ثلاثية الموت في اليمن:الأوبئة والمعارك والاستثمار السياسي

السبت 23 مايو 2020 الساعة 04 مساءً / مأرب برس-متابعات
عدد القراءات 2325
 

  

 كأن الحياة السياسية في اليمن لا تريد أن تتخلّص من إرث الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي طالما استثمر كوارث البلاد لصالحه.

بداية من الزلزال الذي حصل في مدينة ذمار (جنوب صنعاء) في العام 1982، وبقي يستثمره لسنوات طويلة لاحقة، يطلب المساعدات الدولية ويقوم بخصم نسب من رواتب الناس بحجّة "ضريبة زلزال ذمار"، وصولاً لنيل أرباح تربية الإرهاب الذي ترعرع في البلاد، ونما تحت عينيه، وراح بعدها مُخاطباً العالم بأنه يريد المساعدات المالية "من أجل اجتثاث جذور الإرهاب".

وقد وصل الحال إلى أبعد من هذا، حين ذهب لإنتاج فيلم سينمائي عن الإرهاب في اليمن، أُطلق عليه "الرهان الخاسر"، كي يضاعف موقفه الاستثماري.

لكن يبدو أن طريقة الاستثمار في الكوارث نفسها ما تزال قائمة إلى اليوم، عبر كافة الجهات المُسيطرة على الجبهات اليمنية.

منظمة أطباء بلا حدود أعربت عن قلقها العميق من انتشار وباء كورونا في اليمن، وأنه من المستحيل معرفة المدى الكامل لانتشاره في البلاد، نظراً للقدرة المحدودة على إجراء الفحوصات على مدى البلاد.

في الوقت نفسه، كانت آلة الحرب تستعيد حركتها في مختلف الجبهات، على اتساع الجغرافيا اليمنية، وهو ما استدعى دق جرس الإنذار من الأمم المتحدة، بمختلف وكالاتها. وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك قال إن "الوقت بدأ ينفد".

وأوضح، في تعليقه على بداية اجتياح فيروس كورونا للأراضي اليمنية، خلال مداخلة عبر دائرة تلفزيونية أمام أعضاء مجلس الأمن منتصف الشهر الماضي، أن هذه الجائحة "تقدم فرصة فريدة لتحقيق السلام، بعد أن عانى ملايين اليمنيين من سنوات الحرب والحرمان".

واعتبر أنه "يجب أن تحفز جائحة كورونا العملية السياسية، لا سيما أن الحرب، التي دامت أكثر من خمس سنوات، أدت إلى تدهور شديد في البنية التحتية الصحية، ومن الممكن أن ينتشر الفيروس بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع، وبنتائج مميتة أكثر في اليمن".

جاء فيروس كورونا، إلى جانب الحميات والأوبئة الأخرى، ليزيد من معاناة اليمنيين ويفتك بهم " لكن ما حدث على الأرض كان مختلفاً.

ضربت كارثة السيول مدينة عدن، فأعلن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، بعدها بأيام ما يسمى بـ"الإدارة الذاتية لمحافظات الجنوب".

بدأ عدّاد ضحايا الأوبئة مثل فيروس كورونا الجديد، والمكرفس (شيكونغونيا) وحمى الضنك والملاريا في المدينة بالارتفاع جراء الوضع الصحي المتردي، فتفجر الموقف العسكري على نحو مفاجئ في أبين المجاورة بين القوّات التابعة للحكومة اليمنية والانفصاليين.

من جهتها لم تترك جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) فرصة انشغال القوّات اليمنية بالمواجهات الدائرة جنوباً، وتقف موقف المتفرج، حيث ذهبت لمواجهات جديدة في منطقة البيضاء، ومع قبائل المنطقة نفسها. والمعروف أن لا علاقة طيّبة تجمع بين "أنصار الله" وقبائل البيضاء، وعلى وجه الخصوص مع فكرة الإمامة التي تحملها هذه الجماعة.

وكان كبار مشايخ قبائل البيضاء أطلقوا معارك كبيرة من أجل الانتصار للجمهورية، في مواجهة العناصر الموالية لفكرة الإمامة منذ ثورة العام 1962 في شمال اليمن.

لكن يبدو أن المسألة تغيّرت الآن، إذ تقف قبائل البيضاء نفسها بقيادة ياسر العواضي، وهو شخصية ملتبسة وكان لوقت طويل الذراع الإعلامية الكبرى للرئيس الراحل علي عبد الله صالح وأحد الذين كانوا على القرب منّه حتى وقت قريب من يوم مقتله على يد "أنصار الله".

واليوم ظهر العواضي مطالباً بثأر إحدى المواطنات التي سقطت بنيران عناصر تابعة للحوثيين.

وتبدو البلاد محاصرة أكثر من أي وقت، من أقصى شمالها إلى جنوبها، بالمعارك العسكرية والأوبئة والكوارث الصحيّة. في هذا السياق، قال الصحافي عبد القادر عبد الله سعد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الوضع في اليمن تنطبق عليه مقولة السفينة تغرق وقوارب النجاة تحطمت.

ست سنوات أهلكت ودمرت البنى التحتية في اليمن، خصوصاً القطاع الطبي، ليأتي فيروس كورونا، إلى جانب الحميات والأوبئة الأخرى، ليزيد من معاناة اليمنيين ويفتك بهم".

وأوضح سعد، المُقيم في صنعاء، أن "الأوبئة تحصد الأرواح، ولا وجود لأطباء في المستشفيات ومراكز العزل.