|
حاولت في هذه المقالة أن أستقصي واقع المرأة المعاصر في بلدنا، باحثاً عن مكامن الخلل ، وأسبابه المولدة للظلم المجحف تجاهها، هادفاً الخروج بنتيجة تكشف اللغط الحاصل من نسب الظلم إلى الدين قصداً أو من غير قصد، و من خلال التتبع وصلت إلى سببين، عرف ساذج ، وتغرب قبيح.
ولو القيت النظر مدققاً، ثم ألقيته كرتين لعلمت أن التطرف، والغلو قد غطى كلاً منهما وجعل على بصره غشاوة فلا يكاد يبصر مراد الحق تبارك وتعالى من المرأة ومن خلقها.
فأما الأول :
فحقل ألغام قديمة لكنها شديدة الفعالية ،متناثرة في مناطق كثيرة ، أصحابه يرون سجن المرأة، ويرون أن المرأة أقل شأناً من الرجل، ولم تخلق إلا خادمة وضيعة...وهذا قول لازمه الجهل .....
فحق الميراث الذي أنزل الله في كتابه ،تحرم المرأة منه تماماً وكأنها ليست بشراً، تمنع منه استقواء بقوة العرف الذي يقول أن مال الأب أو الأخ لا يمكن أن يذهب إلى رجل من خارج العائلة ، وتمنع من ميراث زوجها لأنها قاصرة لا تفهم ولا تعرف كيف تتصرف فيه ،أو لأن الناس ستقول أن بني فلان أعطوا أمهم من ميراث أبيهم فتصير عورة تعير بها الأسرة أبد الآبدين .
تمنع المرأة من المهر الذي جعله الله ركناً من أركان الزواج لا يتم إلا به،فيذهب مالها لأبيها أو أخيها دون وجه حق.
وتمنع عند بعضهم من التنفيس المباح لأنها ليست له أهلاً، ونسوا أن رسول الله سابق عائشة، ووقف لها تتكئ على كتفه لتستمتع بمشاهدة الأحباش يتصارعون في المسجد.
تمنع المرأة من حق التعليم –وأقصد هنا التعليم النظيف - في آماكن كثيرة ،لأن المطبخ مصيرها المحتوم ،وقدرها الذي لن تخطئه.
تمنع المرأة من حقها في الخروج إلى المسجد تتعلم الخير ،لأن الزوج لا يستطيع أن يرى امرأته في المسجد تستمع الى الخطيب فتسول له نفسه أن المصلين يرقبونها،وإن كانت مفصولة عنهم بجدار "كفولاذي مصر" فغيرته أكبر من أن تسمح بذلك،ورسول الله يقول " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"،وكان صلى الله عليه وسلم يأمر النساء بالخروج لصلاة العيد حتى الحُيّض منهن لسماع الخير.
تمنع في أن تشاهد قناة إسلامية في بيتها لأن الزوج يريد أن يشاهد الجزيرة ،والأولاد يريدون أن يشاهدوا “ space toon ”،والأم عليها أن تعد لهم الشاي والقهوة ،أو أن تكبح جماح طلباتها فتجلس إلى جانبهم تشاهد ما يشاهدون ،وإن لم تستسغ منه شيئاً .
تمنع المرأة من حقها في إبداء المشورة والنصح ،وإن بادرت ،فيقولون "شاوروهن وخالفوهن" ،فهن ناقصات عقل ودين.مستدلين بحديث صحيح فهموه خطأً ، فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين".
وينسون أن الحديث ذكر أن امرأة جزلة ناقشت النبي ،ومعنى الجَزْلة ،العاقِلُة الأَصيلُة الرأي كما في القاموس المحيط.
ثم إن الحديث بين أن نقصان العقل ، هو شهادتها بشهادتين والأمر مثبت علمياً أن مكان التذكر في دماغ المرأة يقل أداؤه عند الكلام مما يضطرها للنسيان ،فأقر الشارع امرأة ثانية للتذكير.
