ماهو مطلوب لمواجهة محاولات عزل الثورة دولياً
حسين اللسواس
حسين اللسواس

الاهداء: إلى السيدة هيلاري كلينتون- وزيرة خارجية الولايات المتحدة الاميركية

عقب ان اشتد عود الثورة السلمية وتعاظم تأثيرها وحضورها بإنضواء معظم البعثات الديبلوماسية من ممثلي وسفراء اليمن إلى صفوفها، رجحت جُل التوقعات حدوث تحولات جوهرية في المواقف الدولية لصالح الثورة لاسيما عقب الادانات الدولية للمذبحة الدموية التي ارتكبها جلاوزة النظام الصالحي المتداعي في حق (52) من ابطال الثورة السلمية.

بخلاف الترجيحات، وباستثناء الموقف الفرنسي المُطالب بتنحي الرئيس صالح، لم تبارح المواقف الدولية الأخرى –وبالأخص الموقف الاميركي- مربع الضبابية المغلفة بالهواجس والمخاوف التي تبدو في معظمها غير منطقية.

حين نحاول قراءة مسببات غموض المواقف الدولية من زاوية التحركات الصالحية، تبدو الصورة اكثر وضوحاً، فالنظام الصالحي ذي الشرعية المتآكلة، لم يدخر جهداً في السعي لاحتواء الصخب الناجم عن انضواء البعثات الديبلوماسية اليمنية وقادة الجيش الى الثورة، بهدف تحجيم اي حماس دولي لاسناد الثورة ودعمها وهو بالمناسبة حماس سبق ان عبر عن ذاته بالإدانات الدولية والاميركية لمذبحة الجمعة الدامية.

الترويج لفكرة الانقلاب، التلويح بسيناريوهات الحرب الأهلية، العزف على وتر المخاوف الدولية من نمو تنظيم القاعدة، ثلاثة مانشيتات واصفة للاساليب التي ينتهجها النظام الصالحي المتداعي في محاولة لعزل الثورة خارجياً وحرمانها من اي تأييد او غطاء دولي مساند.

حتى وان بدت التحركات الصالحية الأخيرة هي الأكثر تأثيراً في تخليق حالة الغموض والضبابية والمخاوف التي تسود المواقف الدولية من الثورة الشبابية السلمية، إلا ان عوامل أخرى يمكن ان تجسد تبريراً لايقل أهمية.

وفق المعطيات الماثلة، في وسعنا الادعاء ان تكومات جليدية وجدت طريقها الى التكدس والنمو بين الثورة والمتحمسين لها خارجياً وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية وذلك عقب انضواء قيادات سلفية كعبدالمجيد الزنداني وأخرى عسكرية كالجنرال علي محسن الاحمر الى صفوف الثورة.

انعدام المرونة وتعقيدات صنع القرار

رغم ان الموقع الالكتروني للكونجرس الاميركي كان قد نشر -في ليلة انضواء الجنرال علي محسن الى الثورة- تقريراً صحافياً يتحدث عن انهيار النظام الحاكم في اليمن، إلا ان ذلك لم يُشكل حافزاً لدفع الادارة الاميركية إلى اعلان موقف داعم لخيارات الشعب اليمني.

لقد بدا وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس حذراً للغاية حين عبر عن قلقه من حالة عدم الاستقرار في اليمن، إذ حاول بتصريحاته تجاوز الكمائن الصحافية الباحثة عن موقف اميركي من الثورة السلمية مكتفياً بالإعراب عن قلقه من ان تؤثر الأحداث في اليمن على جهود مكافحة الارهاب.

في الواقع، لا تبدو تعقيدات صنع القرار الاميركي الناجمة عن انعدام المرونة في التعاطي مع الاحداث والتطورات، هي الدافع الوحيد الحائل دون بروز تأييد اميركي او على أقل تقدير تعاطف مع الثورة السلمية، إذ ثمة دوافع أخرى تجعل صانع السياسات الاميركي أسيراً للتردد في اعلان موقف كهذا.

مسببات الجليد بين الثورة واميركا

بإمكاننا تجميع الدوافع في نقاط ومحاور أساسية، فالأميركان كمحور أول: لا يريدوا لموقف الاسناد ان يبرز دون وضوح يكفل تحديداً دقيقاً للقدرات الثورية فيما يتعلق بممكنات السيطرة والامساك بزمام الامور سواءً بعد السقوط اللائح للنظام او اثناء التصادم معه (ان تطلب الامر ذلك).

