله قنبلة مدمرة يزداد مداها كلما سُدّت في وجهه أبواب العدالة ، وكلما صُمّت من سماع صوته آذان الحق ، فيتحول هذا المواطن إلى إرهابي من الدرجة الأولى.

إن المجتمع الذي تتحقق فيه العدالة ويضمحل فيه الظلم لا يمكن أن يشكل بيئة صالحة لنمو الإرهاب، وصدق الله أصدق القائلين ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) .

فيا قوم : قبل أن تحاربوا الإرهاب (حسب زعمكم) عالجوا نوازع الإرهاب في أنفسكم ، تخلصوا من ممارسة الإرهاب في أجهزتكم ، اقتلعوا أصنام الإرهاب من إقطاعياتهم ..

اضمنوا لي مجتمعاً آمناً عادلاً .. خالياً من الفقر .. أضمن لكم مجتمعاً خالياً من الإرهاب .

و... (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلا بالله ).