الخنزير حاضر في كارثة أنفلونزا الطيور

 

 

البشر يولدون على الفطرة وكانوا حتى قرون قليلة ماضية يعيشون على هذه الفطرة، والإسلام موصوف بأنه دين الفطرة، ونحن الآن نسمع في الغرب دعوات كثيرة وحركات تطالب كلها بالعودة إلى الفطرة ويسمونها هناك بالطبيعة أو الأصول الحيوية، ولكن ما بين هاتين الحركتين الماضية والحاضرة مرت فترة تصل إلى نحو القرن وتصاعدت في العقود الأخيرة لتروج لما هو مضاد للطبيعة والفطرة. ليس هذا فقط في مجال الصناعة واستخراج المواد الخام وتحويلها وإنما وصل إلى التلاعب بالجينات الوراثية والصفات الأساسية لأنواع عديدة من النبات والحيوان بل وحتى الإنسان.

 وبعد أن كانت حركة معاداة الفطرة والطبيعة تتعلق فقط بالتصنيع وبناء المدن وإيجاد مواد صناعية مختلفة انتقلت إلى مجال الخلايا الحية وأشكال الحياة الأساسية نفسها في السنوات الأخيرة ولم تمر هذه التحولات الأخيرة بدون ضرر جسيم على الحياة الإنسانية على المستوى الاجتماعي والفردي والصحي والنفسي.

وهذا يفوق بكثير الأخطار التي حدثت من قبل على الطبيعة بمعنى إتلاف الغابات والأنهار والمراعي والأراضي الزراعية.

 

 

بما كسبت أيدي الناس

 

 

 إن التلاعبات الأخيرة على مستوى الخلية والصفات الوراثية وعلى مستوى إيجاد مواد صناعية جديدة لا تنعكس فقط على ظهور أنواع جديدة وخطيرة من الأمراض والعلل بل انعكست كذلك على كثرة ظهور أشكال وأنماط من أمراض قديمة عادت إلى الحياة أكثر شراسة واستعصاء على العلاج والسيطرة من ذي قبل.

والأخطر أن ظهور الآثار المدمرة لهذه التحولات في الهندسة الوراثية وغيرها بدأ يظهر الآن في أمراض ومشاكل اجتماعية ناجمة عن تردي الأوضاع الصحية في قطاعات كبيرة من البشر. وأول هذه المشاكل في الرعاية الصحية وتوفير العلاج لأعداد متزايدة من المرضى وتدبير الأموال والخبرات العلمية المطلوبة لإيجاد علاجات جديدة أو حلول للأزمات الصحية. وبجانب ذلك اضطرابات السلوك البشري وتزايد حالات العنف المرضي والانحرافات والشذوذ في التصرفات والأفعال، مما يرجعه الكثير من العلماء الآن إلى تأثيرات كيمائية على المخ والأعصاب وتولدها أنواع المواد الجديدة الصناعية والمستحدثة وأنواع الفيروسات التي ظهرت نتيجة تلوت البيئة وأنواع المأكولات والمنتجات الناتجة عن الهندسة الوراثية والتلاعب في الخلايا والصفات الأساسية لأنواع النبات والحيوان.

فعندما ظهر مثلا مرض مثل جنون البقر كان سببه هو إطعام الحيوان بأعلاف مكونة من بقايا عظام ودم وأجزاء حيوانات أو طيور مذبوحة أو قد تكون نافقة. وهذا يعني أنه بدلا من أن يعيش الحيوان على المراعي والنباتات كما أراد الله صار يأكل بقايا حيوان آخر. والأمر الأكثر خطورة في هذا الموضوع هو حدوث خلل في التكوين الجيني لتلك الحيوانات ومن ثم يؤثر هذا على صحة الإنسان الذي يتناول لحوم هذه الحيوانات ويحدث له تبعا لذلك خللا في الوظائف الحيوية. وخطورة هذا الأمر على المدى البعيد هو التحولات التدريجية التي تحدث للخلايا والأنسجة ولا يتم الكشف عنها أو رصدها منذ البداية، وبالتالي لا يحدث تشخيص ولا علاج.

