اليمن السعيد بعد الانقلاب على السلال عهد لم يهنأ بالحكم
علي عبود

  مأرب برس / صدى الوطن ألأمريكية

تحدثت في الحلقة الماضية عن كيف استقليت الطائرة الرئاسية اليمنية برفقة رئيس البلاد الفريق حسن العمري من القاهرة الى صنعاء، وفي العاصمة اليمنية ترددت كثيرا على مقر رئاسة الوزراء، وكنت ألتقي خلالها بالعديد من الوزراء الذين تمّ تعيينهم في مناصب وزارية خلفاً للوزراء الذين أقيلوا بأمر من الرئيس حسن العمري، والذين تم إختيارهم من قبله بالذات. وخاصة العقيد عبد الله بركات الذي أولاه الفريق العمري منصب وزير الداخلية في الحكومة الجديدة العتيدة.

العهد الجديد لم يهنأ بالحكم!

بالرغم من تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة، لم يتوقف سقوط قنابل الهاون على صنعاء وشعبها الأبيّ، بل ضوعفت أعداد تلك القنابل وشملت العديد من مناطق العاصمة صنعاء، الأمر الذي حدا بجميع الدبلوماسيين وخاصة العرب منهم أن يتركوا سفاراتهم وليتوجهوا إلى مناطق يلقون فيها الأمن والسلام. وقد التقيت بأكثر من سفير عربي وهم يختبئون في أزقة وأمكنة لا يمكن لتلك القذائف أن تصل إليهم أبدا.

لذلك، ومن خلال ترددي إلى رئاسة الوزارة علمت بأن الفريق حسن العمري والشيخ محمد علي عثمان عضو مجلس الرئاسة اليمني، يريدان أن يتوجها إلى لواء إب بزيارة شعبية ليطلعا على أحوال تلك المنطقة البعيدة عن صنعاء وقذائفها التي يبدأ إنهمارها عليها إبتداء من الساعة العاشرة من صباح كل يوم. وتتوقف تلك القذائف عند العصر من اليوم نفسه. علمت بهذه الجولة التي يود العمري وعثمان ووفد كبير يرافقهما، أن يقوما بها لزيارة اللواء الحبيب، لواء إب.لذا تلقيت دعوة من الفريق العمري أن أكون أحد الذين سيرافقونه في رحلته هذه.

وحينما تحرك الموكب، جاءني أحد الضباط وقال لي:

الفريق العمري يدعوك لتكون معه في السيارة الرئاسية المكشوفة.

ش كرت للفريق دعوته هذه واهتمامه وتوجهت نحو سيارة الرئاسة وجلست في المقعد الخلفي حيث كان عضو مجلس الرئاسة الشيخ محمد علي عثمان جالساً بمفرده.

أما الفريق العمري فقد أخذ مكانه بجانب السائق، ثم تحرك الموكب من أمام مقر رئاسة الوزارة باتجاه لواء إب.

مظاهرات صاخبة وفي ضاحية من ضواحي صنعاء، والموكب بدأ سيره على مهل، استعداداً لسلوك طريق لواء إب، وعند مفترق طرق واسعة وعريضة فوجئ الجميع بوجود تظاهرة معادية للفريق حسن العمري ولنظامه ولقيادته وكان جميع المحتشدين في الشوارع يحملون اليافطات التي كتبت عليها عبارات تنديدية بالفريق العمري ورفاقه.

توقف الموكب بأمر من الفريق العمري، وحينما أمعنا النظر في ما تحمله تلك اليافطات من عبارات وجمل تأكد لديّ أن الشيوعيين في اليمن هم الذين يقومون بهذه المظاهرة، وأن هذا الحشد الشيوعي كان قد علم عبر إرصاده، وعيونه، بأن العمري سيقوم بهذه الجولة إلى لواء إب، فاستجمع شبابه وأعوانه والذين يؤمنون بهذه العقيدة الماركسية وهرولوا إلى حيث قطعوا الطريق على موكب العمري وعلى العمري نفسه ومن معه في هذا الموكب الطويل العريض.

المفاجأة الكبرى!

وحينما توقف العمري وموكبه أمام هذه التظاهرة أي أن الطريق قد سدت بحملة اليافطات والشعارات المعادية له ولسياسته ونظامه!