وبما انهم –كمحور ثان- يخشون من تأثيرات الفوضى والحرب الأهلية على مصالحهم الحيوية في المنطقة، فإن التأييد الاميركي للنظام الصالحي يُجسد محوراً ثالثاً لأسباب ثلاثة اولها: الخشية من ان تؤدي التغييرات الثورية المرتقبة الى فقدان التنازلات السيادية التي حصل عليها الاميركان من نظام صالح في البحار والاراضي والاجواء اليمنية، ثانيها: الخشية على مصير الاتفاقيات المبرمة والاخص الامنية منها لاسيما تلك المتصلة بمكافحة الارهاب، ثالثها: القلق من احتمالات حل وتفكيك مؤسسات الاولاد الحديثة وبالذات (قوات مكافحة الارهاب) التي قدم الاميركيون في سبيل بناءها مليارات الدولارات.

وإذا كانت الخشية من ظهور الزنداني وغيره من المتهمين اميركياً بمساندة القاعدة كوجه ثوري بارز، تشكل محوراً رابعاً، فان القلق من وجود شخصيات كالجنرال علي محسن الاحمر يعد محور الدوافع الخامس.

ضرورة تشكيل المجلس الثوري

رغم ان التأييد الاميركي والدولي للثورة السلمية اضحى وشيك الحدوث كنتاج بديهي لإقتراب الثورة من لحظة النصر، إلا انه –في الوقت عينه- يظل مرتبطاً بعاملي الوقت والاحداث.

هنا تتبدى أهمية سعي الثوار لإخراج هذا الموقف من قمقم التردد، إن لم يكن حرصاً على نجاح الثورة الوشيك، فلضمان احباط اي مؤامرات لإرتكاب تجاوزات سلطوية (بضوء اميركي اخضر) في حق الثورة لاسيما في ظل التحركات الصالحية الاخيرة المثيرة للقلق والتوجس (الاستعانة بالقبائل وحشدهم وإيفادهم الى العاصمة).

تاسيساً عليه، يتعين على الثوار تأكيد قدرة الثورة على إدارة دفة البلاد والامساك بزمام الامور في حالتي (سقوط النظام او مقاومته لإرادة الشعب) وذلك عبر الاسراع في تشكيل مجلس لقيادة الثورة يتآلف من مختلف التكوينات الثورية المناهضة للنظام إبتداءً بالحركات الثورية في ميادين وساحات التغيير باعتبارها الاصل والمرجع، ومروراً بأحزاب اللقاء المشترك والمعارضة الخارجية، وانتهاءً بالحراك والحوثيين والمجتمع المدني والجيش والمشائخ.

وبحيث يتولى هذا المجلس بالاضافة الى الحرص على حماية الثورة وديمومتها، المهام التالية: اولها: تشكيل مجلس حكم انتقالي بإشراف المجلس الثوري بهدف الاستعداد لإدارة دفة الدولة، ثانيها: بدء اتصالات مكثفة مع مختلف الاطياف اليمنية للحصول على اكبر تأييد ممكن لهذا المجلس المستند الى الشرعية الثورية، ثالثها: وضع آلية لتنفيذ أجندة المرحلة الانتقالية بصورة تضمن اجراء انتخابات رئاسية تفضي الى الانتقال من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية، رابعها: تكليف البعثات الديبلوماسية –التي اعلنت انضمامها الى الثورة- بتمثيل الثورة خارجياً وشرح اهدافها وتبديد بروبجندا النظام الرامية الى تشويه الفعل الثوري ووصمه بالنعوت الانقلابية، خامسها: طمأنة العالم والولايات المتحدة الاميركية في جل المخاوف وإعاقة قنوات التأثير والتأثر القائمة بين المجتمع الدولي والنظام الصالحي المتداعي.

ويمكن للمهمة الرابعة ان تتحقق بمحادثات مباشرة وبالاخص مع اميركا للتأكيد على سلمية الثورة ورفضها للسيناريوهات العنفية وعدم تأييدها للفوضى التي يعمل النظام على نشرها وتخليقها، مع التأكيد ايضاً على احترام الثورة للاتفاقات الدولية المبرمة وبالاخص تلك المتعلقة منها بمكافحة الارهاب.

