ليس فقراً.... إنها التخمة القبلية
فاطمة واصل
فاطمة واصل

أتساءل دوما في عصر أصبح العالم فيه قرية كونية واحدة كما أصبح يتردد كل يوم وليلة لا زالت اليمن تفخر بامتيازاتها القبلية كونها المكون الأساسي لجمهوريتها.

تتناطح رؤوس الدولة والذين يقلبونها كيفما أحبوا بين كفين على تسيير الأمور ابتداء من القبائل ذائعة الصيت وانتهاء بقبائل ربما لم نسمع باسمها حتى الآن،نقول دوما "لا حول ولا قوة إلا بالله" ونسكت لنسمح لرؤوس الهرم القبلي بالتحكم بمصير الملايين.

يصدح مسؤولونا دوماً في كافة وسائل الإعلام بتطبيق النظام والقانون وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ولاأدري كيف يتأتى ذاك ولشيخ القبيلة سلطة لا تقيد وتجبر الحكومة أحيانا كثيرة للقبول بطلباته مخالفة النظام والقانون بعد استخدامه القوة للحصول على بعض الحقوق.

ان التحدث عن القبيلة في العصر الحاضر وقد مرت عشر سنوات منذ دخولنا الألفية الثالثة أمر بحق يثير الخجل ويجعلنا في مصاف الدول المتراجعة ... وإجحاف في حق اليمن أن أقول التي تتقدم. فعلى المستوى العسكري والذي هو الركاز الرئيس للبلاد يفتخر رئيس المعسكر أنه من قبيلة فلان التي ينتمي لها فلان مثلا وبناء على ذلك يتم صرف المرتبات وبطرق قبلية أيضا ليتم الاحتفاظ بالرتبة العسكرية الى جانب أعمال أخرى تحت اسم الانتماء الى القبيلة ذات الصيت التي يشيخها فلان بن فلان وعليه فأن الحضور والغياب يتم بديهيا بطرقه القبلية ليتعلق بها جميعا الترقي الوظيفي والعلاوات والمكافآت. يدخل ببزته العسكرية وهنجمته للسؤال عن الغائب والحاضر من العاساكر الجائعين الذين يقتنصون الفرص لزيادة دخلهم بطرق ملتوية حرمها القانون وشرعها الفقر....... والقات.

 كيف لا وهذا ما اتسمت به القبيلة الجهل والعشوائية والغوغائية اذا ما تغاضينا عن الكرامة والشهامة ودرء المظالم وقراية الضيف وحماية النساء وعدم التفاخر بالأزلام والألقاب التي دعا اليه ديننا،لكننا نحب أن نلتقط من ديننا ما يوافق أهواءنا ويرغبه العرف والتقليد و التكلم عن الفقر في بلد كاليمن أصيب بالتخمة من فرط سيادية القبيلة وشيوخها يعد جورا..... إذ لا بد من تخفيف هذه التخمة قبل الاختناق وترهل الكروش.

في أحد المواقف التي أذكرها اثناء صعودي أحد الباصات وكان اكثر من شخص يتحدثون بتفاخر الى اي القبائل ينتسبون وأكوام من القات بنايلونها الوردي تلفها أذرعتهم كطفل يحمونه تقلبات الطقس واذا ببعض المتطفلين يبدأ بمضايقة الفتاة التي أمامه والتي بدورها كانت بجانبي ، كان الضيق يلفها وعدم الرضا يجعلها تتحرك يمينا وشمالاً ، مسكينة حاولت جاهدة تحمل قلة الذوق التي اصبحت بمرور الوقت عادة في المجتمع الدبابي أو السوقي: فانفجرت بعدها بعصبية:

- احترم نفسك يا خي

- مالش.... ما فعلنا بش

- ايدك هذي بقصها

- احترمي نفسش انتي ولا ترفعيش صوتش

كانت حمى من الغضب في تعلوني حتى قمة رأسي، كانت وكنت نحملق في انتظار أحد للدفاع عنها أو إسكاته أوحتى تهدئة الوضع تحت حرارة الشمس التي تلتقط انفاسنا بشره. واذا بالقبيلي المحترم حينها ينطق:

- مالك ياخي ما تشتهي منها

- ما فعلنا لها شي بس هي هكذا بيتخايل لها؟ تقصر حسها وتتأدب .... الأدب زينة

- للمة؟

- بتطلع تزاحم لها الرجال.... بنات الناس مالهن الا بيوتهن

رد القبيلي بعد ان ملأ عينيه بنظرة نهمة من الفتاة ومني بالطبع:

- والله بنت الناس ما تخرجش الا بمحرمها صدق ولا تجلس لها في بيتها أخرج ... ماهذا عتجلس تشتكي من الماشي ومن الجالس..... قري لش ياختي في بيتش أفضل.

وكان ذاك رده وعاد للحديث عن قبيلته ومفاخرها وتلك المسكينة خنقتها العبرة كيف لا وهذا عرف القبيلة.