هل تدري ماذا حصل ساعتئذ؟

طبعاً لا، إن الذي حصل كما شاهدته عيناي وأنا في سيارة الرئاسة.

أن أمر العمري سائقه أن يقف حيث وصل وأن يطفئ محرك السيارة، ثم..

معارك في شوارع صنعاء

نزل من السيارة وهجم على من كان يلقي بخطاب ناري ضده، وضد نظامه وسياسته وحينما وصل العمري إلى الشخص الذي علا صوته إلى أعلى أكثر وأكثر انهال على الشخص الذي كان لا يزال مستمرا في إلقاء خطبته النارية والتي لم يراع فيها أي احترام وتقدير للعمري ولموكبه ولمن كان يرافقه.

الشيوعية وراء المظاهرات

لقد انهال الفريق العمري ضربا على وجه الخطيب الذي لم يقطع خطبته بل ازداد حماساً وتهجماً، كما انهال رجال الحرس الذين كانوا يرافقون الرئيس العمري، ضرباً ولكماً وركلاً على كل الذين كانوا يحملون اليافطات الإعتراضية وحينما تعب العمري من توجيه الضربات واللكمات والركلات إلى جميع الذين يحملون اليافطات ساعتئذ صرخ العمري برجال حرسه المدججين بالسلاح قائلا لهم بلهجة الأمر:

هاتوهم، كلهم..

وبلهجة الأمر العسكري قال لرجال الحرس، اعتقلوهم كلهم ولا تتركوا أحدا منهم أبدا..

حصل ذلك كله، وأنا بجانب الشيخ محمد علي عثمان في سيارة الرئاسة، نتفرج على هذه المعركة التي نشبت بين العمري وحرسه، من جهة وبين أبطال المظاهرة الشيوعية وحملة اليافطات الذين لم يوفروا العمري ولا نظامه من كيل (المدائح) له ومن العيار الثقيل.

أوامر بالإعتقال

والملفت للنظر أن الفريق العمري اختص باهتمامه ذلك المتظاهر الذي كان يلقي خطابه وبين يديه يافطة تهاجم العمري والذي قال فيه عن الفريق العمري ما لم يقله مالك في الخمر، هاتوهم كلهم..

وكان آخر أمر أصدره الرئيس العمري، إلى رجال الحرس، إنه قال:

هاتوا لي الذي كان يلقي بخطابه الناري أمام المتظاهرين، وبسرعة كان الشاب المسكين الذي نال نصيبه من الضرب والركل والصفعات قد تحول إلى نعجة صغيرة متكومة على نفسها وتئن وجعاً وبكاء وقد امتلأ وجهه بالدماء.

فأمر العمري ساعتئذ بأن يضعوه في سيارة عسكرية مكبل اليدين والقدمين، وأمر أن يحافظوا عليه معتقلا ليكون رفيقاً للموكب وأهله في رحلتهم هذه إلى لواء إب.

وفي لواء إب، وبعدما وصلنا إليه أُخذ الشاب الخطيب إلى سجن لواء إب وأودع هناك.

ولم أراه بعد ذلك التاريخ أبداً.

ما يزرعه المرء يحصده سراعاً

إذن، قام العمري بانقلاب ضد السلال وهو في طريقه لزيارة الإتحاد السوفياتي، وحال ذلك الإنقلاب دون وصوله إلى هناك، وتم تعطيل المباحثات التي كان من الممكن أن تعود بالفائدة على الإتحاد السوفياتي، ثم تم إبعاد السلال وجميع من يأتمرون بأمره، عن المناصب الوزارية والدبلوماسية وعن جميع مؤسسات الدولة الهامة.

لذا كان لا بد للشيوعية التي تدعمها موسكو من أن تنتقم من العمري وصحبه، وأن تعبر عن حقدها وكراهيتها للعمري ونظامه وسياسته، ولم تر الشيوعية بداً من أن تعلن غضبتها واستنكارها وكراهيتها لهذا النظام الذي قام على أنقاض نظام السلال.

ولذلك، جرى ما جرى، وحصل ما حصل وقديماً قيل:

ما دخلت السياسة شيئاً إلا وأفسدته!

والآن لقد بات هؤلاء جميعاً، باتوا في رحاب الله، ذهبوا كلهم، وتركوا الدنيا وما فيها، فيا ليت قومي يعقلون.

 


في الإثنين 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 11:00:13 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=697