رسالة إلى خطباء المساجد
محمد بن الحكيم
محمد بن الحكيم

في عصرنا هذا صار كل شيء مشبوه ذ به ومتشابكا، وصارت القنوات الفضائية والإعلامية أكثر من أن تعد, وصار الذين يمتلكون الرأي العام مللا ومذاهبَ وفرقاً كثيرة, وهم يستخدمون طرقاً بارعة في جعل أصوات الدعاة غارقة بل جامدة في ظل ضجيج إعلامي لم يسبق له مثيل في جعل الرهان في ساحة إقناع الآخرين شديد جدا. وفي هذا الجو الملتهب, أريد أن اسأل خطباء المساجد: من سوف يتفوق؟, لكن المتفوق في هذه الساحة من يفهم روح العصر وثقافته.

إن استيعاب مشكلات العصر وتطلعات أبنائه هي المفصل الرئيسي في حجم تأثير الداعية في المدعوين. لكن من المؤسف جدا والمحزن, وبالذات ونحن في هذه الأيام نشهد تغيرا ليس له مثيل وهناك عروش دول تسقط وزعماء تقتل وتسفك الدم الحرام في الشوارع ظلما وعدوانا وهناك دول إسلامية وعربية يسيطر عليها الاحتلال الغربي وهناك مخابرات وموساد وأهداف يتم تنفيذها من أجل القضاء على الإسلام وتحويل المسلمين إلى لقمة سهلة في أيدي الغرب, ومع هذا كله قلما رأينا داعية يتكلم عن تطورات الأحداث وعن الشأن العالمي أو يبحث عن معضلة تؤرق العالم.

وذلك لأننا نسلط الضوء على ما هو محلي أو إسلامي بعيدا عن الهموم العالمية, مع أن العقلية التي يسوقها المنهج القرآني لا يمكن أن تكون متقوقعة ولا حسيرة, وكم يتقطع قلبي ألماً عندما أقول هذه العبارة إن واقع الحال يقول: إننا لسنا على مستوى الرسالة، وبدلا من أن نبادر للتأثير على الآخرين, فإن جل أنشطتنا تتمحور حول اتهام الآخرين, أو كثرة البكاء على الإطلال, أو نتحدث عن حفرة في شارع قصرت البلدية في ردمه. وحسب اعتقادي الشخصي فإن المجتمعات العربية ملت وتعبت من سماع ذلك؛ لأنها ترى أن الماضي يذكر وهو ماض قد مضى والمستقبل لا يذكر ولا يتم الاستعداد له.

وأعود لأقولها بصراحة مطلقة أن داعية واحدا من ذوي الإلمام الجيد قد يحول بين جيل كامل وبين التدهور والانحراف، وداعية واحدا قد يسد على المسلمين ثغرة لا تسدها المئات بل الألوف من الدعاة الذين تم تكوينهم وإعدادهم من قبل دعاة متشددين أرادوا أن يحبسوا أفكار الناس في فقاعة, وهيهات أن يكون لهم ذلك.

يا دعاة وخطباء المساجد كونوا كالنحلة التي تطير المسافات الشاسعة في سبيل الوقوع على أكبر عدد من الزهور، ومن ثم فهي تخرج للناس شراباً فريداً.

وقرأت في بعض الكتب إن أحد الدعاة في ماليزيا قرأ ما يقارب مئتي كتاب حول الثقافة الصينية حتى يتمكن من دعوة الصينيين إلى الإسلام بنجاح.

هذه هي الفرصة العظيمة التي تتيحها خطبة الجمعة, لكن يجب أن نتصور سوء الوضع فيما لو لم يكن عندنا شيء اسمه صلاة الجمعة، فلاشك أن الجهل سيكون أعظم, والوعي أقل, والترابط بين أهل الحي الواحد أضعف, لكن الذي يتوجع منه المسلم أن الأطنان من الورق التي تكتب عليها خطب الجمعة أسبوعياً لم تحقق إلا جزءاً يسيراً مما هو ممكن وما هو مرجو.

إن صعود المنابر ليس بالأمر السهل, فلقد سئل الخليفة عبد الملك بن مروان: لماذا شعرك أبيض؟ قال: شيبني صعود المنابر؛ لأن الخطيب كل أسبوع يعرض عقله وثقافته على الناس. ووسائل الإعلام أتاحت للناس اليوم قدراً كبيراً من المعلومات المتناثرة الجديدة والتي تنتمي إلى حقول المعرفة المختلفة وهذا يمثل تحدياً لخطباء الجمعة الذين ركنوا إلى معلومات وإحصاءات قديمة عن واقعنا المعاصر وإلى الذين اعتادوا أن يرددوا بعض الأمثلة والنماذج حول أمجادنا التاريخية أو حول مشكلاتنا ومشكلات الغرب مما صار مرفوضاً من قبل البنية العقلية والثقافية الجديدة, بل إن الأمر يتجاوز ذلك, فقد قرأت في أحد الكتب أن في إحدى القرى وجدوا الخطيب يدعوا لأحد خلفاء بني العباس بالنصر والتمكين وما ذلك إلا لأن الكتاب ألّف في زمان العباسيين.

إن الخطيب الناجح هو الذي يتابع الجديد متابعة جادة ليشعر الناس بأنه متابع لما يجري على الساحة, ومتخذاً أيضا موقفاً منه. كما أن الاهتمام بالصغائر والجزئيات يعد خيانة للأمة والمنهج الرباني.


في الخميس 10 مارس - آذار 2011 01:27:42 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=9405