كي نبني اليمن العمل ثم العمل
عبدالله الهتاري
عبدالله الهتاري

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، أَمَرَ عبادَهُ بالسعْيِ فِي الأرضِ طلبًا للرزقِ فقالَ تعالَى هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النشور

إلى كل من يحب بناء اليمن إلى كل من يريد أن يكون لبنة في بناء بلده إلى السواعد العاملة إلى المخلصين الصادقين من جميع فئات أبناء هذ الشعب أدعوكم إلى العمل ثم العمل

فالعمل هو أساس نهضتنا وسر قوتنا وتقدمنا العمل عزة وكرامة وشرف عظيم، العمل والاجتهاد واحدة من أهم وأعظم القيم التي قامت عليها الشعوب فالدول المتقدمة لم تصل إلى هذا المستوى من التقدم في العلوم والفضاء والتقنية إلا بجدية أبنائها في العمل، فلن ترتقي أمةٌ يميل أبناؤها إلى الدعة والراحة والسكون،و أي قوة ترجى في أقوام ليس عندهم مما عملت أيديهم إنها طفولة صارخة تجعل غيرهم يمن عليهم بالطعام وبالكساء ويحسن إليهم بالعلاج وبالدواء

إنَّ نظرةَ الإسلامِ للعملِ نظرةُ إجلالٍ وتكريمٍ ولقد اهتمَّ الإسلامُ بالعملِ اهتمامًا بالغًا وجعلَهُ مِنَ الواجباتِ ورتَّبَ عليهِ الأجرَ العظيمَ والثوابَ العميمَ فالإنسان خليفة الله في أرضه هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فأنت مأمور بعمارتها بالعبادة ومفطور على عمارتها من النواحي المادية والعملية المختلفة

إن الإسلام يريد لأهله أن يكونوا أغنياءَ أقوياء لا مهازيل ضعفاء عالةً على الناس وما أسعد الرجل المسلم حين يعتدل أمامَه طريقُ الحياة فيعمل بعرق جبينه فيزكيه هذا العرق ويطهرهٌ من الذلة والذنب ومن العجز والكسل ولقد أراد هذا الدين لحملته أن يكونوا أصحاب يد شريفة عليا تعطي ولا تستجدي وتصنع وتزرع ولا تتسول

أخي القارئ ورد ذكر العمل واشتقاقاته في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة

ففي القرآن الكريم حديث عن صناعة الرماح والبيوت والفلك والصيد البحري والبري والمحاريب والدروع وعرائش النخل والأعناب وبناء المدن والسدود المائية والتحصينية والأثاث وغيرها.وفي القران حديث عن معادن الذهب والفضة والحديد والنحاس وعن مشتقاتها وخلائطها بل إن القرآن الكريم تحدث عن الخياطة والحدادة والبناء والنجارة والغزل والفلاحة والصباغة وفيه إشارات عن صناعات البحار والفضاء والصناعات الفنية المشروعة والممنوعة. فالقرآن الكريم مليء بالحديث عن العمل وفي هذا حضٌّ وترغيب لكل شاب أن يعمل ولكل عجوز أن يعمل ولكل مسلم أن يعمل

إن أنبياء الله ورسله عليهم السلام هم أشرف الخلق كانوا يعملون ويجدون سعيًا في تحصيل الرزق قال تعالى وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وفي الحديث عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ؟ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ

فهؤلاء هم أقطاب النبوة وأولوا العزم من الرسل وقد شرفوا باحتراف مهنة يعيشون على كسبها ويستغنون بها عن سؤال الناس

القارئ الكريم هل سمعت أن أبى بكر لما تولي الخلافة رضي الله عنه ماذا فعل هذا الإمام المقدم العظيم الذي يفاخر به المسلمون عبر التاريخ لما استخلف أصبح غادياً إلى السوق وعلى رأسه أثواباً يتاجر بها كالعادة حمل الأثواب والبضائع وغدا إلى السوق يبيع ويشتري فلقيه في الطريق عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما فقالا له كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه فمن أين أطعم عيالي قالا له نفرض لك و تستغني به عن التجارة.

وإليك هذه الوصية الذهبية التي تدل على أهمية ومكانة العمل فلقد أوصَى قَيس بنُ عَاصم أبناءَهُ عِندَ وَفَاتِهِ فَقَالَ عَليكُمْ بِالمالِ وَاصْطِنَاعِهِ فَإنَّهُ مَنْبَهَةُ الكَرِيمِ ويُسْتَغْنَى بِهِ عَن اللَّئيمِ وَرُويَ عَنْ لُقمانَ أنَّهُ قَالَ لابنِهِ يَا بُنَيَّ اسْتَغنِ بِالكسْبِ الحَلالِ فَإنَّهُ مَا افْتقرَ أحدٌ إلاَّ أصابَتهُ إحدى ثلاث خِصَال رقَةٌ في دينِهِ أو ضَعْفٌ في عقلِهِ أَو وَهَاءٌ في مَرُوءته وَأَعْظَم مِنْ هذا اسْتِخْفَافُ النَّاسِ بِه.

