أبعاد التواجد الأمريكي في اليمن ..
صالح السندي
صالح السندي

حينما لا يجد أعداء الوطن ذريعة للفشل السياسي خيرا من خلق مبررات وأعذار واهية تؤدي في نهاية المطاف الى التدخل الأجنبي والاستحواذ على ثروات الوطن , والإمعان في خنق الشعب وإذلاله اقتصاديا ومعيشيا , وتفعيل الأبواق المهملة بغية إيجاد مناخات مناسبة ومنافذ للفشل السياسي الذي وصلت اليه اليمن , من التمسك بخيارات القوة والعناد وفرض هيمنة الخارج كبديل أساسي , وبسط نفوذ التدخل الأجنبي لسرد الاملاءات في الساحة اليمنية , وخلال الفترة الماضية نشطت بقايا خلايا النظام النائمة لتسهيل مرور المارينز الأمريكي بعتاده العسكري , ولكن هذه المرة من بوابة العاصمة صنعاء عبر المطار الدولي ومن خلال صالة كبار الضيوف والتشريفات , والاستقبال في أرقى الفنادق في حي شيراتون المطل على السفارة الأمريكية وعين صنعاء المحاذية لنقم من الجهة الشرقية , وللمواقع العسكرية المطلة على مدينة ازال , لتضع صنعاء وقلب اليمن في يد النفوذ الأمريكي وبسط السيطره الخارجية الكاملة على مواقعه الحيوية والاستراتيجية .

وأخذت الصور المتنامية للتدخل الأمريكي منحا آخر مختلفا تماما عما كانت عليه سابقا , فمن التدخل السياسي والدبلوماسي الى التدرج والتدخل العسكري واختراق الأجواء الوطنية , وفرض الهيمنة الأمريكية والسيطرة الكاملة بصورة إشرافية و واقعية على البر والجو والبحر من خلال البوارج العسكرية الأمريكية المنتشرة في طول المياه الإقليمية والساحلية المحاذية للبحر الأحمر وبحر العرب وجزيرة سقطرى , هنا خلقت الفوضى السياسية اليمنية بيئة مناسبة ومرتعا خصبا للتواجد الأمريكي بكثره, ومثلت انتقاصا صارخا للسياسة اليمنية وانتهاكا قويا للسيادة الوطنية .

ان الزيارات المكوكية المعلنة والغير معلنة من صنعاء والى واشنطن خلال فترات زمنية قياسية و حرجة في المرحلة السياسية ألحاليه التي تمر بها المنطقة ككل , فمن زيارة نائب مستشار الأمن القومي ومساعد الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي جون برينان فبراير الماضي إبان الانتخابات الرئاسية , وحاليا زيارة السيد جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الادني , يضع صوره كليه ومتكاملة عن ماهية وطبيعة الزيارات والغرض منها , وما الغايات المراد تحقيقها مستقبلا, والتي أخذت في المجمل نكهة أمنية عسكريه أكثر من كونها سياسية .

  تسويق الفشل السياسي الداخلي للخارج بغرض جلب القوات الأمريكية والمارينز , والتدخل في تسيير الأمور العسكرية الحساسة والمفصلية في الدولة من الامن القومي وقوات مكافحة الإرهاب وتدريب الحرس الجمهوري والخاص , والإشراف المباشر على المواجهات المسلحة و العمليات العسكرية النوعية والعملية على ارض الواقع , بل وإصدار الاوامر والتعيينات حسب الرغبات الأمريكية الملُحة للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط , وانتاج سياسات جديدة تتماشي والرغبة الأمريكية لفرض الهيمنة والتدخل المباشر في الوضع السياسي اليمني يضع مسألة السيادة الوطنية على المحك , في غياب الوعي السياسي اليمني بكافة اشكاله الى مدى حساسية هذه القضية وتبعات السكوت عليها , وأصبح الحديث عنها – في نظر النظام - محرما , و مجرد الخوض فيها تعديا سافرا للأمور السياسية الداخلية للأمن القومي الوطني .

  تلك التصريحات المقتضبة لوزير الخارجية اليمني لم تأت من فراغ الرجل يحاول الإمساك على الزناد من بعد وتوجيه ضربه قوية لحكومة الوفاق ولجناح التمرد في المؤتمر وللقوى ألمطالبه بالتغيير لتقبل الآمر الواقع , وتلتها بفترة بسيطة تصريحات السفير الأمريكي عن مخاطر حكومة ’’الإخوان’’ والتحفظ على بعض الشخصيات القيادية العامة , وما يمثله وجود شخصيات محسوبة على القاعدة وداعمه لها ضمن التركيبة الجديدة لحكومة الوفاق من خطر حقيقي للأمن الدولي , وقوبلت هذه التصريحات بحملة شرسة ومنظمة من العصبة الدينية المحيطة بتلك القيادات الروحية دفاعا عن رموزها وأقطابها العلمية والحركية , وليس ببعيد يمكن استنتاج دلالات التدخل الأمريكي العسكري والسياسي :في اليمن

1-بذريعة تنامي خطر القاعدة في شبة الجزيرة العربيه واليمن.

2- حماية لمصالحها الاستثمارية والنفطية في اليمن وفرض سياساتها واملاءاتها في الشؤون الداخلية.

3-حماية لدولة اسرائيل وتشكل مع التوجه و المد السياسي الإسرائيلي الممتد الى جنوب افريقيا واريتريا وجنوب السودان مؤخرا , منطقة آمنة وحيوية ودفاعية لحماية اسرائيل .

4- حماية لمصالحها في الخليج من تبعات حرب غير معلنه ضد الجمهورية الإسلامية في حال توجيه ضربات جوية استباقية للمفاعلات النووية الإيرانية .