وهؤلاء ينطبق عليهم قول الأعظمي :
ما حيلة الأنوار شع سناؤها إن لم ترَ الأنوار عين الأرمد
والطامة الكبرى هي أن تمنع المرأة من حقوقها لأنها امرأة ، كما في بعض المناطق فهي -عندهم - ليست سوى سقط متاع ، تعمل في الحقل ، تعلف الماشية وتجمع العشب، وتركب "البودي في السيارة"، أو تمنع من الكلام كما في بعض البيوت لأنها امرأة فقط ، وعرف الزوج أن لا كلام للمرأة في حضور زوجها.
تظلم حينما تكون مكان لتنفيس الغضب ،فيضربها ضرب الحمير ،ورسول الله يقول "علام يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ثم يضاجعها من آخرالليل".
تظلم المرأة كل هذا الظلم باسم العرف ،والقبيلة ،وتنتهك في أحايين كثيرة ً باسم الدين ،والدين برئ من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فسحقاً لأعراف حادت عن السبيل.
وأما الثاني :
فحقل الغام من العيار الثقيل لأنها منتج غربي شديد الإنفجار، فانفجارها يودي -ليس فقط بالمرأة- بل بأهلها، وبكل المجتمع، وأصحابه يوجبون على المرأة أن تكون كالرجل تماماً، دونما اعتبار للمكونات الفيسلوجية ،والسيكلوجية (الجسمية والنفسية)التي تميز كل منهما . يدعونها أن تعمل في كل مكان ,في الشارع ،والورشة ،والبناء ، والإبحار،والجيش، فقط لأنها كالرجل ،وليس ثَمَّ فرق بينهما،وهذا تنطع لازمه الهوى.
وهذا الحقل كثيرون هم فلاّحوه، ينادون باسم الإنفتاح ،والتحرر ،والإنعتاق ، وباسم التنويرالمستورد من بعيد ،مغلفاً بالورود والرياحين فما تكاد تفتحه حتى ينفجر في وجهك فيذهب بنضارته وجماله ،إن لم يذهب بروحك.
فظلمت المرأة من قِبَلهم حين أريد لها أن تخلع النقاب "الخمار" لأنه يحرمها من حياتها الجميلة ، ويحرمها من جمال وجهها الذي خلق اللهُ ، وهؤلاء يتجاهلون أن المرأة التي تلبس الخمار أكثر بياضاً وأجمل بشرة ً من التي لا تلبس الخمار؛لقلة تعرضها لأشعة الشمس المباشرة،مقارنة بغيرها.
وليس هذا فحسب ، بل ويخرج أحدهم ليقول لك أن الخمار لم يكن موجوداً في صدرالإسلام وليس من الإسلام في شئ،(متجاهلين آية سورة النور،وآية سورة الأحزاب)، وينسون أن أول سفور في التاريخ الحديث لم يبدأ إلا بخلع الخمار ، والخمار فقط ،كما يذكر الدكتورمحمد قطب في قضية تحرير المرأة.
ظلموها -أيضا ً- حينما حرموها من التعليم الجامعي المنفصل عن الرجال،فلم تجد راحتها كالتي تجد بين قريناتها، في تحرر تام من سلطة الرجل.
ثم ظلموها حين أرادوها أن تعمل "تماماً كالرجل" ، لأنه لا فرق بينها وبينه، وهنا تكمن المساواة عندهم.وأتذكر هنا إعلاناُ تلفزيونياً كانت تبثه شركة تويوتا عن البيئة والمجتمع وفيه "عندما تكون المساواة بين الرجل والمرأة..........الخ "، والصورة المصاحبة لهذا الإعلان، امرأة تعمل في ورشة للحام .فقل لي بربك أي مساواة هذه؟
رأيت –كطالب في ماليزيا- عجب المساواة في مجتمع ليبرالي منفتح ، حينما رأيت المرأة تعمل في كل الأعمال حتى اضطرت لتعمل في البناء ، فذات يوم رأيت امرأة في الطابق الخامس لمبنىً تحت الإنشاء، تحمل المطرقة والإزميل مع غيرها من الرجال، رأيتها فقدت معنى أنوثتها ورقتها وحنانها التي أودع الله فيها ،حيث لا فرق بينها وبينه. وهو منظر أثار في قلبي كوامن الألم.