فالعمل يحقق للإنسان ذاته ويكسبه احترام الآخرين ويشغل الفراغ ويحمي النفس من أمراض البطالة والكسل

إن أمتنا اليوم وللأسف قد أصابها التأخر والجمود والهوان بسب تلك النفوس المغلقة والحواس المعطلة فالتاجر حين يخرج إلى السوق وهو خامل مستكين والفلاح حين يذهب إلى حقله وهو متثاقل مجهود والعامل وهو يعالج حرفته ضائق منكمش والموظف وهو يجلس على مكتبه وهو مهدود مهزوم والطالب عندما يدلف إلى مدرسته أ وجامعته وهو مكره حزين عند ذلك لا تترقب منهم إنتاجا نافعا ولا عملا مرضيآ

إن أقواما عاجزين عن استخراج بركات الله من أرض الله لا تقوم بهم رسالة وإن أمما عاجزة عن تجنيد مواهب أبنائها في أنواع الأعمال والصنائع من أجل إعزاز كلمة الله وبناء بلدانهم أمم على غير جادة الصواب تسير

العمل الشريف والسعي العفيف لطلب الرزق وفق ما أمر الله تعالى به وسنه رسوله لا يقتصر على عمل دون آخر فكل ما تحتاجه الأمة فهو في محل الإجلال وموضع الاحترام في الإسلام ويدخل في ذلك الأعمال الفكرية والذهنية أو اليدوية

أَيِّها العُمِّالُ أَفنوا الـ ـعُمرَ كَدًّا وَاكتِسابا

إِنِّ لي نُصحًا إِلَيكُمْ إِن أَذِنتُم وَعِتابا

أَينَ أَنتُم مِن جُدودٍ خَلَّدوا هَذا التُرابا

أَيِّها الغادونَ كالنَّحـ ـلِ ارتِيادًا و طلابا

في بُكورِ الطَيرِ لِلرِز قِ مَجيئًا وَذَهابا

اطلُبوا الحَقَّ بِرِفقٍ وَاجعَلوا الواجِبَ دابا

وَاستَقيموا يَفتَحِ اللَـ ـهُ لَكُم بابًا فَبابا

يمتاز اليمانيون بالحيوية والنشاط والحركة والعمل فهم يجوبون الآفاق وينقبون في مختلف البلاد بحثا عن عيش كريم أو سعيا لمجد تليد أو إسهاما في عمل عظيم فهم إمداد للحق ومدد لأهله بذا وُصِفوا وبه عُرِفُوا وهذه المعاني لا تنبثق إلا من نفوس أبيات تهوى العمل وتحب معالي الأمور وتكره التخاذل وتأبي الهوان والكسل إن اليمانيين ومنذ القدم بواسطتهم في تجارتهم انتشر الخير والإسلام في القرن الإفريقي وجنوب شرق آسيا وغيرها وفي مجال البطولة والجهاد والفتوحات كان لهم شرف السبق والإسهام

هذ الشعب يحتاج إلى حكومة جادة وقوية تخطط وتوجه وترشد وتفتح آفاق الكسب والعمل وتدفع بالمواطنين دفعا إلى العمل والإبداع والإنتاج

فإن كان العمل في الإسلام واجباً على الفرد , فمن واجب الدولة أن توفر فرص العمل لكل من يرغب فيه.وإن كان الإتقان واجباً على الفرد , فواجب الدولة التوزيع العادل للدخل والثروة .وإن كان العمل هو الدعامة الأساسية للإنتاج , فواجب الدولة تنمية الموارد البشرية التي ترفع قيمة العمل وترعاه .وإن كان العامل هو الثروة الحقيقية , فواجب الدولة رفع الظلم عن الكادحين ورفع الأجور وتكافؤ الفرص والعناية الصحية .وإن كان العامل ينتسب إلى الطبقة الكادحة , فمن واجب الدولة توفير الأمان الغذائي له ولأفراد أسرته

إن هذا الشعب حرم طوال الفترة السابقة من دولة تعلي من شأن العمل وتعطي للعاملين حقوقهم فنتمنى ممن وكل إليهم قيادة البلد في الفترة الحالية أن يعلموا أن هذا البلد بحاجة إلى الاهتمام بالعمل وبالعاملين

فبلادنا تحتاج إلى الوظائف القيادية والمهن الجماهيرية والحرف العادية تحتاج إلى التدريس والوعظ والطب والهندسة والإدارة والتجارة والنجارة والحدادة تحتاج إلى القضاء والمحاماة تحتاج إلى الجنود والحماة إلى الأعمال الحكومية والقطاع الخاص فالعمل العمل وبالعمل نستطيع أن نغير من واقعنا وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وأي أمة لا تعمل لا تستحق البقاء وأي فرد لا يعمل لاستحق البقاء وأي دولة لا تعمل لا تستحق البقاء

اللهم اجعلنا محبين للعمل اللهم حقق أمل الكادحين في حياة كريمة هانئة اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


في الجمعة 18 مايو 2012 07:44:30 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=15600