القصة الحقيقية لما جرى على أسطول الحرية 4
بقلم/ محمد بن ناصر الحزمي
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 12 يوماً
الإثنين 05 يوليو-تموز 2010 03:50 م

تنبيه

في هذه القصة أنا أتحدث عنها من خلال مشاهداتي وما عشته أنا، فهي ليست كل القصة، وما عند غيري قد يكون كثيرا وأكثر تأثيرا وأشياء لا أعلمها .

ليس لنا دولة تحمينا

كما ذكرنا في اللقاء السابق أننا توقعنا الهجوم الساعة الثانية بعد منتصف الليل وبرغم أننا نسير في مياه دولية والهجوم سيعد في نظر القانون الدولي قرصنة ،إلا أننا نعلم أن العدو الصهيوني لا يعرف أي قانون في الأرض سوى قانون القوة ، بدأنا بالإعداد للمواجهة الهادفة إلى منع العدو الصهيوني من منعنا من الوصول إلى غزة فتم تقسيمنا إلى مجموعات وقد اختار الإخوة الأتراك الصف الأول فقلنا للأخ بولنت قائد الحملة أننا كعرب نريد أن نكون في الصف الأول ولن نرضى بغيره بديلا وسيريك الله منا ما تشفي به صدرك كان هذا التنافس والإيثار على التضحية من أجمل الصور التي عشناها واقعا عمليا بدلا من قراءتها عن التأريخ الماضي .

