صحافية اسرائيلية : التغييرات في السعودية.. بدأت في روتانا
اورلي ازولاي

بضعة مئات من الامتار فقط تفصل بين طابق المدخل والطابق الخمسين في البرج العملاق المنتصب في قلب الرياض، الا ان المسافة الجوهرية هي اكبر بكثير. في مدخل البناية مقهي ينقسم الي جناحين، جناح للرجال وآخر للنساء، الجناح المخصص للرجال كبير وفاخر مع خدمات انترنت مجانية بينما جناح النساء مقسم الي خلايا صغيرة مغطاة بالستائر، والزبائن تدخلن اليه ونظراتهن منخفضة خجلة وكأنهن سجينات في السجن.

في الطابق الخمسين في الاعلي مكاتب شركة الاتصالات روتانا التي يملكها الامير الوليد بن طلال وهناك تبدو الحياة بصورة مختلفة. الشركة التي تعتبر من اكبر الشركات في هذا الصنف في الشرق الاوسط تمتلك عشرات القنوات التلفزيونية والصحافيين ومكاتب انتاج الافلام وهي في الواقع تؤثر علي ثقافة الملايين في العالم العربي كله.

هدفنا هو تحويل الرياض هوليوود يقول احمد ابراهيم رجل الاعمال ومنتج الافلام السعودي؛ والامر يتعلق بمهمة اكثر تعقيداً مما يمكن تخيله: الامر لا يقتصر علي عدم مشاركة الافلام السعودية احياناً في جائزة الاوسكار وانما حتي لا توجد في كافة ارجاء الدولة دار سينما واحده. القانون السعودي يمنع بث الافلام وحتي يمنع النساء والرجال من الجلوس معاً في قاعة مظلمة. الان يحاول ابراهيم الحصول علي ترخيص لبناء دار سينما. مع تقديم الضمانات بأن يكون هناك طابقان، اعلي للنساء واعلي الرجال.

ابراهيم هو احد آباء الثورة الثقافية التي تحدث في هذه الدولة الاسلامية المحافظة حسب رأيه خلال عام او اثنين ستتحول الرياض الي مدينة بهيجة تعج بالحياة في المناسبات الثقافية. في الواقع من تحت السطح بدأت عوامل التغيير هو يقول. في كل نهاية اسبوع تنظم هنا حفلات عاصفة. في الرياض لا توجد نواد ولكن الشبان يجتمعون في البيوت الخاصة ويحولونها الي مراقص مع تقديم الشراب والرقص. ليس من الممكن منع ذلك: المجتمع الشبابي عرضة للانترنت ولما يحدث في العالم وكل ذلك يصل الينا. نحن تماماً عشية حدوث التغيير الاكبر .

مديرة مع بنطال ضيق

في شركة روتانا يحدث التغيير كل الوقت. المديرة الادارية هي امرأة ـ نودروت المليك، التي ترتدي بنطالا اسود ضيقا وجاكيت اسود وابيض من الازياء الحديثة. عندما تصل المليك الي مكتبها في كل صباح تعلق عباءتها في غرفة الملابس وبذلك تخلع عن نفسها اية اشارة لكونها مسلمة محافظة، وهذا ما تفعله سهي الرومي مديرة اعمال الامير.

الاثنتان تشعران انهن جزء من الثورة الاجتماعية وهن تؤكدان ذلك باعتزاز وتقولان ان النساء والرجال يعملون معاً في نفس الغرفة في مكاتبهن. ذات يوم ستصبح كل المكاتب في الرياض علي هذه الصورة تقول الرومي والمليك السعودية تمر الان بعملية مثيرة للاهتمام: الشبان وصلوا الي مراكز القوة ومن الان سيقومون هم باحداث التغيير .

يبدو ان تفاؤلهن يمتلك اساسا يستند عليه: من بين 29 مليون نسمة في السعودية 60% من ابناء الثلاثين فما تحت. المملكة تصرف مبالغ هائلة علي جهاز التعليم، وفي كل عام يدخل الي سوق العمل آلاف الاكاديميين الذين درس جزء منهم في امريكا وتعرف علي الغرب. ليس صدفة ان المنصبين الاعلي في روتانا مشغولين من النساء: الامير الوليد ابن اخ الملك عبدالله من بين كل ابناء العائلة المالكة في السعودية هو الابرز في نشاطاته من اجل المساواة في الحقوق في النساء وتنفيذ الاصلاحات الاجتماعية. قبل مدة غير بعيدة عين طيارة في شركة الطيران السعودية وسيوظف اخري عما قريب عندما سيستلم الطائرة الاكبر في العالم، ايرباص 380 التي تجتاز الان عملية تحويل مخصصة له من طائرة ركاب الي طائرة خاصة.

