أزواج، لكن غرباء!!

يعيشان تحت سقف واحد بيد أن لكل منهما عالمه الخاص، واهتمامه الخاص، ومشاغله الخاصة، هما زوجان لكنهما يفتقدان أهم ملامح الزواج وهو التراحم والتعاطف، مرتبطان شكليـــاً لكن لا يجمع بينهما عاطفة مشتركة ولا يشارك أحدهما الآخر آماله وآلامه، فحياتهما تعتمد على مجرد التواجد المادي واللقاءات العابرة.. نماذج عديدة من الواقع توضح هذه المأساة...

 (س . أ) –طبيبة- متزوجة منذ 15 سنة وصلت خلالها إلى الانفصال النفسي، فلا يجمعها بزوجها إلا حقوقه الزوجية "الجسدية". فكرت في طلب الطلاق إلا أن لديها بنات على وشك الزواج، ولا تستطيع أن تواجه المجتمع مع بناتها وهي مطلقة، فقررت البقاء مع زوجها محاولة تغيير هذا الواقع المرير أو إعادة تقويم حياتها كي تسير إلى الأفضل.

يقول أحد الأزواج: "أعيش في واد وزوجتي في واد آخر، لا تريد أن تصلح من نفسها منذ 13 عاماً هي عمر زواجنا، حاولت المستحيل معها لأكسر حدة الجمود العاطفي والملل الذي تسرب لحياتنا ونحن في غفلة، ولكنها لم تساعدني، تتحجج مرة بالأبناء، ومرة بالإرهاق، إلى جانب عدم اهتمامها بمظهرها".

أما (س.ع) فهي زوجة في الخامسة والثلاثين من عمرها، بعد زواجها منذ عشر سنوات اكتشفت أن زوجها بخيل رغم ثرائه، وشيئاً فشيئاً اكتشفت عيوباً أخرى، فهو سلبي تجاه مشاكل الأسرة، وعصبي، وكثير الإهانة لها أمام أولادها، لا يحترم آرائها، تقول: أنا مضطرة للاستمرار معه من أجل ابنتي، وأسرتي أيضاً ترفض الطلاق، ولكنني أشعر بالقهر والظلم ولا أجد شيئاً يربطني به.

زوجة أخرى تشكو زوجها الذي لا يتحدث معها أحاديث عاطفية، حيث أصبح جامداً بعد الزواج بعكس أيام الخطوبة التي كان يملك فيها الكثير من الكلمات الرقيقة، فعلى الرغم من أنه لم يبخل بأي واجب من واجباته الزوجية إلا أنها تود أن يشعرها باهتمامه من خلال الكلمات قليلة تخرج من قلبه.

وتشكو زوجة أخرى زوجها.. فرغم أنه مهذب وطيب وطموح لكنه يبالغ في الاهتمام بعمله ويعطيه كل وقته، حتى في المساء يراجع أعماله المكتبية، وفيما عدا عمله فهو يقضي وقته أمام التليفزيون، ورغم مرور 7 سنوات على زواجهما إلا أنه لم يهتم بإظهار مشاعره ولو بالكلمات العاطفية، فهي رومانسية جداً وتود أن تجد مع زوجها شيئاً من هذه الرومانسية.

الزوجة (هبة. م) تؤكد أهمية الجوانب العاطفية في الحياة الزوجية، فالمرأة تحتاج إلى هذه الجوانب، وبخاصة مع ظروف الحياة العصرية وكثرة مسؤولياتها ومشاغلها، والكلمة الطيبة من الزوج يفتح بها أبواب قلب زوجته وتجعلها تتغاضى عن أخطائه، فالعواطف الجميلة تشعر المرأة بأنها ملكة عند زوجها وتحول حياتها إلى صورة جميلة.

في دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر ثبت أن غياب الأب وانشغال الأم هما السبب الرئيسي للجمود العاطفي وبرود المشاعر وانتشار الأمراض النفسية.

وفي دراسة أعدتها إحدى الجامعات الألمانية: ثبت أنه في حالات الانفصال النفسي يتحول الزواج إلى منجم للأمراض النفسية أو العضوية. وأكثر الأمراض شيوعاً: الإرهاق المزمن، وأمراض القرحة والقلب وسقوط الشعر، والأمراض الجلدية. وقالت الدراسة إن الانفصال النفسي وجمود المشاعر وعدم المشاركة الجدية بين الزوجين مرض يتولد عنه مضاعفات كثيرة، مما يدفع أحد الزوجين أو كليهما إلى إدمان العقاقير، وبخاصة المهدئات بحثاً عن الراحة، وهو نوع سلبي من الحلول يهرب فيه صاحبه من المشكلة بحجة المرض، وتقول الدراسة الألمانيــة: إن الحياة الزوجية الفاشلة التي تستمر إجبارياً بين الطرفين لأي سبب تكون مقبرة للصحة ومنجماً للأمراض.

ومن جهة أخرى يري أحمد سعيد -موظف- أن المرأة في كثير من الأحيان لا تقدر عواطف الرجل، وتشعر أنه يكذب عليها ويخدعها بكلام معسول؛ لغرض في نفسه أو لإخفاء أمر معين عنها، فالاقتصاد في المشاعر الزوجية أفضل وله آثاره الطيبة على حياتهما.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية أجرت إحدى المجلات استطلاعاً بين القارئات عن أهم مشاكلهن مع الأزواج، وكانت النتيجة أن 50% من العينة يشتكين حالات الانفصال النفسي وهروب الأزواج والملل والجمود العاطفي الذي يسود حياتهن الزوجية، وعند تحليل الاستطلاع تبين أن الزوجات كن السبب في وصول الأسرة إلى هذه الحالة؛ لأن الزوجة تريد أن يظل زوجها يعاملها بنفس الطريقة التي كان يتعامل بها معها أيام الخطبة، ولكنها تنسي أن تحافظ على نفس الصورة التي كانت عليها في هذه الفترة.

وقال الخبراء عند تحليلهم لهذا الاستطلاع إن الزوجة هي الأساس في الحفاظ على دفء المشاعر واستمرار السعادة الزوجية لأنها أكثر تفرغا حتى ولو كانت تعمل.

وإذا كانت الزوجة في حاجة إلى سماع كلمات التشجيع والإطراء من زوجها فهو بدوره في حاجة إلى من يشاركه أفكاره واهتماماته، وفي حاجة لرؤية ابتسامة زوجية عند دخوله البيت بدلاً من محاسبته عن سبب تأخيره، فعلى الزوجة أن تبذل جهداً إيجابياً للعناية بنفسها وبيتها لسعادة زوجها، والعناية لا تكون بالمظهر فقط، وإنما بالثقافة والمشاركة في كل الاهتمامات الثقافية والفكرية والعلمية والدعوية بدلاً من الشكوى من حظها العاثر.

 

 

الدكتور "مصطفي الحاروني" ـ مدرس علم النفس التربوي بجامعة حلوان- يرى أن الحياة الزوجية تشبه قضيبي قطار لا بد أن يسيرا متوازيين بدون تخلف، وخلال طريق الحياة تتعدد الأدوار؛ ففترة الخطوبة لها أفكارها واهتماماتها وإشراقاتها، ودور الخاطب والمخطوبة ينتهي ببدء دور الزوج والزوجة.

وبمجرد أن يرزق الزوجان بمولود تتغير طبائع الأدوار، حيث يتراجع اهتمام الزوجة بزوجها تحت وطأة شعورها بالأمومة الفطرية، وهنا تدخل حياتهما في أدوار جديدة تمثل نقطة ارتكاز لحياتهما المقبلة، فقد تقف الزوجة عند حدود الاهتمام بالمأكل والمشرب والملبس للأبناء، وترتبط بهم أكثر وتتركز حياتها عليهم على حساب الزوج؛ الأمر الذي يشعره بأن زوجته تمنحه "بقايا" اهتمامها فينصرف عنها غير راض بما آل إليه الزواج، يحاول تعويض ذلك بالانشغال في العمل أو طموحاته العلمية أو المادية؛ ومعنى هذا أن قدرة الزوجين على استيعاب الأدوار المتنوعة للمراحل المختلفة التي يمران بها هي المحك الأهم في حياتهما الزوجية.