رفض بولنت قائلا أنا أعرف أنكم أشجع واقدر ولكن الأتراك إذا اسر أو قتل احدهم فلديهم دولة قوية ستدافع عنهم ، فقبلنا تعليله الصحيح على مرارة ، فقلت في نفسي فرق بين قيادة الأسود وقيادة الثعالب، وكان الصف الأول هو المسؤول عن حماية ظهر السفينة من الهجوم الجوي ، وأما الصف الثاني فهو مسؤول عن حمايتها من الهجوم البحري، فقسم العرب على محيط السفينة مجموعات مجموعات ، وكنا نحن مع الإخوة الأردنيين في مجموعة واحدة ، أعدينا أنفسنا معنويا وتسلحنا بالإيمان للصمود أمام اليهود، وبسلاح الأيادي وخراطيم المياه ،وكمامات الغازات، لأن القيادة توقعت أن يستخدم اليهود الغاز ، فاستخدمت الكمامات، والذي لم يحصل على كمام يبلل الرقعة ويضعها على فمه وأنفه ، وكانت التعليمات أن لا نقتل أي يهودي ، ولكن يرمى في البحر والزوارق الإسرائيلية ستأخذه ، لأن مقاومتنا سلمية ، هدفها الوصول إلى غزة ، وكذلك من التعليمات أن كل فريق مسؤول فقط عن منطقته ، ولا يتحرك إلى منطقة أخرى ، وأن نلبس الستر الواقية من الغرق ، وأن نتبادل بيننا الرباط ،فالبعض ينام قليلا والآخر يرابط ، كان الدعاء هو ديدننا ،والذكر نشيدنا ، والصبر سلاحنا ، والثبات والشهادة بغيتنا، ولا أخفيكم القول ، أن السمع والطاعة للقيادة هي من لجمت الشباب عن قتل اليهود وإلا لكان شأنهم غير الذي حدث ، وكان هذا خوف على الهدف لأسطول الحرية، وهو إيصال رسالة إعلامية عالمية ، ولهذا عندما رأى قائد الحملة (بولانت)في عصر ذلك اليوم ونحن في لقاء انشدي الشباب يتحمسون لرؤية الجنبية وهي تلمع خارج غمدها أثناء الإنشاد ،فطلب مني عدم لبس الجنبية في تلك الليلة ، ونظر إلي ممازحا قائلا( أنتم اليمانيون فوضويون منذ أيام العثمانيين ) فضحكنا وخلعت الجنبية ووعدته أن أضعها في الحقيبة. وللحقيقة كنا نلقى من الأتراك حبا زائدا لنا كيمنيين ، علمنا فيما بعد أن الأتراك يكنون لنا هذا الحب بسبب أن الحلفاء بزعامة انجلترا عندما هزموا العثمانيين قام بعض العرب بتسليمهم الجنود الأتراك ،إلا اليمن رفض الإمام فعل ذلك وقال لا أسلم مسلما لكافر، ساعة المواجهة كانت القيادة تتوقع الهجوم الساعة الثانية بعد منتصف الليل كما ذكرنا إلا أن الأمر هذا لم يتم إلا في الساعة الرابعة والربع صباحا ، عندما كنا في الركعة الأخيرة وكنا في القنوت ، حينها سمعنا تكبير الإخوة المرابطين وهم يكبرون ويقولون اليهود بدؤوا الهجوم ، أتممنا الصلاة على أصوات القنابل الصوتية والغازية والمسمارية والرصاص المطاطي ،كنت في هذه الحالة الهج بالدعاء قائلا اللهم اجعل هذا العمل الذي أعمله قربة لك فجعله يا رب سببا لصلاح ذريتي وأهلي وحجابا لنا من النار، وجلست اردده طوال المواجهة ، عاد كل واحد إلى موقعه ، تقنعنا بالكمامات والقماش المبلل للحماية من الغازات ، بدأ الهجوم البحري بالزوارق ، وكانت تحاول الالتحام بالسفينة بهدف إلصاق سلاسل حديد لسحبها ، إلا أننا كنا نرد عليهم بخراطيم المياه وبعض ما نملك ومنها قوارير مياه كبيرة ، وكان كلما تم إلقاء مثل تلك القوارير كانت الزوارق تفر قبل وصول الماء كأنهم يتوقعوا أنها عبوات أخرى وليست مائية ، فحاولوا مرة ومرات ولكنهم فشلوا وما هي إلا فترة وجيزة إذا بنا نشاهد طائرة تقوم بعملية الإنزال الجوي فتدلت منها الحبال وإذ بالجنود قوات الكومندوز ينزلون منها وكان الإخوة الأتراك يستقبلونهم من الجو ويطرحونهم أرضا ويأخذون أسلحتهم إلى البحر ، وضربوا ضربا أدى بأحدهم أن يبول على سرواله ، وآخرون يبكون ، فتذكرت قوله تعالى فيهم ( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ) وتم إفشال الإنزال الأول واسر ثلاثة جنود وإنزالهم إلى داخل السفينة ، وهذا ما جعل اليهود يجنوا ،كيف يأسر جنود النخبة من قبل أناس عزل ، فجاء الإنزال الثاني أشد قساوة وحقد فبدأت الطائرة تصب رصاصها من الجو على كل من في السطح ، وتم الإنزال في على ضوء تلك الزخات من الرصاص الحي والقنابل ، ومع هذا خرج لهم أبطال وتعاركوا معهم ، ثم بدأ كأنه إنزال إلينا في الدور الثاني فوصل الحبل إلى أمامي فقلت للشيخ هزاع وكان بجواري أعينني نقيد الطائرة بربط الحبل إلى عمود كبير من أعمدة السفينة- وكنت أقصد بهذا العمل حتى إذا أرادت الإقلاع تسقط – قد ربما لا يكون هذا ولكن كنا نريد آن نعمل أي شيء حتى لو أدى سقوطها على ظهر السفينة – المهم أني لم استطع اربط الحبل لثقله وسمكه وفجأة سحب من يدي وأنا أحاول ، وفجأة إذ بأخ لنا من الأردن أسمه نضال كان واقف يدعو، إذ به يتعرض لوابل من الرصاص من سطح السفينة فصاح الله الله ومد يده لنسحبه فشعرت حينها أن الشهادة قد حانت وقد كنت مترددا هل أتركه وهو يمد يده إلينا أم انصره والحمد لله لقد أسرعت وقمت بمساعدته وسحبه ولم اصب بأذى وهو أيضا أصيب فقط ، فقلت في نفسي أن الإقدام لا يقدم أجلا والإحجام لا يؤخر أجلا، سقط مزيد من الشهداء ،فكان الأمر مرعبا للقيادة عندما وجدوا ان اليهود يقتلون بطريقة هستيرية والشهداء والمصابون يتساقطون بكثرة ، وأنهم قد اقتحموا كبينة القبطان وتم تهديده بقتل ابنه الطفل الذي في حضن أمه التي تركب بجواره إذا لم يحول السفينة باتجاه ميناء أشدود ، حينها سمعنا بولانت يقول لقد تم السيطرة على السفينة ، وعلى الجميع ترك مواقعهم والنزول إلى السفينة ، جمعنا إلى صالة من صالات السفينة خيم السكون علينا ، والدهشة لتلك الدماء المصبوبة ، زاد كرهنا لليهود ، وحكام العرب الذين معهم يطبعون ، بدأ اليهود يطوقون السفينة من جميع الاتجاهات من على متن السفينة ، يراقبونا من خلال النوافذ، فجأة نسمع صوت امرأة تقول أرجوكم لا تهتفوا بوجوهنا ، نحن مسالمون ، نحن مدنيون ، سندخل للتفتيش ، هذا يدل على مدى الرعب الذي يحدثه التكبير في وجوههم ، بالطبع فالهتاف بالتكبير يعني وراءه إما قتال أو عراك ، حينها سمعنا بولنت يقول لا تحتكوا بالجنود إذا دخلوا ولا تهتفوا ، بدأ الجنود يدخلون على شكل طابور إلينا مع كلابهم من طرفي السفينة ، وهم يشهرون السلاح ، في وجوهنا ، ثم قالوا ستخرجون إلى السطح فرادا ليتم تفتيشكم ، خرجنا واحدا واحدا تم تفتيشنا وتقييدنا إلى الخلف بأشرطة بلاستيكية ، لم يتركوا أحد الا قيدوه إلا قليلا من الأجانب ،حتى النساء بل والله حتى الجرحى ولما رأيت النساء يقيدن ، ورحلنا إلى سطح السفينة الخشبي حيث تم إقعادنا على ركبنا صفوفا متراصين ، نظرت إلى أحد الأحبة وقد امتلأت عيناه بالدمع فتبسمت في وجهه وأشرت إليه بعلامة النصر مبتسما وان كنت في داخلي أغلي كرها وغضب على الحكام العرب،ولكن لأخفف عليه ،وفعلا تغيرت معالم وجهه ، وعاد إلى طبيعته ، كان بجوارنا الشيخ رائد صلاح ، وهو مقيد يوزع علينا ابتساماته ، ولسان حاله يقول ، نحن معتادون على ذلك ، فلا تبتئسوا ، ونحن كنا لا يهمنا فعلا ولكن كانت الحرقة تملئ صدري لأني أرى أخواتنا النساء يقيدن أيضا، وهذا هو الذي جعلني أتمنى لو قطعنا إربا خير من أن نرى أخواتنا يمس اليهود منهن شعرة واحدة ، كانت تلك مشاعري وما أظن الآخرين أقل مني إحساسا بذلك.

