|
ما ارتكبته وترتكبه ما يسمى بقوات الحرس الجمهوري في اليمن من فظائع وجرائم في حق الإنسانية أمر يدعوا للتساؤل ألف مرة عن مدى وطنية قيادة هذا الجيش من عدمها، وعن مدى إيمان هذه القيادة بحق شعبها في الحياة الحرة والكريمة من عدمها .
إنّ الجرائم الإنسانية التي أقدمت عليها قوات الحرس الجمهوري، والتي كان من آخرها، ضرب وتدمير آبار الشرب، وممارسة أعمال القتل والإبادة الجماعية في أكثر من محافظة ومدينة، وضرب البيوت والمساكن الآمنة بالمدافع المحرمة دولياً، وقتل للمعتصمين العزّل بالمئات وحرقهم بالنار، وقطع الطرقات واعتقال للجرحى وتعذيبهم، واحتلال للمشافي والمصحات، وممارسة لشتى أنواع الفساد والإفساد، التي لا عهد للعرب بها، بل وتتنافى مع أدنى مقومات الفطرة البشرية، إنّ هذه الجرائم تدعونا لدراسة عوامل نشأة هذه القوات في اليمن، ومن أنشأها، وماذا يراد منها، رغم وجود جيش وأمن يمني، ووجود شعب مسلح، فما الحاجة لإنشاء ما يسمى ب \"الحرس الجمهوري والقوات الخاصة\" ولمن أُعد هذا الجيش المجهز بأضخم التقنيات والأسلحة في بلد فقير كاليمن!!.
ابتداءاً دعونا نتوخى السلامة في القول، ونخرج عن لغة التعميم فليس كل الحرس الجمهوري على هذه الشاكلة من حب للدماء وتشهٍ للفساد، ففيهم الكثير والكثير من الأحرار والشرفاء والأبرار، لم تستطع كل وسائل \"التربية الخاصة\" أن تطالهم، وظلت هذه الوحدات تحافظ على دينها ووطنيتها وإيمانها وكرامتها، وهم بحمد الله بالآلاف المؤلفة، ولهم مواقف بطولية نادرة سوف يسطِّرها التاريخ في بيض صفحاته، هذه الآلاف المباركة التي خرجت عن سيطرة الطاغية وأبنائه وأبناء أخيه جديرة بالشكر والتقدير وأن تُمنح نياشين وأوسمة البطولة والإباء والشمم، من الدرجة الأولى .
لكن يبقى التساؤل قائماً مَن أنشأ في الأصل هذه القوات ومن درّبها ورباها هذه التربية العسكرية الغريبة على تاريخ الأمة وحضارتها، حتى لكأننا نرى جيشاً من الغزاة والمستعمرين من التتر والمغول والصليبين، على نحو ما نراه يجري في العراق أو أفغانستان أو فلسطين أو الفلوجه، من حرق للحرث والنسل وقتل وإبادة بلا فرق بين صغير وكبير وطفل وشيخ، في صورة أخرى تتكرر بنفس الشكل والشاكلة في تعز وصنعاء والحديدة وأبين وغيرها من المدن اليمنية، بل ذات الصورة تتكرر في سوريا وليبيا، وكأن المصدر واحد في كل هذه البلدان.
ليس بخاف على أحد أنّ قادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة من أبناء الطاغية وأبناء أخيه لم يتخرجوا من الكلية الحربية أو كلية الشرطة أو غيرها من المعاهد العسكرية والأمنية في صنعاء، وإنما جاؤوا جنرالات قادمين من وراء \"البحار الدافئة\" ليجدوا أمامهم كراسي أُعدت وجهزت لهم سلفاً، ليجدوا أنفسهم في غمضة عين هم قادة هذه الألوية وهذه الوحدات العسكرية والأمنية، رغم حداثة أعمارهم وضعف خبراتهم، لينقلوا بالطبع إلى هذه الوحدات خبراتهم الخاصة ومعارفهم العسكرية، الغريبة على ثرى التراب الوطني، على النحو الذي تلقوه في هاتيك الجامعات التي تموّلها وتقوم عليها القوى والدوائر الاستعمارية الغربية، التي تعاهدت أن تقف بكل ما أوتيت من قوة ضد استقلال الشعوب وحرياتها.