المشترك مطالب بتكثيف الاتصالات

وبما ان تشكيل المجلس الثوري وقيامه بتلك الخطوات أمر يتطلب هامشاً وقتياً قد يطول، فإن المجلس الاعلى لأحزاب اللقاء المشترك مطالب بتكثيف اتصالاته مع الاميركان والمجتمع الدولي وعدم الاكتفاء بالاتصالات التقليدية وذلك لتقديم تطمينات مبدئية تؤكد ان مجلس الثورة الآخذ بالتشكل يملك رؤية وامكانيات وقدرات حقيقية تمكنه من الامساك بزمام الامور وقيادة الثورة والدولة من مرحلة الشرعية الثورية الى مرحلة الشرعية الدستورية بعد سقوط صالح وأسرته وبقايا نظامه.

في جناح الثورة العسكري، يتعين على الجنرال علي محسن الاحمر استئناف المحادثات العسكرية المباشرة مع الولايات المتحدة الاميركية التي كان قد استهلها قبل سنوات باللقاء الشهير الذي جمعه مع وفد عسكري أميركي رفيع في مقر قيادة المنطقة العسكرية الشمالية الغربية.

ينبغي على الجنرال محسن -في هذه الجزئية- ادراك مستوى التشويه الذي ألحقه (الاولاد والرئيس) بصورته لدى الاميركان والغرب، وهو ما يحتم عليه منح الاميركان تطمينات رسمية تبدد مخاوفهم المتعلقة بمكافحة الارهاب بموازاة العمل على تصحيح الصورة المغلوطة التي عكف الاولاد والرئيس على رسمها عنه منذ اعوام خلت.

الاعانة الاميركية للثورة السلمية

ليس في وسع ثورة وليدة تقديم مبادرات تطمينية للمجتمع الدولي والقيام بخطوات اتصالية ذات طابع مستمر ومتواصل لاسيما في ظل ما تجابهة من تحديات ومخاطر.

وبالتالي يتعين على الولايات المتحدة الاميركية اعانة الثورة وحثها على القيام بمبادرات وخطوات، ويمكن لسيناريو كهذا ان يتم بالآتي: أولاً: ينبغي ان تدرك اميركا بان الرئيس صالح لم يكن يحارب تنظيم القاعدة بقدر ما كان يستخدمها ككرت للتلاعب بالاميركان والتحايل عليهم ودفع المجتمع الدولي لإدرار الاموال والمساعدات.

ثانياً: على الاميركان إدراك حقيقة التضليل الذي اقدم عليه صالح والاولاد إثر محاولاتهم اليائسة للربط بين تنظيم القاعدة والثورة السلمية.

ثالثاً: يتعين عليهم فهم مسببات وجود بعض الشخصيات في الحدث الثوري كعبدالمجيد الزنداني وغيره من الذين اخفقوا في امتطاء اللحظة الثورية، إذ ان الوجود الطارئ –الآخذ بالتلاشي- لهؤلاء في مرحلة معينة من الفعل الثوري لا يعد تعبيراً عن توجهات الثورة على الاطلاق.

رابعاً: ليس من مصلحة الولايات المتحدة الاميركية مساندة الاولاد والرئيس في توقيت كالذي تعيشه البلاد، السبب ببساطة: ان وجودهم في معادلة الامر الواقع اضحى مؤقتاً وآيلاً إلى الزوال قريباً.

خامساً: يجب ان تعلم اميركا بان استمرارها في تأييد الرئيس والاولاد (اولاده وأولاد اخية) سيؤدي لانعكاسات سلبية على العلاقات الثنائية المستقبلية بين البلدين.

سادساً: لابد من ادراك حقيقة ما يمتلكه الجناح العسكري للثورة بقيادة الجنرال علي محسن الاحمر من قدرات تمكنه من أمرين، الاول: حماية البلاد واعادة الاستقرار وضمان المصالح الاميركية والدولية شريطة عدم تعارضها مع المصالح الاستراتيجية للشعب اليمني، والثاني: احتواء وتطويع تنظيم القاعدة وإيقاف اي نمو او تمدد له في اليمن والتعاون مع الأسرة الدولية في جهود مكافحة الارهاب دون اي مراوغات كتلك التي أدمنها صالح ونظامه الآيل للسقوط.

اعادة النظر في تصنيف الجنرال

عقب القراءة المتأنية والاستيعاب الدقيق لكل هذه المعطيات، يتعين على الولايات المتحدة ان تتوقف فوراً عن مساندة الاولاد والرئيس، احتراماً لإرادة الشعب اليمني وتطلعاته المشروعة في الحرية وصناعة التغيير واختيار حكامه، بموازاة اعادة النظر في التصنيف الاميركي لقائد الجناح العسكري للثورة الجنرال علي محسن على اعتبار ان التماهي مع رغبة (الرئيس والاولاد) في وضعه ضمن قائمة المتعاطفين مع تنظيم القاعدة يجسد تكتيكاً اميركياً خاطئاً ويعبر عن قصور معلوماتي وضعف تقييمي وعدم قدرة على التعاطي مع التطورات والاحداث ومواكبة التغيرات والتحولات الجذرية.