الأمير لم يكن في المكتب خلال زيارتي لهناك، ولكن وجوده ملموس حتي في غيابه. صوره وهو بصحبة زعماء من كافة أرجاء العالم تزين جدران مكتبه وعلي الرف كتبٌ الفت حوله بلغات مختلفة. الامير ابن 52 عاماً أدُرج في المرتبة الثالثة عشرة في قائمة اثرياء العالم من قبل مجلة فورباص الامريكية ورأس ماله الشخصي 29 مليار دولار. هو يمتلك اسهماً في شبكة الفنادق فور سيزونز وشركات ديزني و آبل و اي.او.ال وغيرها، وحتي الاونة الاخيرة كان صاحباً لليخت الاكبر في العالم كنج دم الذي بُني من اجل رجل الاعمال السعودي عدنان الخاشقي. هو أعار اليخت من أجل انتاج احد الافلام في مسلسل جيمس بوند ومؤخراً باعه للميلياردير دونالد ترامب. كما انه باع مؤخراً فندق بلازا في نيويورك لرجل الاعمال الاسرائيلي اسحاق تشوفا.

الأمير الوليد معروفٌ ايضاً بتبرعاته السخية. في السنة الاخيرة تبرع بأموال ضخمة للجامعات الامريكية جورج تاون وهارفارد. بعد عمليات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) اراد ان يتبرع بعشرة ملايين دولار لاعادة بناء نيويورك ولكن رئيس بلديتها رودي جولياني رفض ذلك، لأن الامير قال بعد العمليات بفترة قصيرة ان علي الولايات المتحدة ان تعيد النظر في سياستها في الشرق الاوسط وان تتبني سياسة اكثر توازناً بين الفلسطينيين . مقربوه يقولون انه يحب روتانا بصورة خاصة لانها تتيح بلورة الرأي العام في الشرق الاوسط كله واحداث ثورة صغري في البلاد.

هناك تغييرٌ دراماتيكي بالتأكيد في كل ما يتعلق بتوظيف النساء وذلك لأن السعوديات لم يصلن أبداً الي مناصب عالية الي هذا الحد، كتلك التي منحها لهن الوليد. نحن لن ندع العباءة تقف في طريقنا تقول سهي الرومي. صحيح انني لا استطيع قيادة السيارة في بلادي ولكن هذا الامر سيحدث ايضاً. ليس من الممكن احداث ثورة كبيرة كهذه في يوم واحد. الرياض كانت صحراء قبل 30 عاماً فقط، والان انظروا اية مدينة ساحرة اصبحت، انظروا الي جمالها العمراني. أما بالنسبة لحقوق النساء فأنا اعتقد انه يتوجب السماح لكل امرأة بأن تقرر بنفسها ماذا تفعل بحياتها: ان كانت تريد السياقة فلتفعل وان كانت تريد حق الانتخاب فلتنتخب. كل هذه الامور محظورة علي النساء الان ولكننا علي اعتاب تغيير كبير. هذا الامر ملموس في الاجواء .

الرومي تفتخر جداً بالمجريات الاجتماعية التي تمر في بلادها. انظري ما الذي حققناه خلال 30 عاما هي تقول. تحولنا الي دولة عظمي نحن جاهزون للتغييرات الكبري وسنفعلها. الامير الوليد بن طلال بدأ التغير في شركة الاتصالات الخاصة به وانا واثقة من ان هذه التغيرات ستصل الي كل شرائح المجتمع .

