الدبلوماسية الغائبة في عصر العولمة
د. محمد معافى المهدلي
د. محمد معافى المهدلي

مأرب برس - خاص

  ليس هناك حاجة في التعريف بمصطلح "الدبلوماسية" ، فهي من المعاني الشائعة المتداولة لدى الصغير والكبير، ومع تداولها وشيوعها الكبيرين ، في أوساطنا ، إلا أنها من المعاني الغائبة في واقعنا الإسلامي وحضورنا بين الأمم ، ولعلّ من أسباب غيبوبتها ضعفنا وتفرقنا وتمزقنا وذهاب ريحنا بين أمم وشعوب العالم ، الذي من أسبابه أيضاً استهلاك الصراعات الداخلية فيما بيننا ، لكل قوانا وإمكانياتنا ، شعوباً وحكومات ، وجماعات وأحزابا ، وفئات وطوائف ، وعلماء وعامة ، وساسة ومثقفين ، وشيوع عوامل الهدم التي تنخر فينا أكثر من عوامل البناء ، التي في بعض الأحيان نجد أنفسنا معها وجها لوجه في صراع ومقاومة .

أعني في هذا المقام بالدبلوماسية الغائبة ، تلك الدبلوماسية الإسلامية ، التي يحتاجها عالمنا المعذب والبائس ، حاجته للماء والهواء ، بعد أن ذاق الأمرّين من قوى الهيمنة والاستكبار الدولي ، هذه الدبلوماسية الغائبة واقعاً ، الموجودة فكراً وثقافة ومنهجاً في وجدان أكثر من مليار ونصف المليار مسلم ، إلا أن عجزاً وضعفاً وخوراً إسلامياً حال دون وصولها إلى عالم النور ، وبات أمراً طبيعياً لا يستنكفه أحد أن يُغيّب أكثر من مليار ونصف المليار مسلم عن مصدر القرار في الأمم المتحدة ، لا يمثل هذه المئات الملايين من البشر عضو واحد في الأعضاء الدائمين للأمم المتحدة ، فيما دولة فرنسا ذات أل 65 مليون نسمة ، أو بريطانيا ذات ال60 مليون نسمة عضو دائم في هيئة الأمم المتحدة ، ولا إشكال في الأمر !!.

  رغم أن منطقتنا الإسلامية هي أغنى مناطق العالم ثروة وذهباً ومعادناً ومضايق مائية ، وشعوبنا الإسلامية أيضاً هي أغنى شعوب العالم قيماً وأخلاقاً وعلماً وحضارة وفكراً وتراثاً وإنسانية ، فلم إذن تغيب أو تُغيّب شعوبنا وأممنا عن مصادر القرار الدولي؟! ، ليس فقط في هيئة الأمم المتحدة ومجالسها المتعددة بل في كثير من المنظمات الدولية ، حتى في بعض المنظمات الخدمية والإغاثية ، فأين إذن وزراء خارجيات دولنا الإسلامية البالغ عددها أكثر من 55 دولة إسلامية ، الذين لم يكلفوا أنفسهم حتى التقدم بطلب جماعي بالانضمام إلى الدول الست الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي؟ !!.

إن هيئة الأمم المتحدة ملزمة حسب لوائحها بالنظر في أي طلب يتقدم به أي عضو من أعضائها ، فكيف لو تقدمت 55 دولة ، بثقلها السياسي والسكاني والاقتصادي والحضاري !!.

إن رفضا مثل هذا بالتأكيد فضحية عالمية وخزي تاريخي بين أمم المعمورة ، وإفلاس على إفلاس ، لا يتصور أن يقع من الغرب الذي يزعم الحضارة والمدنية والحرية وحقوق الإنسان ، أو كما يتصوره البعض!!، وإن كان وقوعه يعد أمراً ممكناً ووارداً ، لا سيما في ظل الدولة المارقة ، وفي ظل نظام الفيتو الأمريكي الذي دوما ، يقف ضد أمتنا وإرادتها ومصالحها وحريتها وكرامتها .