وعلى الجانب الآخر ينصح المختصون النفسيون الأزواج بالاهتمام بتفاصيل الحياة الزوجية، فمهما بلغت أهمية المشاكل التي يواجهونها في العمل إلا أن المشاكل الأسرية أهم وأعمق. كما يؤكدون أن المرأة ذات طبيعة شفافة وحساسة إلى أبعد الحدود؛ لذلك يجب الاهتمام بها من خلال تخصيص الزوج وقتاً ولو قليلاً للجلوس معها، والتلفظ بما تحبه من عبارات الإطراء المعبرة عن مدى سعادته معها، والثناء على اهتمامها بنفسها وأعمالها المنزلية، فيدفعها ذلك إلى القيام بواجباتها الأسرية على أحسن وجه، وبذلك يبتعد عن كل ما يسبب الأزمات العائلية والجفاف الأسري، كما يؤدي إلى توفير جو عائلي صحي تحيطه المشاعر الرقيقة والدفء الأسري.

يرى الدكتورأحمد عبدالرحمن ـ أستاذ علم الأخلاق بالجامعات المصرية والعربية سابقاً ـ أنه لابد أن يتذكر الزوج أن للزوجة حقوقاً مهما كانت مشاغله، فيعطيها بعض الوقت يجلس إليها يحدثها، يقنعها بما يفعل ويشرح لها فيما هو مشغول، ويذكِّرها دائما بالسيدة "خديجة" فقد كانت تساوي جيشاً؛ وقفت بجانب النبي صلى الله عليه وسلم.. أيدته وثبّتته وأعانته بكل ما تملك.

 

 

ويضيف الدكتور عبد الرحمن قائلاً: "أشارك زوجتي دائماً فيما أفعل وأخبرها بخطواتي وآخذ رأيها في خطبة الجمعة، وأعطيها مسودة الموضوع وأناقشها وتفيدني جداً، وربما يغيب عني جانب من جوانب الموضوع، وبخاصة المتعلقة بالنساء، وقد تذكرني بمناسبة نسيتها. فإذا كان الزوج مشغولاً فالمرأة أيضاًُ بيتها يحتاج إلى الكثير من الوقت وتستطيع أن تشغل وقتها بما يفيد أسرتها وتقتصد في ميزانية الأسرة وتشغل وقتها بالقراءة. أما أن تجلس الزوجة في بيتها لا تشغل نفسها بعمل منزلي ولا بقراءة.. عندئذ ستجد نفسها فارغة تبحث عن زوجها فتجده مشغولاً في عمله".

ويقول الدكتور محمد المختار المهدي ـوكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهرـ: "إذا كان الزوج لديه عمل وعليه مسؤولية فإن أهل البيت يجب أن يساهموا ويحتسبوا تقصير رب الأسرة في بعض حقوقهم إعانة له على أداء واجبه. وعلى الزوج أن يفهمهم أنه لا ينشغل عنهم إلا للضرورة القصوى، ولكن مهما كان انشغال رب الأسرة فهناك أمور يجب ألا يتهاون فيها، كالمخالفات الجوهرية في سلوكيات أهل البيت، سواء كانت الزوجة أو الأولاد، فلا يليق أن يهمل أولاده من ناحية الصلاة والاهتمام بالقرآن وانضباط السلوكيات، فرعايته لهم ألزم من أي أمر آخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وقال: (الرجل راع في بيت أهله ومسؤول عن رعيته)، والأقربون أولى بالمعروف؛ هذه أمور جوهرية يجب ألا يفضل عليها أي أمر من الأمور، حتى ولو كانت الدعوة خارج البيت؛ لأن هذه الأمور واجب عيني، أما الدعوة فواجب كفائي".

من هنا يأتي التنسيق والتوازن بين أداء الواجبات، وعلى المرأة أن تعين زوجها على أداء مهامه خارج البيت، ولها في ذلك أجر مثل أجره، فقد جاءت امرأة تشكو للنبي صلى الله عليه وسلم أن الرجال يستأثرون بفضل الجهاد في سبيل الله ولا ينقطعوا عن الصلاة والصيام ، فأرشد إلى أن حسن تبعل النساء لأزواجهن يعدل ذلك كله. 


في الجمعة 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 10:45:59 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=766