تل أبيب تسعى لسرقة أسرار عسكرية ومخابراتية من الوكالة الأمريكية

الإثنين 21 يوليو-تموز 2008 الساعة 11 صباحاً / مأرب برس – وكالات
عدد القراءات 4229
 أعادت قضية المهندس اليهودي السابق بالجيش الأمريكي بن عامي قاديش المتهم بنقل وثائق عسكرية نووية وصاروخية للحكومة الإسرائيلية، فتح قضية التجسس الإسرائيلي على الولايات المتحدة الأمريكية الذي بدأ بالجاسوس مزدوج الجنسية جوناثان بولارد، وحكم عليه القضاء الأمريكي عام 1986 بالسجن مدى الحياة. لكن الغريب فى الأمر أن قضايا التجسس الإسرائيلية لا يتعدى تأثيرها إحداث بعض الارتباكات الآنية التى سرعان ما تتلاشى، ولا تؤثر على العلاقات الاستراتيجية التى تربط واشنطن وتل أبيب، كما يقول كبار المسؤولين الإسرائيليين عند اكتشاف قضايا تجسس جديدة. وتعكس هذه المعاملة الأمريكية الخاصة جدا تسامحا كبيرا تبديه الولايات المتحدة مع حليفها الاستراتيجي إسرائيل، والذي لا يحدث مع أي حليف آخر. وعلى الرغم من أن مثل هذه القضايا تثار من حين لآخر فإن الكثيرين يتوجسون خ فة من التعليق على هذه الأمور شديدة الحساسية، مما جعل القضية تضاف لقائمة المحظورات الإعلامية التى يندر تناولها صحفيا، وكأنه " تابو" يحظر الاقتراب منه، فالأمر يتعلق بتجسس حليف استراتيجي على الولايات المتحدة فضلا عن أن هذا الحليف هو صديق غير عادى. لكن ذلك لم يمنع ضابطا سابقا بالمخابرات المركزية الأمريكية " CIA " هو فيليب جيرالدى من الخوض فى الحديث عن المسكوت عنه بمقالة جريئة نشرها فى عدد يونيو من مجلة "الأمريكي المحافظ" The American Conservative المعروفة بتوجهاتها المحافظة كما يبدو من اسمها. وقد تميزت المقالة بالرصد الموضوعي والدقيق لقضايا التجسس الإسرائيلية على أمريكا، وبدا أن الكاتب توخى حذره في عرض القضية التى تناولها تحت عنوان "الجاسوس الذي يحبنا" أو The Spy Who Loves Us ، مكتفيا برصد الأحداث كما هي وإبداء رأيه من حين لآخر مقدما توصياته فى النهاية. من بولارد إلى قاديش بدأ جيرالدى مقاله بالتذكير بقضية بولارد التى كانت لبنة عمليات التجسس الإسرائيلية على أمريكا، قائلا: إن واشنطن عمدت للتفاوض مع إسرائيل بعدها والتوصل إلى تفاهم ما يشبه اتفاقية النبلاء، يقضى بألا يتجسس أي طرف على الآخر بدون موافقته، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تحترم التزاماتها حتى بعد اكتشاف الجاسوس بولارد كما يقول جيرالدى. واستمرت الولايات المتحدة من جانبها فى تجنيد عملاء داخل إسرائيل فى فترة الثمانينيات والتسعينيات، وكان معروفا فى دوائر المخابرات الأمريكية أن إسرائيل تفعل نفس الشيء. ويذكر جيرالدى فى مقاله كيف تمكن الغضب من ديفيد زادى مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي " FBI " لشؤون مكافحة المخابرات المضادة، فى أواخر التسعينيات عندما لمس بنفسه حجم التجسس الإسرائيلي على الولايات المتحدة. وقام حينها بالاتصال هاتفيا برئيس المعهد المركزي للمخابرات والأنشطة الخاصة "الموساد" بالسفارة الإسرائيلية فى واشنطن وانتقده بعنف قائلا له: كف هذا الأمر. ويعتبر بولارد رمزا لأي عملية تجسس لتل أبيب على حليفها الأمريكي، حتى إن اسمه ذكر فى قضية قاديش التى اكتشفتها المباحث الفيدرالية فى ابريل الماضي. وكان قاديش يعمل تحت إدارة يوسف ياجور الذي كان يعمل تحت إمرته أيضا جوناثان بولارد. ويعد ياجور مسؤولا كبيرا بالموساد يعمل بالسفارة الإسرائيلية فى واشنطن، متخفيا فى صورة ملحق علمي هرب من الولايات المتحدة عام 1985 بعد إلقاء القبض على بولارد، لكنه ظل على اتصال مع قاديش. وبعد اعتقال بولارد تخوف بعض المسولين الأمريكيين من وجود مسؤول رفيع يُدير عمليات التجسس يُشار إليه باسم "ميجا" ، كما كشف مسؤولون فى وزارة الأمن القومي NSA بعد مراقبتهم لمحادثات ضابطة مخابرات إسرائيليين. وكان واضحا أن "ميجا" يعمل فى دوائر صنع القرار السياسي بدليل أن بولارد وقاديش كانا يبحثان عن ملفات بعينها إما بالاسم أو بالرقم. وأعلن المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية أرييه ميكل في مايو الماضي بعد اكتشاف الجاسوس قاديش أن رؤساء حكومات إسرائيل أصدروا أوامر واضحة بعدم القيام بهذه النوعية من الأنشطة، وهو ما تناقلته وسائل الإعلام مثل وكالة الأنباء الفرنسية بعنوان "إسرائيل تقول لا تجسس على الولايات المتحدة منذ 1985". ويقول جيرالدى إن ميكل لم يقل ذلك، وإنما أشار لهذه النوعية من الأنشطة قاصدا تجنيد أمريكيين يهود للعمل كعملاء للموساد. ويشير إلى أنه من المحتمل أن تكون تل أبيب توقفت عن تجنيد أمريكيين يهود كجواسيس بالفعل، وإن كان ذلك غير مؤكد، لكن عمليات الموساد استمرت فى الولايات المتحدة. ويمضى الضابط السابق فى المخابرات الأمريكية فى شرح عمليات التجسس التى تتعدى استخدام عملاء مجندين بمراحل عدة، فتشمل التجسس على شبكات اتصال والتحكم فى عملاء يتبوؤون مواقع ذات تأثير فى صناعة القرار، ويديرون أعمالا سرية من شأنها إمداد وسائل الإعلام بمعلومات مضللة. ويضيف جيرالدى وهو زميل فى تحالف الدفاع الأمريكي المحافظ : إن إسرائيل ليست فى حاجة لتجنيد عملاء فى مواقع مؤثرة، وذلك لأن ضباط الموساد والدبلوماسيين والسياسيين الإسرائيليين قادرون على الوصول لصانعي القرار السياسي فى الولايات المتحدة. فقد تحدثت تقارير سابقة أن وزارة الدفاع الأمريكية تحت إدارة بول وولفويتز نائب وزير الدفاع ودوجلاس فايث الرجل الثالث بالوزارة فى عهد دونالد رامسفيلد، لم تكن تراقب الزوار الإسرائيليين لأمريكا كما ينبغي، كما أن السفارة الإسرائيلية لديها اتصالات ممتازة مع الإعلام. ويقول جيرالدى: إن المخابرات الإسرائيلية تلجأ فى الغالب للصحافة البريطانية لنشر مواد دعائية أو موضوعات من شأنها أن تشكل الرأي العام باتجاه مؤيد لإسرائيل، معتمدة فى ذلك على مجموعة " التايمز" وصحيفة " ديلى تلجراف" التى يملكها إمبراطور الإعلام الأسترالي روبرت ميردوخ اللتين تنشران قصصا إخبارية كثيرة تعتمد على مصادر حكومية إسرائيلية. وغالبا ما ينقل الإعلام الأمريكي هذه الموضوعات عن الصحافة البريطانية. اعتراف أمريكي بالتجسس الإسرائيلي ويوضح جيرالدى في مقالته أن جميع الأجهزة الحكومية فى أمريكا تُؤكد استمرار عمليات التجسس الإسرائيلي لكنها فى الغالب لا يتم فضحها، وذلك لأن ضباط المباحث الفيدرالية يدركون أن التحقيق فى هذه الجرائم لا يخدم