هيا بنا نتعارف

اطار التغييرات قام الامير الوليد بفرض نهج حياة سليم وصحي في شركته: حظر التدخين، وشرب الكحول، وضرورة التدرب في غرفة الرياضة. هكذا يعيش الرئيس والموظفون يسيرون في اعقابه. المسائل السياسية ليست مشمولة في مجالات عمل روتانا، ولكن من أحدث اجهزة التلفاز يسمع تقرير حول لقاء بوش مع الملك عبد الله ولا يمكن لكبار الموظفين في الشركة عدم التعليق علي الاحداث الانية. الرومي تقول انها تحرص علي الاطلاع علي المجريات وهي لا تعتقد ان السلام قريب. انا لا اعتقد انه ستكون هناك علاقات بين السعودية واسرائيل . هي تقول. هناك جراح كثيرة بين الدولتين. في كل يوم نري ونسمع التقارير حول القتل الذي ترتكبه اسرائيل في المناطق المحتلة وهذا يؤلمنا. الملك اقترح الان مبادرة سلمية والرئيس بوش جاء من اجل التحرك وفقاً لمبادرته ولكن هناك قدرا كبيرا من الارتياب. ليس لدي اي شيء ضد الشعب اليهودي بل علي العكس. هناك ثلاثة اديان ـ الاسلام واليهودية والمسيحية ـ وكل دين مثل الزهرة. ان وضعنا كل الاديان واحد الي جانب الاخر سنحصل علي باقة ورد جميلة. ولكن اسرائيل هي نفسها دولة احتلالية تقوم بأمور فظيعة. ها نحن نري ان هناك شيئا يدعي بالسلام بين اسرائيل ومصر ولكنه ليس سلام: هو لا شيء. الامر اشبه بوجود مكتب ارتباط لاسرائيل في قطر من دون سلام بين اسرائيل وقطر. السلام هو شيء يتوجب رعايته رويداً رويداً ولكن قبل صنع السلام يتوجب مداواة الجراح لأنها عميقة وغائرة جداً .

المليك ايضاً ليست متفائله. حتي ان عقد اتفاق سلام ما بين اسرائيل والفلسطينيين، فأنا لا اعتقد انه ستكون هناك علاقات سلام بين السعودية واسرائيل. اعتقد ان المعارضة ستكون في الجانبين حيث ستكون في الجانب السعودي كبيرة بصورة خاصة. في الجانبين يوجد اشخاص يكرهون بعضهم البعض بكل بساطه وهناك حاجة الي زعامة قوية تؤدي الي الاقناع بأن شيئاً ما قد تغير فعلاً. انا مع السلام والان هذا وقتنا نحن الشبان لقيادة التغييرات الا ان الامر معقد. وعلي الجانبين قبل كل شيء التخلص من الرواسب السلبية . احمد ابراهيم في المقابل اقل تشاؤماً. اليهود والمسلمون.. نحن متشابهون جداً هو يقول. في الجانبين يأكلون اللحم الحلال وفي الجانبين يصلون لنفس الرب وهذا من دون ان نذكر بعد أننا أبناء عمومة في واقع الامر. لذلك هناك حاجة للصبر الامر يستغرق وقتاً لأسباب منها وجوب تنظيف الارض من الاراء المسبقة. هنا في السعودية مثلاً تعتقد اغلبية الجمهور ان اليهود يتحكمون في الادارة الامريكية في واشنطن، ولذلك هم متشائمون جداً. ولكن ملكنا اقترح مبادرة سلمية والملك هنا شخصية محبوبة. هو في الثمانين من عمره وهو يريد التوصل الي السلام طالما كان سليماً معافي. انا اعتقد ان الامر حقيقي في هذه المرة: اولمرت ضعيف سياسياً وكذلك عباس، وبوش يريد بالقوة تحقيق شيء ما قبل انصرافه، لذلك هناك فرصة. انا اعتقد انه بعد التوقيع علي الاتفاق بين الاسرائيليين والفلسطينيين بقليل سيجلس السعوديون والاسرائيليون وراء نفس الطاولة ويتحدثون كما نفعل الان ونتحدث .

ابراهيم يفاجيء في سعة الاطلاع التي يظهرها حول ما يحدث في اسرائيل. نحن نعرف حول اصابة اولمرت بالسرطان ونعرف كل تفاصيل حياة شارون، ونعرف ايضاً تسيبي ليفني. نحن نعرفكم عموماً اكثر مما تعرفوننا، وفعلاً آن الاوان لنتعارف. أنا مثلا كنت ارغب بالزيارة للأماكن المقدسة في القدس. هل تعتقدين ان الاسرائيليين كانوا سيسمحون لي بزيارة المكان هناك مثلما سمح لك السعوديون بزيارة السعودية؟ انا لست واثقاً .

 (يديعوت) 18/1/


في الأحد 20 يناير-كانون الثاني 2008 07:55:36 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=3200