 

 

الخنزير وسيط السوء

 

 

أما الفزع الآن والذي يجتاح العالم بسبب وباء أنفلونزا الطيور، وبالرغم من أنه موجود منذ سنوات وينتقل عبر الطيور المهاجرة وهو ما يعني عدم إمكانية حصره في أماكن المنبع فسببه كما أجمع العلماء والمتخصصون هو تربية قطعان من الخنازير مع الطيور، لكون الخنازير تشكل عامل وسيط عن طريقه ينتقل المرض للإنسان ، حيث إن بيئة الخنازير الدموية شبيهة بالإنسان ثم يهاجم المرض الإنسان عبر الخنازير، وهو ما حدث بالفعل في جنوب شرق آسيا والصين عند انتشار المرض هناك ، حيث تتم تربية وأكل الخنازير بكثافة.

وبعد أن تطور الفيروس عبر الخنزير صار أكثر شراسة، وبالتالي انتقل ثانية إلى الطيور ومن ثم إلى الإنسان وما زال هناك خطر أشد وهو أن ينتقل من إنسان إلى الإنسان بشكل وبائي.

وإذا كانت مثل تلك الأمراض الوبائية وغيرها والتي تم الكشف عنها أو التي لم يتم الكشف عنها بعد قد قدمت إلينا من أوروبا وأمريكا وشرق أسيا فسببها الأساس هو عدم الالتزام بالفطرة السوية وعدم إتباع سنة الله في الكون.

وأذكر في هذا الصدد الإعجاز القرآني في تحريم المولى سبحانه وتعالي أكل الميتة والدم ولحم الخنزير .. فهذا الخنزير رغم ما أثبته العلم الحديث من أنه مصدر بشع لكثير من الأمراض العضال إلا أن العالم الغربي ما زال يأكل لحمه ويقوم على تربيته إلى جانب استخدام الدم والميتة في إطعام الحيوانات واعتبار ذلك مجرد صناعة سريعة مجردة من أخلاقيات حاكمة سوى أن الغاية تبرر الوسيلة.

وفي هذا الصدد أشير إلى أن الغزو الغربي لبلادنا العربية والإسلامية لا يعمل فقط على المستوى الثقافي بل إن الغزو البيولوجي على كافة مستوياته أثر على أبداننا وصحتنا.. وإذا كانت القاعدة الشرعية تؤكد أن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان فالأولى بنا كمسلمين أن نرعى الله في أبداننا وصحتنا وأن تكون لنا خصوصية في شتى مناحي الحياة.

 

 

علم منفلت بلا أخلاق

 

 

إن التقدم العلمي والتقني دون قيم وأخلاق يؤدي إلى الدمار، والعلم الغربي وضع نفسه عند حدود المادة وهي أضيق الدوائر... وقد استمرت الحضارة الإسلامية عشرة قرون جمعت فيها بين الدنيا والآخرة في معادلة واحدة وقد تفوقت في نواحي النشاط الإنساني العلمي والتقني والصناعي والتجاري فكانت بذلك حضارة متميزة.

ثم تعرضت هذه الحضارة لموجات من التدمير ومحاولات لإسقاطها من كافة القوى المعادية للإيمان. الإنسان الآن وصل إلى استنتاجات وبحوث علمية دقيقة وأصبحنا نعيش زمن الصواريخ ورحلات الفضاء والإلكترونيات فائقة الصغر والدقة وبدائل الطاقة والتحكم عن بعد والاستنساخ والتقنية الدقيقة للغاية. لكن يتحقق في هذا قول المولى سبحانه وتعالى [فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء] وقد فتح الله على الناس في هذا الزمان من أسباب المعرفة في هذا الكون وسننه وقوانينه ما لم يفتح من قبل... وهذا التقدم العلمي والتقني ما لم تصاحبه قيم عالية وضوابط أخلاقية صحيحة فإنه سيؤدي بالإنسانية إلى دمار محقق. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة مشاكل لا حل لها على مستويات عديدة في إطار الصراع العلمي ولا حل لها إلا بالرجوع إلى القيم الروحية والهداية الربانية. وإذا كان الإسلام قد أقام أول حضارة حققت التوازن بين الدنيا والآخرة فعلينا أن ننهض الآن لنحمي أنفسنا وأمتنا ولن يكون ذلك إلا من خلال نهضة علمية وتقنية شاملة تستطيع مواكبة العصر وتكون بمثابة الرحمة والهدى للعالم أجمع.