مستقبلهم المهني. ويذكر أن إسرائيل دائما ما تذكر فى التقرير السنوي للمباحث الفيدرالية عن التجسس الاقتصادي والصناعي الأجنبي. ويشير تقرير عام 2005 إلى أن إسرائيل تملك برنامجا نشطا لجمع معلومات عن الملاك فى الولايات المتحدة التى يتم توجيهها لمعرفة معلومات عن الأنظمة العسكرية والتطبيقات الاليكترونية المتقدمة، التى يمكن تزويد الصناعات العسكرية الإسرائيلية بها. ويضيف التقرير أن إسرائيل تعمل على تجنيد الجواسيس، وتستخدم أساليب اليكترونية وتقوم باختراق أجهزة الكمبيوتر للوصول لهذه المعلومات. ويؤكد جيرالدى في مقاله أن التركيز على الأسرار العسكرية الأمريكية فى عمليات التجسس الإسرائيلية لا يقتصر على المعلومات التى تحتاجها للدفاع عن نفسها كما ادعى بولارد عندما تم توقيفه. ويعتقد العديد من كبار ضباط المخابرات الأمريكيين أن بعض المعلومات التى سرقها بولارد كانت كفيلة بإقناع الاتحاد السوفيتي بالسماح لعشرات الآلاف من اليهود الروس بالاستيطان فى إسرائيل، فى مقابل ثمن سخي دفعه الروس لمعلومات بولارد القيمة. كما توصل مكتب تحقيقات البحرية عام 1996 إلى أن إسرائيل قامت بنقل تكنولوجيا عسكرية حساسة إلى الصين، ثم حاولت إسرائيل بعدها عام 2000 بيع أنظمة فالكون Phalcon المتقدمة، وهى أنظمة عسكرية تحمل ترخيصا أمريكيا. وخلص تقرير المباحث الفيدرالية إلى أن سرقة هذه المعلومات أدت لتراجع الميزات العسكرية الأمريكية بعد أن تمكنت قوى أجنبية من الحصول على تكنولوجيا ثمينة للغاية استغرق تطويرها سنين عدة. ويذكر جيرالدى تحذير خدمة التحقيقات الدفاعية بالبنتاجون لمقاولي الدفاع عام 1996 من أن إسرائيل لديها "نوايا وقدرات تجسسية" ، وتحاول جاهدة سرقة أسرار عسكرية ومخابراتية، كما اعتبرت وزارة الدفاع حينها الأشخاص الذين لديهم "روابط عرقية قوية" بإسرائيل تهديدا أمنيا، قائلة: "إن زرع مواطنين إسرائيليين فى صناعات رئيسية، هو أسلوب متبع، ويحقق نجاحا كبيرا". وأشارت مذكرة البنتاجون إلى قيام شركة بصريات بولاية الينوى بنقل غير شرعي لمعلومات عن الملكية عام 1986، بعد اعتقال بولارد، بالإضافة إلى سرقة معدات اختبار لنظام رادارات فى منتصف الثمانينيات. وأثارت مذكرة البنتاجون فى ذلك الوقت عاصفة احتجاج قادتها لجنة مكافحة التشهير، وأدت لسحب المذكرة واعتذار رسمي من وزارة الدفاع الأمريكية ألقي باللوم فيه على مسؤول صغير، لاستخدامه هذه اللغة فى المذكرة ووعد البنتاجون بعدم كتابة تحذيرات مماثلة بعد ذلك. لكن سرعان ما عادت قضايا التجسس الإسرائيلي على الولايات المتحدة لساحة النقاش، فى تقرير لمكتب المحاسبة العامة، بعد أن أكمل فحصه لعمليات التجسس على الصناعات الدفاعية والأمنية الأمريكية. وقال التقرير: إن المواطنين الإسرائيليين المقيمين فى الولايات المتحدة سرقوا تكنولوجيا حساسة لصناعة أنابيب بنادق عسكرية كما حصلوا على خطط موضوعة لأنظمة reconnaissance ونقلوا تصميمات جوية حساسة. وكشف التقرير قيام شركة إسرائيلية بمراقبة أنظمة اتصالات لوزارة الدفاع، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل من بين جميع حلفاء الولايات المتحدة، تُجرى عملية تجسس هي الأكثر عنفا ضد أمريكا.