أزمة ثقة في بلادي...
ندى العبسي
ندى العبسي

الحكم الطبيعي والمفترض للبلدان هو أن يكون لها هدف واضح ودستور متفق عليه تحكم به البلاد ويسير وفقه كل أطياف البلاد من حكام ومحكومين لإيصال البلاد إلى ما يحلم به كل من ينتمي لهذه البلاد .. وفقاً لهذه النظرية فإنه لا يهم من يرشح نفسه لمركز رئيس البلاد ولا أي حزب سيكون له اليد العليا فالجميع يسيرون ضمن منظومة ممنهجة وإستراتيجية مقبولة لدى الجميع فمصلحة البلاد هي التي تحدد إستراتيجيتها وليس كل من أتى رسم لها إستراتيجية على هواه. هنا يكون دور الترشح لمنصب رئيس الجمهورية مفتوح وجميع المرشحين مقبولين بغض النظر عن الحزب الذي ينتمون إليه وبغض النظر أيضاً عن المكان الذي جاءوا منه مادام أنه داخل دائرة البلاد لأنهم جميعاً متفقون على نفس الاتفاق.

عندما يعطى للرئيس الصفة الحقيقية التي تتماشى مع مهنته التي ترشح لأجلها (خادم الوطن والشعب) حينها لن يختلف الشعب كثيراً ولن يتحيروا في من يختاروه رئيساً لهم.. وعندما يعلم هذا الرئيس أن شرائح الشعب كلها مثبتة أنظارها عليه وعلى تحركاته.. عندما يعلم خادم الشعب والوطن جيداً أن هناك سلطة فوق سلطته وتشريع أقوى من تشريع رئاسته.. عندما يعلم جيداً أنه أيضاً تجري عليه سنة الثواب والعقاب وأن هناك من يستطيع تقييمه ومحاسبته.. عندها لن يكون هناك قلق حول من نختاره رئيساً لبلادنا.

لقد مرت بلادي اليمن بأزمة خانقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. أزمة خوف واستبداد.. أزمة سلطة الرئيس فوق سلطة الدستور والقضاء.. أزمة مصالح حزبية فوق الجميع.. باختصار أزمة ثقة خانقة .. بالله عليكم كيف لشعب ذاق كل هذا أن يأتمن على حقوقه!! كيف للشعب اليمني أن يأتمن على بلاده في يد رئيس بعد كل ما حدث معه.. إن الأزمة التي مرننا بها من سلطة الرئيس المتحزب السلطوي قد رسمت خيوطها السوداء في عقل الشعب الباطن حتى بات لا يحس بالأمان بل ولا يصدق أن هناك حقاً رجل مؤتمن في اليمن... أعلم أن هناك الكثيرون الذين بيدهم إمساك زمام الأمور والمضي باليمن قدماً نحو الازدهار ولكن أرجوكم تفهموا .. عقلنا الباطن أقوى من ذاك الواعي... عقلنا الباطن مليء بالذكريات السوداء بل والمحطمة.. بل وإن جيلنا جيل الشباب لم يسمع عن العدل إلا في روايات الجدات وليس في الواقع الذي عاشه طيلة عمره.

الإصلاحي لا يأتمن إلا رجل من حزبه ومستحيل أن يختار اشتراكي, الاشتراكي لن يختار ناصري, المؤتمري لا يرى الحق إلا في حزبه وغيره لا يؤتمن.. يرى البعض في الدكتور ياسين سعيد نعمان الخير الكثير ولكن عندما تسألهم هل ستختارونه يقولون \"لو لم يكن اشتراكي\".. ثم يعودون يقولون إن الأستاذ محمد اليدومي رجل يستطيع أن يتحمل المسؤولية ولكن \"لو لم يكن إصلاحي\".. يقول الشمالي لا نريد إلا واحداً منا كي لا يهدم المركزية التي فيها مصلحة البلاد .. ويقول الجنوبي بل حان وقت حكم الجنوبيين لنرى هل ستفيدنا الفيدرالية.. بتنا ندور في متاهة المسميات وتناسينا جميعاً أن مصلحة الوطن واحدة وأن علينا جميعاً أن ندفع بسفينة الوطن نحو وجة واحدة وبدفة واحدة وإلا لغرقنا كلنا..

بات مبدأ الوساطة والمحسوبية منتشراً في كل مكان في بلادي حتى سلب منا الثقة تماماً أن هناك رجل كفء يريد فعلاً مصلحة الوطن.. يقولون إن اخترنا إصلاحي فتأكد أنه سيضع قدم حزبه في البلاد والحكومة ولن يقبل رجل من حزب آخر حتى لو كان ذو كفاءة ولن يكون هناك أمل مجدداً (( للتوصيف الوظيفي)) بل إني أرى بعض الشباب يقطعون بطائق عضوية في حزب الإصلاح ظناً منهم أنه هو من سيسود في البلاد مستقبلاً.. وهكذا على الاشتراكي والمؤتمري وغيرهم . . إن ثقافة الفساد التي خلفها لنا النظام السابق يبدو أنها لن تتركنا إلا بعد أن نوجه أصابع الاتهام للكبير والصغير في هذا الوطن.. وكأن الثورة لم تعلمنا أن لا مجال للفساد وأن الشعب قد كسر حاجز الخوف.

بالرغم من عدائنا للمصالح الأمريكية ولسياساتها وتدخلاتها السافرة في اليمن بل والشرق الأوسط ككل, ولكني أنظر إلى سياساتهم الداخلية بعين الإعجاب والاحترام.. أن يتجرأ رجل أسود لترشيح نفسه لأكبر منصب ألا وهو منصب رئيس الدولة الأمريكية البلد الذي يعاني من عنصرية لا تطاق رغم كل ادعاءاتهم أن لا عنصرية لديهم... أن ينظروا إلى ما يريد تحقيقه هذا الرجل الكيني الأسود والطامح لإصلاحات اقتصادية وسياسية بعين الأمل ويسيروا معه وينتخبوه ليس مرة ولكن مرتين.. إن هذا لأمر يثير الإعجاب حقاً ...

يقال في علم النفس أنه إذا أصيب الإنسان بفوبيا معينة فعليه أن يعيد برمجة نفسه وأن يقارب الخوف لأنه لن يتخلص منها إلا بمواجهة مخاوفه. أما آن لنا أن نكسر فوبيا الوساوس السياسية وأن نزيل العبارة التي علمنا إياها النظام السابق \"كلهم سرق وإذا اخترنا رئيس غيره بيجي وهو جاوع أكثر\" !!!!

هل حقاً سنصل إلى مرحلة نختار فيها رئيساً للبلاد دون النظر المتمعن والمتفحص والمشكك لحزبه أو لفكره !!! ونكتفي أنه مسلم يمني يحمل هم الوطن!!!

معذرة كل الرجال الأكفاء.. معذرة كل الأحزاب التي لديها مشاريع لبناء الوطن بصدق.. معذرة للجميع... ولكن شعبي خائف وله الحق في هذا فهل منكم من يقدر هذا الخوف!!! هل منكم من يعيد بناء ثقتنا بوطننا وبمن فيها بل وبأنفسنا.. معذرة إنها أزمة ثقة .. وهكذا أزمات لا ينصلح حالها حتى ترى بصيص الأمل مجدداً .. نعم سنخوض غمار الموت المتمثل بالانتخابات الرئاسية القادمة وكأننا نخوض قدر مجهول فيه من الصور المحزنة الكثير في مخيلاتنا .... لك الله يا يمني الحبيب


في الأربعاء 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 11:10:16 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=18104