آخر الاخبار

الدول التابعة لإيران تتصدر قائمة أكثر شعوب العالم بؤسا.. لبنان اولا وسوريا ثانيا واليمن رابعا .. تفاصيل إسرائيل تفرج عن مراسل قناة الجزيرة بعد 12 ساعة من الاعتقال قيادات وطنية وسياسية وإجتماعية في ضيافة عضو مجلس القيادة الرئاسي د عبدالله العليمي أجواء مشحونة بالتوتر تسود حي شميلة بصنعاء عقب مواجهات مسلحة بين مواطنين وميلشيا حوثية منعت صلاة التراويح وإعتقال مقربين من الشيخ صالح طعيمان تفاصيل لقاء السفير السعودي آل جابر بالرياض مع المبعوث الأممي إلى اليمن حريق مفاجئ يتسبب في مضاعفة معاناة النازحين في مخيم النصر بمأرب جراء التهام النيران كافة الممتلكات الخاصة ولاضحايا عاجل : 10 غارات أمريكية بريطانية تستهدف مواقع  المليشيات الحوثية في اليمن .. تفاصيل اليمن تسلم مسئولة أممية خطة للتعامل مع كارثة السفينة الغارقة روبيمار الجيش السوداني يسحق هجوما مباغتا لقوات الدعم السريع من ثلاث محاور في الخرطوم عدن : تكريم 44 خريجًا من الحفاظ والحافظات لكتاب الله

«مرشد» .. أنموذجاً لطفولة بائسة وحياة مليئة بالحرمان

الخميس 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 الساعة 11 مساءً / مأرب برس- غرفة الأخبار
عدد القراءات 3014

حافي القدمين والأحلام أيضاً، وبعينين مثقلتين بالأسى وبآمال مؤجلة حتى إشعار لا آخر له، يغادر الطفل مرشد يوسف ذو الـ 10 أعوام منزله المهترئ قي حارة الكدف شمال مدينة الحديدة. يقطع مع شروق شمس كل يوم مسافة تقدر بأكثر من 4 كيلومترات سيرا على الأقدام باتجاه ما يعرف شعبيا بالـ (المرمى)، وهو مكب النفايات الخاص بالمدينة.

هناك تتشكل الحياة على نحو مختلف وغير متوقع، تبدو الطفولة في صراع غير متكافئ مع الحياة، ومرشد ليس إلا واحداً من عشرات الأطفال الذين كبروا قبل الأوان.

 

الرحلة المؤلمة

عند مدخل مكب النفايات، كان مرشد يحث الخطى مسرعاً وعلى غير عادة الأطفال الذين يتوجهون في مثل هذا الوقت إلى مقاعد الدراسة كان مرشد مستعجلا جدا وهو يخوض بقدميه طريقا محفوفا بالعديد من المخاطر الجسدية والنفسية والصحية لطفل في مثل سنه وجسد في مثل بنيته الهشة متوجها إلى عراك غير عادل مع الحياة التي لم تكن منصفة بالنسبة له في أي يوم.

 

قال متسائلا حين استوقفناه : "هيا بسرعة ما تشن؟" معبراً بها عن تساؤله واستعجاله في آن واحد، ليبدأ لاحقا سرد قصته المليئة بكل شيء عدا الفرح.

 

عراء الانفصال

قبل ستة أعوام من الآن دخلت عائلته في صراع أسري تصدعت على إثره العائلة الصغيرة المكونة من أب وأم وشقيقة صغرى جراء انفصال الوالدين، لتبدأ منذ تلك اللحظة حكاية الألم الذي فاق كل حدود الاحتمال.

"دبز بنا وراح " هكذا قالها باللهجة المحلية الدارجة واضعا كفاً بكف، بتعجب واضح وعقل شارد وآه مختبئة خلف صدره الصغير، قالها وهو يحكي كيف تخلى والده عنهم وأدار لهم ظهره وتركهم على عتبة المجهول الذي صار لاحقاً قدراً ثقيل الوطأة.

 

بقليل من الصمت يمنع مرشد عينيه من أن تقول شيئاً ما، وبدا متجاهلاً للدمع الذي جرى رغماً عنه، وعلى بعد خطوتين راح يدس بعضا من المعلبات المنتهية الصلاحية التي اعتاد أن يعود بها لأمه وشقيقته كما لو أنه يواري سوءة الحياة التي ضاقت بأحلامه البريئة.