ولذا فلا غرو ولا غرابة أنْ نجد الصورة واحدة سواء في بغداد أو البصرة أو صنعاء أو تعز، أو دمشق، أو طرابلس الغرب.. فالصورة تكاد تكون واحدة لأن المناهج متفقة، وهو ما يفسّر لنا حرص بعض الدول الغربية حالياً وضغطها الشديد والمستميت باتجاه تشكيل مجلس انتقالي يمني يكون ابن الطاغية أحمد أحد أعمدته وقادته، في محاولة بائسة للبحث عن دور استعماري واستبدادي جديد عن طريق التلميذ المخلص لأساتذته المسمى بأحمد علي.
أعود إلى ذاكرة التاريخ فاليمانيون جميعاً يذكرون أنه في يوم السبت 11 ربيـع الأول 1422 هـ 2يونيو 2001م تخرج في هذا العام أول دفعة من طلبة \"جامعة الإيمان\" والتي على ما فيها من قصور ، إلا أنّ هذه الجامعة ذات أصول وطنية ودينية، وغير تابعة للمشروع الغربي في المنطقة، في هذا اليوم الذي تخرج فيه طلاب الدفعة الأولى من جامعة الإيمان، تخرج في ذات اليوم الدفعة الأولى من القوات الخاصة!!وليس بخافٍ على أحد أعمى كان أو بصيرا، الربط بين هذين الحدثين، فالقوات الخاصة وما شاكلها من الحرس الجمهوري إنما أنشأت لتقمع كل فكر يشم منه روح الوطنية أو الأصالة، أو لا يساير مشروع العولمة، تنفيذاً لمخططات دولية استعمارية في السيطرة على العالم الإسلامي، بدعوى القضاء على ما يسمى بالإرهاب .
لقد أصيبت اليمن بمصيبة فادحة حين اتفق المستبد الداخلي المتمثل في الطاغية وأبنائه وأبناء إخوته مع أطماع المستعمر الخارجي، فحين شعر الطاغية أنّ كل المحاولات وكل الأساليب التي استخدمها لطمس هوية ووطنية الجيش اليمني لا تُجدي ولا تنفع، شرع في إنشاء جيش عائلي خاص مستقل عن قيادة الجيش اليمني، لتدمير هوية ومقومات وأسس الوطن اليمني، ولحماية ملك العائلة وسلطانها، وللأسف قام بعض قيادات هذا الجيش بدور الطابور الخامس، أو قل بدور فرق الموت، في اليمن ، كما هو مشاهد .
أيها السادة : ألا ما أقسى أبناء عمومتنا ومن شاكلهم حين رمونا بأشخاص وقيادات من أمثال أحمد علي عبد الله صالح، وعبده الجندي والبركاني وخالد وعمار، وياسر اليماني وعبد الحفيظ النهاري، ألا ما أشد قلوبهم وأقساها وأفظعها حين أرسلوا إلى شعب جائع مشرد يفتك به الفقر والجوع والعوز والتشرد والحرمان، أمثال هؤلاء بأشد الأسلحة فتكاً وتدميراً .
ألا ما أقساكم أيها الغرب حين جعلتم من بعثاتكم التعليمية وهباتكم وقروضكم ومساعداتكم وعطاياكم ومنحكم وقروضكم سموماً فتاكة تفتك بنا وبأجيالنا وبأوطاننا عبر طوابيركم السرية وقواتكم الخاصة، التي لم تظهر على الخريطة العربية والإسلامية إلا لتحقيق أهدافكم الاستعمارية، ولكن ثقوا أنّ هذه الأمة بجيوشها وقادتها وأحرارها قادرة بإذن الله أن تحقق النصر، لأنّها أمة محفوظة بحفظ الله منصورة بنصر الله، وأحسب أنه سيكون في مقدمة كتائب التحرر والاستقلال بإذن الله الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، ولا زال الأمل يحدونا في الله أن يوفق قائد الحرس الجمهوري وقائد القوات الخاصة والأمن المركزي تسليم السلطة إلى أخيهم نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام، الأستاذ/ عبد ربه منصور هادي، لطي صفحة سوداء من تاريخ اليمن الحديث. والله من وراء القصد .
في الإثنين 20 يونيو-حزيران 2011 03:50:15 م