كانت الطائرة تحلق فوق رؤوسنا لتنقل القتلى والجرحى ، ومن شدة هوائها الذي تثيره مروحيتها كانت تصب علينا موجات كثيرة من رذاذ الماء المتصاعد من البحر ، فكدنا نتثلج خلال تلك الساعات العصيبة ، البعض كان شد الشريط على يديه عنيفا وشديدا ، حتى أنه لم يتحمل ، بل سودت أيدينا من شدة ذلك ، فصحنا ، فجاء ضابط وفك القيد للأخ عبد الخالق بن شيهون ، وكذلك لأحد الإخوة الموريتانيين وكذلك الشيخ رائد صلاح ومن ثم أنا، -أنا أتحدث عمن حولي- جلست على كرسي بجوار بولنت حفظه الله وقد تم أيضا نزع القيد من يده أيضا ، فتألمت للأخ الشيخ هزاع كونه مازال مع المقيدين فنزلت إلى الأرض ورفعته على الكرسي بدلا عني ، فوجدت أن قيده غير مشدود .

فقلت له :تخلص منه

قال :ترى ذلك ؟

قلت: نعم

ثم أردت أن اسلي عليه فقلت :له إذا عرف اليهود قل لهم أمرني أميري فضحك وتخلص بأسلوب سري من ذلك القيد ولم يعلم اليهود والحمد لله ، خفف الله عنا، أما أخونا عبد الحكيم القطيبي فهو لم يقيد كونه حفظه الله يده اليمنى مقطوعة، وللحديث بقية.