اما على صعيد العمل فهم لهم الاولوية في المكافآت والحوافز والقرابة لرئيس الجهة وتخازين بعد الغدا وان لم يتميزوا باي مقدرة وظيفية معينة لكنهم يستطيعون بطرقهم الخاصة ومعارفهم ذوي الوجاهة على حل مشكلة مالية معينة واستخراج بعض المستحقات المالية التي توقفت في مكتب أحدهم في وزارة المالية.

بعض القرى يتم أمدادها خصيصا بالكهرباء لان الشيخ كبير القرية بحاجتها بينما قد تمر تلك الاسلاك ببعض القرى دون حتى القاء "السلام عليكم" وتبحر تلك القرى الأخرى في ظلامها الدامس.

وحتى في تطبيق نظام العقاب في المدرسة يوضع في الاعتبار ابنة من أو ابن من يكون ذاك او تلك؟ ولو كان الفعل يفوق مستوى المعقول.

اذكر يوما اثناء انطلاق حشود الفتيات الجامحة لحضور الدرس الأول بعد طابور الصباح يقفن المدرسات لتفتيش الجوارب أذا ما كانت بيضاء من عدمها وطول كعب الحذاء وطول الأظافر ونظافة الجلباب أو الحجاب والتزام الصمت ارتدت بنت "فلان" حذاء ذا كعب عال، واظافر طويلة مصبوغة باللون الأحمر... اوقفت المرشدة الفتاة

- انت مخالفة... خليش على جنب على سب تنظفي الساحة

وبمرور وكيلة المدرسة نادتها الطالبة:

- يا استاذة وقفوني مخالفة

قالت الوكيلة بعد ان همست في اذن المرشدة بضع كلمات:

- خطّيها.....

وعوقب غيرها كثيرات بتنظيف الساحة وضياع الحصة الأولى ربما لانهن لا ينتمين لنفس تلك القبيلة ولا بيت فلان أو ربما لأنهن لا يملكن قيمة شراء جوارب بيضاء، ثم إن نظام الغش بالقوة اثناء الامتحانات العامة للأولاد طبعاً .... يعني تحت تهديد السلاح هو أحد علامات التحضر القبلي في القرن الواحد والعشرين.... !!!!.

لو حاولت البحث الكترونياً عن كثب عن القبائل اليمنية وما يكتبة الرأي العام العالمي تجد ان كل النتائج تتمحور في هذه الثلاثية " القاعدة- القبائل اليمنية- الأرهاب" حيث اجمعت وبدون استثناء انها كانت المرتع الخصب لقوتها واشتداد أزرها. في احد تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية الشهر المنصرم للوس انجلس تايمز تقول ان اليمن يجب ان تتحمل كل مشاكلها الآنية من فساد وفقر وفتن داخلية، وفي نفس الوقت اكدت كلينتون ان م تقوم به الحكومة اليمنية حاليا من محاولة اصلاح سياسي واقتصادي ومحاربة للإرهاب يشجعها ولكن لا استطيع الجزم بأن وعود اليمن تجاه المجتمع الدولي تعني الكثير اذا لم تنفذ في حينه، وقارنت حديثها بقرار جعل السن القانوني لزواج الفتاة هو 17عاما والذي اوقفته الحكومة والذي بدوره يهيء الفتاة للزواج وهي اقل تعليما وقدرة فسيولوجية على الانجاب بتحمل المسؤوليات باكراُ.

ما قالته كلينتون وذكرته أكثر من صحيفة أمريكية وأخرى دولية ربط قضية عالمية وحديث الساعة بالمراة اليمنية وحقوقها المهدرة.. انها دعوة لاعطاء المرأة حقوقا اشمل. شيخ القبيلة الموقر يناسب غيره من شيوخ القبائل المجاورة ولو لم يرغب كلا الطرفين المعنيين (الشاب والشابة) فقط لتقوية الأواصر بين القبيلتين.... إنه امتداد قد يستمر قرونا قادمة.

هناك مشاهد تكثر وتتكرر حتى اصبحت عادة أو ربما عدم وجودها يعد نقص في العملية التنموية في اليمن. اذا نفاخر البعض بقبيلته وجمبيته وزنته فهذه حرية شخصية في التعبير عن بعض رأي لكن لماذا تشمل كل جوانب حياتنا حتى بدأت الدقيقة منها تغزو مدنيتنا ومد يد العون للمحتاج منا.

ورغم كل المؤشرات التي تصفنا على طاولة التخلف.... يظل لدينا مسؤولون محنكون في الحديث دوليا عن نجاحات اليمن وتطورها الديمقراطي فاشلين في إمداد مشاريع الصرف الصحي، سفلتة شوارع المدينة، ، رفع مسوى دخل الفرد المتدني من عام الى عام ،تحسين مستوى التعليم، الصحة و و و و.

تتزايد هتافاتنا وتتعالي اصواتنا بالاصلاح والأساس "خربان" . أظننا لن نخطو على خط المشاة حتى يتم إزالته عالميا كأحد اسباب التخلف كما يراه اليمنيون ! 


في الأربعاء 17 فبراير-شباط 2010 06:09:41 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=6530