ما سبق بالطبع ليس كل شيء، إذ لابد للولايات المتحدة من ممارسة ضغوط على الرئيس صالح بهدف اثناءه عن الانسياق خلف السيناريوهات العنفية، وتشجيعه على التنحي السلمي تجنباً لإراقة مزيد من الدماء، ولابد لها ايضاً من اعلان موقف داعم ومساند لحق الشعب اليمني في اختيار من يحكمه، بالاضافة الى البدء الفوري بمحادثات مباشرة مع الثورة واجنحتها السياسية والعسكرية.

وماذا بعد

ربما كانت الثورة لا تحتمل نقداً ذاتياً في توقيت حاسم ومصيري كالذي نعيشه، غير ان ضرورات التماهي مع بوادر النصر اللائحة تستوجب الاعتراف بوجود تباطؤ سياسي في مواكبة ومجاراة التسارع الثوري المتلاحق.

أدرك تماماً حجم ومدى انشغالات ساسة الثورة في ترتيب الاوراق وتنسيق الجهود ومواجهة التحديات والاستعداد للمفاجآت، غير ان كل هذا لا يبرر تجاهل المخططات الصالحية الرامية الى (عزل الثورة دولياً) وحرمانها من اي غطاء او تأييد خارجي.

التباطؤ الذي اعنيه هنا، ليس مقتصراً على ضرورات تكثيف التحرك خارجياً فحسب، إذ ان الثورة باتت بحاجة لمجلس قيادي يتهيا للإدارة والمواجهة وتنسيق الجهود والمواقف والاستعداد لكل المفاجآت والسيناريوهات.

ربما لازال ساسة الثورة في المشترك، يأملون حدوث انتقال سلمي يرعاه الرئيس صالح بصورة تجنب البلاد مآلات الانزلاق نحو الخيارات الدامية، غير ان املاً كهذا رغم اتصافه بالتضاؤل لايجسد مبرراً للتباطؤ السياسي وعدم مواكبة اللحظة الثورية.

فالتباطؤ يمنح النظام فرصاً لتحاشي الاختناق وقدرةً على ابتكار تكتيكات وتموضعات مناوئة للفعل الثوري وبالاخص على صعيدي المواقف الدولية واحتمالات صنع الثورة المضادة.

هنا يتعين على من لازال الامل يحدوهم في التنحي السلمي للرئيس صالح، إدراك مخاطر عدم تشكيل مجلس ثوري، فالرجل قد لا يتنحى سلمياً وهو ما يعني هدر حيز هام من الوقت في انتظار عبثي، كما ان الوحدة الثورية الحالية التي تسمح بتشكيل المجلس الثوري دون خلافات قد لا تتحقق حين تبرز بشائر النصر وتلوح بوادر التمكين وهو ما قد يؤدي الى تخليق شكوك لدى المجتمع الدولي في قدرة الثورة على إدارة الدولة وتنظيم الانتقال السلس بين المرحلتين الثورية والدستورية بموازاة الالتزام بتعهدات اليمن خارجياً.

ان ابقاء الثورة دون قيادة سياسية بأجندة واضحة ورؤى محددة، يمكن ان يؤدي في لحظات الانتصار الى استعصاء التوافقات بين التكوينات الثورية وهو ما يهدد بإعادة الدولة مجدداً الى احضان الجيش بوصفه الضامن والحامي.

ورغم ان قادة الجيش ليسوا دعاة سلطة، ولا توجد لديهم اي تطلعات معلنة، إلا ان الحرص على ايجاد الدولة المدنية الحديثة وتحقيق باقي الاهداف الثورية وضمان ديمومة الفعل الثوري لحين تحقيق جميع الغايات، كل تلك امور تتطلب وجود مجلس ثوري تُمثل فيه جميع التكوينات المناهضة لنظام صالح من شباب وساسة ومدنيين وعسكريين وتكنوقراط بصورة تضمن عبور المرحلة الانتقالية بسلام تمهيداً لتحول مسار الثورة الى مرحلة البناء التنموي والاقتصادي.

*ينشر بالاتفاق مع صحيفة حديث المدينة


في الأحد 27 مارس - آذار 2011 02:45:37 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://video.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://video.marebpress.net/articles.php?id=9639