لن أموت. 

 

بالقرب من مرشد كنا نقرأ عليه تاريخ صلاحية المعلبات التي جمع جزءا منها لأسرته، لكن ابتسامته الساخرة قطعت كل الحقائق التي تقولها الأرقام والتواريخ، وبصوت ممزوج بالضحك قال: "ما شاموتش!!"، قاصدا إذا ما أقدم على أكل هذه المعلبات فإنه لن يموت بحسب رأيه، وأوضح أن جسده صار معتادا على أكل الأطعمة والمنتجات التالفة والمنتهية الصلاحية، من مكب النفايات منذ انفصال والديه، والتي صارت توفر لأسرته طعاماً مجانياً تقتات منه الأسرة منذ سنوات.

 

وسرد لنا مرشد قصصاً حول مئات الأطفال الذين يتسابقون في كل يوم على هذه المائدة المفتوحة على المجهول، وقال: "كلما حضرت مبكرا كان الطعام أوفر وأكثر".

 

لم نستكمل حديثنا بعد، لكن صوتا من بعيد كان ينادي على مرشد وبالنظر إلى جهة الصوت، فقد كان الأمر صادماً ومخيفاً جداً، فعلى مقربة منا كان أصدقائه يتحلقون حول مائدة الإفطار وسط مكب النفايات، ليلحق بهم وينضم إليهم في بيئة تمتزج معها وفيها روائح النفايات بأدخنة الحرائق، والحيوانات المتحللة والذباب المنتشر على نحو مخيف جداً، تاركاً علامات استفهام وأسئلة عالقة في الأذهان عن الطفولة التي تسحق في حضرة المكان الذي لا يليق بالآدمية السوية. وبسؤاله عن وضعه الدراسي، التفت مرشد وقد أدار ظهره منصرفا للحاق بإفطاره مع رفقائه وقال: " ته مدرستي"، ثم ابتسم –  لقد كان الرد صادما لكنها الحقيقة على ما يبدو بالنسبة له.

 

وبحسب عبدالله عثمان (41 عاماً) يعمل ضمن فرق صندوق النظافة والتحسين في مكب النفايات، ويسكن بجوار مرشد، فإن انفصال والدي مرشد كان السبب الرئيس فيما آلت إليه حياة هذا الطفل وشقيقته، فقد ترك الدراسة في الصف الثاني لعجز والدته عن توفير احتياجاته الدراسية.

 

وأوضح عثمان أن عدم وجود عائل لأسرة مرشد أضطره للخروج إلى مكب النفايات، لجمع الطعام، وتجميع العلب البلاستيكية الفارغة وبيعها بمعدل يومي لا يتجاوز 200 ريال، ومساعدة والدته والتعرض للعديد من المخاطر المخيفة، سواء الصحية أو النفسية، لكنها الحاجة إلى الحياة التي لم تعد بها أدنى حياة بالنسبة له.

 

ويرى عثمان أنه من الصعوبة بمكان أن يتم منع عشرات الأطفال من جمع الطعام من مكب النفايات، لأنه بات مصدرهم الوحيد للبقاء على قيد الحياة.

أكمل مرشد إفطاره، وثمة ابتسامات على وجهه ورفاقه الصغار، كما لو أنه احتفال صامت بحصولهم على وجبة من الطعام الغير صالح لآدميتهم، لكنه يعني لهم الكثير.

 

المادة 6 من اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بحماية الأطفال، تنص على أنه لكل طفل الحق في الحياة، ويجب على الحكومات أن تعمل كل ما بوسعها لضمان بقاء الأطفال وتطورهم لبلوغ أقصى إمكانياتهم.  

قرأنا على مرشد المادة السادسة، لنختبر طفولته التي لم تعرف الحياة قط، لكنه رد ببراءة "مهي ته المتحدة"، وأضاف كما لو أنه نعي مبكر لطفولته: "أنا حياتي هنا وبس".

 

غادرنا مكب النفايات وفي المخيلة دخان وعناء وعشرات الأطفال في عراء الحاجة، وعلى رصيف حياة مليئة بالحرمان ورهينة لخيبات بلا انتهاء. 

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن