واشنطن تشك في تواطؤ.. وجهاز الأمن القومي يحقق مع مسؤولين في الأمن السياسي

الخميس 16 فبراير-شباط 2006 الساعة 08 صباحاً / مأرب برس
عدد القراءات 4445

كشفت مجلة نيوزويك عن برقية صادرة من السفارة الأميركية في صنعاء إلى مقر وزارة الخارجية في واشنطن تتضمن استنتاجا بأن عملية هروب 23 من عناصر تنظيم «القاعدة» من سجنهم، لم تكن لتتم بدون تواطؤ وتسهيل من داخل جهاز المخابرات اليمنية ذاته المسمى بالأمن السياسي. ورغم الاتهامات التي وجهتها نيوزويك للمسؤولين اليمنيين بالتواطؤ في تهريب عناصر «القاعدة» إلا أنها وصفت عملية الهروب ذاتها بأنها عملية عظيمة من حيث التنفيذ، وربما تجد طريقها يوما ما للرواية في فيلم من أفلام هوليوود.

وأوضح الصحافي مايكل هيرش في تقرير له بالاشتراك مع آخرين في العدد الأخير من المجلة، أن مسؤولا أميركيا قرأ عليه أجزاء من محتوى البرقية قائلا إن السفارة الأميركية في صنعاء، تعتقد أن جهات ما في الحكومة اليمنية سهلت إنجاح عملية الهروب، وتتضمن البرقية كذلك الإشارة إلى تحليل منسوب إلى مصادر يمنية على اتصال بالسفارة الأميركية، تزعم أن عناصر في الحكومة ربما تكون قد ساعدت على تحرير السجناء في سبيل الاستفادة، من مكافآت مالية رصدتها السلطات الأميركية للقبض على أهم مطلوبين للولايات المتحدة وهما جمال البدوي، وجابر البنا، وتبلغ المكافأة خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تفضي للقبض عن أي منهما. وقالت المجلة إن جمال البدوي الذي يأتي على رأس الهاربين، كان قد تزعم عملية هروب سابقة من سجنه في عدن عام 2003 وبعد إعادة إلقاء القبض عليه حاول مسؤولون يمنيون الاستفادة من المكافأة الأميركية المرصودة للقبض عليه ولكن من دون نجاح. وكشف تقرير المجلة جوانب جديدة عن عملية الهروب التي استمر الإعداد لها أكثر من شهرين.

وجاء في التقرير أن الهاربين جرى تركهم مجتمعين في طابق تحت الأرض بسجن الأمن السياسي، وهو الأمر الذي أتاح لهم استخدام أواني الطعام كمجارف وعصي المكانس في عملية حفر نفق طوال الشهرين السابقين لهروبهم. وتطابقت أقوال مسؤولين يمنيين وأميركيين بأن المعتقلين استخدموا كذلك كرة قدم كانوا يتقاذفونها داخل السجن بهدف إحداث ضوضاء تغطي على أصوات الحفر القادمة من النفق.

وفي الساعة الرابعة والنصف من فجر يوم الثالث من فبراير (شباط) الجاري، زحف المعتقلون على بطونهم داخل النفق خارجين من أرضية مسجد لا يفصله عن السجن سوى شارع ضيق ووجدوا طريقهم إلى الحرية عبر الطرف الآخر من النفق في أحد حمامات النساء بالمسجد. ورغم أنه لم يعرف ما إذا كان الهاربون قد تلقوا مساعدة من خارج السجن، إلا أن عملية الحفر ودقة التنفيذ تشيران بشكل واضح إلى أن المعتقلين كانوا يعرفون جيدا المكان الذي يجب أن يحفروا فيه ليصلوا إلى الطرف الآخر من دون إثارة للشبهات.

وأشارت نيوزويك في تقريرها إلى أن المعتقلين تعمدوا تنفيذ عملية الهروب التي وصفتها بالهروب العظيم، في يوم جمعة حيث يغيب معظم مسؤولي السجن ولا يقومون بعد رؤوس السجناء حسب العادة.

ونسبت المجلة إلى مسؤولين أميركيين قولهم إنه رغم تعاون السلطات اليمنية خلال السنوات الماضية مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب إلا أن عملية الهروب الأخيرة تجعلهم يعتقدون أنها لم تكن لتتم بدون مساعدة على مستوى عال من داخل الأمن السياسي ذاته. تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ساعدت اليمن قبل سنوات في تأسيس جهاز مخابرات جديد رديف لجهاز الأمن السياسي هو جهاز الأمن القومي، الذي يرأسه مدير مكتب رئاسة الجمهورية علي محمد الآنسي، ويدير شؤونه عمار محمد عبدالله صالح ابن شقيق الرئيس علي عبدالله صالح. وجاء تأسيس جهاز الأمن القومي بناء على نصائح أميركية بأن الأمن السياسي قد يكون مخترقا من الموالين للتنظيمات الدينية. وحسب مجلة نيوزويك فإن جهاز الأمن القومي اليمني، يتولى حاليا التحقيق مع مسؤولين في جهاز الأمن السياسي المنافس ويتولى استجوابهم لمعرفة ما حدث قبل وبعد الهروب، ومن بين المستجوبين رئيس جهاز الأمن السياسي نفسه غالب مطهر القمش. كما أشارت المجلة إلى أن جمال البدوي المتهم بأنه العقل المدبر في الهجوم على المدمرة الأميركية كول كانت تربطه علاقة صداقة مع عقيد في الأمن السياسي اليمني يدعى حسين العنسي، لكن مسؤولين يمنيين أكدوا أن العنسي جرى فصله من الأمن السياسي ولم يعد يربطه بالمخابرات اليمنية أي رابط.

وعلى صعيد ذي صلة قالت مصادر صحافية يمنية إن حكومة الرئيس صالح رفضت عرضاً أميركياً رسمياً للمشاركة في التحقيقات الجارية بشأن هروب عناصر «القاعدة»، وأكدت المصادر أن الولايات المتحدة اقترحت على اليمن مشاركة فريق من خبراء أميركيين في استجواب (112) شخصاً ممن أوقفتهم الأجهزة الأمنية اليمنية على ذمة التحقيقات، وبينهم (7) عناصر من رجال الأمن السياسي، تعتقد السلطات أنهم ربما تكون لهم يد فيما حدث بشكل أو بآخر، منوهة الى اشتراط الجانب الأميركي إنجاز هذه المهمة خارج أروقة الأمن السياسي، وتوسيع دائرة التحقيقات لتشمل ضباطا مهمين تم اقتراح أسمائهم؛ وهو الأمر الذي اعتبره الجانب اليمني تجاوزاً على سيادته الوطنية. وجاء الطلب الأميركي ـ بحسب المصادر ـ في أعقاب تقارير بعثتها السفارة الأميركية بصنعاء بعد الحادث ببضعة أيام، تشرح تفاصيل ردود أفعال الأجهزة اليمنية المختلفة التي أعقبت إعلان خبر الفرار مباشرة، وطبيعة إجراءات الاستنفار التي نفذتها على مستوى الطرقات الداخلية والخارجية، وحجم القوة في نقاط الارتباط بين المدن اليمنية المختلفة، ووصف دقيق للنفق الذي حفره المعتقلون ـ قدر طوله بـ(144) ياردة ـ ثم المعدات المستخدمة؛ وأرفقت ذلك كله بفرضياتها الخاصة التي تفسر بها الحادث. وأشارت المصادر الى أن الاتصالات التي جرت بين الجانبين عقب حادثة هروب المعتقلين، وما قرأه الجانب اليمني خلال الحوار بشأن ما يدور في خلد الأميركيين أغضب اليمنيين كثيراً، ودفعهم الى رفض أية مساعدة أميركية في تقفي خطى المطلوبين، بعد أن كان التوجه اليمني في بادئ الأمر يميل الى طلب تعاون سريع من قبل السلطات الأميركية. ونسب موقع «نبأ نيوز» الإخباري اليمني المستقل، إلى محليين سياسيين توقعهم بأن يسهم رفض الطلب الأميركي في زيادة توتر العلاقة بين الطرفين، خاصة أن الولايات المتحدة ظلت لأكثر من عامين تضغط على اليمن من أجل تسليمها المعتقلين المتهمين بتفجير المدمرة الأميركية كول، قرب شواطئ عدن عام 2000، لتتولى هي بنفسها التحقيق معهم على الأراضي الأميركية، لكن اليمنيين أصروا على الرفض واكتفوا بالسماح للمحققين الأميركيين بمقابلتهم لفترات محدودة، وطرح بعض الأسئلة عليهم، وهذا ما جعل هروبهم من قبضة السلطات اليمنية مدعاة للحرج. ووصف المحللون الطريقة التي تعامل بها اليمن مع الحادث بـ«هادئة ومتعقلة»، مستدركين بالقول: رغم أن الأميركيين قاموا بتحريك قطع بحرية حربية في المياه الدولية اليمنية بنية استفزاز اليمن، ودفعها للقبول بأية تدخلات أميركية، لكن الأمر لم يجر على ما كانوا يعتقدون.ونقلت صحف يمنية عن عدد من صيادي البحر الاحمر وخليج عدن ان زوارق بحرية اميركية تتبع سفنا حربية تتخذ من قاعدة بحرية بجيبوتي مركزاً لها زادت من عمليات التمشيط والمراقبة للسفن والمراكب التي تبحر من الموانئ والمراسي اليمنية وأجبرت بعضها على التوقف لتفتيشها في عرض البحر. وفي هذا السياق تم إيقاف سفينة كانت في طريقها إلى ميناء سواكن في السودان من قبل ثلاثة زوارق بحرية اميركية وجرى التحقيق مع قبطانها والتعرف على هويات الركاب قبل أن يتم الاعتذار للقبطان. كما تعرض قارب صيد وعلى متنه 17 صياداً للتفتيش واستجواب قبطانه من قبل زورق أميركي في خليج عدن. وكانت البحرية الأميركية قد كثفت عملياتها في البحر الاحمر وخليج عدن وبحر العرب بعد الاعلان عن هروب عناصر «القاعدة». ولدى البحرية الاميركية قاعدة بحرية في جيبوتي تضم ما يقارب العشر قطع بحرية وكل قطعة أو مدمرة تقل اكثر من عشرين زورقاً حربياً وتم انشاء هذه «القاعدة» بعد تفجير سفارتي اميركا في كينيا وتنزانيا سنة 1998.

 

عن الشرق الأوسط

 

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن