كيف يفكر " صالح " في لحظات الرحيل الحاسمة
عارف علي العمري
عارف علي العمري

يحدثنا التاريخ المعاصر عن أساليب متنوعة لإجهاض الثورات ، ابتكرها المستبدون بالحكم لتوجيه الثورة وجهة غير وجهتها التي قامت من أجلها ، ولتفريغها من أفكارها التي حركتها بادي الأمر ، ولتــشتيت قواها وكسر وحدتها , ومن أعظم الخلل في مشروع أي ثورة ألا يستــبـيـن القائمون عليها سبيل وطرق المكر التي يتعامل بها المستبدون لإجهاض الثورات كمخرج مؤقت للطوارئ!.

لقد جرت العادة أن يوجه القائمون على الثورات اهتمامهم على طرق الحاكم في ضرب الثورة باليد الحديدية ، وأن يكون خوفهم على ثورتهم من جهة القمع لا من جهة اللطف ، ولذلك فإنهم يفاجئون ويفقدوا كثيراً من توازنهم عندما تمد لهم يد المكر أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم .. ماذا تريدون ، وبم تأمرون ... ألا تجلسون معنا كي نتحاور ؟ ندعوكم إلى تشكيل حزب خاص بكم , سنلبي مطالبكم المشروعة , ستحظى مقترحاتكم ومطالبكم باهتمام ومتابعة صاحب الفخامة, إلى غير ذلك من الكلام المعسول فيظن بعض الشباب الذين لم يعرفوا سياسة المكر والتدليس أنهم قد قطعوا المسافة المطلوبة ، وأرغموا السلطة على تحقيق مطالبهم .

تفاوض لا تحاور:

ليست فلسفة لغوية ، ولا تلاعباً بالألفاظ ، ، بل هي من صلب العملية السياسية أعني دقة إنتقاء الألفاظ في السياسة ، فلكل لفظة دلالتها التي لا بديل عنها . فالثورة لا تتحاور ، لكنها تتفاوض ، والفرق هائل فالحوار خلاف على مسائل داخل إطار عام متفق عليه حيث الكل راض على البقاء داخل الإطار ، والأساسيات ليست محلاً للبحث , أما التفاوض فهو خلاف على الإطار وعلى أمور أساسية قامت الثورة لنقضها .. وعندما يصر القديم على الدعوة إلى الحوار ، ويصر على هذا التعبير ، فهذه أول محاولاته اللفظية لتفريغ الثورة من مقاصدها, وهذا مايسعى إليه الحزب الحاكم, ويردده في خطبه ووسائله الإعلامية, وهذه ليست مسألة شكلية قد يظن الظان أنها غير مؤثرة ، والواقع أنها مؤثرة جداً لأنها توصل رسائل إلى الثوار تتراكم مع الزمن القليل فتُهدِّئ من اندفاعها ، وقــد تــربك الدوافع الأولى للثورة .

إشاعة الفوضى :

جُرِبت هذه الطريقة في دول أمريكا الجنوبية ، عندما كانت تقوم ثورات أو بوادرها ضد طواغيت تلك الدول . وتنص هذه الطريقة على وجود خطة بديلة في حالة وجود مأزق يهدد استقرار النظام الحاكم ، فتنزل قوات من الأمن المدربة لمثل هذه الحالات إلى الشارع بملابس مدنية وتـشيع الفوضى ، وتقوم بأعمال إجرامية ضد المتظاهرين ، وضد الأهالي الموجودين في بيوتهم خارج حدود ساحة المظاهرات , وهذه الجرائم تجعل الموجود في المظاهرة يفكر في حماية بيته ، فيرتد إليه عندما يسمع عن وجود حالات نهب وسلب وقتل , وهو ماقام به النظام المصري إبان ثورة الشباب, ومايقوم به النظام اليمني, وأصبح يطلق على مثل هكذا قوات أمنية مدربة بالبلاطجة , مع أن الكثيربن لايعرفون حقيقة تلك القوات المدربة, ويقتصر فهمهم على أنها مجموعات مرتزقة من قبل النظام الحاكم لقمع المعتصمين.

وقد أشارت بعض المصادر الخاصة إلى تلقي قوات أمنية في الأمن القومي والحرس الجمهوري تدريبات لمثل هذه الحالات في مدارس أمنية خاصة خارج اليمن, وللعلم فإن المدرسة الأمنية الصهيونية تبنت هذا الأسلوب وساهمت في الترويج له لدى الدول الصديقة ، ووضعت لهذه الدول خطط لمواجهة ثورات الشعوب . ومالم تتنبه قيادات الثورة في أكثر من محافظة وتسارع إلى تشكيل اللجان الشعبية فان السيناريو قد يتم تطبيقه بشكل أوسع, وخصوصاً بعد أن يدرك الحاكم أن الشاب ومعه أحزاب اللقاء المشترك والجيش قد أغلقوا عليه كل المنافذ المؤدية للبقاء في السلطة, ويبدوا أن اللجنة التنظيمية لشباب الثورة وأحزاب اللقاء المشترك قد فطنا لذلك, إلا أن الزيادة في التأكيد والتنبيه هي مايجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.

التخويف من غياب \" آمنة \"

كان الإعلام في دول أمريكا الجنوبية يخوف الغرب من خطر الشيوعية القادم في ذلك الزمان ، وأنهم صمام الأمان ضد الشيوعية ، وأن الثورات إذا نجحت فإن الشيوعية ستهدد الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأمريكية, أما في حالتنا فإن النظام اليمني يخوف الغرب أنه إذا ذهب فستنفجر القنبلة الموقوتة, ويزيد نشاط القاعدة, وتصبح اليمن ماوىء للإرهاب, وان الإخوان المسلمين قد يحكموا اليمن وبالتالي فان البديل \"لصالح\" خيارين أحلاهما مر بنظر الولايات المتحدة الأمريكية, وقد استطاع الأمن القومي أن يوهم الولايات المتحدة الأمريكية عبر سفارة واشنطن بصنعاء أن الإخوان المسلمين يهيئون الشيخ عبد المجيد الزنداني لرئاسة اليمن, وهو مالم يتبه له قادة

الثورة حيث اقتصرت شعاراتهم على دولة مدنية بعيداً عن حكم العسكر, وأسقطت من قاموسها مفردة الدولة الدينية, وهي النقطة التي سقطت سهواً ليستفيد منها الرئيس في الدعم الأمريكي, وتضل هذه النقطة موضع سرية في أروقة القصر الجمهوري والأمن القومي ومبنى السفارة الأمريكية في شيرتون, ومالم يقوم الثوار برسائل أكثر تطميناً للجانب الأمريكي بهذا الخصوص فان الغطاء الأمريكي لصالح سيستمر.

شق الصف النضالي للشباب

وهو أمر سهل في ثورة بلا قيادة واضحة ، و مما قد يلجئ إليه الحاكم مستقبلاً هو اختلاق انقسام موهوم بين حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني, فتعلن تلك الأحزاب انضمامها إلى ثورة الشباب, وقد ينتشىء الكثير من الشباب فرحاً بذلك, ثم مايلبث \" صالح \" أن يعلن عن مبادرة أكثر ايجابية , في خطاب عاطفي لايخلو من وعود موهومة , فتسارع تلك الأحزاب التي لاتُستامر أن وجدت ولاتُفقد إن غابت, مع مجموعات من الشباب إلى العودة إلى أحضان الحاكم, بهدف شق الصف النضالي للشباب, والتأثير على معنويات الناس وبالتالي فان على الشباب أن يتيقظوا لمثل هكذا مخطط قادم, وان لايدعوا لأحزاب التحالف الوطني مؤطىء قدم في ساحاتهم.

وحتى لايشق الصف النضالي المتماسك طيلة السبعين اليوم الماضية فانه يجب أن يكون للثوار ممثل واضح, حتى لانتفاجىء يوماً من الأيام بطائفة تخرج لنا لتقول أن لها مطالب أخرى, وأننا لانرضى بما وافق عليه الآخرون, يقول الكواكبي : \" يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يستبدل به الاستبداد\".

كما أن الاتفاق المسبق على مجموعة من الأهداف للثورة قد يفوت الفرصة على المتربصين, وبالتالي فانه يجب تحديد مطالب محددة ولو كانت مرحلية ، وإعلانها ممثلة لمطالب المتظاهرين ، وتحديد مرحليتها ، وأنها وإن اختلف في ترتيبها بحسب أهميتها بالنسبة للبعض ، فإنها تبقى مطالب الجميع, بالإضافة إلى تحديد علاقة الشباب مع الأحزاب الموجودة لقطع لعبة العزف على انفصال الشباب عن الأحزاب, أو اختطاف الأحزاب لثورة الشباب, أو تغريد الأحزاب خارج سرب مطالب الشباب, والفخ الذي وقعت فيه أحزاب اللقاء المشترك حينما قدمت مبادرة \" الرحيل الناعم \" ل \" صالح \" جعلت الشباب يخسرون من حيث ربح النظام, كما أنها أعادة الثقة للنظام بعد أن تلاشت قوته في محيط صرخات الرحيل, ورفض الشباب للمبادرة الخليجية قد يعيد التوازن الذي أفقدته مبادرة الرحيل الناعم, مما يثبت أن مواقف الشباب وتصريحاتهم باتت أكثر وعياً من الأحزاب.