 

 

إن العلم التجريبي والتقني حينما بدأ في الغرب بدأ من أساس العلم الإسلامي الذي كان متوفرًا في أسبانيا وإيطاليا وصقلية وعندما أرادوا في الغرب تطبيق هذا الفكر وهذه العلوم كان لابد لهم من صراع مع الكنيسة التي حكمت على العلماء بالإحراق والسجن والتعذيب ومن هنا بدأ العلم التجريبي في الغرب بمعاداة القضية الإيمانية وبدأ بمفاصلة كاملة مع الروحانيات والغيبيات وبعداء حقيقي لقضية الدين.. ومثل هذا لم يحدث مطلقًا عبر التاريخ الإسلامي الطويل. ومن هنا فلا يجوز لنا أن نقلد الغرب في هذه القضية فهو يتهاوى اليوم في هوة التحلل الأخلاقي والقيمي رغم تقدمه العلمي والتقني ولكن دون أخلاقيات وقيم وضوابط سلوكية. ويحب أن لا نتبعه أو نجعله يعرض علينا قيمه أو الآثار السلبية لحضارته المادية. وعلينا في تلك المرحلة إعادة صياغة العلوم من منظور إسلامي وهذا لا يعني مثلاً أن هناك كيمياء وفيزياء وبيولوجيا إسلامية وغير إسلامية ولكن القضية هي إدراكنا بأن العلم الكوني وسيلة مباشرة للتعرف على سنن الله التي تحكم هذا الكون وأن العلوم الكونية وسيلة مباشرة لدعم قضية الإيمان في النفس الإنسانية ووسيلة مباشرة للتمكين في الأرض وعمارتها. ولذلك نقول إن الإصلاح في مجال العلوم الكونية إصلاح ميسور. وبعد نقل هذه المعارف من الغرب يجب أن نغربلها ونأخذ منها ما يتفق مع أصول ديننا مع الاستفادة من كل المعارف في معرفة الكون وسننه وقوانينه.

 

 

الإسلام والارتقاء بالعلم

 

 

إن عندنا قضية أساسية في المنهج والمحتوى، فلا بد أن تكون كتاباتنا العلمية متميزة عن كتابات الغرب وهذا التميز يأتي في حدود الصحة لأن العلم له طبيعة تدريجية وهو لم يأت فجأة بل له تاريخ وهذا التاريخ جزء من دراسة العلم ويحكي الظروف الاجتماعية والنفسية التي تكونت فيها أي فكرة علمية والتدرج في الدراسات العلمية يوصل الإنسان إلى الحق من الباطل، فتاريخ العلوم جزء أساسي لتدريس العلوم وأقول ذلك لأن مؤرخي العلوم في الحضارة الغربية يبدءون من الحضارة الرومانية القديمة ثم ينتقلون فجأة إلى عصر النهضة ويتناسون العصر الذهبي للحضارة الإسلامية وتقدمها المذهل في ذلك وقت التي جعل حضارة الغرب تتقدم وتفيد منها.

لذلك يجب أن نذكر التاريخ العلمي الإسلامي لما له من أهمية كبرى من ناحية إحقاق الحق، وأيضًا إشعال الحمية في قلوب المسلمين وإعادة الثقة في أننا نستطيع كأمة مسلمة أن نعبر هذه الفجوة الهائلة بيننا وبين العرب... ولا بد أيضًا أن لا نتوقف عند الحدود المجردة للعلم، فالعلم الغربي حصر نفسه عند إطار المادة... أما نحن فيجب أن نربط العلوم بالإنسان وبالخالق وبأدلة منطقية ومبرهنة ولنرتقي بالعلوم إلى فوق المادة... وعندما نحقق ذلك نكون قد وضعنا اللبنة الأولى في إعادة البحث العلمي والتقني لهذه الأمة ونتجنب كل شرور المنهج الغربي الذي جلب لنا الأمراض والدمار.

 

 
في الثلاثاء 21 فبراير-شباط 2006 06:33:02 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=82