إن عدم وجود ولو حتى عضوا - كيفما كان هذا العضو – إسلاميا في هيئة الأمم المتحدة لدليل قاطع وجازم على النظرية العنصرية المتأصلة ، نظرية الدم الأزرق القاني في فكر الشخصية الغربية النازية والفاشية ، ودليل أيضاً على غياب دبلوماسيتنا الإسلامية وغياب قرارانا السياسي ، ودليل على غيبوبة الإرادة الإسلامية والعربية ابتداءاً وانتهاءاً .

  ولذا من الأفضل أن نسرّح جميع وزراء خارجياتنا وملاحقها وموظفيها ، وممثلينا في المحافل الدولية ، لنخفف عن كواهل شعوبنا الفقيرة رواتبهم الضخمة والفخمة والكبيرة ، ولنخفف ولو قليلا من أوزانهم وكروشهم التي أثقلتهم ، بسبب البطالة ، إنّ ادخار تلك الأموال الباهضة التي تنفق عليهم بالتأكيد سيحل كثيراً من مشكلاتنا الاقتصادية ، حيث لا جدوى من وجودهم في هذه المحافل ، مالم ينتقلوا من ضمير الغائب إلى ضمير الحاضر وإلى ضمير المتكلم ، وهو الأمر المستبعد حالياً أكدته كل قرارات الأمم المتحدة ، وقرارات مجلس الخوف الدولي ، ومحكمة العدل الدولية ، وغيرها من المنظمات العالمية .

نعترف أن هناك صلفاً أمريكياً ، وتواطؤاً غربياً لا سيما من دول محور الشر فيها ، إلا أننا يجب أن نسأل أنفسنا وما دورنا نحن إزاء هذا ؟ ! .

إن أقل القليل إزاء الدبلوماسية الإسلامية ألا تضفي شرعية لهذه القرارات الجائرة في حق أمتنا بمشاركتها في هذه المنظمات والهيئات الدولية .

إننا نتطلع إلى دبلوماسية إسلامية فاعلة في المحافل الدولية ، وللأسف أجدني مضطراً هنا لمقارنة بائسة بين السياسية اليهودية والسياسة الإسلامية ، حيث الدبلوماسية اليهودية التي استحوذت على مصادر القرار الدولي ووجهته لصالحها ، وجيّشت الغرب كله لقضيتها غير العادلة ، وهي الدولة المنبوذة عالمياً ، المستقذرة فكراً وديناً محرفا وخلقا ، فيم أمة المليار فرضت - أو فُرض عليها – عزلة حتى عن معالجة قضاياها ومشكلاتها في حرية وسلام ، وإن كان ثمة أسباباً قذرة خادعة استخدمها اليهود في تجييش الحُمُر الأهلية في السياسة الأمريكية والبريطانية ، ليس هذا مكان تفصيله وبيانه ، إلا أن هناك قدرة فائقة حققها اليهود على الصعيد الدبلوماسي وعلى صعيد العلاقات الدولية ، في الوقت الذي أخفقت فيه سياستنا الإسلامية والعربية ، رغم بوادر الأمل واليقظة فيها .

هذه الغيبوبة التي تعانيها الدبلوماسية الإسلامية على الصعيد الخارجي ، نجدها حاضرة فاعلة على الصعيد الداخلي ، لكن بصورة عكسية ، سلبية لا إيجابية ، وكما قيل :

أسَدٌ عليَّ وفي الحروبِ نَعامةٌ ... ربداءُ تَجْفَلُ من صَفير الصافر هلاّ بَرزتَ إلى غَزالة في الوغَى ... بل كان قَلبك في جَناحَيْ طَائرِ