مخطط الاغتيالات

واحداً من سيناريوهات المطبخ الرئاسي لحلحة الأزمة, وتجاوز المرحلة الحرجة التي لم يمر صالح بمثلها, هو اللجوء إلى مخطط الاغتيالات الوهمية, التي يعكف عليها هذه الأيام مجموعة من خبراء الأزمات الدولية, و قيادات سابقة في حزب البعث العراقي, والتي قد ربما تنبه لها القليل ولم يتبه لها الكثير, ومثل هكذا اغتيالات وهمية تم تطبيقها في أكثر من قطر عربي, وكان لليمن نصيب الأسد فيها, والاغتيالات الوهمية تؤدي إلى صراع ثنائي بين قطب واحد يواجه الحاكم, وكثيراً ماكانت الاغتيالات الوهمية متنفساً بارد لحاكم يواجه خطراً محدق. أثناء قيادة \" صالح \" لمعسكر خالد بن الوليد بمحافظة تعز , قام \" صالح \" بإرسال وفد وساطة من مشائخ الحجرية الى عبد الله عبد العالم قائد المظلات الذي كان يشكل مصدر خطر على النظام القائم آنذاك, وبينما كان الوفد في طريقه الى عبد الله عبد العالم قتل كل من كان في وفد الوساطة من قبل مجموعة الجيش التي كانت ترافق الوفد, وقد تم تحميل عبدالعالم مسؤولية الاغتيال, ليواجه عبد الله عبد العالم مشكلة حقيقة مع أبناء الحجرية تتمثل في اتهامهم له بقتل أبائهم وإخوانهم, وبالتالي تخلص النظام من عبد الله عبدالعالم بمخطط الاغتيال الوهمي.

وعندما راء \" صالح \" الخطر المحدق به من تكتل أحزاب المعارضة تحت مابات يعرف بأحزاب اللقاء المشترك سارع إلى إيجاد مبرر للصراع بينهما, فكانت الجريمة النكراء عندما أطلق علي السعواني النار صوب جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي وأرداه قتيلا في احدى المؤتمر الثالث للاصلاح .. والسعواني كما كشف عنه فيما بعد كان ضابطا في الأمن السياسي ومتطرفا وهابيا يعمل لحساب \"قاعدة صالح\" دسته أجهزة الأمن التي كانت تحرس المؤتمر العالم الثالث للإصلاح, وسرعان ما أعلنت الداخلية أنه ينتمي لحزب الاصلاح وامام جامع ومن منتسبي جامعة الايمان.. هذا الاعلان الذي ظهر وكأنه معد مسبقا قبل اجراء أي تحقيقات عرف المراقبون من خالها ان صالح اختار طريق الدم لتفكيك المعارضة. لكن دم الشهيد جار الله عمر لم يذهب هدرا فكان اللقاء المشترك أكثر تماسكا مما سبق وظهر ذلك خلال انتخابات الرئاسة في 2006 , بحسب احد الصحفيين اليمنيين.

والسيناريو تم تكراره في أكثر من منطقة, ونجح أحيانا وفشل أحياناً أخرى, وكانت أخر محاولة لتكرار ذلك السيناريو ماجرى مؤخراً حينما أرسل \" صالح \" وفداً للوساطة من قبائل سنحان وبلاد الروس للتفاوض مع اللواء علي محسن الأحمر , وكان الهدف هو قتل أعضاء الوساطة وتحميل اللواء الأحمر مسؤولية ذلك, وبالتالي إشعال حرباً بين قبائل سنحان وبلاد الروس وبين اللواء علي محسن صالح, ليتفرغ صالح لإعداد سيناريوهات أخرى لإخلاء الساحات من المعتصمين.

السيناريو قد يتكرر بطريقة لاتعيد الأخطاء التي وقع فيها منفذوا المهمة الأولى, ومالم يحتاط الشباب لذلك جيداً فقد ربما يقعون فيه يوماً من الأيام .

المراهنة على الوقت :

سأل مراسل البي بي سي أحمد شفيق رئيس الوزراء المصري المكلف برئاسة الحكومة حينها : إذا استمر المتظاهرون في تظاهراتهم فماذا ستفعل ؟

فأجاب : ولم لا ، وأنا مستعد أن ابعث إليهم بطعام الإفطار ، وبالبومبوني ( أي الحلوى ) !

يراهن الحكام في مثـل هذه الحالات على الوقت ، فالوقت كفيل باستـــنزاف الجهود ، وتـفـتيت الحشود ، وكل ما يحصل اليوم من ترتيبات ومبادرات وعروض ما هو إلا إضاعة للوقت .

إن الوقت ليس في صالح الثوار والمطلوب على وجه السرعة تشكيل حكومة إنقاذ وطني ، وإذا لم يتم أخذ خطوات أوسع وسريعة من الشباب فهناك خوف على الثورة، وعلى الجميع أن يدرك أنهم وصلوا إلى نقطة اللاعودة ، وأي تراجع من قبلهم سيؤدي إلى تقوية النظام ولا أقول تقوية علي عبد الله صالح ،

وسيلتقطهم الأمن بمجرد انفضاض الناس, ومن مسلمات التاريخ أن الثورات إذا وصلت إلى منتصف الطريق ثم وقفت أو تراجعت فإنها تحفر قبور أبنائها بأيديها.


في الإثنين 25 إبريل-نيسان 2011 08:54:06 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=10013