5-التحكم المباشر في خطر التوسع الافقي للربيع العربي من اليمن وسوريا الى الخليج والجزيرة العربية , خاصة مع بدء ظهور بوادر ربيع عربي خفي وغير معلن في دول الخليج العربي .

6- داخليا حماية النظام السابق من السقوط كليا , فلن تجد الولايات المتحدة طرفا مخلصا ومتعاونا أفضل من نظام الرئيس السابق في توفير التسهيلات المثمرة والفعالة , عبر الاستمرار في خطط مدروسة وبرامج معده سابقا وفق جداول زمنية محددة , كلفت الإدارة الأمريكية وعلى مدى سنوات في حربها الضروس ضد القاعدة الملايين من الدولارات لتأهيل الحرس الجمهوري وقوات مكافحة الارهاب وتوفير الدعم العسكري واللوجستي والبنية القوية لهذه القوات القابعة تحت إمرة النظام القديم , مما يعني التنازل وبسهولة عن هذه القيادات والخطط مزيدا من العناء والكلفه الباهظة الثمن للإدارة الأمريكية , وإعادة فرز ولاءات جديدة قد تفشل لاحقا في ظل حكومات شعبيه منتخبة وانتصار ثورات الربيع العربي .

تزامن اعلان وجود هذه القوات في قلب العاصمة صنعاء متماشيا مع فشل سياسات حكومة الوفاق في تلبية الرغبات الشعبية وإحكام السيطرة على القاعدة وتثبيت الأمن والاستقرار في مختلف مناطق الجمهورية , ومتزامنا مع موجة الغضب الشعبي المطالب بتنحي الرئيس السابق وافراد عائلته كليا ومحاكمته وإعادة هيكلة الجيش , وهذا مالاتريده الإدارة الأمريكية قبل فلول النظام السابق نفسة , وهذا ما بدا واضحا في تعامل الادارة الامريكية مع ملف اليمن وعلى مدى اكثر من عام من الثورة الشعبية , إذن خريف الانظمة العربية يحتضر في دول الربيع العربي ليبعث للحياة مجددا

في اليمن , وبصورتة القديمة متزينا هذه المرة بالحصانة والدعم الإقليمي والدولي , وستكون عودته أكثر قوة من ذي :قبل لعدة أسباب

1- فشل الحكومة الحالية في إحقاق مطالب التغيير وتحسين الأوضاع وادارة شؤون اليمن.

2-تزايد خطر القاعدة وانتشارها في طول اليمن وعرضها اكثر من ذي قبل .

3-قناعات سياسيه داخلية لدى الإدارة الأمريكية نفسها عبر نصائح موجهه وبرقيات عاجلة للنظام مفادها ان النظام الأسري الحاكم هو خير قائد ومنقذ للمرحلة الحالية .

:أبعاد ونتائج التدخل العسكري الأمريكي في اليمن يمكن حصرها في التالي

1- زيادة السخط الجماهيري والشعبي العام ضد التواجد الأمريكي والهيمنة الأمريكية في المنطقة .

2- فقدان حكومة الوفاق الوطني اية شرعية دستورية وطنية نتيجة الضعف والفشل في المحافظة على مكتسبات الوطن والذود عن كرامته وحدوده البرية والبحرية والجوية , وإيقاف التدخلات الأجنبية والنفوذ الأمريكي في اليمن

3-زيادة التأييد المطلق للقاعدة من قبل القبائل اليمنية المحتمية في لوآءها و مكوناتها القبلية , وتوفير الغطاء والحماية اللازمة لها .

4-في اسوأ الأحوال وزيادة تفاقم و حدة الاوضاع ستؤدي الى مظاهر مسلحة وربما مواجهات دامية مع العدو القادم , وضرب واستهداف المنشآت والمصالح الأمريكية , لما تتمتع به خصوصية المجتمع اليمني الحر من رفض هيمنة الآخر على اراضية والانتقاص من سيادته , وسيصور الامر وكأنه غزو واستعمار جديد .

امام العجز الحاصل لحكومة الوفاق في فرض سياسات جديدة ومنقذة اتجهت الى التدويل وطرق أبواب السفارة الأمريكية والسعودية , وطار الرئيس هادي الى المملكة ليضع ملف اليمن مجددا بين يدي المملكة بكافة مشاكلة وتعقيداته , وبحثا عن مخارج جديدة في ظل تضارب المصالح , والفشل في ادارة شؤون اليمن بذريعة تواجد الرئيس السابق وأفراد أسرته في اليمن , اذن مما سبق لم يعد هناك خيار أمام حكومة الوفاق الا الاتجاه الى التدويل والتصعيد معا, التدويل سياسيا والتصعيد ثوريا , التدويل عبر تسويق الملف اليمني للخارج والجوار , و إلقاء لائمة الفشل وعدم القدرة على التحكم في إدارة البلاد بسبب تواجد الرئيس السابق , والتصعيد عبر الثورة الشعبية وحشد الانصار وإحياء روح الثورة التي ماتت في دهاليز السياسة وخلف رحى المؤامرات , إذن مازالت أحزاب اللقاء المشترك تلعب أللعبه القديمة ذاتها في استخدام الورقة الشبابية وتحسن استغلالها لفرض رؤى وتغييرات جديدة ومنشودة , السفير الأمريكي هو الآخر أتقن لعب دور حامي حمي الأمن والسلم العالمي بتدخلاته المستمرة في السياسة اليمنية , وتوجيهها حسب المصلحة الأمريكية الخليجية , ويبقى اليمن حاليا هو الخاسر الأكبر منزوع السيادة والقرار , حتى إشعار آخر وربما ثورة أخرى ..


في الثلاثاء 27 مارس - آذار 2012 09:09:14 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=14807