فهي دبلوماسية تزرع الشقاق بين أبناء الأمة وتفرقها وتمزقها شر ممزق ، وتقوم باستعداء خصوم الأمة عليها، عبر الاتهامات التي تلقيها بعض الأنظمة على مجموع الأمة وسوادها الأعظم ، في غباء مقيت ، أو خبث ماكر حقير مستخبث ، فحين تنفث وسائل إعلامنا في روع كل مشاهد للفضائيات أن الإسلاميين إرهابيون ..، هكذا جزافاً ، أو كما تفعل بعض الزعامات العربية ، التي تتقرب إلى الغرب بالتضحية بشعوبها وأوطانها بوصمهم إرهابيون ألا يعد هذا استعداءً لقوى الهيمنة والاستكبار العالمية للنيل من شعوبنا وسيادتنا الوطنية ؟! وكأن الإسلاميين هم عبارة عن بعض أشخاص أو بعض عصابات المافيا!! ، حتى المافيا لم نسمع أن إيطاليا استعدت عدواً خارجيا عليهم ، رغم خطرهم الكبير على أمن دولة إيطاليا ، فيما الإسلاميون وحسب المصادر الرسمية يبلغون الملايين ، وباعتراف هذه الأنظمة الاستبدادية نفسها .

  ففي اليمن يشكل الإسلاميون أكثر من مليون ونصف المليون تقريباً ، كما أعلن رسميا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، (مليون و173الفا و25 صوتا أي نسبة 21.82% حسب الإعلان المبكر للجنة العليا للانتخابات) وفي أرض الكنانة مصر عددهم بالملايين ،(كما أظهر ذلك الاستفتاء على التعديلات الدستورية) ولهم ممثلون في مجلس الشعب المصري ، يتجاوز أل 88 مقعدا ، رغم عمليات التزوير المنظمة والمكشوفة وعلى أوسع نطاق ، مع كل هذا إلا أن الدبلوماسية العربية الماكرة بأوطانها ومواطنيها ، تلقي التهم على شعوبها جزافا ، وبلا كيل ولا وزن .

أخيراً ما أحوجنا شعوباً وأنظمة ومنظمات للتصالح مع أنفسنا وذواتنا ، وأن نعلم يقيناً أن العدو الخارجي لا يهمه إلا مصلحة نفسه ، وهو قادر أن يضحي بكل أحد ، مهما بلغت صداقته ، ومودته ومحبته ، كما النماذج الشاهدة ، والدلائل الواضحة التي بين أيدينا ، مما لا داعي لنكأ جراحها من جديد .

إن هناك كثيراً من التناقضات العالمية والصراعات الدولية في عالم المصالح ، ودنيا السياسة ، يمكن أن يستثمرها الدبلوماسي المسلم أعظم وأحسن استثمار لنصرة دينه وأمته وقضاياها ، وإن الله تعالى من عدله الكامل لم يخلق في هذه الدنيا شراً محضاً ولا خيراً محضاً ، ولا قوة متفردة أحادية على ظهر البسيطة ، بل جعل الحياة مبنية على نواميس وقوانين التدافع والمغالبة ، والمسلم يجب عليه أن يتعرف على هذه النواميس الكونية ليسخرها في خدمة الحق والعدالة والمساواة في دنيا البشرية .

  إنّ الأمة كل الأمة تنتظر من ساستها أن يحملوا إلى العالم حضارتها وفكرها وثقافتها وتراثها ، وتنتظر من ساستها أن يعبروا عن قضاياها ومشكلاتها وآلامها وآمالها وتطلعاتها أصدق تعبير، وأن يحملوا مشكلاتها بصدق وأمانة وإخلاص إلى أمم الأرض الحرة ، ومنظماتها العادلة ، وقبل ذلك تنتظر شعوبنا وأممنا الإسلامية أن تنتقل دبلوماسيتنا من عالم الغيب إلى عالم الشهادة .

 والله تعالى من وراء القصد ،،،

Moafa12@hotmail.com


في الإثنين 16 إبريل-نيسان 2007 12:03:21 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=1569