نتيجة خطأ طبي فادح انتزع الحبال الصوتية

الخميس 28 أغسطس-آب 2008 الساعة 05 مساءً / موسى النمراني - مأرب برس، خاص
عدد القراءات 6025

كم يشتاق مشتاق إلى صوت أمه .. مشتاق طفل في الشهر الخامس من العمر وأمه في العقد الثالث من التعب .. كانت تناغي طفلها الذي ولدته حديثا قبل أن تجري عملية جراحية لاستئصال الغدة الدرقية.. يشك أطباء متخصصون فيما إذا كانت فعلا بحاجة إلى إجراء تلك العملية وبذلك المستوى إلا أن المؤلم في الأمر أن الورم بقي في مكانه ونجح الطبيب في استئصال الحبال الصوتية .

هل عليها أن تصمت صمتا طويلا منذ الآن ؟ وهل على مشتاق ان لا يحلم بصوت أمه .. ضحكتها ؟ مناغاتها ؟ ودعواتها له أيضا حين يكبر ؟ هل عليه أن يتنازل عن ابتسامتها في وجهه أو عن همسها في أذنه بنصيحة ما أو عتاب ؟ هل عليه أن يقضي العمر اشتياقا لصوت أمه الذي ذهب نتيجة خطأ طبي غير مقصود تماما من طبيب لايهتم بسلامة مرضاه كما لو كان قد تمكن من الفرار من أداء يمين الشرف؟.

دخلت جليلة المستشفى الجمهوري الحكومي بصنعاء بغرض العلاج ، لكنها لسوء حظها كمواطنة يمنية فقيرة وقعت في يد طبيب سيء السمعة المهنية .. لا خيار أمام زوجها الفقير سوى أن يصبر ويصبرها معه على مستشفيات "الدولة" الدولة التي يفترض أن تداوي زوجة الجندي منصور سعد الريميالذي يسكب عمره في الصحراء هناك بعيدا عن ضجيج المدينة وقريبا من السراب .. إلا أن السراب قاده إلى ص نعاء بحثا عن علاج لزوجته وبعدها ابتلعه ضجيج المدينة .. لا صوته يصل إلى الأعلى ليسمعه القادرون ولا عيناه تصبران على رؤية جليلة وهي تدفع ضريبة باهظة لخطيئة اللجوء إلى المستشفى الحكومي .

لا تستطيع جليلة أن تأكل أو تشرب .. ولا تستطيع أن تتكلم أيضا .. يقول زوجها : " دخلنا المستشفى بمرض وخرجنا بخمسة ، يبتلع غصته ويقول لي أصبحت مشتت أولادي في بيت وزوجتي في بيت وانا في الشارع ، زوجتي مريضة وانا فقير والدكتور هذا مارضيش حتى يعترف لي بمرضها ويعالجها ومااشتيش منه ولا شيء ".

ولأن أحلام الفقراء تصغر باستمرار فقد كان في نهاية حديثة متنازلا عن حقه في محاكمة الطبيب بانتظار عدالة السماء ويقول: لا أريد تعويض المعوض الله .. وما اشتيش يرجعوا لي صوتها .. لمع الدمع في عينيه المحمرتان بالسهر وقال أشتي بس يعالجوها على شان تقدر تأكل وتشرب مثل الناس " إذ أنها الآن لا تأكل سوى عصير .. لكأنها مضربة عن الطعام احتجاجا على فقدانها لحقها في الكلام .. كان المخبرون فقط هم من يمنعوننا من الكلام .. وأصبح الأطباء الآن يرتكبون حماقات مماثلة .. مطمئنين إلى قربهم من المخبرين .. أصل البلاء واحد.

يجري منصور الريمي من إدارة إلى أخرى ومن منشاة حكومية إلى التي تليها بحثا عن دواء .. وعن إنصاف وبعد شكوى تقدم بها زوجها إلى النائب العام حولت قضيتها إلى نيابة غرب الأمانة التي قررت في مذكرتها رقم (2918) بتأريخ 30/7/2008م الموجهة إلى مدير مكتب الصحة بأمانة العاصمة بتكليف لجنة طبية للكشف على جليلة والإطلاع على ملفها ورفع تقرير بخصوص ذلك .. لكن منصور الريمي أمي ومسكين وليس لديه تكاليف لجنة لذلك فهذه اللجنة ستضل في رحم الغيب إلى ماشاء الله .. ربما تموت جليلة قبل أن تولد اللجنة .. منصور لايبدي امتعاضا من تأخر تشكيل اللجنة لأنه يؤمن بما يؤمن به بقية الناس هنا (يوم الدولة سنة) أصبح هذا مثلا شعبيا يتقبله الناس بروح طيبة لأن الدولة في الذهنية العامة هي مثال للمماطلة .

يحفظ منصور الريمي عشرات القصص عن امثال زوجته من الضحايا مابين ضحايا تشوهات وضحايا وفاة ويحمل في كيس من البلاستيك أوراق تخص قضيته وأوراقا تخص قضايا أخرى ربما لأن المصائب يجمعن المصابينا ويحمل رسائل يتعب من حملها ساعي البريد إلى فضيلة النائب العام وإلى فضيلة القاضي وإلى فضيلة وزيرة حقوق الإنسان وإلى فضيلة وزير الصحة وإلى فضيلة مدير المستشفى وإلى كل أصحاب الفضيلة يذكرهم بالمشترك الإنساني بيننا جميعا وبقيمة الفضيلة التي يفترض أن تكون رباطا وثيقا بينه وبينهم ومع كل أسئلته وصراخه لا يجد منصور إجابة ولا من يجيب ومع كل ما يعانيه من القلق والتوتر إلا أنه لا يزال بـ خير على عكس غيره من الضحايا الذين دخلوا سريعا بوابة الجنون بفضل الأخطاء الطبية .. وإجرام ولاة الأمر مع اختلاف مراتبهم .

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن