جيش التنين
الشرق الأوسط
الشرق الأوسط

بدأ مشواره كقوات حرب عصابات، وبعد 80 عاما صار أكبر قوة في العالم. ويبلغ تعداد جيش التحرير الشعبي الصيني، الذي احتفل مطلع الشهر الجاري بذكرى تأسيسه الثمانين 2.3 مليون مع 800 ألف من قوات الاحتياط. كما تشكل قوات الشرطة المسلحة شبه العسكرية وحرس الحدود والأمن الداخلي 1.5 مليون فرد. ومن جيش فلاحين فقراء عندما تأسس يصبح، الآن، واحدا من أكثر قوات العالم المسلحة تقدما، حيث لديه اسلحة نووية وامكانية تمتد الى الوصول الى الفضاء. ويستمر الانفاق على الدفاع في جيش التحرير الشعبي في التضخم اذ ارتفع بنسبة 17.8 في المائة العام الحالي، ليصل الى 351 مليار يوان (46 مليار دولار). وذلك مماثل لليابان وروسيا وبريطانيا، ولكن اقل بمقدار العشر من تكاليف الجيش الأميركي. ويعتقد محللون ان مستوى الانفاق الحقيقي هو أعلى بمرتين الى ثلاث مر ات من هذا الرقم المنشور.

وفي الذكرى السنوية الحالية شوهد أفراد جيش التحرير الشعبي في بدلات جديدة، بدل البدلات القديمة الفضفاضة، بعد 20 عاما من المعارض الباذخة للسلاح والمعدات العسكرية التي فتحت للجمهور، وهو مستوى من الشفافية غير مألوف بالنسبة لقوة ظلت تلتزم السرية لفترة طويلة. وفي علامة أخرى، في العام الحالي، على تلك الشفافية سمح لوسائل الاعلام بالقيام بزيارة نادرة الى قاعدة للوحدة 196 في جيش التحرير الشعبي، وهي واقعة على حدود بكين في مدينة تيانجين المجاورة.

وعرض فيلم وثائقي في محطة بي بي سي العالمية الشهر الجاري، مقدما نظرة نادرة الى اكبر جيش على الأرض. واظهر شريط الفيديو أفراد اللواء 196 وهم يأكلون البيض مع الطماطم، ولحم البقر مع الفطر والرز والموز على منضدة معدنية. وكشف الجنود انه يجري ايقاظهم في الساعة السادسة صباحا في الصيف، وانهم يحصلون على 200 يوان (13 دولار) شهريا للجنود العاديين. كما يسمى اكبر جيش في العالم بالجيش الأحمر، ويستمر على ان يكون اكثر من مجرد قوة قتالية، فهو قوة سياسية ايضا يدين بالولاء للحزب الشيوعي الصيني. وفي خلاصة للمبادئ المرشدة لجيش التحرير الشعبي تأتي طاعة الحزب قبل الدفاع عن الوطن الأم. وورد فيها ان «اتباع أوامر قيادة الحزب الشيوعي الصيني هو المطلب السياسي الأساسي، الذي وضعه الحزب والشعب الصيني على عاتق جيش التحرير الشعبي، وهو المبدأ الذي لا غنى عنه بالنسبة لجيش التحرير الشعبي».

ويعود تأسيس جيش التحرير الشعبي الى عام 1927 عندما تأسس باعتباره الذراع العسكرية للحزب الشيوعي الصيني، وسمي الجيش الأحمر حتى يونيو (حزيران) 1946. وفي الأول من أغسطس (اب) 1927 قامت القوات المسلحة بانتفاضة في مدينة نانتشانغ عاصمة محافظة جيانغسي الواقعة شرق الصين. وهو ما اشار الى ميلاد القوات المسلحة للحزب الشيوعي الصيني، وسجل باعتباره حدثا عظيما في التاريخ الثوري للصين. ويجري تذكر هذا اليوم، في الوقت الحالي، باعتباره يوم تأسيس جيش التحرير الشعبي.

وبين عامي 1934 و1935 نجا الجيش الأحمر من عدد من الحملات التي شنت ضده، من جاني تشيانغ كاي تشيك، وشارك في مسيرة كبرى. وخلال الحرب الصينية اليابانية الثانية، التي امتدت من عام 1937 حتى عام 1945 اندمجت القوات المسلحة الشيوعية اسميا في الجيش الثوري الوطني لجمهورية الصين، لتشكل وحدات جيش الطريق الثامن والجيش الرابع الجديد. وخلال هذا الوقت استخدمت هاتان المجموعتان تكتيكات حرب العصابات أساسا، ولكنها خاضت ايضا عددا من المعارك التقليدية مع اليابانيين والكومنتانغ.

وبعد انتهاء الحرب الصينية اليابانية دمج الحزب الشيوعي الصيني المجموعتين وأعاد تسمية القوة الكبيرة التي يشترك فيها الملايين باسم جيش التحرير الشعبي واحرز النصر في الحرب الأهلية الصينية في خاتمة المطاف.

وخلال سنوات الخمسينات تحول جيش التحرير الشعبي بمساعدة سوفياتية من جيش للفلاحين الى جيش حديث. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1950 تدخل جيش التحرير الشعبي في الحرب الكورية واستولى على سيئول، ولكنه ابعد عنها في وقت لاحق. وانتهت الحرب عام 1953، غير انها اعتبرت نصرا من جانب الشعب الصيني، ذلك ان هذه هي المرة الأولى التي هزموا فيها قوة عالمية رئيسية خلال ما يقرب من 200 عام. وفي عام 1962 خاض جيش التحرير الشعبي قتالا ضد الهند في الحرب الصينية الهندية التي انتهت بانتصاره. ولم يلحق جيش التحرير الشعبي العداء من الداخل حسب، وانما خارج البلاد أيضا وخلق شروطا اساسية لتأسيس الصين الجديدة. وجاء الدافع الحقيقي لنمو جيش التحرير الشعبي عام 1964 عندما بدأ شوان لاي عمليات التحديث الأربع، حيث بات الجيش واحدا من المجالات الأساسية المشخصة لغرض التنمية والتطوير.

ولا يرتبط جيش التحرير الشعبي بمجلس الدولة في جمهورية الصين الشعبية، وانما بلجنتين عسكريتين مركزيتين، احداهما تتبع الدولة والثانية تتبع الحزب. وقال الجنرال المتقاعد شيو غوانغيو، وهو الآن استراتيجي في القضايا الدفاعية، ان الصين بحاجة الى تقليص كمية الجيش ورفع نوعيته. ونقل عنه قوله في صحيفة «تشاينا ديلي» الرسمية ان «الجيش الصيني بات يتوافق بصورة اكبر فأكبر مع الممارسة الدولية، وأكثر ثقة وشفافية».

وفي مساعيه من أجل ان يكون شفافا أقام جيش التحرير الشعبي في السنوات الأخيرة علاقات عسكرية متبادلة مع ما يزيد على 100 بلد، حيث تجري زيارات منتظمة بين كبار ضباط الجيوش. ومن بين تلك الزيارات، زيارة القوات البحرية في الولايات المتحدة وفرنسا والهند وقوات بحرية اخرى، ومناورات كاملة مع روسيا ودول اخرى من آسيا الوسطى. وأسهمت الصين ايضا في عمليات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بما يزيد على7500 من افراد قواتها في 17 مهمة منذ عام 1990. وفضلا عن ذلك فإن وزارة الدفاع الصينية تعتزم تعيين متحدث اعلامي، وهي خطوة كبرى بالنسبة لهيئة ظلت حتى الفترة الأخيرة لا تمتلك حتى رقم هاتف معلن.

وقال راهول بونسل، الضابط المتمرس ومحلل القضايا الأمنية الذي يعمل في جنوب آسيا متخصصا في قضايا تكهن المخاطر الاستراتيجية والحرب المستقبلية والأمن البشري، انه بعرضها المؤثر لأسلحتها بمناسبة ذكرى تأسيس جيشها أرادت الصين توجيه تحذير شديد الى تايوان ضد اية خطوة جديدة باتجاه الاستقلال. وعرضت صواريخها النووية الاستراتيجية كتلميح الى الولايات المتحدة واليابان من انها جادة في تهديدها باستخدام القوة، وانهم سيفعلون خيرا اذا ما أبعدوا انفسهم عن النزاع في حال ظهور ازمة في مضيق تايوان. ونقلت صحيفة يومية صينية عن ديفيد شامبو، الخبير بالجيش الصيني في جامعة واشنطن بواشنطن، ان «جيش التحرير الشعبي يقوم بجهود كبيرة من اجل تحسين التبادلات العسكرية الأجنبية، ولكن أمامه طريقا طويلا ليصل الى منطقة الشفافية». وعلى الرغم من أن جيش التحرير الشعبي يواصل تحويل نفسه الى قوة قتالية حديثة، الا انه يواجه ايضا تحديات من أجل تبني تغييرات ضرورية، ارتباطا بالثورة في الشؤون العسكرية، واستخدام أنظمة اسلحة جديدة من اجل تطوير قدراته القتالية الشاملة، وتنفيذ اصلاحات في المؤسسة والتدريب والملاكات.


في الأربعاء 05 سبتمبر-أيلول 2007 07:30:26 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=2465