ومرة ،كنت في أحد فصول الدراسة ،حينما فتحت الأستاذة المجال للنقاش حول عمل المرأة ، وكنت معارضاً على استحياء أن أجعل في قلبها غلاً علي ،خاصة وهي في مجتمع بهذا القدر من فرض العمل على المرأة .ولكنها تعمدت سؤالي ، فأجبت بأني لست معه إلا أن يكون في حالات الإنضباط .فصدمتُ أنها أعجبت برأيي ،وقالت بصوت منكسر I agree with you ، بمعنى ،أوافقك الرأي ، وعندما سألتها لم تعملين؟ أجابت بأنها تحتاج المال .فشرحت لها قول الإسلام في المرأة وأنها يجب أن يكفلها أبوها أو أخوها أو عمها أو خالها فكان أن استغربت ،وقالت بأنها تتمنى لو كانت في مجتمع يكفل لها هذا الحق الإسلامي .
فلماذا ترانا نريد أن نصل إلى نفس هذه المرحلة ؟
إن المجتمع الغربي يرفض تمام الرفض إعطاء المرأة حقها من النفقة تهرباً، وبخلاً ،فدفعها للعمل ،والكد والتعب خارج البيت وداخله، وإذا ما تزوج الرجل فإنه يدفع نصف تكاليف الزواج والحياة، وهي كذلك ،وإن كان كريم النفس فإنه يدفع51%وتدفع هي الـ49% الباقية .
والمرأة في الغرب تتمنى أن تضمن قُوتها لتعيش في بيتها في استقرار وأمان ولذلك نجد أن "لقب ربة البيت"( housewife ) في الغرب له معناه العظيم بخلاف مجتمعنا .
والعجيب أن المسيحيين المتدينيين من الحزب الجمهوري الإمريكي ،يفضلون نساءهم باقيات في البيوت يرعين شؤون البيت ويدبرن أموره.
وباختصار، ظلموها حينما أرادوها سهلة ،لا قيمة لها،وما كان سهل المنال قلت قيمته، وليتها لقصدهم فهمت.
وبينهما طريق الإسلام:
طريق نظيف مزهر ،أضواؤه متلألئة ،نوره وضاء، ومعالمه واضحة ،أقر لها حقوقها كاملة ،فالتعليم المنضبط فريضة حتى تتم الكفاية ،وتطبيب المرأة للمرأة واجب في الإسلام حتى تتم الكفاية ،وعملها المنضبط مكفول ، وحقها من نفقة زوجها أو أبيها أو أخيها مكفولة ، وإلم تجد فحقها في بيت المال "الضمان الإجتماعي"، والقوامة في الإسلام هي تمام المسئولية مع تمام الرعاية.
وعلى هذا صُنعت خديجة التاجرة، وعائشة المعلمة الأديبة الأريبة، وأسماء بنت عميس النقيبة، وأم حرام المجاهدة، وغيرهن كثر.
فمن منهم له دين كديني؟
أرى أن ما سبق واضح كالفجر المنبثق عن الليل المظلم ، كافٍ ليقرر حقيقة أن الأعراف ،والتقاليد الظالمة يجب أن تعود إلى الإسلام تماماً لكي تزول صفة الظلم عنها،وأن التحرر الذي يراد فرضه ليس سوى ظلم مجحف للمرأة مغلف بغلاف خفيف أبيض فإذا ما كشفت الغطاء بدت لك سوءته ، وظهر قبح منظره.
وحتى نصل بالمرأة إلى كامل حريتها وحقوقها، وجب علينا أن نسلك درب الإسلام الصافي ،وليس ثًمَّ حل في الطريق غيره ..
والله المقصود وله الحمد في الأولى والآخرة.
Mohammed.a90@hotmail.com
في السبت 15 مايو 2010 04:39:30 م